القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل 14|15

روايه لا تترك يداي بقلم هند رفاعي حصريه علي مدونه النجم المتوهج للرويات والمعلومات الفصل 14|15

في الليل، طرق خالد باب غرفة مريم وناداها.

"مريم، قومي أتعشي، أنت ما أكلتيش حاجة من الصبح."

لم تجبه مريم بشيء. فتح خالد الباب ببطئ ونظر من خلاله، وجد مريم مكورة على السرير تبكي بحرقة. زفر خالد بضيق وأستغفر ربه ثم فتح الباب على مصرعيه ودخل الغرفة، أقترب من السرير ثم جلس بجوارها. +

"وبعدين يا مريم هتفضلي تعيطي كدة كتير؟"
أجابه صوت شهقاتها. ربت على كتفها وحاول تهدئتها.

"أستهدي بالله بس كدة وقومي."

أجابته بين بكاءها ورأسها مدفون في الوسادة.

"لا إله إلا الله."

مد خالد ذراعه تحت كتفها الأيمن ومسك بيده الأخرى كتفها الأيسر وساعدها على الجلوس.

"قومي كدة وأستغفري ربنا."

نظرت مريم للأسفل وردت بصوت خافت.

"أستغفر الله العظيم."

"ممكن أعرف ليه العياط ده كله من صباحية ربنا. أنا عارف أن اللي حصل الصبح مش سهل عليك. لكن خلاص موقف وعدى زي أي موقف تاني هيجي ويعدي علينا عادي جدا. الرجل عارف أني عايش لوحدي ولما شافك أفتكرك حرامية ولما عرف الحقيقة الموضوع أنتهى خلاص. ليه بقى تقعدي تعيطي كل ده؟"

مسحت مريم دموعها بظهر يدها وقالت له.

"أنا مش بعيط علشان كدة."

نظر لها خالد بتعجب وسألها.

"أمال بتعيطي ليه؟"

"علشان من يوم ما عرفتني وأنت في مشاكل بسببي. في البلد هناك عملت مشكلة بينك وبين عمك. وهنا من أول يوم عملت لك مشكلة في العمارة. أنا مش عارفة أعمل أيه علشان ما أسبب لكش في مشاكل."

أبتسم خالد وقال لها.

"يعني كل المناحة اللي أنت عاملاها من الصبح علشان خاطري أنا."

أندهشت مريم من رد فعله ونظرت له بتعجب.

"أيه بتبصي لي كدة ليه؟ يا مريم نفسي تأخدي الأمور ببساطة. الدنيا ده كلها مشاكل وصعاب. لو مفيش مشاكل يبقى مفيش حياة. يا ستي ما تقلقيش علي. أنت ما سببت ليش أي مشكلة ولا حاجة. عم علي أنا هأعرف أتصرف معه. أنا أصلا أتصلت بعمي من شوية وهو قال هيجي بكرة وهيتصرف. ممكن بقى تسيبي الأمور على ربنا وتبطلي تكبري المواضيع كدة. خدي الأمور بهدوء وببساطة. عم علي ما يقدرش يعمل لنا أي حاجة. ده شقتي وتمليك وبأسم والدي ومحدش يقدر يعمل لنا أي حاجة وأنا حر أعمل اللي أعمله فيها. أنا اللي يهمني أني مش بغضب ربنا. غير كدة ما يفرقش معي أي حد تاني."

"لكن يا خالد سمعتك. عم علي ده ممكن يقول أي حاجة للجيران. ما ينفعش ننسى الناس وكلامهم."
"كلامك صح لكن هنعمل ايه؟ ما ينفعش أقول للناس أني متجوزك وحتى لو قولت مفيش معي أي إثبات أني متجوزك. وفي نفس الوقت لازم تقعدي معي هنا. أنا مش قاصد أني أطلع سمعة وحشة على نفسي. لكن مفيش في أيدي غير كدة أعمل أيه. أقعد بقى أعيط وأقول أصل الناس والكلام و و و. مش هينفع ومش عيشة ده. المشكلة اللي مش في أيدي حلها يبقى بلاش أفكر فيها وأتعب نفسي وأعصابي معها. ويا ستي زي ما قولت لك عمي هيجي بكرة وهنشوف حل للموضوع ده. لكن من دلوقت لغاية لما نلاقي حل هنعيش حياتنا عادي. هناكل وهنشرب ونقعد ونتكلم ونضحك وكل حاجة. مش هنعيش في نكد وعياط على طول." +

مسحت مريم دموعها ورفعت رأسها وقالت له.

"حاضر يا خالد."

"زي ما بقولك سيبي الأمور على ربنا. اللي نقدر نحله بنفسنا نحله واللي ما نقدرش يبقى مفيش غير الدعاء مش البكاء. قومي دلوقت علشان نتعشى."

"حاضر هأقوم أجهز لك العشاء."

قامت مريم وتوجهت لباب الغرفة ثم التفتت إليه وسألته.

"تحب اجهز لك أيه للعشاء."

"أنا جعان قوي. مش هينفع عشاء خفيف نظام جبنة وزيتون ده. عاوز أكل."

"أنا كنت بجهز كبدة وسجق الصبح قبل ما يجي عم علي ويشوفني. أدخل أسويهم."

أبتسم خالد وقال لها.

"الله عليك. وعندك فلفل حامي بقى وعيشي حياتك."

"حاضر يا عمي هعيش حياتي."

تركته مريم ودخلت المطبخ لتجهز العشاء له. بعد نصف ساعة كان يجلسان معا على مائدة الطعام في الصالة. كان خالد منهمكا في الطعام وقال لمريم دون أن يرفع عينيه عن طبق الكبدة أمامه.

"الله. تسلم ايدك. الأكل تحفة."

أنتشقت مريم ثم قالت له.

"بألف هنا وشفا."

رفع خالد بصره ونظر لها وجد وجهها غارق في الدموع، فتعجب وسألها.

"أيه يا بنتي بتعيطي ليه تاني؟"

مدت مريم يدها وأخذت كوب الماء الموضوع أمامها على المائدة. أرتشفت منه رشفة ثم أجابته.

"أصلي مش متعودة على الحامي."

"طيب عملتي الأكل حامي ليه مدام أنت مش قده كدة."

شهقت مريم بسبب الفواق وأجابته بين شهقاتها.

"مش أنت..... قولت ..... بتحب الحامي."

ضحك خالد وقال لها.

"أيوة...... بحبه. والكبدة تجنن تسلم أيدك. لكن كان ممكن تعملي طبق بارد وطبق حامي."

"وعلى أيه..... ياكل كل.... واحد فينا لوحده."

ضحك خالد وقدم لها كوب ماء.

"طيب أشربي يا أختي أشربي."

أخذت منه مريم الكوب وتجرعته بالكامل. ضحك خالد عليها ثم أكمل طعامه. نظفت مريم المكان بعدما أنتهيا من عشاءهما. وأنتهى يومهما بصورة طبيعية. +

* * *

وصل إبراهيم وابنه صالح القاهرة بعد عصر اليوم التالي. أستقبله علي البواب عند دخوله العمارة ونادى عليه.

"حمد الله على السلامة يا حاج."

توقف إبراهيم وابنه وسلم على علي.

"الله يسلمك يا أبو مصطفى. أخبارك وأخبار أولادك."

"عايشين في خيرك يا حاج. كنت عاوز أقولك على حاجة."

"خير؟"

"حضرتك عارف أن سي خالد عايش لوحده في الشقة بعد وفاة والدته."

نظر إبراهيم له بضيق لمعرفته ماذا سيقول.

"أيوة عارف. حصل حاجة؟"

"يا رب ما يكونش حصل حاجة."

سأله إبراهيم بعدم صبر وحزم.

"ما بلاش كلام الألغاز ده وأتكلم بصراحة. في أيه؟ موقفني كدة على الباب وأنا جي من سفر وتعبان ليه؟"

"بصراحة كدة يا حاج في واحدة قاعدة مع سي خالد في شقته لوحدهم بقالها كام يوم. وأنا عارف أن الوضع ده ما يرضيكش أبدا ولا يرضي ربنا."

"اللي فوق مع خالد ده معرفتي أنا. وأنا اللي باعتها تقعد هنا معه. خالد مش بيعمل حاجة من ورايا. ولا بيغضب ربنا أبدا. أنا واثق من خالد وإلا ما كنتش سمحت لها تقعد معه أبدا."

أتسعت حدقتي علي وقال بدهشة.

"يعني أنت عارف يا حاج أنه جايب واحدة معه في الشقة وساكت؟"

"بقول لك ده ضيفتي أنا. أنا اللي باعتها معه. مش جايبها هو."

ترك إبراهيم وابنه علي البواب وهو يقلب كف على كف. وصعدا لشقة خالد. رحب بهما خالد ومريم أشد الترحاب. وجلسا مع خالد في الشرفة بعدما تناولا ما حضرته مريم لهما من ألذ وأشهى الأصناف.

"يا خالد أنت أخدت منه المفتاح ولا لسة؟"

"طبعا أخذته يا عمي. أمبارح بالليل أخذته منه وأنا راجع من صلاة العشاء. ما كانش ينفع أبدا أسيبه تاني معه. أنا أصلا غلطان أني ما أخدتهوش منه أول لما رجعت من السفر. معلش اللي حصل حصل بقى."

"هو قابلني تحت والرجل كان هيتجنن."

"يعني كلمك يا عمي برضه؟ الرجل ده شكله مش هيجيبها لبر."

"يا خالد الرجل معذور. هو ما يعرفش أنك متجوزها."
"ما يا عمي أنا ما ينفعش أقول أني متجوز. ده فيها فصل من المدرسة. غير أن فيها مشاكل قانونية ممكن توصل لحبس. أنا بجد مش عارف أعمل أيه؟" +

"ما تضايقش نفسك يا ابن عمي. إن شاء الله يحلها ربنا. أنا مش فاهم أيه القانون اللي يمنع حلال ربنا."

"إحنا مش هنعدل القانون دلوقت يا صالح. إحنا في المشكلة اللي أحنا فيها دلوقت. وأزاي نحلها. بص يا خالد أنا أتصلت بالإستاذ محمد المحامي صاحب أبوك الله يرحمه. حكيت له على الموضوع."

"كويس يا عمي. وقال لك ايه؟"

"بص يا سيدي. أنا أخدت منه ميعاد النهاردة. هنروح له على الساعة 8 إن شاء الله. هنكتب عنده عقدين زواج عرفي. أنا وابن عمك هنبقى شهود. والعقدين دول نسخة هتبقى معكم هنا ونسخة هتبقى معه هو. لو لا قدر الله حصل أي حاجة واحتجتوا أي إثبات لزواجكم الورقة ده تبقى معكم. لغاية لما تطلع القسايم الرسمية إن شاء الله بعد سنتين."

"يعني الورق ده مش هيسبب لي في مشاكل يا عمي."

"الورقتين دول أفضل من بلاش. يعني لو حصل أي حاجة أنك تبقى متجوز عرفي أحسن من أنك ما يبقاش معك أي حاجة ولا أي إثبات."

"ماشي يا عمي. ربنا ييسر الأمر."

"قوم قول لمراتك علشان تجهز. لازم تيجي معنا عند المحامي."

"حاضر."

ذهبوا جميعا للمحامي في الميعاد المحدد. وقع خالد ومريم على عقد زواج عرفي وإبراهيم وابنه شهود على العقد. أحتفظ المحامي بنسخة من العقد كما متفق ليقوم بالإجراءات اللازمة. خرج الجميع من مكتب المحامي وشعر خالد بالإرتياح لحصوله على إثبات بزواجه من مريم.

بعد ساعة، وقف خالد ومريم يودعان إبراهيم وابنه على رصيف محطة قطار القاهرة.

"يعني يا عمي مش كنت تبات معنا وبكرة تسافر. ينفع كدة تيجي وتسافر في نفس اليوم. كان لازم تريح معنا يوم أو أتنين."

"يا خالد أنت عارف أنه ما ينفعش أسيب الأرض أنا وصالح كتير. يا دوب نسافر دلوقت ونوصل قبل الفجر إن شاء الله علشان نشوف مصالحنا وحالنا هناك."

"بس ما ينفعش تيجي وتمشي كدة على طول. كنت ترتاح بس الليلة ده حتى."

"يا بنتي مش بعرف أريح إلا في بيتي وعلى فرشتي. على العموم تتعوض المرة الجاية. أبقى أسيب صالح هناك وأقعد هنا معكم براحتي."

"تشرفنا يا عمي وتنورنا."

"كريم طول عمرك يا ولدي."

بعد ربع ساعة وصل القطار المتجه للصعيد لرصيف المحطة. ركب أبراهيم وابنه القطار ووقف خالد ومريم يراقبان القطار حتى أختفى من نظرهما.
الفصل الخامس عشر
مضت أيام على خالد ومريم وهما على نفس المنوال. يذهب خالد للمدرسة صباحا و تقوم مريم بكل أعمال المنزل من تنظيف وطبخ وغيره مع الحرص ألا يشعر بها أحد من سكان العمارة. جاء يوم الخميس وعاد خالد من المدرسة وركب المصعد وهو يفكر في مفاجأة لمريم. فهي لم تخرج أبدا معه منذ زواجهما. المرة الوحيدة التي خرجا فيها كانت للمحامي مع عمه وابن عمه. فقرر خالد أن يصطحبها اليوم لمطعم أو نادي على كورنيش النيل.
+

وصل المصعد للدور التاسع وخرج منه خالد. رن جرس باب شقته وأنتظر برهة لتفتح مريم. بعد دقيقة رن خالد الجرس مرة ثانية وثالثة ولكنه لم يجيب أحد ولم تفتح الباب مريم. ظن أنها نائمة فأخرج مفتاح الشقة وفتح الباب بنفسه. دخل الشقة وألقى السلام ولكن لم يجبه أحد. توجه لغرفته ليبدل ملابسه ولكنه لاحظ أن باب غرفة مريم مفتوح. تعجب خالد لأن مريم معتادة على غلق الباب أثناء النوم. فأقترب من غرفتها وألقى السلام بصوت عالي ولكنه لم يتلقى أي إجابة أيضا. بدأ القلق يتسلل لقلبه فأقترب أكثر وأكثر وألقى نظرة على غرفتها ولكنه وجدها فارغة. أنزعج وبدأ يبحث عن مريم في كل مكان في الشقة وينادي عليها ولكن لم يكن هناك أحد ليجيبه.

تحول القلق عليها لفزع من الافكار والظنون التي غزت عقله. أخذ مفاتيحه وخرج من الشقة. ضغط على زر المصعد ولكنه لم ينتظر وصوله فنزل السلالم مسرعا. وصل للدور الأرضي ونادى على البواب بأعلى صوته.

"عم علي. يا عم علي."

خرج البواب مسرعا من غرفته عندما سمع صوت خالد يناديه بهذه الطريقة فهو لم يعتاد على صياح خالد ولا صوته العالي. أبتلع علي الطعام الذي كان في فمه وأجابه.

"أيوة يا سي خالد خير؟"

"فين مريم؟"

"مريم!"

"أيوة مريم. الضيفة اللي قاعدة عندي. شوفتها النهاردة؟ أوعى تكون طردتها تاني."

"لا يا سي خالد أنا لا شوفتها ولا طردتها."

"عارف لو كنت أنت اللي طردتها مش هأسيبك."

"وانا أطردها ليه وبصفة أيه يا سي خالد. أنا كنت فاكرها حرامية وأنت قولت أنها ضيفة."

"أمال راحت فين لو أنت ما طردتهاش؟"

"الله أعلم يا سي خالد. يمكن راحت تشتري حاجة كدة ولا كدة ولا راحت عند أي حد."

"طيب أنت شوفتها خرجت من أمتى؟"

"أنا ما شوفتهاش. أنا بقول أكيد خرجت يعني هتروح فين."

"أنت بواب أنت. طول النهار سايب البوابة وقاعد جوا. هتشوفها أزاي خرجت ولا لأ ولا خرجت أمتى. حللوا اللقمة اللي بتاكلوها بقى."

جرح علي من أسلوب خالد في الكلام معه ونبرة صوته فهو لأول مرة يتعامل معه خالد كأجير، فهو أعتاد من خالد ومن المرحومة أمه على المعاملة بالإحترام والود لم يشعر منهما أبدا بالمن بما يتصدقون عليه.
"الله وحده اللي يعلم يا سي خالد أني مش بدخل لقمة حرام على عيالي. أنا من الصبح قاعد قدام البوابة وضيفتك أنا ما شوفتهاش خالص النهاردة ولا من يوم ما نزلتها من شقتك. أنا دخلت بس من خمس دقايق أكل لقمة مع العيال وأمهم مش أكتر. على العموم كتر خيرك يا كريم يا ابن الكرماء على الكلمتين دول." +

قال علي لخالد بنبرة كلها حزن وإنكسار. أدرك خالد ما فعله وكيف أنه جرح علي بكلامه فهم أن يعتذر له ولكن تركه علي وجلس على كرسيه بجانب البوابة. جز خالد على أسنانه من الغيظ من نفسه على ما قاله وتوجه لعلي ووقف أمامه يحاول أن يعتذر له.

"ما تزعلش مني يا رجل يا طيب. معلش أنا مش عارف أنا بقول أيه. أصل مريم مالهاش حد هنا في البلد غيري. وأنا مش عارف هي فين. أنا أسف حقك علي."

أجابه علي بدون أن يرفع رأسه أو ينظر لخالد.

"حصل خير يا سي خالد. ربنا يطمنك عليها."

أنحنى خالد وأخذ برأس علي بين يديه وقبلها في حركة مفاجأة لعلي. ففز علي سريعا من مكانه ووقف أمام خالد مشدوها.

"أيه يا سي خالد اللي بتعمله ده؟"

"ببوس رأسك يا سيدي علشان أراضيك."

"العين ما تترفعش عن الحاجب يا سي خالد. ما يصحش أنت تراضيني."

"أنا غلطت في حقك يا عم علي وأنا اللي لازم أتأسف لك. أنا مش مستعد أنك تيجي يوم القيامة وتاخد حقك مني. أنا بحب أخلص ديوني واللي علي في الدنيا أول بأول. محدش ضامن عمره."

"ربنا يبارك في عمرك يا أبني ويرضى عنك ويراضيك."

"الله يكرمك يا رجل يا طيب. أدعي لي ألاقي مريم يحسن قلقان عليها قوي."

"ربنا يعترك عليها. تعالى نسأل عليها في المحلات اللي جنبنا يمكن تكون راحت تشتري حاجة من السوبر ماركت أو من الصيدلية."

هم علي للخروج مع خالد ولكن خالد منعه.

"خليك أنت هنا ما تسيبش البوابة. لو جت تتصل بي على طول تطمني. وانا هأدور عليها في المحلات اللي جنبنا."

"ماشي. قول 'رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ' وربنا يجمعك عليها إن شاء الله."

خرج خالد مسرعاً للبحث عن مريم في المحلات المجاورة. بعد ساعتين، عاد خالد للعمارة وسأله علي البواب في لحظة دخوله.

"هه يا سي خالد لاقيتها؟"

نظر له خالد وملامح وجهه واضح عليها القلق والحزن والخوف. القلق على مريم وحالها بدونه والحزن على فراقها وعودته لوحدته مرة ثانية والخوف مما قد يحدث لها أو حدث لها بالفعل من وساوس وظنون تفتك بعقله.
"لا يا عم علي. دورت عليها كتير مفيش حد شافها. أنا مش عارف هي فين ولا أيه اللي جرى لها." +

"لا حول ولا قوة إلا بالله."

جلس خالد بتعب وإرهاق على الكنبة بجانب علي.

"مش عارف أعمل أيه ولا أدور عليها فين."

"طيب ما تتصل بأهلها يمكن يكونوا عارفين أي حاجة."

نظر خالد لعلي وصمت فلم يجد شيء يجيبه به.

"أيه يا ابني. أتصلت بيهم وبرضه ما يعرفوش عنها حاجة؟"

تردد خالد كثيرا ثم أجابه.

"مريم مالهاش حد."

تعجب علي لإجابته وسأله.

"يعني أيه مالهاش حد؟ مالهاش أهل يعني؟"

نظر له خالد ثم أشاح بوجهه بعيدا وصمت.

"يعني أزاي تستأمنها تدخل بيتك يا ابني وأنت مش عارف لها أهل. ما يمكن تكون حرامية وأخدت اللي عاوزاه من الشقة ومشيت."

غضب خالد من الإتهام الذي سمعه في حق زوجته. ووقف وأجاب علي بحزم.

"عم علي للمرة المليون بقولك أن مريم مش حرامية. مريم ضيفة وقاعدة عندي معززة مكرمة. لو سمحت ما تتكلمش عنها كدة تاني."

"خلاص يا أبني براحتك مدام أنت واثق فيها قوي كدة."

* * *

ترك خالد علي وصعد لشقته. دخل المطبخ وبحث عن أي شيء يستدل به عن مكان مريم. وجدها جهزت طعام الغذاء قبل أن تختفي. دخل غرفتها وجد كل ملابسها في الدولاب لم تأخذ منها شيء. وقف وعقله مشلول في وسط الغرفة لا يدري ماذا يفعل ولا أين يذهب.

أروح أبلغ البوليس؟

طيب هقول هي مين بالنسبة لي وأبلغ البوليس بمناسبة أيه؟

طيب ممكن تكون رجعت تاني للرجل اللي كان مسرحها؟

وهي هتروح له ليه؟ إذا كانت هربانة منه علشان كان هيقتلها.

يمكن تكون زعلانة مني وطفشت؟

مفيش أي حاجة حصلت بيننا تخليها تزعل. ده حتى النهاردة كنت ناوي أخدها أفسحها.

معقول تكون زي ما عم علي قال أخدت حاجة من الشقة؟

لا يا خالد ما تفكرش كدة. هي قاعدة معك بقالها شهور عند عمك وهنا وعمرها ما مدت ايديها على حاجة.

ما هو ما كانش ينفع تاخد حاجة من بيت عمي البلد صغيرة وصعب أنها تهرب لكن هنا البلد زحمة وهي عارفة شوارعها يعني سهل جدا أنها تهرب.

لا مش ممكن. مريم مش كدة. ده اتعلمت الصلاة ومواظبة على الصلاة وكمان بتحفظ القرآن دلوقت. ده في مدة قليلة حفظت أربع أجزاء دلوقت. مش ممكن تكون كدة.

مكث خالد يصارع أفكاره وظنونه لفترة ليست بقصيرة ثم توجه إلى غرفته وأخذ المفتاح من درج مكتبه وفتح الدولاب تأكد من وجود الأموال ومجوهرات المرحومة والدته في مكانهم، تنفس الصعداء وجلس على سريره وحدث نفسه بصوت مسموع يوبخها.

أستغفر الله العظيم. ليه بس سوء الظن. مريم عمرها ما تمد ايديها أبدا على أي حاجة مش بتاعتها. طيب يا رب هي فين؟ أنا هأتجنن. أروح أدور عليها فين؟ ما أنا ما أعرف لهاش مكان ولا حتة. حتى اللي أسمه إسماعيل ده عمري ما سألتها كانت ورشته فين ولا هي كانت بتنام فين قبل كدة. أنا مش عارف أفضل قاعد كدة. أنا لازم أنزل أدور عليها.

أخذ خالد مفاتيحه ونزل مرة أخرى يبحث عن مريم. أخذ يبحث عنها في الشوارع المجاورة ثم ذهب لمستشفى الأورام يبحث عنها في المكان الذي أعتادت أن تبيع المناديل فيه. عندما أقترب من المكان ووقعت عينيه على مبنى المستشفى أنقبض قلبه. تذكر وقتما كان يصطحب المرحومة والدته للمستشفى. عادت لذاكرته كل لحظات الألم والمرض التي عانتها والدته. دمعت عيناه عندما تذكر أسوأ يوما في حياته عندما فقد والدته للأبد. اليوم الذي بدأت رحلته فيه مع الوحدة. الوحدة التي ظن أنه تغلب عليها وهزمها بزواجه من مريم ولكنها هزمته مرة أخرى اليوم وأخذت منه مريم. دعا الله أن يكون فراقه من مريم فراق مؤقت ليس كفراقه من أمه. دعا الله أن يلتقي بها قريبا ويطمئن على حالها في أقرب وقت.
بعدما بحث عنها بجوار المستشفى أخذته قدماه لمحطة مصر. لذاك المكان الذي ألتقى فيه بمريم. للمكان الذي كان محطة البداية لرحلتهما. دعا الله أن لا تكون رحلتهما معا وصلت لمحطة النهاية بهذه السرعة. وتمنى أن تكون رحلتهما معا لبقية العمر. ظل خالد يبحث عن مريم في الشوارع ووسط الزحام بدون جدوى. أذن العشاء ودخل خالد مسجد الفتح يصلي فرض الله ويدعوه. دخل خالد الميضأة وتوضأ لله. غسل وجهه ومسح على رأسه وشعر بالظنون والوساوس تتساقط مع قطرات المياه من رأسه. أنتهى من الوضوء وتوجه للمسجد وصلى خلف الإمام. سجد لله وسقطت كل الهموم من على كتفه. دعا الله في سجوده أن يطمئنه على مريم وشعر بالمطأنينة تغلف قلبه. سلم من صلاته وملأ السلام قلبه. شعر براحة ويقين أن مريم بخير. خرج من الجامع وقد تبدل حاله. بعدما كان القلق يتملك قلبه والظنون تتلقف عقله هدأ قلبه وأستراح عقله. +

* * *

عاد خالد لبيته وأستقبله علي بالسؤال عن مريم. عندما لاحظ الإبتسامة على وجهه.

"خير يا سي خالد شكلك لاقيتها."

"لا يا عم علي لسة ما لاقيتهاش. لكن إن شاء الله هي بخير."

تعجب علي من تبدل حاله ودعا له براحة البال.

"ربنا يريح بالك يا ابني ويطمنك عليها."

"إن شاء الله يا عم علي. تصبح على خير."

دخل خالد المصعد وضغط على زر الدور التاسع. قال في سره

أطلع الشقة أغير هدومي ده وأريح رجلي شوية وإن شاء الله ربنا هيطمني عليها. لو ما لاقيتهاش بعد ساعة أبقى أنزل أدور عليها تاني.

رن جرس المصعد منبهاً خالد أنه وصل للطابق التاسع خرج من المصعد يجر قدماه من الإرهاق والتعب. خطى خطوة والاخرى وتوقفت قدمه في الهواء عندما سمع صوتها تناديه.
 "خالد."

يتبع

تعليقات

التنقل السريع
    close