expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية أحيا بنبضها الفصل السابع عشر حتي الفصل الثالث والعشرون بقلم أميره مدحت

رواية أحيا بنبضها الفصل السابع عشر حتي الفصل الثالث والعشرون بقلم أميره مدحت 

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️


رواية أحيا بنبضها الفصل السابع عشر حتي الفصل الثالث والعشرون بقلم أميره مدحت 


رواية أحيا بنبضها الفصل السابع عشر حتي الفصل الثالث والعشرون بقلم أميره مدحت 

 رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل السابـع عشر".


أموت من فُراقك،

وأموت من لُقائك.


توقفت عقارب الساعة في تلك اللحظة، وقد ألجمت الصدمة عقلها، وعيناها متسعتان بصدمةٍ، لبرهة توقف قلبها عن النبض، همست بإسمه دون شعور ودموعها تهبط برعبٍ، حاولت أن تجعله يظل واقفًا رغم ثقل جسده الشديد عليها، قبل أن تهدر "روفان" بفزعٍ:

-ألحقونـي، ألحقونــي أرجوكم.

وبالفعل دبت حركة مريبة في ساحة القرية، والجميع يهرول هنا وهناك محاولين إيجاد الفـاعل، والبعض الآخر أنشغل بإصابة كبيرهم، في حين ركض "يونس" نحوهما، وقد أرتسم على ملامحه الرعب، أدار ذراعه حول جسد "هارون" يبعده عنها، مناديًا إياه بخوفٍ:

-هـارون، هارون، إنت سامعني؟!.. حاسس بإيه؟!..

كانت "روفان" واقفة كالصنم تنظر لهما برعب، وقد بدأ التركيز يعرف الطريق لعقلها، حتى هذه اللحظة لا تدري ماذا حدث وكيف، ولكنها بدأت بتجميع خيوط القصة لتكتشف إنه كان فداءٍ لها، أغمضت عينيها وقد هاجمها الدوار بضراوة ليترنح جسدها بوهن، لاحظت "رزان" حالتها الضعيفة، فبدون تفكير ركضت نحوها تحتضنها محاولة إحتوائها وهي تهمس:

-أهدي يا حبيبتي، أهدي، مفيش حاجة حلصت.

لم تسمعها، كانت أنظارها وعقلها مع "هارون" الذي فتح عينيه وهو يسعل بتعب قبل أن يتحدث بصوتٍ خشن:

-ماتقلقش أنا كويس.

كان كل فرد من أهل القرية يتابعون ما يحدث بإهتمام مرتعب، خوفًا على كبيرهم، فـ دنى أحد منهم نحوهم وهو يسأله بتلهف واضح:

-يعني إنت كويس يا سيدنا؟!..

هز "هارون" رأسه بصمت دون أن ينبس بكلمة، فتسائل شخصٍ ما بينهم بإرتباكٍ:

-طب إزاي يا سيدنا؟!. وإنت مضروب رصاصتين في ضهرك.

كان "يونس" يتفحص ظهر رفيقـه بإهتمام، قبل أن يلتفت برأسه نحوه مُجيبًا إياه بجدية قاطعة:

-ماتقلقوش يا رجالة، الفرعون لابس واقي من الرصاص، فـ إطمنوا.

تنفس "هارون" بعمق وهو يشعر أنه كان على حافة الموت، تجهم وجهه بشكلٍ ملحوظ قبل أن يهدر بلهجة صارمة وهو يُشير بيدهِ:

-جهزولي العربية حالًا.

شعرت "روفان" أنها على وشك فُقدانها الوعي، فكانت يداها ترتجفان وأقدامها تكاد تفقد السيطرة عليها من فرط الخوف الذي تملك منها، ضغطت على فكيها لتمنع أصطكاكهم، وعينيها الزائغتين على "هارون" الذي مازال مستندًا على "يونس"، ورغم نسمات الهواء العليل الباردة، إلا أنها كانت تقطر عرقًا مفرطًا.

وبالفعل لم تصمد كثيرًا أمام إضطرابها وخوفها، فقد زاد الدوار بشكلٍ أعنف، قبل أن تغمض عينيها وتسقط في أحضان رفيقتها دون أي مقدمات، سقطت كزهرة ذبلت عندما إزدادت قسوة المناخ عليها، لتشهق "رزان" بخوف وهي تحدثها بنبرة ملتاعة:

-روفان، روفان قومي، فوقـي أرجوكي، روفــان.

إنتبه "هارون" إلى صوت "رزان" المرتعب، ليرفع وجهه نحوهما، فـ إنقبض قلبه بقوة، وتصنم في مكانه وكأن الروح غادرته، نطق بإسمها دون شعور:

-روفان!!..

كاد أن يتحرك بخطى راكضة نحوها، إلا أن سيارتـه السوداء التي يقودها أحد رجاله، قد تم تجهيزها وأوقفها أمامه، ليهدر "يونس" بحدة:

-أركب يا هارون، يالا مفيش وقت.

همس "هارون" بحدة خائفة وعيناه على "روفان" المغشية عليها:

-لأ، سبني أروحلها، أطمن بس عليها، وراجع على طول.

منعه "يونس" وهو يدفعه دفعةٍ خفيفة نحو السيارة قائلًا بلهجة قوية حادة؛ نابعة من الخوف عليهِ:

-أركب يا هارون دلوقتي، وهطمنك عليها بنفسي، إحنا منعرفش مين الفاعل، يعني إنت لسة في خطر، يـالا.

كاد "هارون" على وشك فقدان أعصابه عليها، ولكن ظل متسمرًا في مكانه وهو يرى تجمعات أهل القرية حولها بقلق، و"يحيى" يحاول الوصول إليها، قبل أن يمرر ذراعيه على جسدها يحملها بين ذراعيه، ويتحرك بخطى سريعة نحو منزله القريب، فـ لم يشعر "هارون" بأنه يدخل السيارة على يد "يونس"، ولكن عينيه ظلت عليها حتى أختفت عن أنظاره، ليُدرك "هارون" في تلك اللحظة أنه كان سيفقدها، كانت ستموت بين ذراعيه!..

أسودت عيناه بغضب حارق يكاد أن يدمر الأخضر واليابس، جلس "يونس" بجواره على الأريكة في الخلف قبل أن ينطلق السائق بالسيارة نحو قصر آل كردي، كانت تعبيرات وجه "يونس" قلقة وهو يسأله بإهتمام:

-إنت متأكد إن مفيش حاجة تعباك؟!..

لم يُجيبـه "هارون"، بل رد عليه بلهجة قاسية وعيناه تلمعان ببريق مخيف:

-إنت فاهم إللي حصل ده معناه إيه؟!..

أخفض "يونس" عينيه وهو يذم شفتيه بضيق، ليكمل "هارون" بإنفعال بيّن:

-روفان كانت هتموت يا يونس، كانت هتموت بين إيديا، لولا أني خدت بالي إن في حد عاوز.

لم يستطع يكمل جملته، فـ فرك وجهه بإنفعال عاطفي، فـ تحدث رفيقه بلهجة هادئة:

-أهدى يا هارون، هنعرف مين إللي عاوز يعمل كدا وهنجيبـه، صدقني هنجيبـه، فإطمن وإهدى.

رد عليه بإستنكار:

-أهدى؟!.. أهدى إزاي يا يونس؟!.. مين له مصلحة يقتلها وقبلها كان عاوز يبعدني عنها، إللي بيعمل كدا خايف إننا نفضل سوا، مين له مصلحة.

رد عليه "يونس" بهدوءٍ بارد:

-إنت عارف العصبية عمرها ما خلتك توصل للإجابة إللي إنت عاوزها، فـ أهدى كدا عشان نعرف نفكر في هدوء.

حاول أن يسحب نفس عميق، ومشهد فقدان وعي "روفان" لا يفارق باله أبدًا، تمنى في تلك اللحظة أن يركض إليها ليطمئن، يطمئن فقط وسيعود إلى برودهِ القاتل.

*****


-أنا أكيد مشغل معايا مُتخلفين، دي تاني مرة متعرفوش تخلصوا عليها، وكنتوا هتصيبوا الفرعون، إزاي ناس متدربة زيكم تغلط الغلطة دي؟!..

قالها ذلك الرجل بعصبية فائقة، وهو يوبخ القاتل المأجور الذي كلف بقتل "روفان"، وما لبث أن حتى أخرج سلاحه وقال بإنفعال:

-الغلطة إللي عملتها تمنها الموت، إنت لازم تموت.

حاول أن يتحدث القاتل المأجور محاولًا الدفاع عن نفسه، إلا أنه سقط كجثة هامدة عقب أن أخترقت الرصاصة بين حاجبيـه، رمقه بإستحقار قبل أن يهدر:

-إنسـان غبـي.

أشار بيده لرجاله وهو يهتف بصيغة آمرة:

-خدوه وإرموه في الصحرا، وحدي يجي نضف الدم ده.

فرك وجهه بإنفعال وهو يحدث نفسه غف حيرة:

-أعمل إيه أنا دلوقتي؟!.. أعمل إيه؟!.. هارون مش غبي، وأبتدا يفهم أن في حد عاوز يبعده عن روفان، أتصرف إزاي انا دلوقتي؟!..

أحتقن وجهه بشدة وهو يكز على أسنانه قبل أن يهمس بشراسة:

-البت دي عاملة زي السهم المسموم، أخلص منها إزاي؟!.. إزاي بـس.

قالها وهو يستدير بوجهه نحو صورة "روفان" وعيناه تبرقان بشر دفين، وعقله يدور في منقطة مُحددة، فالفرعون لن يصمت، وحتمًا سيكون له ردة فعل مُخيف، لذلك وصل إلى ذلك القرار أخيرًا، فعاد يبتسم بإرتياح.

*****


مدد "يحيى" جسد "روفان" على الفراش، قبل أن يتوجه نحو منضدة الزيمنة كي يسحب قنيبنة عطر، عاد إليها وقد بدأ بنثر العطر على كف يده، جلس بجوارها على طرف الفراش، ثم حرك كف يده ناحية أنفها مجبرًا إياها بالأستنشاق لتخرج من الغيبوبة المؤقتة وهو يقول بصوت قوي:

-روفان، روفان فوقـي.

مسحت "رزان" على جبهتها بألم على حالها وهي تُناديها:

-روفان، فوقي عشان خاطري، أنا بجد مبقتش حِمل أشوفك كدا.

قالتها وعينيها الدامعتين تؤكد كلماتها، ليذم "يحيى" شفتيه بضيق، قبل أن ترتجف شفتي "روفان" مخرجة آهة خافتة، تحركت رأسها لا إراديًا مع تلك الرائحة القوية التي أخترقت أنفها، أستمر "يحيى" في تقريب كف يده المبتل بالعطر نحو أنفها لتستنشقها بالإجبار حتى تُفيق تمامًا، وهو يحدثها:

-روفان إنتي سمعاني؟!..

تجاوبت "روفان" معه وبدأت تستعيد وعيه، أستمع إلى همهماتها غير المفهومة وهي تحرك رأسها للجانبين، فتحت عينيها بتثاقل شديد وهي تتسائل:

-إ.. إيه إللي حصل؟!..

ردت عليه رفيقتها بحنوٍ مثير:

-إنتي في البيت يا قلبي، حمدلله على سلامتك.

بدأت بالإستيعاب على ما يحدث حولها، فـ أعتدجلت في جلستها وهي تهمس بريبة:

-في البيت؟!..

حدجت "يحيى" بنظرات متوجسة، ليهمس بسخرية:

-حمدلله على سلامتك ياختي، نورتي البيت، شايفاه منور إزاي.

همست "روفان" بحنق:

-يادي النيلة، هو الهم طايلني في كل حتة.

نفخت "رزان" بضيق قبل أن ترى "يحيى" يخرج هاتفه بعدما شعر بإهتزازه في جيب بنطاله، قطب جبينه بقوة وهو يقول:

-ده فـادي إللي بيتصل!..

خفق قلب "روفان" بقوة، وهي تحاول أن تأخذ منه الهاتف، لكنه منعها وهو يخبرها بحدة لازعة:

-فادي ميعرفش حاجة، فـ مش عاوز أسمع حسك خالص.

-ما تتكلم معاها كويـس.

رد عليها "يحيى" بإنفعال:

-مش إنتي يا شاطرة إللي هتقوليلي أتكلم إزاي؟!.. وبعدين إنتي هنا ضيفة، فاهمة؟!..

أبتعد عنهما قبل أن يجيب على شقيقه "فادي" الذي ما أن أنفتح الخط، حتى هدر بعصبية شديدة:

-بقى كدا يا يحيى، بتستغفلني؟!.. بقى الـ(...) ده عمل كدا في روفان، وإنت طول الفترة دي بتقولي أنها كويسة؟!.. سبتها للموت يا حيوان، سلمت أختك للموت عادي وفضلت واقف في مكانك، وكمان بتحرمني مني أقف جمبها.

حاول "يحيى" التحدث باللهجة ضاجرة:

-أفهم الأول الكلام إللي بتقوله، وبعدين إنت جبت الكلام ده منين؟!..

رد عليه "فادي" بغضب جامح:

-عرفت من أهل القرية، 3 يتصلوا بيا الصبح ويباركولي على براءة أختي، ده غير الرسايل إللي عمالة تجيلي، بقى أنا أعرف من الغريب، وأكيد صدقت اللعبة الـ(...) إللي نائل الـ(...).

رد عليه بإنفعال:

-بقولك إيه صوتك يوطى معايا، إنت ناسي أن أنا الكبير ولا إيه؟!..

رد عليه "فادي" بلهجة محتدة:

-لأ مش ناسي، وهحاسبك على عملتك دي لما نتقابل، أنا حجزت أول طيـارة نازلة على مصر يا يحيى، ولما أشوفك، هحاسبك كويس أوي على عملتك السودة في حقي وفي حق روفان.

أنهى المكالمة معه دون أن يستمع إلى رده، فـ تفاجئ "يحيى" من تلك الحركة، ضغط على شفتيه بعنفٍ، قبل أن يستمع إلى طرقات على باب المنزل، فتوجه بخطى سريعة نحو الباب وفتحه، لتُصيبـه الصاعقة وهو يرى "هارون" يقف أمامـه من جديد قبل أن يهمس بلهجة هادئة، عنميقة كعمق البحر:

-أنا جاي عاوز أطمن على روفان، وأتكلم معاها.

ثم إبتسم إبتسامة جانبية.. ساخرة وهو يكمل جملته:

-ده بعد إذنك يعني، وبالمرة نشرب شاي.


*****

#أحيا_بنبضها.

#أميرة_مدحت.

1-يا ترى إيه خطة المجهول الجاية.

2-روفان علاقتها هتكون عاملة إزواي مع يحيى؟

3-فادي هيعمل إيه لما يتواجه مع أخوه ويشوف أخته ويعرف إللي حصل بالتفاصيل؟

3-رد فعل الفرعون لما يعرف أن فادي وصل؟! وأن كدا في حرب هتحصل؟


رواية "أحيـا بنبضهــا".

"الفصل الثامن عشر".


مُنذ أن عرفتك، عرفت للغرق أنواع أُخرى غير الماء.


دخل "عزيز" غرفة نومه، ليجد زوجتـه "ماريا" تهب واقفة من المقعد الكبير الهزاز، وتتحرك نحوه بعينين لامعتين من الضجر، تفهم "عزيز" ما يدور في عقلها وأوصلها إلى تلك الحالة، فـ تنهد بحنق وهو يخلع سترتـه قبل أن يخبرها بلهجة ممتعضة:

-إيه يا ماريا؟!.. إيه الوش الكئيب ده؟!.. بقى دي مقابلة تقابليها لجوزك؟!..

ردت عليه بجدية قاطعة:

-متستعبطش يا عزيز، إنت عارف كويس أوي إيه إللي مضايقني، وإللي أنا مش قادرة أفهمه إنت إزاي فضلت واقف ساكت ومتحركتش في موضوع روفان.

رد "عزيز" عليها بلهجة محتقنة:

-يعني كنتي عوزاني أعمل إيه يا ماريا؟!.. هو إنتي مش عارفة هارون ودماغه؟!.. هارون عنـيد، ومحدش يقدر يقف قصاده، وإنتي عارفة ده كويـس.

تنهدت بضجر وهي تخبره بحدة:

-يا عزيز، إنت عارف يعني إيه روفان تطلع براءة، وهارون ميفكرش يحاسبها على ذنب أبوها إللي ملحقش ينتقم منهم، دي مصيبة، وبعدين إنت مش واخد بالك من حاجة؟!..

عقد ما بين حاجبيه وهو يسألها:

-حاجة إيه؟!..

عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تُجيبه بلهجة ساخرة:

-إن هارون فضل واقف جمب روفان لغاية آخر لحظة، وعلى حسب مصادري الخاصة يا عزيز، كلهم بيأكدولي إن هارون بيميـّز في المُعاملة مع روفان عن أيّ حد يعرفه، عن أيّ سجين عنده، وده شيء مايطمنش أبدًا.

قطب جبينه بقوة وهو يسألها بنبرة مُحتدة:

-قصدك إيه يا ماريا؟!.. قصدك أن هارون مُمكن يحبها؟!..

إبتسمت ساخرة وهي تخبره مؤكدة:

-طبعًا، وليه لأ؟!.. هو مش له قلب، وخصوصًا إنه وارث قلب أبوه وأمه، والأتنين ماتوا وعشقهم لبعض كان حديث القرية كلها، حتى إنت يا عزيز.

أقتربت منه وهي تضع يديها على صدره وتنظر لعُمق عينيه مباشرةً قبل أن تهمس له بثقة رغم لهجتها الرقيقة:

-رغم إن الكل بيخاف منك، والكل شايف إن مفيش حُب في قلبك أبدًا، إلا أن دقات قلبك بحس بيها لما بتبقى واقف قدامي، والحب إللي الناس معتقدة إنه مش موجود خالص، موجود ليا أنا وبـس.

أرتبك "عزيز" للحظةٍ قبل أن يرفع يده ويمدها نحو خصلات شعرها القصيرة ويداعبه وهو يخبرها بإبتسامة صغيرة:

-إنتي عارفة كويس إنتي بالنسبالي إيه يا ماريا؟!.. مقدرش أعيش من غيرك لا إنتي ولا بنتنا كاميليا.

صمت للحظةٍ قبل أن يتابع بضيق:

-كل إللي بعمله ده عشانكم، وعشان أطفي النار إللي في قلبي إللي قايدة بقالها سنين.

ردت عليه "ماريا" بإبتسامة رقيقة ولكن صوتها حاد كالسيف.. يملؤه اللؤم:

-وعشان نوصل لهدفنا يا عزيز، فـ وجود روفان خطر علينا، خطر على كل الخطط إللي بقالنا فترة بنرتبها، فـ عشان كدا لازم نتصرف وبسرعـة، قبل ما بنتنا ترجع من برا مصر، عشان نعرف نكمل في خطتنا.

لمعت عيناه ببريق متوجس وهو يخبرها:

-هي كاميليا قالتلك هتيجي مصر إمتى؟!.

ردت عليه وهي تذمّ شفتيها:

-لسة معرفش، كاميليا هتكلمني على آخر الأسبوع وهتقولي، المهم زي ما قولتلك لازم نتصرف وبسـرعة في البنت إللي إسمها روفان.

حرك "عزيز" رأسه بالإيجاب قبل أن يحدثها بلهجته الواثقة وهو يربت على كتفها:

-إطمني يا حبيبتي، لو حسيت فعلًا إنها هتبقى خطر، أو فكرت تقرب من قلب هارون، ديتها عيار طايش، ونخلص منها خالـص.

نظر في نقطة فراغ أمامه، قبل أن يكمل كلماته الخطيرة بلهجته القاسية:

-مفيش حد هيعيش في قلب هارون، ولا هخليه يحب غير بنتنا كاميليا، هارون وكاميليا لبعض من ساعة ما أتولدوا، ومش هسمح إن حد يكسر الخطة دي بذات إللي أستنيت تنفيذها عمر بحاله.

*****


تحركت "رزان" للخارج لترى من اللذي تواجد بمنزل رفيقتها، فـ شهقت بصدمة وهي ترى الفرعون يقف قبالته بإبتسامته المتغطرسة، وهو يؤكد له أنه يقابلها حتى إن كان لا يُريد ذلك، فـ تراجعت للخلف على الفور، وركضت نحو رفيقتها وهي تخبرها بنبرة تلهف:

-روفان، الفرعون بـرا وعاوز يطمن عليكي.

تصمنت في مكانها وهي تهمس بعدم إستيعاب:

-الفرعون بنفسـه؟!..

نهضت من على فراشها، وعدّلت من وضعية لباسها، توقفت أمام المرآة وهي تسحب الفرشاه تمشط بيه خصلات شعرها الطويلة السوداء، تابعتها "رزان" بإستغراب من حالتها قبل أن تلتفت نحوها وهي تسألها بإرتباكٍ:

-هو أنا شكلي عامل كدا ليه؟!..

دنت منها وهي تخبرها بحنوٍ مثير:

-ده إرهاق يا قلبي، هو إللي شوفتيه الأيام إللي فاتت دي كلها، كان شوية؟!..

حركت رأسها بالإيجاب وهي تتحرك نحو الخارج، فـ وجدت الفرعون يتحرك نحو غرفة الصالون، ولكن توقف في مكانه وهو يراها أمامه بجمالها البسيط الخلاب، ظل واقفًا أمامه بثباتٍ، قبل أن يُردف بلهجة قوية.. ثابتة:

-يونس مستنيكي برا يا مدام رزان، وعاوزك في موضوع مُهم.

قطبت "روفان" جبينها بتعجب، وهي تلتفت برأسها لترى "رزان" تقف عن باب الغرفة، أرتبكت "رزان" وهي تسأله بإستغراب:

-مستنيني أنا؟!..

أومئ "هارون" برأسه دون أن ينبس بكلمةٍ، فـ تحركت "رزان".. ومرت بجانبهم، حتى وصلت للخارج، لتبتسم وكذلك عينيها وهي تهمس:

-يونـس؟!..

كانت إبتسامة "يونس" مُختلفة تلك المرة، كانت إبتسامة غريبة، مزيج بين الألم.. والعجز؛ مما جعل القلق ينهش بقلبها المسكين.

أما في الداخل، كان "هارون" مازال يقف بطوله المُهيب قبل أن ينظر بجانبه نحو "يحيى" وهو يسأله بسخرية قاتمة:

-مفيش شاي ولا إيه؟!.. عيب يعني.. ده أنا هنا ضيف.

مط "يحيى" شفتيه للأمام بضجر، وهو يتحرك من أمامهم نحو المطبخ متمتمًا بعدة كلماتٍ غير مفهومة، وما أن دخل غرفة الطعام، حتى قبض على معصم "روفان" وجذبها إلى غرفة الصالون، شهقت "روفان" بعدم إستيعاب خاصة حينما أبعد خصلات شعرها عن وجهها يتمعن في وجهه قبل أن يسألها بنظراتٍ قلقة ودقات قلبه تتعالـى:

-إ.. إنتي كويسة؟!..

هزت رأسها سريعًا وهي تؤكد له بإبتسامة:

-أنا كويسة، المهم إنت؟!..

تلاشت إبتسامتها تلقائيًا وهثي تسأله بقلق ونظراتٍ خائفة:

-وإللي ضرب نار ده؟!.. كان عاوز يقتلني؟!.. ولا أنا بتهيألي.

مسح على وجهها بحنوٍ وهو يخبرها بلهجة واثقة وعينين تبرقان بحزم:

-ماتخفيش، ومتفكريش في حاجة، عاوزك تفضلي مطمنة إني هفضل موجود في حياتك أحافظ عليها، حتى لو التمن حياتي.

تسائلت بتشتت:

-وليه كل ده؟!.. أنا أستاهل ده؟!..

ردت عليها بإبتسامة صغيرة.. جذابة:

-إنتي تستاهلي كل حاجة حلوة، تستاهلي إني أدفع حياتي مقابل إنك تبقي بخير وبـس.

-طب ليه؟!..

لم يجد الإجابة المناسبة، فـ هز رأسه بالسلب وهو يضغط على شفتيه بقوة قبل أن يُجيبها بهدوءه:

-معرفش، صدقيني معرفش، بس كل إللي عاوزه إنك تبقي بخير، وتستحملـي إللي هيجرا الأيام الجاية، والأهم...

صمت قليلًا قبل أن تتغير نظرة عينيه في تلك اللحظة لنظرةٍ غريبة وهو يتابع:

-إنك متكرهنيـش.

-أكرهـك؟!..

تفوهت بها بعدم إستيعاب قبل أن تضحك وهي تخبره بإبتسامة واسعة:

-إنت لو تعرف أنا شيفاك إزاي هتطمن، أنت أمان ليا، أمان محستش بيـه من زمان، إزاي أكرهك؟!.. وبعد كل إللي عملته ليا، ليه أكرهك؟!..

نغزة عنيفة ضربت قلبه، قبل أن يدنو منها "هـارون" وهو يخبرها بلهجة قوية:

-إسمعيني كويس يا روفان، لأن الكلام ده يا عالم هقدر أقوله تاني ولا لأ، وبنفس الإحساس إللي أنا حاسه، عاوزك تكوني قوية، ومتخليش حاجة تهزمك، أنا.. أنا مبحبش أشوفك ضعيفة أبدًا، إياكِ تضعفي، إياكِ تنهزمي قدام حد، إياكِ تستسلمي.

تسائلت بهمسٍ مرتجف:

-هو إنت ليه بتخوفني منك؟!.. ليه محسسني إن القيامة بكرا هتقوم.

قبض على ذراعيها بقوةٍ وهو ينظر لعمق عيناها وهو يحدثها بنبرة عميقة كعمق البحر:

-لازم تخافي مني، لأن أنا نفسي خايف من نفسي يا روفان، خايف أأذيكي من غير قصد.

أبعد يديه عنها وهو يتابع بهمسٍ قوي.. مُختنق:

-أنا تعبت نفسيًا جدًا، وضغط على نفسي فوق ما حد يتخيل، عشان أعرف أحقق العدالة وأبعد الغضب إللي كان حارق قلبي وقتها منك ومن عيلتك.

توسعت عينيها بذهولٍ صادم وهي تُشير على ذاتها مُتسائلة:

-أنا؟!.. إنت قصدك إيه؟!..

تنهد بحرقة قبل أن يدنو نحوها من جديد، وهو يقول لها بجدية رغم هدوء نبرته:

-هتفهمي بعدين كلامي، لكن لازم توعديني بإنك تنفذي كل كلمة قولتها، وأعتبري أن ده أمر مني، ولازم يتنفذ بدون مناقشة.

كان الذهول بعينيها يلتمع بشدة، ورغم ذلك أكدت له بصوتها الرقيق.. الناعم:

-وأنا وعدتك قبل كدا بأني هنفذ أمرك، وبوعدك تاني أني هكون قوية قدام أي حد هيكسرني حتى لو كنت إنت.

تنفس "هارون" بعمق ليحافظ على ذلك الهدوء الحذر الذي يعتري ملامحه قبل أن يتابع بنبرة واثقة:

-وعهد عليا بإن عينيا هتكون عليكي في كل حتة تكوني موجودة فيها عشان تكوني في أمان، ومهما كان إللي بينا من حلو أو مُر، فأنا هحميكي من إللي يفكر يأذي شعره منك.

أمتدت غابة السكون بينهما بعد كلماته، قبل أن يستمع إلى صوت هادر من "رزان"، أعتري الخوف على تعبيرات "روفان"، وهي تنظر للفرعون الذي أغمض عينيه بقوة وبضيق بيّن وقد فهم ما حدث وسيحدث الآن.

*****


في الخارج،

وقفت "رزان" تنظر له بعيون مذهولة، ترقرقت الدموع في عينيها وهي تقبض على تلابيب "يونس" الذي تفاجئ من حركتها المباغتة، ولكنها كانت في حالة اللا وعي، وهي تهدر بصوتٍ غاضب منتحب:

-يعنـي إيه؟!.. يعني إيه مش هيتعاقب؟!.. يعني هيخرج من المعتقل.

إتسعت عينيها برعبٍ، ودموعها تهبط على وجنتيها بمرارة، بدأت تهزه بعنف من تلابيبه وهي تصرخ بإنهيار:

-هتسلمني له؟!.. هتخليه ياخدني غصب على مصر؟!..

قبض "يونس" بعنف على يديها وهو يهدر بغضب:

-مش هيحصل يا رزان، مش هسمحله، أهدي وأسمعـي.

ردت عليه وهي على حافة الأنهيار:

-أسمع؟!.. أسمع إيه؟!.. إنت هتسلمني له يا يونس، هيجيلك قلب إنك تسبني معاه بعد ما قتل إبني، ودمر حياتي، وتقولي أهدى، إنت كدا بتحكم عليا بالموت.. بالإعدام.

هدر "يونس" بلهجة عصبية وقد برزت عروق نحره:

-قولتلك مش هسمحله ياخدك، خليكي واثقة فيا، أنا عمري ما هخذلك.

ردت عليه بلهجة ثائرة وهي تُشير بيدها بتحدٍ سافر:

-إسمع يا يونس، أنا مش هستنى لما تتصرف، لو جلاتل خرج من المعتقل، وهوب من ناحيتي، هقتلــه، والله العظيم لأقتله.

إتسعت عينيه بصدمة وقبل أن ينطق بكلمةٍ، وجدها تتابع بجنونٍ غاضب:

-ومش هسمحلك تمنعني عنه، زي ما منعتني أقتل نائل زمان، هخلص عليه وأخد حقي وحق إبني إللي ملحقش يدفى في حُضنــي.

قالت آخر كلماتها وهي تدفعه بعنفٍ هادرة:

-إبعد عنـي، ملكش دعوة بيا.

ودفعته بعنف، فـ تراجع جسده خطوتين فقط للخلف، وهو يتابعها بعيون واسعة، وبقلب تتعالى دقاته بخوفٍ، فـ "رزان" في غضبها تتحول مائة وثمانون درجة، وجدها تركض لداخل المنزل، وما أن دخلت حتى وجدت الفرعون أمامها وهو يسألها بلهجة محتدة:

-إيه إللي إنتي قولتيه برا ده؟!.. إنتي عارفة إنتي كدا بتعملي في نفسك ليه؟!..

ردت عليه بشراسة:

-وإنت لما تسلمني ليه، فكرني هبقى كويسة وعلى طبيعتي، لازم تعرف إني مش هعيش معاه ثانية واحدة يا فرعون، ولو عشت معاه، فـ قبل الثانية ما تخلص، هتلاقيني يا قتلتـه.. يا قتلنـي، وأنا مش هينفع أموت قبل ما أخد حقي منه.

هدر "هارون" بلهجة حادة يملؤها الغضب الجامح:

-فـوقي يا رزان، وشوفي إللي أنتي بتقوليه.

كانت "رزان" تتابع ما يحدث بينهما بنظراتٍ خائفة جليّة، ردت "رزان" عليه بقوةٍ وهي تقول بتهكم:

-إنت مش هتحس بيا أبدًا، إنت طول عمرك بتحكم وبس، ماشي وكأنك فرعون وبس، إنت مجربتش الوجع وحرقة القلب، فـ متتكلمش وإنت مش واعي إنك بترميني في نار جهنم.

-رزاااااان.

هدر بها "يونس" وهو يستمع إلى كلمات "رزان" الحادة؛ والتي بالتأكيد أوجعت قلب "هارون"، وبالفعل قست ملامحه بشكلٍ مُخيف، وبرقت عيناه بغضبٍ يكاد أن يدمر الأخضر واليابس، دنى منه وهو يقبض على معصمها بعنفٍ قبل أن يهمس همسٍ خير:

-حد تاني، كنت دفنته مرح ما إنتي واقفة، لكن أنا هسيبك لأنك مش في وعيك.

تحرك "يونس" نحوه وهو يقبض على يده بالقابضة على معمص "رزان":

-سيب إيدها يا هارون، متمسكهاش كدا.

أرتعش صدغه بقوة وهو ينظر لها بعينين حمراوتين وهو يخبرها بحدة أرجفت بدنها:

-أنا بسبب الوجع والمُر إللي عشته من وأنا عندي 11 سنة لغاية دلوقتي مش عارف أعيش زي ما الكل عايش، إنتي مدخلتيش جوايا، ومشوفتيش كم من الوجع والغضب، والنقص إللي في قلبي، فـ إياكِ تقفي قصادجي تاني وتتكلمي معايا بالطريقة دي.

هدر "يونس" بحدة وقد أعمى الغضب عيناه:

-سيب إيدهــا يا هــارون، وإلا...

إلتفت له "هارون" برأسه وهو يسأله بلهجة جافة للغاية:

-وإلا إيه يا.. يا صاحبـي؟!..

*****

#أحيا_بنبضها.

#أميرة_مدحت.


1-الفرعون خلاص هيبدأ الحرب كدا ولا إيه؟!..

2-الحرب دي هتبدأ إزاي؟

3-يونس هيعمل إيه مع الفرعون؟!.. ومع رزان؟!

4-روفان هتتغير فعلا لما هارون هيبدأ يحاربهم؟


رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل التاسع عشر".


صبرًا يا مهلكة،

الحرب ستستمر،

يوم لي.. ويوم لكِ.. ويوم.. لنـا.


شعور الآسى والحزن طغى على "يونس" بدرجةٍ كبيرة، ولكن لم يظهر ذلك على تعبيرات وجهه، فـ ملامحه قد حل عليها الغضب، وأحتقنت عيناه بدرجةٍ كبيرة، قبل أن يهمس بصوتٍ خشن:

-هـارون، متعقدش الأمور بينا، سيب إيدها وتعالى نتفاهم.

لم يجيبه "هارون"، إلتوى ثغره بإبتسامة جانبية قبل أن يترك يد "رزان"، تنفس بعمق وهو يقول بإقتضاب:

-أنا بنفذ القانون يا مدام رزان، القانون إللي رجع لصاحبتك حقها رغم إن كل الأدلة كانت ضدها، فـ متجيش النهاردة وتقولي الكلام إللي قولتيه، إنتي كدبتي علينا وأستخبيتي من جوزك عندنا، ورغم كل ده وقفنا جمبك، رغم إن الجريمة لما حصلت محصلتش على أرضي، ولا أنتي ولا هو نفسه من أرضي.

كاد أن يتحدث "يونس" بإمتعاض، ولكن توقف على مضض حينما وجد "هارون" يرفع يده يوقفه عن إلقاء أي كلمة وهو يقول بصوتٍ حاد:

-خلاص، خلص الكلام.

ثم إلتفت برأسه نحو "روفان" التي ظلت واقفة تنظر له بعينين مذهولتين.. دامعتين، إلا أنه رغم ذلك إبتسم لها إبتسامة صغيرة.. محبة والأخيرة!.. والتي أوجعت قلبها المسكين الذي أستشعر بأن هناك خطبًا ما حدث.. أو على وشك الحدوث.

غمغم "هارون" بضيق وهو يخفض رأسه:

-عن إذنكم.

قالها وهو ينسحب من أمامهم، متوجهًا نحو خارج المنزل، قرر "يونس" عدم تركه بمفرده، فـ أنسحب بهدوء أيضًا، تاركًا "رزان" في حالة ذهول ومرارٍ كبير لم تعد تتحمله، ولكن عيناها إلتمعت بوميض قاسي وهي تهمس ببطءٍ:

-هقتلك يا جلال، لو قربت مني، هقتلك.

دنت منها "روفان" قبل أن تقوم بإحتضانها وهي تهمس بحنق:

-بـس بــس، إيه إللي بتقوليه ده، متقوليش الكلمة دي.

لم تجيبها "رزان" بل بدأ جسدها يرتجف بقوة، فـ بدأت "روفان" تجذبها برفق نحو غرفة النوم، وما أن أدخلتها حتى مددت جسدها الضعيف على الفراش ودثرتها جيدًا قبل أن تستمع الطرق على باب غرفتها، لتتوجه بخطى سريعة نحو الباب وفتحته لتجد "يحيى" أمامها وهو يسألها بلهجة معنفة:

-هي هتبات معانا؟!..

ردت عليه "روفان" بصوتٍ محتد:

-لأ مش هتبات، هي هتنام ساعتين تلاتة وبعدها هترجع بيتها، ولو عندك أعتراض يا يحيى ياريت تقوله، عشان أخدها على بيتها وأنا إللي هبات معاها.

همس لها بصوتٍ مُنفعل:

-وإنتي فكرك إني هسمحلك؟!.. إنتي فاكرة إنك مالكيش كبير ولا إيه؟!..

سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تهمس له وهي تكز على أسنانها:

-يحيى أنا تعبانة، فـ سبني في حالي، ومتخبطش على الباب عشان أنا كمان هنام ساعتين أرتاح فيهم من صداع النهاردة.

صمت "يحيى" وهو ينظر لها شزرًا قبل أن يغادر من أمامها وهو يتمتم بعدة كلمات غير مفهومة، أغلقت الباب بحرصٍ قبل أن تدنو من الفراش مرة أُخرى وجلست على الفراش ومددت جسدها وهي تتأهوه بتعب، قبل أن تنظر نحو رفيقتها وهي تسألها بدفئ:

-حاسة بإيه دلوقتي؟!..

ردت عليها "رزان" بصوتٍ حزين:

-تفتكري أنا حاسة بإيه يعني؟!..

رفعت عيناها تنظر لسقف الغرفة قبل أن تهمس بغلٍ:

-حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا جلال، أشوف فيك يوم وأخلص منك ومن قرفك.

إبتسمت "روفان"، لتسألها "رزان" بإستنكار:

-بتضحكي على إيه أنتي كمان؟!..

تنهدت بحرارة قبل أن تسألها بإبتسامة بائسة:

-عارفة الحاجة إللي بتكبر بيني وبينك مع مرور الأيام؟!..

هزت رأسها بالسلب وهي تُجيبها:

-إيه هي؟!..

رد عليها "روفان" بإبتسامة حزينة رغم أنها تبدو مرحة:

-خيبتي وخيبتك.

إتسعت إبتسامتها قليلًا وهي تُضيف:

ما إحنا مش أصحاب من فراغ.

*****


كان "يونس" هو من تولى القيادة تلك المرة، و"هارون" يجلس بجواره، ولكن عقله وقلبه ليس معه بل في مكان آخر، كان يعلم أنه الآن على وشك خُسارتها، ولكن يجب أن ينتقم، يجيب أن يقتنص لحق والده المهدور.. و والدته التي فقدها مبكرًا دون أن ينعم بحنانها المغمر، وعبقها المُميز الدافئ، لم يخرج من شروده إلا على صوت رفيقه وهو يقول في شئ من إرتباك:

-مش عاوزك يا هارون تزعل مني، بس أنا فعلًا خرجت عن شعوري من غير قصد.

تسائل بلهجة ساخرة نوعًا ما:

-ومن إمتى وإنت بتضايق وبتنفعل بالسهولة دي يا يونس؟!..

ضغط "يونس" على شفتيه بقوة عاجزًا عن الإجابة، فـ حينما يتعلق أي شيء بـ"رزان"، لا يجد نفسه كطبيب نفسي، أو أحد أسياد القرية، بل يجد نفسه شيء آخر أمامها.. شيءٍ مجهول مُميـز.

حاول "هارون" أن لا يضغط عليه كثيرًا، فقال بلهجة هادئة:

-عمومًا ماتقلقش، أنا فاهمك كويس، وعارف كنت تقصد إيه، ومهما كان صداقتنا مش هتتأثر بموقف زي ده، ولا إنت شايف إيه؟!..

هتف مؤكدًا بقوة:

-ده أكيد يا هارون، إنت أخويا قبل ما تكون صاحبي.

صمت قليلًا قبل أن يخبره بمخاوفه:

-بس أنا مش مطمن، إنت فجأة بقيت في خطر من ساعة ما بدأت تدافع عن روفان، ومنعرفش مصدر الخطر منين، ودي مشكلة.

رد عليه "هارون" بصرامة:

-أنا هعتمد عليك إنت والرجالة تشوفوا الموضوع ده، لازم في أسرع وقت أعرف مين هدفه يعمل كدا.

هز "يونس" رأسه بإيماءة خفيفة بإرتباكٍ خفي، مستشعرًا أن هناك خطر كبير يحوم حول رفيق دربه الوحيد، حاول التنفس بعمق وبدأ عقله يدور حول الأشخاص الذين قد يريدون إيذاءه.

*****


في المساء،

كانت "رزان" على وشك فتح باب منزلها لولا شعورها بوجود شخص خلفها وصوت أنفاسه يصل إليها، فـ أرتجف بدنها وأنتفضت من مكانها وهي تستدير بعنف، لتتفاجئ بوجود "يونس" أمامها يعقد ساعديه أمام صدره الضخم، أهتزت حدقتاها بتوتر وهي تنظر حولها قبل أن تسأله بإرتباكٍ رغم لهجتها الحادة:

-إنت إيه إللي جابك؟!..

دنى منها عدة خطوات وهو يخبرها بدفئ:

-جيت علشانك، مكنتش عاوزك تنامي الليلة وإنتي قلبك موجوع، وعقلك عمال يودي ويجيب.

أرتجف بداخلها إلا أنها ظلت واقفة أمامه بصلابة زائفة وهي تخبره بإزدراء:

-لا والله؟!.. بعد إيه يا يونس؟!.. بعد ما قولتلي أن مفيش عقاب، وأنه هيخرج من الحبس ده في أي لحظة، فكرك بعد كل ده هعرف أنام ولا أرتاح حتى؟!.. أنا هبقى نايمة وأنا فاتحة عينيا من الرعب، تقوم إنت آآآ..

قاطعها بوضع إصبعه على شفتاها، صعقت من حركته المباغتة وتراجعت خطوة للخلف، ليخبرها بحنوٍ مثير:

-تفتكري إني بعد ما عرفت كل حاجة عملها فيكي، هسيبه يهوب ناحيتك؟!.. أستحالة يا رزان، إذا كنتِ إنتي هتموتي من قربه منك، فـ أنا هموت قبلك.

تسائلت بهمسٍ مدهوش:

-طب ليه؟!..

صمت لفترةٍ قبل أن يخبرها وهو يتنهد:

-في يوم هتعرفي الإجابة، بلاش دلوقتي.

همست بقهرٍ وهي تخفض رأسها:

-إنت خذلتني.

بهت "يونس" وهو يخبرها بنبرة تلهف:

-أوعي تقوليها، كنت ولا عشت يوم ما أخذل الإنسانة الوحيدة إللي شايفها أجمل شيء في الكون ده كله، إنتي لو تعرفي أنا شايفك إزاي، ولا بحس بإيه أول ما بشوفك، هتطمني، وهتعرفي إن مكانتك في قلبي غير مكانة أي حد.

إبتسمت "رزان" قبل أن تسقط دمعة ساخنة على وجنتها، ولكن مسحتها على الفور قبل أن تقول برجاء:

-يونس، أرجوك أنا...

قاطعها "يونس" بجدية قوية منه:

-رزان، جلال مش هيقرب منك، وهيطلقك.

سألته بذهول:

-إزاي بس؟!.. جلال مش هيرضى إلا لما يحاسبني على هروبي، أنا عارفاه كويس، وممكن ميفكرش يطلقني أبدًا لمجرد أن يتلذذ بتعذيبي.

رد عليها بصرامة غريبةٍ عليه:

-ثقي فيا.

تنهدت من أعمق أعماق صدرها، ليخبرها بإبتسامة جذابة:

-عاوزك تدخلي تنامي، وتحطي في بطنك بطيخة صيفي، طالمًا أنا لسة عايش وجوايا نفس بتنفسه، يبقى هحميكي من أي حد يفكر يقربلك سواء جلال ولا غيره.

إتسعت إبتسامته الواثقة وهو يتابع:

-ويونـس التهامـي لما بيوعد، مبيخلفش أبدًا، والأيام بيننا.

*****

بعد مرور يوم، وتحديدًا في وقت الفجر.

كانت "روفان" قد أنهت صلاة الفجر ووثبت واقفة وهي تغمغم بعدة كلمات تدعو فيها إلى ربها، كانت على وشك خلع إسدالها، ولكن تسمرت في مكانها، حينما وجدت باب المنزل يُفتح، ويظهر منه "فــادي" بحقيبة سفره الكبيرة، ترقرقت الدموع في عينيها بعدم إستيعاب، وهي تدنو نحوه لتجده يفتح لها ذراعيه مبتسمًا بحنوٍ مثير قبل أن يهمس بشوق:

-أحلويتي يا روفان، هو الطلاق فعلاً بيخلي الواحدة تحلو كدا؟!..

تساقطت الدموع على وجنتيها لتشعر بسخونتها الملتهبة قبل أن تركض نحوه وترتمي في أحضانه، لتشهق ببكاءً مريرًا وهي تخبره بصوتٍ منتحب:

-كنت هضيع يا فادي، كنت هضيع لما مشيت.

زادت نبضات قلبه بألم، لتلتمع عيناه بإصرار وهو يخبرها بدفئ:

-بعد الشر عليكي، أنا خلاص رجعت، مش هسمح لأي حاجة تأذيكي تاني، حقك عليا إني مشاركتكيش في وجعك، أنا آسف.

قال كلمته الأخير بألم وهو يتخيل ما حدث لها في غيابه، وإستغلال "يحيى" لذلك حتى يتخلص منها نهائيًا، أعتصر قلبه ألمًا ولكن إلتمعت عيناه بإصرار وحزم أن يأخذها معه في المرة القادمة، حتى لا تشاهد تلك الحرب التي بالتأكيد على وشك الحدوث بينه وبين الفرعون، فهو بالتأكيد ينتظر وصوله.. وحتمًا سيعرف بأنه أتى.

*****


أستقل الفرعون سيارته بعد أن أنهى عدة ملفات تتعلق بأعماله في مصر، وقد قرر أن ينطلق إلى مزرعته، حيث مكانه المُفضل لديه، وخلفه سيارتين من الحراسة حتى يستطيع كل منهم تأمينه من أي خطر، ألتقط هاتفه ما أن إستمع إلى رنينه الصاخب، ليتفاجئ من المتصل، تنهد بعمق قبل أن يضع الهاتف على أذنه مُجيبًا بلهجة جادة:

-أهلًا أزيك يا سليمان باشا.

رد عليه "سليمان" –إبن عم والده الراحل- بإبتسامة وهو يتحرك في غرفة مكتبه:

-أنا تمام، إنما إنت إيه أخبارك، وإيه إللي أنا بسمعه عنك ده؟!.. أنا كل ما عزيز يكلمني يقولي أن القرية مقلوبة.

مط "هارون" شفتيه للجانب وهو يخبره بحدة:

-ما إنت عارف عمي، بيحب يهول أي حاجة وخلاص.

-ولا عشان دي بنت إللي قتلت أبوك؟!..

تنهد "هارون" بإنفعال، قبل أن يسأله بهدوءٍ مريب:

-طب سيبك مني دلوقتي وقولي، أخبار البنات إيه؟!.. هدى وكاميليا؟!..

رد عليه "سليمان" بلهجة ساخرة وهو ينظر نظرة سريعة على أوراقه:

-هما كويسين، بس أختك هدى واخدة دراستها جد في جد، لكن كاميليا شوية تكون كويسة وشوية لأ، تحس إن دماغها مش في الدراسة.

هز رأسه بالإيجاب وهو يقول ضيق:

-أنا كنت متأكد من ده، عمومًا حسابي معاها بعدين، إنت عارف أني مكنتش عاوز أسفرهم برا، لكن لما المنحة جتلهم وإنت أكدتلي إنك هتاخد بالك منهم، قولت خلاص مفيش مشكلة، لكن بإللي بتعمله ده فهي بتقل حسابها.

رد عليه "سليمان" بضحك:

-يا أخي متضايقش كدا، البنت فرفوشة ولسة صغيرة، وعايزة تستمع شوية، عكس أختك هدى إللي دماغها شبه واحد صاحبنا.

إبتسم "هارون" عقب أن تذكر شقيقته الصغيرة والتي يعتبرها إبنته، فهي من تربت على يده، وكبرت أمام عينيه حتى بات الجميع يراها مثله بقوتها وصلابتها.. رغم نعومتها ورقتهـا، فـ تنهد وهو يتابع الطريق بإهتمام، ليسأله الأخير بقلق:

-هو إنت كويس يا هارون؟!.. حاسك مش تمام.

رد عليه "هارون" بغموضٍ قاس:

-داخل على حرب، حرب قلبي خسران فيها، لكن عقلي عاوز ينتصر بكل قوته.

-وإيه إللي خسر قلبك قبل ما تدخل الحرب.

أجابه بلهجة جادة للغاية:

-لما تنزل مصر إنت والبنات وقتها لينا قعدة مع بعض ونتكلم، بس بلاش الكلام يتنطور ويوصل لعزيز باشا، إنت عارف هيعمل إيه.

رد عليه "سليمان" بعدم اللامبلاة:

-إنت عارف علاقتي بيه، عمومًا قريب جدًا هنزل مصر ونتقابل على خير.

هز "هارون" رأسه وهو ينظر للطريق أمامه:

-خير بإذن الله، هو آآ..

لم يستكمل جملته، أحس بعدم إستجابة فرامل السيارة له، وبسرعة إنتقلت أبصاره للمؤشرات الموجودة أمام ناظريه فهتف بصدمة:

-مش ممكن!..

تسائل "سليمان" بقلق:

-في إيه يا هارون؟!..

رد عليه بإضطراب:

-مفيش فرامل.

توسعت عيونه بذهول وهو يهب واقفًا متسائلًا:

-مفيش فرامل إزاي؟!..

-أقفل دلوقتي، لازم أتصرف.

وبالفعل أنهى المكالمة، ووضعه في جيب سترته السوداء، ولكن لا يعلم أن مازال الخط مفتوحًا، و"سليمان" يستمع إلى محاولات "هارون" بعدم التصادم بالسيارات، وفجأة إستمع إلى صوت تصادم عنيف ويليه أنفجار آثار الهلع بالمنطقة والخط قد قطع، إتسعت عيناه وهو يهدر بعدم إستيعاب:

-هــارون، آلـو.. آلــو.


*****

#أحيا_بنبضها

#أميرة_مدحت.

1-هارون إيه إللي جراله؟

2-الحادثة مقصودة ولا غير مقصودة، ومين إللي وراها؟!..

3-رد فعل هارون إيه لما يعرف بوصول فادي، والمواجهة هتبدأ إزاي؟

4-رزان وثقت في يونس؟

5-يونس هيعمل إيه في جلال؟

6-هدى وكاميليا وسليمان هيكون دورهم إزاي في الأيام الجاية؟


❤️❤️❤️


رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل العشرون".


دائمًا يهزمنا الألم دون قتال.


أنقبضت تعبيرات وجه "يونس" فجأة، بعدما هاجمته نغزة عنيفة في قلبه، أبتلع ريقه بصعوبة وهو مازال يقف أمام منزل "رزان"،  نظر حوله بإرتباكٍ وهو يشعر بنغزات عنيفة تهاجم روحه مستشعرًا بأن هناك كارثة قد حدثت، فرك وجهه بإنفعال وهو يهمس:

-هو في إيه؟!..

أهتز هاتفه في جيب بنطاله، فـ أخرجه على الفور ليرى إسم المتصل هو "سليمان"، رفع حاجبه للأعلى بتعجب قبل أن يضع الهاتف على أذنه مجيبًا بجدية قلقة:

-أيوة يا سليمان باشا؟!.. خير في حاجة حصلت؟!..

أخبره "سليمان" بوجهٍ مصدوم ولهجة خائفة للغاية:

-أنا كنت بكلم الفرعون يا يونس، وفجأة قالي أنه مفيش فرامل في عربيته، وآخر حاجة سمعتها صوت إنفجار.

جحظت عيناي "يونس" بقوةٍ وهو يحاول إستيعاب كلماته التي سببت لقلبه إنتفاضة عنيفة، هتف بلهجة محتدة:

-يعني إيه الكلام ده؟!.. فرامل إيه إللي مش موجودة، حصل إمتى الكلام ده؟!..

رد عليه بتوتر قلق:

-من دقايق، وأول ما الخط قطع كلمتك على طول، لأن مفيش غيرك يعرف كل حاجة عن هارون.

تقلبت عيناه فيما حوله بخوفٍ وهو يفكر بريبة:

-يعني الفرعون ممكن يبقى آآ...

توترت عيناه بشدة، ليصيح "سليمان" على الجهة أخرى بإنفعال:

-هو أنا مكلمك عشان تستنتج؟!.. أنا مكلمك عشان تشوفه وتقلب الدنيا لغاية ما تلاقيه وتشوفه كويس ولا لأ، وأول ما توصله تطمني.

تحرك بخطى سريعة نحو سيارته وهو يسأله بقوة:

-طب هو قالك أنه كان سايق ورايح على فين.

أعتصر "سليمان" عقله بشدة حتى أجاب بنبرة تلهف:

-كان رايح على المزرعة.

هز رأسه بالإيجاب وهو يستقل مقعد القيادة، لينطلق بسيارته بسرعة خارقة ومهارة تستحق الإعجاب، قبل أن يخبره بجدية قاطعة:

-خلاص أنا رايحله، وهبقى أطمنك أول ما ألاقيه.. سلام.

-سـلام.

وأنهى المكالمة معه ليقذفه على المقعد بجانبه وهو ينطلق بسرعة كبيرة، محاولًا الوصول إليه في أسرع وقت ليغيثه من أي شر يُدبر له.

*****


لم يعد "هارون" قادرًا على السيطرة في الطريق، ظل يحارب لكي يُطيل من اللحظات التي سيعيشها، كان على وشك التصادم مع السيارة الأمامية ولكن تفادها بمعجزة محتكًا بسيارة أخرى على الجانب، وسيارات حراسته يحاولون إيجاد أي وسيلة مساعدة لإنقاذ رب عملهم، حاول "هارون" إيجاد منقذ وهو ينحرف إلى اليمين وسرعة سيارته تزداد، سحب نفسًا عميقًا قبل أن يفتح الباب ويقفز قفزة عنيفة إرتطمت فيها رأسه بالأرض الصلبة، تاركًا السيارة تستكمل سيرها إلى أن أصطدمت بـ مقطورة ضخمة أدت لإنفجارها وتطاير أشلائها في الهواء.

توقفت السيارتان الخاصة بحراستـه على جانب الطريق ليركض حوالي 6 أشخص نحو "هارون" والقلق ينهش في قلوبهم، تحرك قائدهم أولًا وجثى على ركبته أمامه ليجده فاقدًا لوعيـه على الأرضية، إنحنى عليه فرد آخر متسائلًا بقلق:

-هنعمل إيه يا باشا؟!..

رد عليه القائد بجدية:

-ثانية بـس.

جذب رأس "هارون" بحرص ليشعر بدفء هذا السائل الأحمر الذي أغرق يده، فـ هدر بقوة:

-لازم نتصرف وبسرعة.

هتف أحد الأفراد بقلق:

-خلونا نوديه أقرب مستشفى.

عارض أحدهم حديثه حيث قال بإنفعال:

-مينفعش، إفرض في كسور ولا حاجة، هنعرضه كدا للخطر.

أحضر أحدهم زجاجة مياه، وأعطاها للقائد وهو يخبره:

-نحاول نفوقه، ونشوف إذا كان هيقدر يقوم من مكانه ولا لأ.

أخذها منه في صمت، وبدأ بمحاولة إفاقته، برش بضع قطرات على وجهه، لتنقبض تعبيرات وجه "هارون" فجأة وهو يأن بصوتٍ مسموع:

-آآآه.

بدأ يستعيد وعيه وقد هاجمته الآلآم كثيرًا، تسارعت أنفاسه محاولًا إستيعاب ما حدث، ليسأله القائد بإهتما:

-إنت كويس يا سيدنا؟!..

تحسس "هارون" رأسه هامسًا بألم:

-آآه راسي.

تفحص قائد الحراسة رأسه بإهتمام قبل أن يخبره بهدوء عملي:

-شكله جرح بسيط، حاول تقوم معايا لغاية عربيتنا.

همس "هارون" بصوتٍ متقطع وهو يشعر أنه على وشك فقدان الوعي:

-كلموا يونس، خلوه يجي وهو إللي يجيب الدكتور.

-أمرك يا سيدنا، حاول بس تقوم معانا وإحنا هنساعدك.

عاونه الجميع لكي يستطيع الوقوف على قدمه، ثم قاده قائد الحراسة إلى إحدى السيارتين، أستقل هارون" بالمقعد الخلفي قبل أن يرجع برأسه للخلف ويغيب عن الوعي مرة أخرى.

*****


كان ذلك الشخص المجول يتحرك ذهابًا وإيابًا وهو يهدر بجنون لثلاثة من رجاله الذين يقفون مطأطأون الرأس، وهو يهدر بهم بشراسة:

-هتجنن، هتجنن.. إزاي هارون العربية بتاعته ميكونش فيها فرامل، أنا مش بخليكم تراقبوه دايمًا؟!.. مين قدر يعمل فيه كدا؟!..

رد عليه أحدهم بلهجة جادة:

-والله يا باشا ما في حد قرب من عربية الفرعون، أنا متأكد من كل كلمة بقولها، لأن ده لو حصل كنت هبلغ سعادتك في لحظتها، لكن أنا بأكدلك أن محدش قرب من الفرعون ولا بيقدر يقرب من أي حاجة خاصة بيه.

صمت قليلًا قبل أن يسأله بتشنج:

-طب وعزيز؟!.. مش يمكن هو إللي وراها؟

رد عليه الفرد الثاني مؤكدًا:

-يا باشا عزيز مهما كان هو مش عاوز الفرعون يتأذي، بالعكس ده هدفه في الحياة دي هو أنه يجوزه بنته كاميليا عشان يستحوز على جزء من ممتلكات الفرعون، لكن يأذيه لأ، مستحيـل.

شعر بأنه على حافة الجنون وهو يهدر بهم بعصبية:

-يبقى مين له مصلحة يشيل فرامل العربية، الفرعون مالوش أعداء غيري أنا وبـس، الكـل بيحبـه وبيعمله ألف حســاب، مين جتله الجرأة وعمل كدا؟!.. ميـــن؟!..

*****


أنقبض قلب "روفان" فجأة وهي جالسة أمام "فادي" الذي أخذ يسرد له عن رحلته التعليمية، وعلى ما حصل عليه من تلك الرحلة الرائعة بكل المقاييس، نبضت ملامحها بألم مفاجئ قبل أن تهمس دون شعور:

-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

تسائل "فادي" بقلق:

-في إيه يا حبيبتي؟!..

رد عليه بصوتٍ شارد:

-قلبي أتقبض فجأة.

صمتت قليلًا قبل أن ترفع عينيها تنظر لعينيه مباشرةً وهي تسأله:

-هو إنت تعرف الفرعون معرفة غير أن حاكم القرية دي؟!..

صعق "فادي" من سؤالها المباغت، ولكن لم يظهر على وجهه أي شيء، لتستكمل بلهجة يملؤها الريبة:

-معاملة الفرعون ليحيى وسؤاله عنك، بيأكدولي إن في حاجة إنتوا مخبينها عليا؟!.. إيه هي يا فادي؟!..

تلجلج "فادي" وأعتدل في جلسته بوجهٍ متجهم، فهو لن يستطيع أن يخبرها، لن يستطيع أن يخبرها أن معرفته بـ"هارون" تتعلق بالدم، وأنه على وشك دخول حرب مع كبير البلد، فهو على شديد الإقتناع ببراءة والدهِ، وعلى علم أيضًا بتعلق "روفان" الشديد بوالدها، لذلك رد عليها بهدوءٍ مريب:

-في عداوة بينا يا روفان، عداوة من وقت ما أبونا مات، سواء معايا أو مع يحيى.

نهش القلق قلبها المسكين وهي تسأله:

-طب ليه؟!.. ليه العداوة دي؟!.. ده الفرعون مفيش أطيب ولا أعدل منه.

رفع حاجبه للأعلى وهو ينظر لها بتعجحب قبل أن يتمتم بحدة:

-نعـم؟!..

ردت عليه بلهجة قوية:

-إيه في إيه؟!.. أيوة الفرعون مفيش زيه، كفاية إللي عمله معايا وأنه صدقني، وحارب لغاية ما وصل لبراءتي، وأخويا سابني وصدق عليا الكلام، أو عمل نفسه مصدق.

كان يعلم أنها تقصد بكلماتها "يحيى" تحديدًا، نفخ بضجر كبير، قبل أن يجذب يدها يربت عليه برفق وهو يخبرها:

-أنا مش عاوزك تقلقي يا روفان، وإللي بيني وبين الفرعون ده للأسف مش بسببي ولا بسببه.

-أومال إيه؟!..

سألته بفضولٍ، ليجيبها بغموضٍ:

-الماضي يا روفان، تاريخ البني آدم بيفضل ملازمه لحد الموت، وإحنا أنكتب علينا ده.

قطبت حاجبيها بقوة وهي تخبره بإمتعاض:

-أنا مش فاهمة حاجة.

رد عليه بصوتٍ أجش:

-وأحسنلك متفهميش يا روفان، لأن ده لو حصل، مفيش حد هيتعب أدك، خليكي زي ما أنتي، ومتحاوليش تعرفي أي حاجة تتعلق بماضي هارون أو بماضينا.

قبل أن تتحدث بإندفاع، أشار بيده يوقفها وهو يخبرها بإبتسامة لطيفة:

-بقولك إيه أنا راجع تعبان أوي من السفر، أنا هدخل أنام دلوقتي، ولينا كلام بعدين، تصبحي على خير.

ردت عليه "روفان" بوجهٍ عابس:

-وإنت من أهله.

تابعته حتى دخل غرفته وأغلق على نفسه، لتتنهد بحرارة وهي تضع يدها على قلبها مستشعرة بألم وخوف مبهم من القادم.

*****


أنهى الطبيب عمله، عدما قام بتطهير جرح رأسه، وقام بفحص كامل له، ليتحرك "يونس" نحوه ويجلس على طرف الفراش متنهدًا بتعب وهو يخبره:

-أنا قلبي وقع في رجليا لما سمعت بإللي حصلك، لغاية ما كلموني وقالولي أنك كويس وأجيلك على هنا.

إبتسم "هارون" نصف إبتسامة وهو يخبره بلهجة متعبة:

-ماتخفش أنا بخير.

سأله "يونس" بلهجة محتدة:

-تفتكر مين إللي قاصدها؟!..

صمت "هارون" وهو يخبره بصراحة مطلقة:

-معتقدش أنها بفعل فـاعل، وعمومًا رجالتنا هيفحصوا العربية، ومش هيسكتوا إلا لما يقولولي الخبر الأكيد، وأنها هل بفعل فاعل ولا ده عطل مفاجئ.

تنفس "يونس" بإنفعال وهو يخبره بحنق:

-أنا مبقاش عاجبني الوضع كدا، الخطر بيكبر كل يوم وإحنا مش فاهمين السبب.

رد عليه الفرعون بثقة:

-كل حاجة وليها وقتها، وكلها يومين ورجالتنا هيقولوا إذا كان فعلًا ده عطل مفاجئ ولا بفعل فـاعل.

*****


بعد مرور يومين،

كان الفرعون جالسًا بحديقته قبل أن يدنو منه أحد رجال حراسته ووقف قبالته، ثم قام بتحيته بإحترام قبل أن يخبره بثقة:

-إحنا أتأكدنا يا هارون باشا، أن فرامل العربية حصل فيها عطل مفاجئ، مش بفعل فاعل.

تسائل "هارون" وهو يعقد ما بين حاجبيه:

-متأكد؟!..

رد عليه بصدق:

-آه والله يا سيدنا، إحنا من أول وقت وحسينا بكدا، بس فضلنا نتأكد أكتر من مرة، وزي ما بقولك ده كان عطل مفاجئ.

تنهد بحرارة وهو يمسح على خصلات شعره بقوة، لينتبه إلى كلامه وهو يخبره:

-وفي حاجة تانية لازم تعرفها يا سيدنا، فادي التاجـي رجع من السفر من يومين، ومستني لحظة ظهورك.

عبس "هارون" وهو يهمس بصوتٍ متبرم:

-معقولة الحرب هتبدأ بسرعة كدا؟!..

*****


إستمعت طرقات على باب منزلها، فإبتسمت بفرحة عارمة معتقدة في ذاتها أنه "يونس"، ولكن ما أن فتحت الباب حتى صعقت وهي ترى "جلال" يقف أمامها، وقبل أن تصرخ وجدته يقتحم منزلها ويغلق الباب بقدمه وهو يخبرها بشر دفين:

-النهاردة هاخد حقي منك يا رزان، بقى أنتي تعملي فيا كدا؟!..

ركضت "رزان" نحو غرفتها، ليركض خلفها حتى دخل وقبض على رسغها وجعله خلف ظهرها يثنيه بعنف وهو يخبرها بصوت كالفحيح الأفاعي:

-هتروحي فين يا حلوة؟!..

وصاح بلا هوادة:

-كل الأيام السودة إللي شوفتها في المكان الـ(...) هطلعه عليكي يا بنت الـ(...).

لم تظهر ضعفها بل هدرت بقوة وهي تحاول أن تدفعه:

-إنت حيوان، ومش هسيبك يا جلال إلا لما أنا أخد حقي منك.

أطلقت عيناه شررًا حامية وهو يرمقها بغيظٍ شديد أثناء تهديدها:

-وريني شطارتك يا حلوة، النهاردة هعرف أكسرك.

خفق قلبها بقوة قبل أن تهدر بصريخ عالٍ محاولة الإستغاثة ولكنه قد أخرج من جيبه شريطًا لاصقًا كمم به فمها بحركة واحدة وهو يخبرها بضحكة مخيفة:

-ودي أول حاجة هتكسرك يا روحي، أصل الصراحة مش طالبة معايا صريخ خالص.

ثم دفعها نحو الفراش ليجثم فوقها متحسسًا جسدها بيديه المسعورتين، قاومته بكل قوتها، فقد كان إصرارها على نجاتها أقوى من أي شيء، أقوى من الرعب الذي ينهش بها.

تملك الغضب من "جلال"، ليصفعها أكثر من مرة على وجنتيها، ولكن الأخيرة كانت أقرب إلى اللكمة، لتدور عيناها فيما حولها، ثم كبل معمصيها بيدٍ واحدة، وهو يبتسم بقساوة:

-أنتي فكرك كدا بتنقذي نفسك؟! ده أنتي بتشجعيني على اللي هعمله فيكي، بعد ما بقيتي تحت رحمتي.

كانت تتلوى بشراسة والدموع تنهمر بقوة، تحاول الإستغاثة، ولكن لا يوجد صوت، لقد خذلها "يونس" ولم ينجدها من براثنه، ليقيد ساقيها بقدمه، ولكمة وراء لكمة جعلتها تسكن قليلًا بعدما هاجمها الدوار بضراوة، لتشعر بأنفاسها تزهق، وقد حانت النهاية حينما شق ثيابها، فهي باتت تحت رحمته، فلا مفر من الهلاك.

*****


#أحيا_بنبضها.

#أميرة_مدحت.


1-يا ترى ردة فعل يونس لما يعرف بإللي حصل هتكون إيه؟

2-هتستسلم رزان؟

3-رزان هيحصلها إيه بعد إللي جرا ده؟

4-ردة فعل روفان هتكون إزاي لما تشوف العداوة بعينيها وتعرف السبب؟

5-هارون هيعمل إيه دلوقتي مع فادي ويحيى؟


♥️♥️♥️

رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل الحادي والعشرون".


دارت الدنيا حول "رزان" وتشوشت رؤيتها على أثر لكماته لها، لم تكن تعي ما يقوله حتى، كانت تسمع صوته البغيض بعيدًا وهي تعجز عن رؤيته من خلال عينيها اللتين أغشتهما الدموع، أدركت "رزان" في تلك اللحظة وهي تذرف دموع القهر والذل بأن حياتها شارفت على الإنتهاء.. فبعد لحظات سينتزع منها روحها، ويتركها حطامًا، ولكنها سمعت بعد قليل أصوات ضجيج، ثم توالت الأصوات المختلفة.

أنتفض جسد "جلال" فجأة حينما إستمع إلى صوت تحطم باب المنزل، فـ إبتعد عنها بقلق، فـ إنكمشت على نفسها وهي ترتجف بشدة.

أقتحم "يونس" المنزل وهو مشحون بغضب لا حدود له، نازعًا السلاح الناري الخاص به وخلفه العديد من الرجال التابعين للفرعون، أشداء البنية.. ضخام الأجسام، خرج "جلال" من الغرفة بوجهٍ مذهول، شحب وجهه بعدما رأه وبرفقته العديد من الرجال، وقد تأكد من هلاكه.

حرك "يونس" عينيه نحو "جلال" منتويًا الإنتقام منه بأبشع الطرق، صرخ بشراسة وهو يندفع نحوه بجنون، وأنهال عليه بأعنف اللكمات وأشرسها حتى حطم فكه، فـ تناثرت الدماء من بين أسنانه وأنفه، ليأهوه بعنفٍ شديد وألم أشد.

تراجع "يونس" للخلف عدة خطوات قبل أن يشهر سلاحه نحوه ما أن رأه وهو يخبره بعصبية طاحنة:

-حذرتك مرة وأتنين بإنك تبعد عنها، وتتقي شري، لكن بما إن صوتك من دماغك، يبقى تتشاهد على روحك يا (...).

وصوب سلاحه نحو كتفه، لحظة واحدة وكانت إنطلقت رصاصة تعرف طريقها جيدًا، وصرخة ألم أرتفعت بالمكان قبل أن يهدر:

-مش هسيبك، ورحمة الغاليين لأخلص عليك وعليها في وقت واحد.

هتف "يونس" صائحًا بصوتٍ جهوري لرجاله وهو يُشير بيده:

-خدوا الكـلب ده، بس مش على المعتقل، على المخزن المهجور إللي برا القرية.

حرك أحدهم رأسه بالإيجاب قائلًا:

-أمرك يا يونس باشا.

هرول "يونس" في إتجاه الرواق وقلبه يقفز بين ضلوعه فزعًا عليها، حتى وجد باب اللغرفة مواربًا، فدخل على الفور دون أن ينتظر لثانية واحدة، ليتسمر في مكانه وكأن الأرض قد تزلزت من تحت قدميه، تجمدت أعينه عليها وهي بتلك الصورة، حينها شعر بأن قلبه توقف عن النبض، وقد فقد القدرة على التحرك أو النطق.

أرتجف جسده للحظة حينما وجدها ساكنة.. ضعيفة على الفراش، شعر أن روحه تنسحب ببطءٍ وهو يجيل نظره عليها، وقعت عيناه على إسدالٍ ملقي على الأريكة، فجلبه بلهفة وهو يتحرك نحوها، لتهتز مقلتي عيناه وهو يرى جروح وكدمات وجهها، نزع الشريط الاصق من على فمها فشهقت بعنفٍ، أحنى جسده عليها وهو ينظر إلى معالم وجهها التي تاهت من شدة اللكمات، قبل أن يهمس بخوفٍ:

-رزان!..

أستقام واقفًا وهو يحاول إلباسها إسدالها الأزرق القاتم، فـ شهقت بذعر حينما شعرت بلمسات يدٍ غريبة عليها، ووجدت القوة لتصرخ:

-سيبنـي، إبعـد عنـي، سيبنــي حرام عليك، كفاية إللي عملته زمان فيا وفي إبننا.

سمعت صوت مألوفًا يقول لها بدفء:

-ماتخفيش، إنتي رجعتيلي خلاص، وبقيتي معايا محدش هيقدر يقربلك تاني، إطمني.

تنازع قلبها بمشاعر مضادة متناقضة، وما أن قام بإلباسها الإسدال وجعلها ترتدي حجابها، حتى مرر ذراعه حول ظهرها، والآخر أسفل ركبتيها، ليحملها "يونس" بين ذراعيه، فتحت عينيها نصف فتحة لتهمس بإعياء:

-يونــس!!.. إتأخرت.

شعر بالنار تنهش في صدره، ليضمها إلى صدره دون شعور وهو يخبرها بندم:

-حقك عليا، حقك عليا يا أغلى من حياتي.

تشبثت أصابعها به بوهنٍ غريب، ليسحب يونس" نفسًا مرتجفًا وهو يركض بها خارج المنزل، إلى سيارته تحديدًا، محاولًا إيداعها بحدى المشفيات بعد ما وصلت إليه على يد المسمى بزوجها اللعين "جلال".

*****


وقف "عزيز" أمام إحدى بالمنازل، يتابع بعينيه الحادتين منزل "روفان"، القلق من تلك الفتاة جعله يأتي ويقف منتظر خروجها، إلتوى ثغره بإبتسامة جانبية وهو يراها تخرج من المنزل، وقد قررت أن تتجه إلى إحدى الأسواق المعروفة، حتى تقوم بشراء مستلزمات المنزل، فـ قرر "عزيز" أن يراقبها حتى ينفرد بها في مكان خالٍ عن عيون الناس.

وبالفعل بعد أكثر من نصف ساعة، كانت قد إتجهت إلى إحدى الطرق الجانبية والمختصر لمنزلها، لتتفاجئ بوقوف رجل في منتصف الخمسينات أمامها، يرمقها بشر دفين، قبل أن يسألها بصوتٍ محتد عنيف:

-إنتي روفان التاجي؟!..

ردت عليه بصوت قلق:

-أيوة أنا روفان، حضرتك مين؟!..

أجابها بلهجة حانقة للغاية ولكن بثقة عالية:

-أنا عزيز الكـردي، عم الفرعون.. هارون.

تراجعت للخلف خطوة وهي تشعر بقلق من ملامح ذاك الرجل، فهي شديدة القسوة، وعينيه تلمتع ببريق مخيف بالنسبة لها، تسائلت بصوتٍ مرتجف:

-طيب وآآ.. حضرتك عاوز مني إيه؟!..

رد عليها وهو يشير بيده؛ كتحذير لها:

-هي كلمة واحدة، وتنفذي إللي هقوله، الفرعون إياكِ تقابليه تاني، تبعدي عنه، ومالكيش دعوة بيه تاني، سمعتي كويس.

تسائلت بحدة:

-حضرتك بتكلمني كدا ليه؟!.. وبعدين كل مقابلاتي مع الفرعون مش بتبقى مترتبة.

شهقت برعب وهي تراه يجذب خصلات شعرها بعنف، أدمعت عيناها وهي تحدجه بذهول، لترى تعبيرات وجهه القاسية تزداد قساوة وهو يخبرها بلهجة حادة عنيفة:

-إسمعي يا بت إنتي، قسمًا بالله لو مبعدتيش عن إبن أخويا وسبتيه في حاله، لهقتلك وأدفنك مطرح ما أنتي واقفة.

إبتسم "عزيز" بشراسة وهو يخبرها بإنفعال:

-أنا مش عادل زيه، ولا بعرف أتحكم في نفسي زيه، رد فعلي بيبقى سريع وعنيف يا بنت التاجي.

تسائلت "روفان" بقهر وهي تنظر له بعدم إستيعاب:

-سيب شعري أنا معملتش حاجة، هو في إيه؟! أنا عملت إيه لكل ده؟!.. مالك بيا؟!

عادت تصرخ بألم وهو يجذبها بعنف نحوه صائحًا بسخرية قاتمة:

-مالك بينا إحنا وبإبن أخويا، إسمعي وده آخر كلام، لو فكرتي تقربي منه هقتلك، هقتلك زي ما أبوكي عملها زمان، وبلغي أخواتك الرجالة بأن الحرب بدأت ومعايا أنا قبل هـارون.

توسعت عيونها وهي تسأله بهمسٍ مصدوم:

حرب إيه؟!.. إبعد عني، إبعــد بقولك، مش هسمحلك تستقوى عليا.

قالتها وهي تحاول أن تدفعه بعيدًا عنها، وبالفعل أصطدمت رأسه بغصن شجرة ليتأوه بألم، قبل أن يظهر بريق مخيف بعينيه، ليعاود جذبها من سعرها قبل أن تفر منه، ورفع يده غالبًا في الهواء منتويًا على صفعها وهو يهدر:

-أنا هوريكي يا بنت الـ(...) مين هو عزيز الكردي.

ووقبل أن يهبط بيده على وجنتها، وجد قبضةٍ من حديد تمنعه من فعل ذلك، ليلتفت برأسه بحدة لتنويع عيناه وهو يرى عيني "هارون" حمراوتين كالدم، وكجمرتين من النار وهو يهدر بصوتٍ جهوري:

-بتمد إيدك يا عمي على واحدة ست؟!.. وعلى مين؟!!.. روفان؟!..

هدر بإنفعال:

-وانت مالك بيها؟!

رد عليه "هارون" بهمسٍ قوي.. شرس:

-لو فاكر أن روفان لوحدها يا عمي، فأنت غلطان، أنا معاها وجنبها، ومش هسمحلك تأذيها طول ما أن عايش.

*****

أخترق البوابة الأمنية الخاصة بمشفى الكـردي دون أن يكترث لصياح رجال الأمن من خلفه، لكنهم تراجعوا عنه عندما عرفوا هويته، صف "يونس" سيارته أمام المدخل ثم ترجل منها راكضًا نحو الباب الآخر لها، نزع حزام الأمان عن "رزان" ليتمكن من حملها وركض بها نحو ردهة الأستقبال صارخًا:

-حد يجي هنا بسرعة.

تجمع بالفعل عدد من الأطباء حوله وأسرع أحد الممرضين بإحضار الناقلة الطبية، وبحذر شديد تناولها منه وأسندوها عليها، دفع "يونس" الأطباء الذين أعترضوا طريقه ليمسك بكفها المتدلي وهو يهتف بتلهف:

-مش هتبعدي عني تاني يا رزان، أنا خلاص قلبي مبقاش مستحمل.

هتف أحد الأطباء بجدية:

-جهزوا الطوارئ بسرعة.

وقعت أنظار كبير الأطباء بالمشفى على وجه الشابة، عرفها على الفور، لقد إلى هنا من قبل، إذَا حضورها اليوم سيكون مصحوبًا بمشاكل جمة، إستبعد عن عقله مؤقتًا التفكير في أمرها، ليسد بجسده على "يونس"، وهو يخبره بجدية:

-من فضلك يا يونس باشا، خليك هنا، وهنطمك عليها.

أضطر أن يتراجع للخل ويترك يدها، لكن نظراته لم تتركه حتى بعد ولوجه للداخل، ضرب بقبضته المتكورة الحائط بعنفٍ:

-كانت هتضيع، كانت هتضيع منـي.

لولا أنه تلقى مكالمة هاتفية من أحد رجاله الذي كلفه بمهمة مراقبة "رزان" ليلًا ونهارًا، حتى يطمئن عليها إن خرج "جلال" من المعتقل، وبالفعل حدث ما كان يخشاه.

مرت عليه الدقائق كساعات طويلة وهو يراقب غرفة الطوارئ بأعين ملتهبة، ذرع الرواق جيئة وذهابًا حتى تخدلت ساقيه، فألقى بثقل جسده على أقرب مقعد، أهتز جسده وتوترت أعصابه وهو ينبذ عن عقله فكرة خسارتها.

دفع كبير الأطباء باب الغرفة ليهب "يونس" من مكانه متسائلًا:

-ها، إيه الأخبار؟!..

رد عليه بهدوءٍ وهو يبتسم له:

-ماتقلقش يا يونس باشا، هي معندهاش غير الكدمات والجروح، ودول مع الكريمات والمراهم هيرحوا مع الوقت، لكن حالتها النفسية، فـ أنا أعتقد أنها هتحتاجك كطبيب نفسي، لأن من إللي أنا شوفته، يخليني مبقاش مطمن وقلقان.

ألمه قلبه بعنف، فـ تراجع للخلف وهو يقول بلهجة ألم:

-تمام، وأنا هفضل معاها ومش هسيبها.

حاول أن يكون هادئًا نوعًا ما وهو يسأله:

-ممكن أشوفها؟!..

-تمام هننقلها بس الأول أوضة عادية، وتقدر تشوفها خمس دقايق مش أكتر!.

*****


إبتسمت "روفان" وهي تستمع إلى كلماته القوية، إطمئن قلبها أنه موجود بجوارها، ويدافع عنها أمام عمه البغيض، الذي إرتفع حاجباه بذهول وهو يرى إبن أخيه يقف أمامه ويتحداه، ليصيح بصوتٍ جهوري:

-إنت بتقف قصادي، وبتعادي عمك الوحيد عشان بنت القـاتل دي؟!..

توسعت عيناي "روفان" وهي تضع يدها على فمها محاولة أن لا تخرج شهقتها المصدمة من كلماته الأخيرة، فـ زاد الغضب بداخل "هارون" وهو يقبض على كتفي عمهِ هادرًا بتشنج:

-بــس يا عمـي.

دفعه "عزيز" بحدة نوعًا ما، وقد احتج هاتفًا بعصبيةٍ وهو يلوح بذراعه:

-دي الحقيقة، أبوها قتـل أبوك، وإنت لسه واقف بتحميها وبتدافع عنها، لسة مخدتش حقك منها ومن عيلتها الـ(...)، كل ده ليه؟!.. ليـه؟!..

ارتفع حاجبها للأعلى متسائلة بوجه مشتعل:

-إيـه إللي إنت بتقولــه ده؟!..

هدرت "روفان" بإنفعال وهي تدنو نحو "عزيز"، ليرمقها بنظراتٍ مغلولة، قاطبًا جبينه بقوة، إبتسمت بصدمة محاولة إستيعاب كلماته السامة وهي تخبره بإستنكار:

-بابا مين إللي قتل؟!.. بابا مكنش بيستحمل يشوف فارخة تدبـ.ح قدامه، يقوم يقتل، أنت بتتكلم عن الشخص الغلط.

هدر "عزيز" بلهجة شياطنية:

-لأ يا روح أبوكي، ده الكلام إللي قالوه أخواتك، لكن الحقيقة أن إحنا لينا تار عندكم، وهناخده مهما جر، أبوكي قتل أخويا بدم بارد، عشان كان خايف أنه يفضحه بعد ما أكتشف أنه بيسرقه وبيدخل بضاعة بايظة، وبياخد فرق السعر لحسابه.

بدا صوتها حادًا وهي تهدر بعصبيةٍ:

-إنت أكيد كــداب، أنا أبويا مش كدا.

كاد أن يفقد أعصابه من تطاولها عليه، صاح بها بغضب بيّن:

-لو مش مصدقاني، أسألي هارون، وإنتي عارفة كويس أنه مش بيكدب مهما حصل.

صاح به "هارون" صارخًا بانفعال وقد استشاطت نظراته وبرزت عروقه الملتهبة:

-مين أداك الحق تتكلم وتقولها إللي قولته، هحاسبك على كل إللي قولته، لأني متأكد إنك قاصد.

ألتفتت له "روفان" بعيون واسعة مدهوشة، أرتجف بدنها وهي تشعر أن العالم يدور من حولها، مــد "هارون" ذراعيه ليتلمس كتفيها لكنها انتفضت بعيدًا عنه صارخة فيه بسؤال مباشر:

-الكلام ده حقيقي؟!..

حاول أن يكون هادئًا وهو يخبرها:

-أهدي وأسمعيني الأول.

ارتفعت نبرتها نسبيًا معلقة وهي تجذب يدها بقوة لتتحرر من قبضته:

-أسمــع إيه؟!.. عمك بيفتري على أبويا وهو ميت، وإنت واقف ساكت؟!..

هدر بنفاذ صبر وقد وضع قبضيه على كتفيها يهزها بقوة طفيفة علها تتخلى عن عنادها العقيم وتصغي لصوت العقل، وقد شعر أنه حان الوقت لمصارحتها بالحقيقة:

-دي الحقيقة يا روفان، من أول يوم شوفتك فيه في المعتقل وأنا ماسك نفسي ماحسبكيش على ذنب أبوكي، أبوكي قتل أبويا، وهي دي الحقيقة.

بكت صارخة بانفعالٍ قد عايشه من قبل:

-إنت كــداب، إنت كـداب زي عمك، أبعـد عني، ومش عاوزة أشوف وشك تـاني.

شخصت نظراته وقست تعابيره على الأخير من هول كلماتها، وقبل أن تغادر من أمامه، قبض على رسغها بعنفٍ هادرًا بلهجة جهورية:

-فوقــي بقى، أنا مش بكدب عليا، وماليش مصلحة في كدا، أبوكي قتل أبويا عشان خاف يكشفه، وحقه مش هيروح وهجيبـه منكم.

جحظت عيناها برعب وهي تسأله بهمسٍ:

-يعني إيه؟!..

بلع ريقه بألم وهو يخبرها بصراحة موجوعة:

-يعني لما طلبت منك تكوني قوية، كان علشان تستعدي إنتي وأخواتك من إللي هتشوفوه منـي أنـا.

رفعت حاجبها للأعلى قبل أن تبتسم، وتتسع إبتسامتها لتتحول لضحكات عالية.. عالية جدًا، و"عزيز ينظر لها بعينين ذاهلتين، و"هارون" قد إنقبض قلبه بعنف، ظلت تضحك حتى تحول إلى بكاءً حار وهي تخبره بهمسٍ ضعيف مصدوم:

-حتى إنت يا هارون، حتى إنت كسرتني.

أخبرته بتلك الكلمات وهي تشهق بكاءً أليم، ليتألم "هارون" أكثر وقد أعتصر قلبه بقسوة، لم تتحمل كم الضغوط الهائلة على أعصابها المنهكة، فكانت اللحظة المثالية لتسقط، ولكن تلك المرة ما أن لامست الأرض ركبتيها حتى شعرت بذراعين حديدتين قاسيتين تتلقاها إلى صدرٍ قوي صارخًا بلوعة، حينها غاب عنها الوعي بكل ما يحمله من ألمٍ مفرط.

*****


رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل الثاني والعشرون".


أنتظر على أحر من الجمر وضعها بإحدى الغرف العادية، ليلج إليها أخيرًا بقلبٍ مرتجف حزين، أزدرد ريقه وهو يدنو من فراشها ليرى ما طبعه "جلال" اللعين على وجهها من كدمات وجروح، أخفض "يونس" أنظاره ليحدق بذهول في وجهها الشاحب التورم، رجفة قوية أعترت جسده وهو يراها هكذا تشابه الموتى في هدوئها المخيف، جلس على طرف فراشها ممددًا يده ببطءٍ ليتحسس كفها، رأى كدمة وبعض من الخدوش على رسغها، وبـ أنامل مرتعشة تلمسه بحذر فـ أنتفض جسده بقوة كمن لامسه تيار كهربائي شاعرًا بغصة مريرة عالقة في حلقه، حاول أن يتحدث فخرج صوته متقطعًا حزينًا:

-حقك عليا لو أتأخرت عليا، حقك عليا.

ربت على كفها الذي يتلمسه وهو يخبرها بعيون لامعة:

-مكنتش أعرف أنه خرج، مكنتش أعرف حتى أنه لما يخرج هيجري جري عليكي عشان ينتقم مكانك، أنا حاولت، لو بإيدي مفارقكيش لحظة، بس مينفعش.

صمت قليلًا يسحب نفسًا مرتجفًا وهو يخبرها بلهجة حازمة:

-هستني لما تكوني ليا أنا يا رزان، ليا أنا وبـس.

*****


-نويت على إيه يا باشا، هتخلص عليهم إمتى؟!..

تسائل "إسماعيل" المحامي الخاص به وذراعه الأيمن بلهجة مهتمة، ليجيبه الأخير بغموض:

-لأ مش هنعمل حاجة، هنختفي يا إسماعيل.

قطب جبينه بإستغراب وهو يسأله بتعجب:

-إشمعنا؟!..

رد عليه ذلك المجهول بلهجة واثقة للغاية:

-لأن الفرعون خلاص مش هيسكت وهيبدأ الحرب مع روفان وعيلتها عشان يجيب حق أبوه وأمه، وده إللي كنت عاوزه من الأول، كدا اتأكدت أنه مش بيحب روفان.

تنهد "إسماعيل" وهو يسأله:

-أنا شايفك مطمن.

رد عليها بإرتياح شديد:

-جدًا جدًا.

إتسعت إبتسامته وهو يخبره:

-دلوقتي يا إسماعيل مش هنعمل حاجة غير أننا هنتفرج، وهنشوف هارون إزاي هيخلص على العيلة دي.

*****


بين خيوط الظلام التي تحيط بعقلها، شعرت بالذراعين تشتدان من حولها ومن تحت ركبتيها حتى شعرت بالآلم في أضلعها، ورغم ذلك كان قلبها مطمئنًا، فـ عادت إلى عمق الظلام.

ضمها "هارون" بقوة إلى صدره وهو يحدق في وجهها بخوفٍ، زادت مخاوله بشكلٍ كبير حينما لاحظ ذلك الشحوب، فـ همس بقلق:

-روفان، روفان فوقـي.

ضيق عينيه بحدة وهو يوجه أنظاره القاسية في إتجاه عمهِ "عزيز" الذي وقف باردًا برودٍ قاتل مثير للأستفزاز، ليهدر به بعصبية:

-أقسم بالله ما هسكت على كل حرف قولته ليها، مش هسكت أبدًا إنك وصلتها للحالة دي، إنت كدا بتعلن الحرب ضدي يا عمـي، وهحاسبـك.

وركض بها نحو سيارته، فتح الباب بصعبوبة قبل أن يدخلها ويجلسها على المقعد بحذر شديد، وقد سحب حزام الأمان عليها، وأنطلق راكضًا إلى الباب الآخر وأستقل بمقعد القيادة، قبل أن ينطلق بسيارته بسرعةٍ كبيرة تاركًا خلفه آثار من الأتربة، وعمهِ "عزيز" الذي ظل واقفًا يتابعه بعينين باردتين ولكن خلفها شر دفين، وقد حسم أمره بنزول إبنته الغالية في وقتٍ قريب حتى يزوجها من إبن أخيـه، فـ "هارون" سيظل في دائرة الخطر إن ظل بجوار تلك الفتاة اللعينة.

*****


بعد فترةٍ قصيرة، دخل "يونس" منرة أخرى الغرفة بخطا هادئة حذرة، تأملها بألم وهو يراها لاتزال مستكينة بدرجة مقلقة، ولكن زادت مخاوفه أضعافًا حينما ألتقط صوتها وهي تئن بألم، وثوانٍ معدودة وجد دموع حارقة تهبط ببطءٍ شديد على وجنتيها، وقف بجوارها قبل أن يمد يده يقبض على كفها برفق هامسًا بحنوٍ:

-رزان.

حركت "رزان" رأسها للجانبين وكأنها تحاول أن تهرب من شيء، وصدرها يرتفع ويهعبط في خوفٍ، قست عيناه دون أن تتحرك عضلة في وجهه المتصلب بعدما علم ما تحاول الهروب منه، أنتفض قلبه بين ضلوعه حينما سمع صوتها المرتجف هامسًا بهذيان:

-لأ، لألأ إبعد عنـي.

ودّ في تلك اللحظة وبشدة أن يضمها إلى صدره، ولكن عجز هائل تملك منه، وهو يشعر أن قلبه سينفجر من الألم الذي يشعر به حيالها، مد يده المرتجفة وبدأ بمسح دموعها بأنماله وهو يهمس بحنوٍ مثير:

-ده كابوس، أهدي، إنتي في أمان يا رزان.

إبتسم بدفئ وهو يتابع:

-إنتي معايا، مع يونـس.

وجلس على طرف الفراش يربت على كفها، مرددًا كلمات حانية كي يبث لها الطمأنينة، أغمض عينيه للحظةٍ قبل أن يعاود فتحهما وهو يتسائل بصوتٍ غريب:

-أعمل إيه يارب؟، قلبي بيتوجع ومش قادر أستحمل، هون على قلبي يارب، عشان أعرف أداوي جروحها.

*****


وصل بها الفرعون إلى المشفى التابعة له، ترجل من سيارته بسرعة غريبة، ودار حول سيارته ليفتح الباب الآخر قبل أن يحل حزام الأمان من عليها، ويحملها بين ذراعيه، تحرك بخطى راكضة نحو داخل المشفى، ليتفاجئ كبير الأطباء به وهو يهمس بصدمة:

-الفرعون!..

هدر "هارون" به بقوة:

-إنت لسه هتصدم، أنا عاوز أمن عليها.

هبطت أنظار كبير الأطباء على وجهها الشاحب المستكين، ليهز رأسه بالإيجاب ويخبره بلهجة جادة:

-تعالى معايا.

وتحرك بها نحو غرفة الفحص، فـ مدد جسدها على الفراش بحرص، وهو يتابعها بعينين قلقتين، قبل أن يسأله:

-هي هتبقى كويسة؟!..

رد عليه كبير الأطباء بجدية وهو يدلف للخارج مشيرًا لإحدى الممرضات:

-بإذن الله يا سيدنا، أنا هكشف عليها دلوقتي حالًا وهبلغك بحالتها، بس من فضلك تستنى بـرا.

شعر بعجز بقديمه أن يتركها بمفردها، ولكن حاول أن يجمد قلبه وولج للخارج، في نفس اللحظة التي ولجت بها الممضرة، ليغلق كبير الأطباء الباب قبل أن يخبرها بجدية:

-قيسلها الضغط والسكر.

*****


نهض "نائل" من على الفراش بأعجوبة وبصعوبة شديدة، بسبب آلالام جسده التي لم تنتهي بعد، أحتقن وجهه بقوة وهو يسحب نفسًا عميقًا قبل أن يتحرك بخطى بطيئة نحو باب منزله، فهو منذ ذلك اليوم وهو محبوسًا في منزله لا يخرج أبدًا بناءًا على أوامر الفرعون.

فتح باب منزله ليجد حارسان يقفان أمامه، وأحدهم هتف بلهجة غليظة:

-جرا إيه يا نائل، مش سيدنا أمر إنك متخرجش أبدًا، بتفتح الباب ليه؟!.. عاوز إيه؟..

قال آخر كلماته وهو يرمقه بإحتقار، ليبلع "نائل" ريقه بصعوبة، قبل أن يفتح فمه ويهتف بتعب رغم إلتماع عينيه بإصرارٍ حاسم:

-عاوز أقابل سيدنا، وأقوله على مين إللي شارك معايا في الجريمة إللي أرتكبتها في حق روفان.

*****


وقف "هارون" بالخارج بقلبٍ مرتجف، ولكن تعبيرات وجهه كانت جامدة كالحجر، فلقد تم كشف كل شيء، وحتمًا ستركهه، كان مترددًا في إتخاذ خطوة الحرب خوفًا أن تمقته، ولكن تحققت مخاوفه الآن، لقد دخل تلك الحرب وقلبه قد خسر أكبر شيء أحبه في حياته، إبتسم إبتسامة جانبية قبل أن تقسو عيناه وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله، وعبث فيه قليلًا ثم وضعه على أذنه منتظر الرد، وما أن فتح الخط حتى هتف الطرف الآخر بذهول ساخر:

-الفرعون بنفسه بيتصل؟!..

هتف "هارون" بجملة واحدة صعقته بعنف وذبذبته:

-أختك معايا يا فـادي، في مستشفى الكـردي، مستنيـك.

*****

رواية "أحيا بنبضها".

"الفصل الثالث والعشرون".


رغم ذلك، كانت تُعاني مع كوابيسها القاتمة، جعلتها تصرخ فزعة، تشعر أنها على وشك السقوط إلى هوة سوداء، وهناك ما يخنقها ويمنع عنها القدرة على الصراخ أو حتى النطق، حاولت جاهدة وهي تتلوى بعنفٍ، هناك ما يكبل ذراعيها وساقيها، كان صوتها يتحشرج هامسة ببضع الكلمات بلغة غير مفهومة سوى في عالم أحلامها وحدها.

على الجانب الآخر، رفض "يونس" تدخل أي طبيب وهو يراها تصرخ بتلك الطريقة التي تؤلم قلبه، أغلق الباب وهو يتحرك صوبها، جلس على طرف الفراش، وقبض على كف يدها يهمس لها برفقٍ حاني:

-رزان، رزان فوقـي، كل ده كـابوس، مش حقيقي.

لم تستجيب له لعدة دقائق، فـ مد يده بتردد يضعه على رأسها قبل أن يغمض عينيه ويردد عدة آيات قرآنية، ظل هكذا لدقائق قبل أن يفتح عينيه ويهتف بصوته العميق:

-أصحي يا رزان، ده مجرد كابوس.

فتحت عيناها مرة واحدة على أقصى أتساعهما، حبات العرق تغرق جبهتها، نظرت له بغرابة، وسرعان ما أمتلأت عيناها بدموعٍ حارقة موجعة، همست بصوتٍ متحشرج:

-يـونس.

تقلبت عيناها فيما حولها قبل أن تهمس له بخوفٍ:

-هو هنا؟!..

همس "يونس" بصوتٍ خافت وعيناه تطوفان على ملامحها المتألمة وعينيها الدامعتين بغزارة:

-مفيش حد هنا غيري، زي ما وعدتك إني هفضل جمبك.

ظلت صامتة تنظر له بعينين واسعتين دامعتين، أختنق "يونس" من رؤية دموعها، فـ همس بإختناق:

-إمسحي دموعك يا رزان، مش قادر أشوفك كدا.

رفعت يدها المرتجفة تكفكف بظهر يدها دموعها، قبل أن تهمس بإرتباك:

-هو إيه إللي حصل؟!..

تنهد بعمق قبل أن يخبرها بلهجة هادئة تمامًا رغم النيران التي تحترق بصدره:

-كنت مكلف حد من رجالة الفرعون أنه يراقبك، وقالي أنه شاف جلال بيتهجم على بيتك، أول ما وصلي الخبر جمعت رجالتي وجريت عليكي، والحمدلله لحقتك.

إبتسمت بسخرية قاتلة وهي تهمس:

-في غيابه بفضل أحلف وأتكلم بأعلى صوت إني لو شوفته هخلص عليه، وأول ما بشوفه قدامي ببان قدامه على طول إني جبانة، وصغيرة أوي، صغيرة أني أفكر أقرب منه وأأذيه، أنا مبعرفش أنفذ إللي بقوله.

رد عليها "يونس" بلهجة قوية:

-ده طبيعي يا رزان، لإنك في الأول والآخر إنسانة، إنتي عمرك ما أذيتي حد، فـ صعب إنك تأذي إللي قدامك، لازم تفضلي حاطة في دماغك إنك مش زي جلال، ومينفعش تكوني زيه في يوم من الأيام، لإنك لو بقيتي زيه، هتبقي وقتها أدمرتي بمعنى الكلمة.

حاولت "رزان" أن تعتدل في جلستها، وما أن أعتدلت حتى قالت بصوتٍ هادئ.. ميت:

-أنا عاوزة أطلق يا يونس.

ثم هزت رأسها بالسلب وهي تخبره بصوتٍ متحشرج من البكاء:

-أنا لو مطلقتش منه هموت، هيجرالي حاجة، أكيد هيجرالي، إنت لو أتأخرت كنت هتلاقيني ميتة.

أدمعت عيناها رغمًا عنها وهي تقبض على يده هاتفة برجاءً:

-ساعدني أرجوك، ساعدني أخلص منه، طالمًا أنا مش عارفة أخلص منه، ساعدني إنت لإن ماليش غيرك من بعد ربنا، وإلا هموت.

أعتصر قلبه ألمًا وهو يخبرها بحدة:

-بعد الشر عليكي، متقوليش الكلمة دي تاني.

شعر بأن أنفاسه تضيق من تلك الكلمة القاسية، فـ سحب نفسًا عميقًا وهو يخبرها:

-وأنا مش هسيبك، ماتخفيش أبدًا، هطلقك منه، لأن لازم ده يحصل، لازم.

تسائلت بصوتٍ حائر:

-طـ.. طب إزاي؟!..

صمت "يونس" قليلًا ولكن عيناه أنبئت بما يفكر فيه، كانت تلتمع بغموضٍ قاسٍ، وقد قرر أن يلعب معاه لعبةٍ دنيئة مثلهِ تمامًا.

*****

ظل "هارون" واقفًا بإرتباكٍ حائر، يُسير ذهابًا وإيابًا بقلق، حتى إنتبه إلى صوت فتح الباب، وخروج كبير الأطباء منه، ليركض في إتجاهه وهو يسأله بتلهفٍ مهتم:

-دكتـور، إيه الأخبار؟!.. روفان كويسة؟!..

رد عليه كبير الأطباء بهدوءٍ جاد:

-الحقيقة يا سيدنا، سبب الإغماءة إنه كان ضغطها عالي، فالجسم مقدرش يتحمل كدا، لكن هي بقت كويسة دلوقتي.

مسح "هارون" على خصلات شعره بقوةٍ وهو يسأله بحدة:

-كوةسة إزاي؟!.. روفان بيغم عليها بسرعة، ودي مش أول إغماءة ليها في الشهر ده؟!..

رد عليه كبير الأطباء بلهجة عملية:

-يا سيدنا، أنا بتكلم عن إغماءة النهاردة تحديدًا، أنما إغمائتها المتكررة دي قصة تانية، على حسب الفحوصات، مدام روفان أتضح أنها بتعاني من أنيميا حادة، وده غلط، وده بردو إللي بيخيلها تقع من طولها على طول، لو زعلت جامد، أو ضغطت على نفسها في حاجة، وهي لازم تتعالج من ده وإلا على مدى البعيد هتوصل لحالة سيئة جدًا فوق ما يمكن أن تتخيل.

أنتفض قلبه بعنفٍ وهو يسأله بلهفة:

-طب الحل؟!..

رد عليه مشيرًا بيده:

-أنا هكتبلها على شوية أدوية، لازم تاخدهم بإنتظام، وفي نفس الوقت لازم تتغذا كويس، لأن واضح جدًا أن أكلتها قليلة، وده غلط في حالتها.

أومئ رأسه بالإيجاب وهو يخبره بصيغة آمرة:

-أكتبلي كل إللي هي محتجاه، وإلللي لازم تاخده في الأدوية بالمواعيد، وأنا هجيبهم.

حرك كبير الأطباء رأسه موافقًا، قبل أن يخبره ببسمة هادئة:

-طيب هي فاقت على فكرة، وتقدر تخرج النهاردة لو كنت حابب يا سيدنا.

أنتعش قلبـه من جديد، ودب في جسده الروح، وهو يراه يغادر من أمامه، تحرك ببطءٍ نحو الباب الذي كان مواربًا، ليراها تأخذ الدواء من الممرضة، وتعبيرات تنقبض بعنف من مرارة الدواء، ورغم ذلك همست بتعبٍ واضح:

-هو أنا أغم عليا ليه؟!..

ردت عليها الممرضة بهدوء:

-الضغط كان عالي.

بلعت ريقها بمرارة وهي تسألها بتردد:

-بس أنا بيغم عليا كتير؟!.

إبتسمت لها الممرضة وهي تخبرها:

-ده طبيعي، لأنك عندك إنيميا، وعلى الفحوصات إنتي مهملة في صحتك.

هتفت "روفان" بصوتٍ متحشرج:

-طب إيه المطلوب مني، لأني مش عاوزة يغم عليا تاني.

سقطت دمعة حارة من عينها وهي تتابع بحرارة:

-مش عايزة أقع تاني قدامه، مش عايزة.

-هو ميـن؟!..

تسائلت الممرضة في حيرة، في حين شعر "هارون" بنغزة قاسية في قلبه، وقد تأكد تمامًا من خسارتها، حاول أن يظل متماسكًا قبل أن يطرق على باب الغرفة ويدخل بهدوء، توسعت عيناي "روفان" وهي تخبره بحدة:

-إنت إيه إللي جابك هنا؟!.. عاوز مني إيه؟!..

رفعت الممرضة حاجباها للأعلى بذهول وهي تنظر للفرعون، فكيف أتتها الجرأة لتتحدث بذلك الشكل الفظ لحاكم القرية، وهو يظل واقفًا ثابتًا دون أن يغضب ويثور، هزت رأسها في حيرةٍ أكبر قبل أن تخرج من الغرفة وهي تغمغم بعدة كلمات في نفسها غير مفهومة.

قال "هارون" بلهجة قوية:

-خدي بالك إنتي بتتكلمي مع مين؟!.. مش هسمحلك نبرتك تعلى عليا أنا؟!..

إبتسمت بسخرية وهي تخبره بحدة:

-وإنت فكرك إني هخاف منك؟!.. خلاص يا هـارون، روفان إللي كانت بتخاف وبتعيط ماتت، وفي عز ما أنا بحاول أبني نفسي بمساعدتك، روحت هدتني وكسرتني، بس أنا مش هفضل واقعة كتير.

كان يحدق بها بنظراتٍ غريبة ولكن بها إعجابٍ خفي، لتتابع بحدة غليظة:

-هقوم بسرعة، وهقف قصادك أدافع عن أبويا، ومش هسمحلك تأذيني ولا تأذي أخواتي.

برقت عيناه بعنف وهو يخبرها:

-أنا لا يمكن أأذيكي يا روفان، لا يمكن أبدًا.

ردت عليه بثقة:

-بس هتأذي أخواتي، وده في حد ذاته أذية ليا يا كبيرنـا.

رد عليها بلهجة جهورية وهو يدنو من فراشها:

-أبوكي هو إللي قتل أبويا، وأمي ماتت من حسرتها ووجعها على أبويا، وخلاني أبقى يتيم الأب والأم وأنا لسة صغير مش فاهم حاجة في الدنيا، لازم أجيب حقـه وحقــي.

هدرت بلهجة عنيفة وهي تحترق بداخلها:

-أبويا أشرف من الشرف نفسه يا هارون، أبويا كاان أحسن شخص في البلد دي كلها، وكان بيعمل خير، وعمره ما فكر يأذي أي حد، وهو وأبوك كانوا صحاب وإنت عارف ده كويس.

هدر بها بعصبية:

-بس قتـله لما كشف خيانتــه.

هدرت به بعينان تقدحان شرًا:

-أخـــرس.

قبض على رسغها بعنف وهزها بقوة وهو يصيح بغضبٍ ناري:

-هي دي الحقيقة إللي إنتي مش عايزة تواجيها، أبوكــي قـاتل، حرامي وقـاتل وخايـن.

دفعته بعنف وقد بدأت تشعر بتغييرات في جسدها وهي تهدر:

-قولتلك أخــرس، أخــرس خـالص، مش عاوزة أسمع صوتك، ولا أشوف وشك تاني، إبعد عن حياتــي.

هدر بها بغضب يكاد أن يدمر اليابس والأخضر:

-مش هبعد، القدر هو إللي جمعنا، وأنا مش هبعد إلا لو مـوت، فاهمة، ولا أفهمك بطريقتـي؟!..

شهقت "روفان" بعنف وهي ترى شقيقها "فادي" يدخل الغرفة بعينين مذهولتين تحولت إلى قاسيتين في لحظة، وهجم على "هارون" يدفعه بعنف بعيدًا عنها هادرًا بصرامة:

-إبعـد عن أختـي، إياك تفكر تقربلها.

بدأ يهاجمها الألم في رأسها، وتدير الدنيا من حولها، في حين هدر الفرعون بلهجة جهورية وهو يقبض على تلابيبه:

-هتعمـل إيه يعنـي؟!..

دفعه "فـادي" بقوة وهو يهدر:

-قرب بس وإنت هتشوف، إلا أختـي، حسابك معانا إحنا يإإبن الكـردي.

هدرت "روفان" فجأة وهي تشعر أن العالم يظلم من حولها:

-كفايـة، كفاية بقى، حرام عليكم، آآآه.

زاد الألم برأسها بعنفٍ، ليرتبك "هارون" بشدة وهو يتوجه نحو الخارج ليهدر بلهجة جهورية صارمة:

-دكتـور شوقـي.

ألتفت برأسه نحوها ليجد "فادي" يضمها إلى أحضانه بوجهٍ شاحب خائف عليها، وهي تهمس بإعياء:

-أنا تعبانة، تعبانة أوي، الألم لا يطـاق.

وهنا أختنق الفرعون أكثر، وقد بدت له أنها بالفعل بعيدة عنه تمامًا، ولا يمكن أن تكون له في يوم من الأيام، هي ليست الفتاة الوحيدة الموجودة، لكنها الفتاة الوحيدة الموجودة في قلبه.

*****


نجحت عملية إخراج الرصاصة بنجاح من كتفه، ليجلس "جلال" على الأرضية وهو يتألم بعنفٍ، يئن في صمت وهو يحدق في "يونس" بنظراتٍ مغلولة، بادله الأخير نظراتٍ باردة للغاية، قبل أن يجلس أمامه على المقعد ويضع ساقه فوق الأخرى، إبتسم بقساوة وهو يخبره:

-عندي ليك عرض، هتحبه أوي، فتركز معايا.

ظل "جلال" صامتًا وهو يضع يده موضع الألم الذي لم يطهر بعد، ليخبره "يونس" بغموضٍ:

-تاخد كام وتطلق رزان؟!..

*****


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من أولها هنا


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️





تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close