Main menu

Pages

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل 18|19

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل 18|19



في اليوم التالي عاد خالد من الدرس ووجد المنزل خاليا. فطن إن مريم تزور جارتهم فريدة. فمريم استاذنت منه قبل خروجه في زيارتها. دخل غرفته، بدل ملابسه، جلس على مكتبه وأنهمك في مذاكرته. قطع تركيزه صوت جرس الباب. فنهض وتوجه للباب وفتحه. ظهرت علامات الدهشة على وجهه عندما رأى من بالباب.

"مدام أمل؟"
"أزيك يا خالد عامل ايه."

"الحمد لله. خير في حاجة؟"

"كنت عاوزة اطلب منك طلب ويا ريت ما تكسفنيش."

"اتفضلي. لو في أيدي مش هأرفض إن شاء الله."

"هو في ايدك. هنفضل واقفين ع الباب كدة."

"أسف أتفضلي. أصل زي ما حضرتك عارفة انا عايش لوحدي."

تنحى خالد جانبا ودخلت أمل الشقة وجلست على الكرسي الذي أشار خالد لها عليه الكرسي المجاور للباب وترك باب الشقة مفتوح على مصرعيه.

"خير يا مدام أمل؟"

قال خالد بعد أن جلس على الكرسي المقابل لها

"خير. محمد جوزي اترقى في الشغل عنده وكنا عاملين له حفلة بكرة."

"ألف مبروك."

نظر لها خالد متعجبا. فهي أول مرة تخطو داخل شقتهم منذ زواجها منذ خمس سنوات في الشقة اسفلهم. حتى انها لم تزر أمه من قبل وهي في مرض الموت. فلماذا تدعوه الآن لحفلة عادية مثل باقي الحفلات التي تقيمها في منزلها.

"بصراحة البنت اللي كانت بتساعدني في البيت مسافرة البلد بقالها اسبوع علشان امها في المستشفى. وأنا ما اقدرش أعمل كل تجهيزات الحفلة لوحدي."

قاطعها خالد وسألها بنفاذ صبر.

"مش فاهم برضه حضرتك محتاجة مني ايه؟"

"كنت محتاجة لو تسلفني البنت الشغالة اللي عندك بكرة بس."

تغيرت ملامح خالد على الفور وشعرت أمل بضيقه فاستطردت قائلة.

"ما تخافش هادفع لها مبلغ كويس. ما تقلقش خالص من ناحية الفلوس."

"لكن أنا مفيش عندي شغالة."

"والبنت الصغيرة اللي جايبها من البلد؟ أنا شوفتها كذا مرة عند الست فريدة وبتساعدها في حاجات كتير في المطبخ."

وقف خالد على الفور والغضب يتطاير كالشرر من عينيه. وقف أمام باب شقته ونادي على مريم بأعلى صوته.

مريم كانت جالسة مع فريدة تعلمها غرزة جديدة في التطريز.

"لفي الإبرة من قدام يا مريم مش من تحت. خلي الخيط قدام الأبرة."

فعلت مريم مثلما وجهتها فريدة وسألتها.

"كدة؟"

"الله ينور عليك. بسم الله ما شاء الله عليك. ايدك شغلها نظيف قوي مع أنك لسة بتتعلمي."
أبتسمت مريم لما سمعته من فريدة وأستأنفت عملها.

بعد لحظات سمعت مريم صوت خالد يناديها بغضب فانتفضت من مكانها وسقط الخرز والخيط من حجرها. جرت بسرعة وفتحت الباب لتجيبه. وجدته يقف على عتبة شقته وخلفه السيدة أمل جارتهم. تبعت فريدة مريم ووقفت ورائها وهي متعجبة لنبرة الغضب في صوت خالد. +

أقتربت مريم من خالد بحذر وسألته بصوت مهزوز مرتعب.

"نعم يا خالد عاوز حاجة؟"

"أدخلي جوا. ومن النهاردة مفيش مرواح عند حد ولا هتساعدي حد."

أسرعت مريم ودخلت الشقة دون أن تعارضه أو تناقشه. قلقت فريدة على مريم من غضب خالد فحاولت التدخل.

"في ايه يا خالد يا ابني؟ مضايق من ايه؟ مريم قالت إنها استأذنتك قبل ما تجي لي. زعلان ليه دلوقت بقى؟"

"لو سمحت يا طنط فريدة ما تدخليش بيني وبين مراتي."

نزلت الكلمة كالصاعقة على فريدة وأمل. فسألته فريدة باندهاش.

"مراتك؟"

"ايوة مراتي. مريم مش خدامة عند حد. مريم مراتي. اتجوزنا في البلد وكتبنا الكتاب هناك عند عمي. وهي قاعدة معي هنا علشان هي مراتي. لا هي خدامة ولا ضيفة."

أنهى خالد النقاش بحزم ووضح للجميع أن مريم زوجته. لم تجد فريدة أو أمل كلمات بعد هذا الخبر الصاعق لهم فاستاذنت كليهما وتوجهت كل منهما لشقتها.

دخل خالد الشقة وصفع الباب ثم استدار ووجد مريم واقفة خلفه ونظرها للأرض. فقال لها.

"من النهاردة مفيش خروج من باب الشقة. أنت مش خدامة عند حد. فاهمة ولا لأ؟"

أومأت مريم برأسها دون أن ترفع نظرها من الأرض. زفر خالد بضيق لثورته الزائدة على مريم. فأغمض عينيه ومسح على وجهه وأستغفر ربه ثم جلس على الكرسي الأقرب له. دخلت مريم المطبخ مسرعة واحضرت كوب ماء بارد وقربته من وجهه في صمت تام. بعد عدة ثواني فتح خالد عينيه وقابله كوب الماء أمام وجهه بالظبط. رفع عينيه ونظر لها متسأئلا.

"ايه ده؟"

إجابته مريم بصوت خافت.

"ماية."

زحفت إبتسامة خفيفة على شفتيه وقال لها.

"ما انا عارف انها ماية. جيبتيها ليه أنا ما طلبتهاش."

اكتسبت مريم بعض الثقة برؤية إبتسامته واجابته.

"مش لازم تطلب علشان اعرف أنت محتاج ايه. خد أشرب هتهدي أعصابك شوية."

أخذ خالد منها الكوب ولاحظ انها تعطيه الماء بيدها اليسرى وتخفي يدها اليمنى وراء ظهرها. شرب الماء ومد يده لها بالكوب. مدت مريم يدها اليسرى لتأخذ الكوب.
"أيدك اليمين مالها؟"

أرتبكت مريم ونظرت في أي مكان إلا عينيه البنيتان وتمتمت بصوت منخفض ولكنه سمعها. +

"مفيش."

أنتصب خالد واقفا أمامها بينهما مسافة قريبة جدا وسألها بتحدي.

"لو مفيش مخبياها ليه ورا ظهرك."

خطت مريم خطوة للخلف لتهرب منه وقالت له.

"مش مخبياها ولا حاجة."

حاولت مريم الفرار من حصاره ولكنه باغتها واقترب منها في خطوة واحدة بساقيه الطوال. وقبض على يدها من وراء ظهرها واخذها في يده ونظر ليدها فوجد إبهامها ينزف دما. نظر لها بعينين قلقتين وسألها.

"أيه ده؟ أتعورت أمتى وازاي؟"

حاولت مريم أن تسحب يدها من يده ولكن قبضته على يدها كانت محكمة ولكنها حانية في نفس الوقت لحرصه ألا يألمها.

"مفيش ده حاجة بسيطة."

"قولي يا بنتي أتعورت كدة ازاي؟"

لم تجبه مريم وحاولت الهرب من سؤاله ومن نظراته.

"انطقي."

فزت مريم من صوته العالي قريبا من اذنها وشعر خالد بخوفها منه فتنهد وجلس على الكنبة وسحبها وأجلسها بجانبه. فحص الجرح بعينيه ثم توجه للحمام وأخذ صندوق الاسعافات الاولية وبدأ يطهر الجرح.

"ده شكله جرح سكينة. أنت كنت بتعملي ايه عند طنط فريدة. اتجرحت ازاي عندها؟"
 شعرت مريم بعودة غضب خالد ثانيا وأحست بنبرة إتهام للسيدة فريدة في صوته. فقررت أن تخبره الحقيقة أفضل أن يسيء الظن في هذه السيدة الطيبة.

"ده مش جرح سكينة."

رفع خالد عينه من جرحها ونظر في عينيها الزمردتان وسالها.

"أمال جرح أيه؟"

شاحت مريم بنظرها بعيدا عنه وأجابته.

"جرح مقص. أنا كنت بقص الخيط وقت ما أنت ناديت علي اتفزعت والمقص وقع من ايدي وعورني."

نظر خالد للأسفل واستأنف تطهير الجرح وتمتم معتذرا.

"أنا أسف. أنا ما قدرتش أمسك أعصابي لما عرفت انهم معتبرينك خدامة."
 اتسعت حدقتي مريم وسألته.

"نعم؟"

رفع خالد نظره وعيونه يملؤها إحساسه بالذنب.

"مدام أمل كانت هنا علشان كان عاوزة خدامة لمدة يوم علشان حفلة جوزها. ولما شافتك وانت بتشتغلي في المطبخ عند طنط فريدة افتكرت انك خدامة عندي وبتشتغلي برضه عند طنط فريدة. علشان كدة اتنرفزت وقولت لهم انك مراتي."

"علشان كدة منعتني اروح عند طنط فريدة؟"

"ايوة. أنا عارف أنك بتساعديها كدة من غير اي مقابل لكن اللي يشوفك عندها وانت بتساعديها هيقول انك خدامة وانا مش ممكن استحمل كدة."
"أيوة يا خالد لكن أنا مش بشتغل عندها. هي كتر خيرها بتعلمني حاجات كتيرة قوي."

"معلش يا مريم يا ريت تسمعي كلامي. أنا مش هأستحمل أي كلمة تاني. لا تلميحات البواب ولا كلام الجيران. خلينا في شقتنا وبابنا مقفول علينا. اهه الجيران عرفوا أننا متجوزين وخلاص كدة." +

أنتبهت مريم لهذه الحقيقة وسألته بقلق.

"لكن مش هيحصل لنا مشاكل علشان عرفوا."

نظر لها خالد طمئنها وقال لها.

" إن شاء الله لا. مش في مصلحة أي حد فيهم انه يبلغ عننا."

"طيب ومدرستك؟"

"ما تقلقيش. إن شاء الله المدرسة مش هتعرف حاجة وربنا يسترها علشان لو الموضوع اتكشف في المدرسة فيها فصل تام من المدرسة."

"ربنا يسترها وإن شاء الله المدرسة ما يعرفوش حاجة."

بعدما انتهى خالد من تضميد جرح مريم وقف وأخذ صندوق الاسعافات الاولية و قطع القطن المخضبة بدماء زوجته وغاب عنها لدقائق ثم عاد ومعه كوب عصير ليمون. نظرت له مريم متسائلة فجلس بجوارها وناولها الكوب.

"اشربي العصير يروق دمك."

أخذت مريم منه العصير وشربت منه. نظر خالد لها وقال.

"أنا أسف."

"على ايه يا خالد. الجرح بسيط وانت كمان ما كانش قصدك اكيد."

"أنا مش بأتكلم عن الجرح وبس."

نظرت له مريم متسائلة.

"أسف اني خضيتك واتجرحت بسببي. أسف اني زعقت فيك وخوفتك مني. أرجوك يا مريم أنا مش عاوزك تخافي مني أبدا في يوم من الأيام. لازم تعرفي اني عمري ما أجرحك ولا اؤذيك بقصد."

أبتسمت مريم وقالت له.

"أنا عارفة و متأكدة من ده. أنت أطيب إنسان شوفته في حياتي."

صمت خالد قليلا فحاولت مريم أن تغير الموضوع لتنسيه احساس الذنب الذي استولى عليه.

"أنا عاوزة اتفرج على فيلم رعب."

نظر لها خالد مشدوها.

"فيلم رعب. مش أنت بتخافي من أفلام الرعب؟"

"لو اتفرجنا عليه دلوقت مش مشكلة لكن بالليل قوي قبل ما انام لا."

"ماشي يا ستي. هقوم اجيب فيلم على الفلاشة عقبال لما تجهزي لنا القاعدة. أنا جايب لب ومكسرات جوا في المطبخ."

"ماشي يا سيدي."
أحضر خالد الفيلم وعرضه على الشاشة وجلس على الكنبة المواجهة للشاشة ومريم جلست بجانبه بعدما أحضرت اللب والمكسرات من المطبخ. بدأ الفيلم واندمج خالد فيه. فهو معتاد على هذه النوعية من الأفلام ولم تعد تخيفه. بل كان يضحك عندما ياتي وجه الشبح في الشاشة لأن مريم كانت تدفن رأسها في صدره. أنتهى الفيلم وحاول خالد برقة رفع رأس مريم من حضنه. وقال لها بين ضحكاته.

"خلاص يا بنتي الفيلم خلص خايفة من ايه دلوقت."

نظرت له مريم بنصف عين ورأسها مدفون في صدره.

"أسكت يا خالد. شكل العفريت ده وحش قوي. ده انا هتجي لي كوابيس بسببه."

"كوابيس ايه والمغرب لسة ما اذنش. عقبال لما ننام هتنسي العفريت وابوه كمان."

"مش ممكن ده صورته وحشة قوي. هيفضل في مخي ولا اسبوع قدام."

"يا بنتي ما عفريت إلا بني ادم. أنا هأقوم بقى أشوف اللي ورايا. عندي مذاكرة كتير."

رفعت مريم رأسها ونظرت له بحزن وسألته.

"يعني هتسيبني لوحدي بعد الفيلم ده."

ضحك خالد ووقف وقال لها.

"فيلم ايه. هو انت اتفرجت على الفيلم. ٩٠% من الفيلم عدى وانت مخبية وشك."

"ما تتريقش علي لو سمحت. روح يا سيدي ذاكر وانا احفظ اللي علي النهاردة."

"جادعة بتي. مفيش احسن من القرآن يطمنك."
الفصل التاسع عشر
مرت الايام على خالد ومريم وهم على نفس المنوال. خالد أغلب يومه خارج المنزل في المدرسة والدروس والوقت الذي يقضيه في البيت مقسم بين المذاكرة والنوم. مريم مشغولة بأعمال المنزل من تجهيز الطعام وتنظيف المنزل ورافضة تماما مساعدة أحد سواء عم علي البواب أو زوجته أم مصطفى. والوقت المتبقي في اليوم تقضيه في حفظ وردها من القرآن الكريم والصلاة والنوم.

بعد أسبوع، لاحظ خالد أثناء تناوله وجبة العشاء مع مريم انها مقتضبة ولا تأكل طعامها فسألها.

"مريم، مالك مسهمة كدة ليه؟" +

لم تجبه مريم فهي كانت مستغرقة في التفكير. فناداها بصوت أعلى.

"مريم. هاي أنت فين؟"

رفعت مريم رأسها واجابته.

"هه."

"أيه يا بنتي. سرحانة في أيه؟"

"مفيش."

"لا في. مالك؟ أيه اللي مضايقك؟"

"مش مضايقة ولا حاجة. أنا بس قلقانة شوية."

عقد خالد حاجبيه وسألها.

"قلقانة! خير أيه اللي قالقك؟"

"هأقول لك لكن يا ريت ما تضايقش مني."

"خير يا بنتي أتكلمي."

"طنط فريدة."

"مالها؟"

"النهاردة وأنا بأكنس وأمسح قدام الباب سمعت صوتها بتكح جامد قوي. كنت عاوزة اخبط عليها اطمن عليها. أنت عارف انها عايشة لوحدها ومفيش حد يبص عليها. لكن خفت تزعل مني لو رحت لها من غير اذنك."

"طبعا لو كنت رحت لها من غير اذني كنت هأزعل منك."

ظهرت علامات الحزن على وجه مريم وتمتمت بصوت خافت.

"طيب."

تركت مريم طعامها وقامت. استدارت مريم لتتركه ولكنه مسك معصمها.

"اقعدي يا مريم. عاوز اتكلم معك."

جلست مريم على كرسيها بجواره.

"بصي يا مريم. أنت مراتي. وما ينفعش تروحي أي حتة من غير اذني. مش انا اللي بقول كدة. ديننا اللي بيقول كدة."

"ما انا ما روحتش اهه يا خالد. وبعدين الست تعبانة ومالهاش حد غيرنا."

"كل ده على عيني وعلى رأسي. وإن شاء الله هنروح لها أنا وأنت بكرة مع بعض. نزورها ونشوفها لو محتاجة حاجة. لكن أنا بأتكلم عن مبدأ. مدام أنا قولت لك على مكان ما تروحيهوش يبقى مهما حصل ما تروحيهوش. علشان ده أمر ربنا وانا مش عاوزك تغضبي ربنا أبدا. تعرفي أن في مرة صاحبية زوجها كان مسافر ووالدها كان مريض مرض الموت وذهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم علشان تستأذنه تسافر لوالدها والرسول صلى الله عليه وسلم رفض أنه يأذن لها وطلب منها تنتظر زوجها. الخروج بدون أذن الزوج لأي مكان حرام شرعا. وأنا أخاف عليك من حاجة شديدة زي كدة. علشان كدة قولت لك لو روحت لها من غير ما اءذن لك كنت هأزعل. فهمتيني."
"فهمتك يا خالد. زي ما قولت لك أنا حتى ما خبطتش عليها. علشان أنت ما تزعلش."

"ولا يهمك يا ستي. إن شاء الله بكرة نروح نزورها مع بعض وناخد الثواب كمان مع بعض." +

"ثواب! ثواب ايه؟"

رفع خالد حاجبه وسألها.

"أنت ما تعرفيش إن زيارة المريض واجب. يعني هتاخدي فيها ثواب. ولما اروح معك اشاركك في الثواب ده."

"بجد."

"طبعا يا حبيبتي. ديننا جميل قوي. يحث على التراحم و التواصل بين أفراد المجتمع لكن طبعا في حدود معينة."

"أنا بفرح قوي يا خالد كل ما تكلمني عن الإسلام. بحس قد ايه ربنا بيحبنا أنه أنعم علينا به."

"طبعا يا بنتي. نعمة الإسلام ده أعظم نعمة من علينا بها الله سبحانه وتعالى. لا تضايهيها أي نعمة أخرى. معلش يا مريم أنا عارف أني مقصر معك شوية اليومين دول ومشغول عنك. مش بسمع لك زي زمان. لكن أوعدك إن شاء الله كل يوم لنا ساعتين نحددهم مع بعض. ساعة للتسميع وساعة للمناقشة في أي موضوع في الدين. أنت لازم تتعلمي دينك يا مريم. ده أهم وأعظم حاجة تتعلميها."

"بجد يا خالد. لكن أنا مش عاوزة أعطلك عن مذاكرتك."

"ده أهم من أي مذاكرة. ولا أنت مش عاوزاني أخد الثواب."

"أنت في ده كمان هتاخد ثواب."

"أحنا هنحسد ولا أيه."

"لا مش حسد. لكن أنا كنت فاكرة هتفضي نفسك ساعتين علشان خاطري."

"هو أه علشان خاطرك. لكن مش بس علشان خاطرك. بصي يا مريم. علشان تبقي عارفة. الدنيا ده اللي أحنا عايشنها عبارة عن حصالة تشيلي فيها حسنات أو سيئات. كل تصرف تتصرفيه في الدنيا ده يا يقربك خطوة للجنة يا خطوة لجهنم والعياذ بالله. أي حاجة ممكن تعمليها في الدنيا ده يا تاخدي بها ثواب يا تاخدي بسببها سيئات. الشاطر بقى اللي ما يضيعش دقيقة من عمره من غير ما يتقل حصالته بالحسنات."

"بس يا خالد في حاجات كتير قوي مش بناخد عليها حسنات ولا سيئات أعمال دنيوية مالهاش دعوة بالآخرة."

"زي أيه أديني مثال."

"مثلا أكلنا دلوقت. أحنا بنأكل علشان نعيش. لا فيها حسنات ولا سيئات."

"لأ طبعا. أكلك ده أنت في أيدك تحوليه حسنات."

"يا سلام. أزاي بقى؟"

"بصي يا ستي. الأكل ده في الأصل أشتريناه بأيه فلوس حلال ولا حرام. لما جينا نحضره هل راعينا ربنا فيه ولا لأ. مثلا الفراخ ده مذبوحة حلال ولا لأ. فيه مكونات حرام ولا كله حلال. بعد كدة لما جينا نأكل أتبعنا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأكل ولا لأ. مثلا ذكرنا أسم الله، أكلنا بيميننا، أكلنا وأحنا جالسين، أكلنا مما يلينا. كل الحاجات ده من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أتبعناها ولا لأ.
"لما تعملي أي حاجة وأنت تتقي ربنا وتراعيه فيها وفي كل خطوة فيها تاخدي فيها حسنات مش سيئات. والعكس صحيح. يبقى أحنا أكلنا وأستمتعنا بالأكل وسدينا جعنا وقوينا جسمنا وفي نفس الوقت أخدنا ثواب. حتى شغل البيت اللي بتعمليه بتاخدي عليه ثواب المهم تجعلي نيتك فيه لله المذاكرة اللي بذاكرها بأخد عليها ثواب." +

"يعني كل حاجة بتعملها بتاخد عليها ثواب؟"

"يا ريت. لكن أحنا مش ملائكة طبعا بنرتكب ذنوب ونكتسب سيئات. زي مثلا الأفلام اللي بنتفرج عليها طبعا ده مش هناخد عليها ثواب. أي ممثلة أشوفها أو أي مغنية أسمعها بارتكب معصية أو حتى أي موسيقى أسمعها أخد عليها سيئات وربنا يتوب علينا يا رب. مش معنى أني بأرتكب الذنب أني احلله يا مريم. أنا بشر وأرتكب معاصي وربنا يغفر لنا ويتوب علينا يا رب لكن مش هأضحك على نفسي وأقول اني كل اللي بعمله حلال."

لاحظ خالد أن مريم تنظر له وإبتسامة تعلو وجهها.

"أيه مبسوطة قوي كدة ليه؟"

توردت وجنتي مريم ونظرت للأسفل.

"مش قولت لك بحب قوي أسمعك لما تتكلم في الدين."

ضحك خالد وقال لها.

"هه طيب يا ست الهيمانة أنت. مش هتشيلي الأكل ده ولا ايه؟"

أحمر وجه مريم أكثر وأجابته.

"هه. حاضر. هشيل أهه."

قام خالد وحمل طبقين من الأطباق الفارغة وسألته مريم.

"أيه بتعمل أيه؟"

نظر لها خالد متعجبا لسؤالها.

"هشيل معك الأكل."

"لأ أنت روح أغسل أيدك وذاكر. أنا هشيل الأكل وأشطب المطبخ."

"يا بنتي أنت أتهديت النهاردة تنفيض ومسيح. أقعدي أرتاحي أنت وأنا هأرص غسالة الأطباق. يعني الموضوع مش صعب."

أخذت مريم الأطباق من يده.

"أديك قولت الموضوع سهل. خلاص هأعمله أنا. روح أنت."

"يا بنتي أنت تعبانة. فيها أيه لما أساعدك."

"لما أشتكي لك أبقى ساعدني. لكن طول ما أنا كويسة وأقدر أعمل اللي علي مش لازم أنت تشغل نفسك."

"خلاص يا ستي. المهم بس أنت تبقي مرتاحة."

"أيوة بالظبط. أنت روح أغسل أيدك وشوف اللي وراك وأنا أشوف اللي ورايا."

أستسلم خالد لعناد مريم وتركها تقوم بعملها وتوجه هو لغرفته يسترجع دروسه.

اليوم التالي، عاد خالد من المدرسة ووجد مريم جالسة بجوار الباب تنتظره.

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."

وقفت مريم لحظة دخوله الشقة وهي مرتدية إسدال الصلاة وأخذت منه الحقائب التي يحملها.
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أخبارك أيه؟"

جلس خالد على أقرب كرسي ليلتقط انفاسه فسألته زوجته.

"مالك بتنهج كدة ليه؟" +

"الأسانسير عطلان وطلعت على رجلي وأنا شايل الحاجة."

جرت مريم على المطبخ وأحضرت كوب ماء بارد وناولته لزوجها.

"خد أشرب مايه. طلعت تسع ادوار على رجلك."

أخذ خالد الماء منها وأرتشف منه.

"عادي. السنة اللي فاتت كنت بطلع كتير على رجلي حتى لو الأسانسير شغال. لكن السنة ده علشان بطلت ألعب كورة بقيت مش قادر اطلع."

أتسعت عيني مريم وسألته.

"أيه ده أنت بتلعب كورة؟"

"أه. هو أنا ما قولت لكيش؟"

هزت مريم رأسها.

"لأ. أول مرة أعرف."

"طيب يا ستي. أعرف بقى أن جوزك لاعيب كورة وكابتن الفريق بتاعه كمان."

"بجد! أمال مش بشوفك بتنزل تلعب خالص."

"زي ما قولت لك مبطل بقالي فترة. علشان الدروس والمدرسة والوقت الفاضل بقول ارجع أقعد معك هنا بدل ما أنت قاعدة لوحدك. لكن شكلي كدة مش هينفع خالص. هيطلع لي كرش لو قعدت اكتر من كدة."

"لا خلاص ارجع تدريبك ولعبك تاني. أنا أصلا أتعودت على القعدة هنا لوحدي."

"يعني مش هتضايقي؟"

"لا ابدا."

"طيب كويس. أنا هقوم اغير هدومي عقبال لما تجهزي السفرة."

وقفت مريم وهي مترددة دقائق قليلة نظر لها خالد متسائلا فسألته.

"هو أنت جعان دلوقت؟"

"لا مش جعان. عادي يعني. أشمعنى؟"

تلجلجت مريم وطرقعت اصابع يدها.

"أصل أمبارح قولت أننا هنزور طنط فريدة. وانا مستنياك من الصبح علشان نروح لها."

"ايوة يا حبيبتي. لكن دلوقت وقت غدا. ما يصحش نروح دلوقت. نبقى نزورها على المغرب."

"اصل انا بعد اذنك طبعا عملت لها شوربة خضار علشان البرد. وأصلا مفيش حد يعمل لها اكل دلوقت وهي تعبانة. فلو نروح دلوقت على الأقل هتقدر تتغدى."

"حاضر يا ستي. علشان كدة لابسة وجاهزة وقاعدة مستنياني جنب الباب. خلاص هادخل أنا أشطف وأغير هدومي. وانت اغسلي الفاكهة اللي جايبها ده وأعملي منها طبق فاكهة كبير كدة وحلو ناخده معنا علشانها."

صفقت مريم بكفيها بفرحة وقالت له.

"ربنا يخليك لي يا جوزي يا حبيبي."
ضحك خالد على طفولتها وبرائتها ودخل غرفته.

بعد نصف ساعة، كان خالد ومريم يقفان أمام باب السيدة فريدة ينتظراها لتفتح لهم الباب.

"شكلها نايمة. مش قولت لك الوقت مش مناسب للزيارات دلوقت."

"استنى يا خالد يحسن تكون تعبانة قوي ومش قادرة تفتح. أو لا قدر الله مغمي عليها."

عقد خالد حاجبيه ورن الجرس مرة أخرى.

"أنت هتقلقيني ليه؟ إن شاء الله خير."

بعد عدة محاولات سمعا صوت خطوات تقترب ببطئ من الباب ثم فتح الباب وظهرت السيدة فريدة وهي تلف جسدها ببطانية ثقيلة، وجهها أحمر جدا وبالأخص انفها المتورم وعيونها الشبه مغلقة تماما والدموع التي تسيل على خدها.

"خالد. مريم. اتفضلوا يا حبايبي."

رحبت بهما السيدة فريدة بصوت متحشرج وضعيف جدا.

"سلامتك ألف سلامة يا طنط."

"الله يسلمك يا حبيبتي."

دخلا خالد ومريم ورائها وهي تترنح بسبب مرضها. ترك خالد ما بيده على منضدة وأسرع لها يسندها وتبعته مريم فسندتها من الجانب الآخر.

"أيه يا طنط مالك؟"

"والله مش عارفة يا خالد دور برد لكن صعب قوي."

أدخلاها غرفتها وساعدها لتستلقي على السرير. أقتربت مريم منها ودثرتها ولاحظت أن حرارتها عالية.

"طنط أنت حرارتك عالية قوي."

"ما انا هاخد الدوا اهه. كنت باكل بس علشان اخد الدوا."

نظرت مريم حولها في الغرفة ووجدت حقيبة فيها بعض المخبوزات بجانب السرير.

"بتأكلي ايه يا طنط. أنا مش شايفة حاجة."

"اصل بصراحة مش قادرة اقوم أعمل حاجة. عم علي البواب ربنا يكرمه. بعثته الصبح جاب لي البقسماط ده والدوا."

"بقسماط ايه بس اللي تأكليه يا طنط. مريم أدخلي اغرفي شوية شوربة اللي أنت عاملاها لطنط."

"مالهوش لزوم يا ابني. كفاية سؤالكم."

"لأ أزاي يا طنط."

توجهت مريم للمطبخ وغرفت للسيدة فريدة بعضا من الحساء الذي احضرته. في غرفة فريدة، جلس خالد على كرسي مقابل السرير.

"أنا أسف يا طنط على اللي حصل مني المرة اللي فاتت. أنا بس أضايقت لما عرفت أن الجيران هنا فاكرين مريم خدامة."

"حصل خير يا خالد. لكن لو عاوز الصراحة ولو ما تزعلش مني أنت الغلطان".

"أنا الغلطان أزاي يا طنط. وطبعا أنا ما أزعلش منك أبدا حضرتك في مقام والدتي الله يرحمها."

"الله يرحمها. بص يا خالد، أنت شاب وقاعد لوحدك. ووجود مريم معك في نفس الشقة من غير ما توضح للناس علاقتكم غلط. أنا عرفاك من زمان وعارفة والديك الله يرحمهم ربوك أزاي. وكان مستحيل اتخيل سبب مش كويس لوجود مريم معك. فالسبب الوحيد المقنع أنها خدامة. لأنها لو ما كانتش خدامة عندك يبقى معنى وجودها وحش جدا. ما تزعلش مني يا خالد كان لازم تقول من الاول انها مراتك."
"كلامك صح يا طنط. لكن اللي خلاني ما أقولش انها مراتي هو ظروف جوازنا. أحنا الاتنين سننا صغير عن الجواز. وجوازنا مش قانوني. ولو اتعرف ممكن تحصل لنا مشاكل. علشان كدة عملنا الفرح في البلد وأعلنا الزواج لكن هنا خبينا." +

"أولا يا خالد مفيش حد هنا هيروح يبلغ عنك. ثانيا الاعلان والاشهار لازم يكون في المكان اللي أنتم عايشين فيه برضه علشان تقطع شكوك الناس وظنونها."

"عندك حق. وأنا أعتذر لك مرة تاني على اللي حصل."

"حصل خير يا ابني. أنا ما أزعلش منك أبدا."

"يعني خلاص صافي يا لبن؟"

قاطعهما صوت مريم التي دخلت وهي تحمل صينية الطعام للسيدة فريدة وكانت تستمع لحديثهما دون أن تدخل أجابها زوجها.

"حليب يا قشطة. لو سمحت يا مريم بعد أذن طنط فريدة طبعا، كل يوم تيجي تقعدي مع طنط هنا وتشوفي لو محتاجة أي حاجة تساعديها فيها."

ابتلعت فريدة الطعام الذي اطعمته لها مريم بيدها وابتسمت لخالد وقالت له.

"مريم ده تنورني طبعا. وانا عاوزاها تيجي بس تونسني مش محتاجة منها أي حاجة تاني. الحمد لله يا خالد أنا لسة بصحتي وأقدر أعمل حاجتي بنفسي."

"ربنا يبارك في صحتك يا طنط. خلاص مريم هتعمل لك حاجتك لغاية لما تخفي. وإن شاء الله لما تقومي بالسلامة تبقى تيجي تقعد معك بس زي ما حضرتك عاوزة."

"أنا مش عاوزة اتعبكم أنا الحمد لله كويسة."

"ما فيهاش أي تعب يا طنط ولا أنت مش معتبراني زي بنتك ولا أيه."

أصطنعت مريم الحزن وشاحت بوجهها بعيدا عنها.

رفعت فريدة يدها ومسكت ذقن مريم وجعلتها تنظر لها وقالت بعيون حانية.

"الله وحده يعلم أنت عزيزة علي أزاي."

أقتربت مريم لنحتضنها ولكن فريدة بعدت بجسدها للخلف وشاحت وجهها بعيدا عنها.
 "حاسبي يا بنتي تتعدي مني."

أجابت مريم.

"ما يهمنيش."

"لكن أنا يهمني."

قاطعهما صوت خالد.

"هو أنا ماليش نصيب في وصلة الحب ده؟"

ضحكت فريدة ومريم وقالت فريدة.

"لك طبعا. ده أنت ابن أختي حبيبتي."

"ربنا يخليك لنا يا طنط."

قالها خالد ومريم في وقت واحد.


يتبع

Comments