رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الحادي عشر بقلم أميره مدحت".
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
الفصل الأول
أموت من فُراقك، وأموت من لُقائك.
تابع ما يحدث من على بُعد بإهتمام بالغ، توسعت عينيهِ لوهلة وهو يستمع إلى كلمات الطبيب، فـ أنعقد حاجبيه بضيق، ثم أخرج هاتفه وعبث فيه قليلًا ووضعه على أذنه حتى أتاه صوت الطرف الآخر متسائلًا على ما أمره به، فأجابه بإنتباه وهو يتابع ما يحدث:
-الدكتور بيقول أنه أضطر يستغنى عن الجنين، عشان حياة الأم.
صمت الطرف الآخر بذهول وهو يسأله بذهول:
-هي كانت حـامل؟!.. طب وهي؟!.. مامتتش؟!..
رد عليه بإقتضاب:
-ثانية واحدة، الفرعون بيسأله أهو عن حالتها.
أبعد هاتفه عن أذنه وهو يستمع إلى سؤال الفرعون عن "روفان"، فـ رمقه الطبيب بغرابة لإهتمامه الواضح بمريضته، وسرعان ما تحكم في نفسه، وهو يُجيبـه بهدوءٍ:
-للأسف هي هتضطر هتقعد مش أقل من يومين أو 3، في إصابات وجروح كتير في جسمها، هتخليها متقدرش تقف على رجليها الفترة دي، وبعدها هتبقى بخير لو أرتاحت ومشيت على التعليمات الفترة الجاية.
ثم نظر الطبيب لزميله وهو يخبره:
-لما ينقلوها تابعها بنفسك.
وسار الأثنان سويًا حينما بقى "هارون" بمكانه، وكأن الهواء قد عرف طريقه إلى صدره أخيرًا بعد وقت طويل من الأختناق، تنفس بعمق وهو ينظر نحو غرفة العمليات آملًا بأن يراها ويطمئن عليها، ليجد "يونس" قريبًا منه وهو يعيد تساؤله:
-مش هتعرفني روفان خرجت من المعتقل إزاي؟!..
لم يجيبه بل تحركت عينيه على "نائل" يحدجه بنظراتٍ ساخطة، والأخير يحاول إستيعاب صدمة إجهاض طفله.
كان كل منهم غير مدركين تلك العينين تراقبهما بدقة، عاد يضع هاتفه على أذنه، وهو يتلفت حوله كي يتأكد عدم مراقبة أحد له وهو يقول:
-للأسف يا باشا، روفان لسة عايشة.
هب الراجل واقفًا بغضب وهو يسأله بعصبية:
-يعني إيه؟!.. بعد كل ده؟!.. يعني بعد التخطيط ده، بردو مامتتش.
رد عليه بهدوء:
-يا باشا المشكلة في الفرعون، واضح أنه مهتم بقضيتها، وحاسس أنها بريئة، هي كانت ممكن تموت فعلًا لولا أنه لحقها على آخر لحظة.
قبض على خصلات شعره بقوة وهو يخبره:
-طب أمشي من عندك، لأن الفرعون مش غبي، وممكن يلاحظ وجودك، وساعتها هقرأ عليك الفاتحة.
أرتبك لوهلة قبل أن يستعيد ثباته وهو يسأله:
-طب إيه الأوامر دلوقتي يا باشا؟!..
صمت قليلًا.. قبل أن يخبره بهدوءٍ صارم:
-تخرج من عندك على المعتقل على طول، تخلص على راشد، في خلال 24 ساعة عاوز ألاقي حادثة قتله كل القرية بيتكلموا عنها.
رد عليه بإبتسامة ثقة:
-أمرك يا باشا.
*****
لاحقً، تحرك "هارون" بخطى سريعة نحو الغرفة التي أنتقلت لها "روفان"، فتح الباب بحذر وعيناه تبحثان عنها حتى وجدها راقدة على الفراش بتعب، دنى منها ببطءٍ محدقًا بذهول في وجهها الشاحب المتورم، والكدمات تملئ ذراعيها، رجفة قوية أعترت جسده وهو يراها هكذا مستكينة، جلس على طرف الفراش ثم قبض على كف يدها برفق، قبل أن يهمس بصوتٍ عميق كعمق البحر:
-هتبقي كويسة، أوعدك يا روفان.
بدأ يُضيق صدره وهو يشعر أنه يرى والدته، حينما وقعت فاقدة الوعي، وظلت حبيسة في فراشها، لا تشعر بما يحدث حولها تمامًا كـ"روفان" الآن، همس بصوتٍ مُختنق:
-وإللي وصلك لكدا هيدفع التمن، هخليكي تاخدي حقك منه.
وضع كف يدها على بطنها برفق، ثم نهض بهدوءٍ مبتعدًا عنها، ألقى نظرة على ساعته الفضية الثمينة، وهو يغلق الباب خلفه بهدوءٍ حذر، قبل أن يتقوس فمه بإبتسامة قاسية شرسة وهو يتحرك بخطى ثابتة، وعينيـه الجحيمتين تلتمعان بقوةٍ وهو يقول بإبتسامة واثقة:
-جه وقت الحسـاب.
*****
"مجرد أن يصل الحزن إلى شفتيها يموت، لا يستقر في قلبها أيّ حزن".
تحرك "يونس" بخطى هادئة، وقد بدأ يجتاحه شعور التعب من أثر الأحداث منذ ليلة الأمس حتى في تلك اللحظة، جلس على المقعد البلاستيكي وهو يتنهد من أعمق أعماق صدره، فـ أعتدلت "رزان" في جلستها وهي تسأله بقلق:
-في إيه يا يونس؟!..
صمت لفترةٍ طويلة قبل أن يسألها بإبتسامة هادئة محاولًا التهرب من سؤالها:
-مش ناوية تكمليلي إزاي هربتي من جلال؟!..
عبست "رزان" وهي تزفر بحرارة، أشاحت وجهها بعيدًا عنه، لتستمع إلى لهجته الدافئة وهو يخبرها:
-أنا عارف أن الموضوع مُتعب، بس لازم نفهم عشان نعرف نساعدك.
صمتت لفترةٍ قبل أن تحاول التكلم بصوتٍ متقطع وذكريات الماضي تهاجمها بضراوة:
-كُـ.. كُنت في اليوم ده بموت خلاص، بموت على إيديه، كنت جبت أخري، والحاجة الوحيدة إللي كانت مصبراني على العيشة إللي كنت عيشاها هو إبني.
جحظت عيني "يونس" بصدمة وهو يعتدل في جلسته هادرًا بذهول:
-إبنــك؟!.. هو أنتي ليكي آآ...
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تهز رأسها بالسلب، قبل أن تقول بصوتٍ متقطع من فرطِ الألم:
-لأ، في اليوم ده رجع سكران كعادتـه، وأنا كنت أعدة بكوي في هدومي، كنت خلاص في آخر شهور الحمل، جه هو وأتخانق معايا لما وقعت تحت إيده فلوس كنت مخبياها منه، خوف مني أنه يصرفهم على الزفت إللي بيشربه، أتجنن لما شافهم، ونزل فيا ضرب، فاض بيا ولقيت نفسي شجاعة أني أضربه بالقلم على وشه يمكن يفوق، لكن دفعت تمن شجاعتـي دي لما آآآ...
أنهمرت دموعها بمرار وهي تشهق بعنف، ألتمعت عينيه بوميض غريب وهو يسألها بصدمة خائفة:
-عمل إيه؟!..
صرخت ببكاءً يقطع نياط القلوب:
-أقولها إزاي؟!.. أقولك أنه قتل إبنه بإيده، مسك المكواه وهي سخنة وضربني بيها في جنبي، محستش غير وأنا بصرخ صرختي الأخيرة وبقع في حفرة ضلمة، مش حاسة بإللي جرالي.
شهقت بعنف وهي تخفي وجهها براحتي يديها، ليرتجف جسد "يونس" لوهلة قبل أن يحاول أن يتمالك نفسه، مسح على خصلات شعره بقوةٍ، وهو ينظر لها بعينين مذهولتين، أرجع نظراته التي تطوقها بحنان إليها وهو يتنهد بقوة قائلًا:
-أهدي يا رزان، عشان كدا خايفة منه، مش قادرة تشوفيه؟!..
رفعت رأسها إليه وقد تجمدت نظراتها، بل تجمدت كل ملامحها ليحفر الألم بقوة في عمق عينيها هامسة بتعجب ونبرة مبهوتة لم تسيطر عليها:
-أشوفه؟!.. ده قتل إبنــي يا يونس، هو كان ذنبه إيه؟!.. أنا ذنبي إيه؟!.. ليه يعمل فينا كدا؟!.. هو أنا أستاهل ده؟!.. طب لو أنا أستاهل، إبني.. كان يستاهل ده؟!..
تابعت بحرارة ألم:
-اليوم ده أنا فوقت، لقيت بطني فاضية، سألت عليه، قالولي اني ولدت خلاص، لكن هو في الحضانة و بيصارع الموت، لإن غير الضربة إللي حصلت، هو نازل ضعيف جدًا، وكان لازم يدخل الحضانة، وإحنا كنا في مستشفى مش متوفر فيها كل الأجهزة، في أجهزة كانت ناقصة، معداش كام ساعة وقالولي أنه مات.
ازداد عبوسه المتألم وهو يسحب يده جواره قابضًا على كفه بقوة، لكنه لم ييأس، تابعت بحرقة وهي تضع يدها على جانبها وهي تهمس بوجع:
-حتة من قلبي ماتت، وسابلي ذكرى هنا، أثر الخبطة بالمكواه وهي سخنة معلم فيا هنا لغاية دلوقتي، كل يوم بشوفها قبل ما أنام، سابلي علامة عايشة معايا في وقت، مجرد بس ما أغير هدومي عيني بتقع عليها وبفتكر كل حاجة.
ثم صمتت قليلًا قبل أن تتابع بوجهٍ شاحب:
-وقتها كان روفان وأخوها الكبير فادي، كانوا ساكنين في الشقة قصادنا، جُم مصر لمدة شهر، عشان كان يخلص أوراق شغله وسفره لبرا مصر، وكان خد معاه روفان، عشان يخليها تهدا وتريح أعصابها من نائل، هما إللي خلصوني من تحت إيديه، ودفعوا مصاريف المستشفى، لأن جلال كان هرب، وخدوني معاهم على القرية، وفادي جبلي شقة أعيش فيها، وروفان مسبتنيش للحظة واحدة مع وجعي، لغاية ما هي كمان أبتدا نائل ميرحمهاش، ويحبسها في البيت.
سألها بذهولٍ:
-عشان كدا كنتِ عاوزة تخلصي على نائل، كنتِ شيفاه زي آآ..
قاطعته بقوة وهي تهز رأسها بلهفة:
-أيوة، كنت شيفاه جلال، لأنه زيه، هو موت إبني، ونائل عاوز يموت روفان بالحيا، الأتنين دول يستاهلوا الموت.
عاود يسألها "يونس" بعدم إستيعاب:
-بس هي ليها أخ أسمه فادي؟!.. أنا معلوماتي أن ليها أخ تاني أسمه وليد، وهو إللي قاعد هنا في القرية ومستني موتها عشان فاكرها خاينة.
هزت رأسها بالإيجاب وهي تحاول أن تهدئ:
-أيوة، وليد أخوها من الأب وبس، لما أبوه قرر يطلق أمه، قرر يتجوز بعدها، فـ جاب فادي، وبعدها روفان، عشان كدا مش بيحبهم، لكن فادي حاليًا برا مصر، ولو كان هنا وسمع بإللي جرا، كان زمانه هد القرية دي على دماغ نائل.
كفكفت دموعها بظهر يدها وهي تخبره:
-أرجوك يا يونس، أنا عاوزة أنك تساعدني، أجيب حقي من جلال، وحق إبني إللي مات، عاوزاه يتوجع، ويتقهر، يموت ببطء، زي ما عمل فيا، لأن أنا لو لسة عايشة، فـ عايشة علشان أشوفه وهو بيتعذب، وحتى الموت ميكونش طايله.
جلس "يونس" بجانبها بحذر هامسًا برجاء:
-أرجوكي تهدي، وزي ما ربنا بيقول يا رزان، وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
تنهد بعمق محاولًا أن يهون عليها آلامها القاسية بإبتسامة دافئة:
-إبنك دلوقتي بقى من عصافير الجنة، هيستناكي وياخدك من إيديكي يوم ما تروحيله.
عاود سؤالها بإرتباك:
-بس أنتي معاكي دليل على كلامك، أو في شاهد يثبت كلامك، عشان بس أنتي عارفة القوانين.
ردت عليه بهدوء، رغم أن قلبها يعتصر بألم:
-في يا يونس، غير روفان، وفادي، في كمان العلامة إللي في جسمي أثر الخبطة.
وصمتت بوجهٍ متجهم، ودموعها تهبط ببطء مرةٍ أخرى، تنهد "يونس" بألم، وهو يغمض عينيه بعنفٍ محاولًا أن لا يتحرك من هنا على المعتقل ويقتل ذلك اللعين، سحب نفسًا عميقًا وزفره ببطءٍ قبل أن يخبرها:
-بس أنتي لازم تفوقي دلوقتي يا رزان، روفان بتعيش حاليًا نفس إللي أنتي عشتيه.
إتسعت عيناها برعب وهي تعتدل في جلستها متسائلة:
-روفان؟!.. هي حامل؟؟.. إيه إللي حصل؟!..
ضغط على شفتيه بقوة وهو يخبرها:
-أنا كل إللي أعرفه أنها هربت من المعتقل، وأهل القرية لما شافوها كل واحد بقى يمسك الطوبة ويرميها عليها، لغاية ما كانت هتموت لولا الفرعون لحقها في الآخر، وللأسف الدكاترة أضطروا يستغنوا عن الجنين عشان حياتها.
قبضت على يده وهي تهدر بقوةٍ غريبة عليها:
-هي فين يا يونس؟!.. وديني ليها حالًا، لازم أبقى جمبها.
*****
وصل "هارون" إلى المعتقل، ترجل منها بخطى ثابتة، وهو ينظر حوله بنظراتٍ ضيقة، مع إبتسامة قاسية تعتلي ثغره، أقترب من المدخل ليجد كل من "سعيد" و"محسن" ينتظرونه بقلبٍ مرتجف، فـ أحداث اليوم تونبئ الجميع أن القادم أسوأ بكثير مما مضى.
وقف "هارون" قبالة "محسن" يحدجه بعينين قاتمتين وهو يسأله:
-عملت إللي قولتلك عليه؟!..
رد عليه "محسن" بإبتسامة واثقة:
-ماتقلقش يا سيدنا، أول ما كلمتني، وقولتلي على أسمه ومكانه فين، أستنيته أنا ورجالتنا لغاية ما خرج من المستشفى، وجبناه من قفاه على هنا على طول زي ما أمرت.
هتف بصيغة آمرة:
-دلوقتي عاوزك تجيب راشد، حتى لو الأرض بلعته، تشقوا الأرض وتجبوه، فاهم؟!..
أومئ رأسه بالإيجاب وهو يتحرك بخطى راكضة نحو الخارج مشيرًا بيده لإثنان من الرجال كي يأتيان معه، تابعهما "هارون" بنظراته الغامضة، قبل أن يلتفت لـ"سعيد" لم تتغير ملامح "هارون" وهو ينظر إليها، إلا أن عينيه ألتمعتا ببريقٍ أكثر قسوة وهو يسأله:
-مش ناوي تقولي على المصيبة إللي كنت هتقولها ليا النهاردة الصبح يا سعيد؟
أجابه "سعيد" بتوتر جلي:
-هقول يا سيدنا، بس المصيبة حصلت خلاص.
-أتكــلم يا سعيد.
بلع ريقه بصعوبة وهو يخبره:
-كل إللي أعرفه يا سيدنا، أن راشد في حد كبير أوي بيهدده بأهله، لو منفذش كلامه، ومن ضمن أوامره أنه يراقبك، وآخر حاجة طلبها هو أنه يهرب مدام روفان، وإلا هيخلص على عيلته كلها، عشان كدا راشد غصب عنه هربها.
سأله بحدة محاولًا أن لا تخرج نيران صدره عليه:
-متعرفش هربها إزاي؟!..
أجابه مؤكدًا:
-معرفش يا سيدنا، أنا إللي أعرفه قولته، لأني واحد من رجالتك وخايف على سعادتك.
هز "هارون" رأسه بالإيجاب قبل أن يربت على كتفه، وهو يتحرك نحو مدخل المعتقل، ظل يسير ويسيـر بخطوات هادئة، حتى وصل أخيرًا إلى غرفة الضيف الجديد، فتح له "سعيد" الباب وتراجع للخلف منحنيًا له رأسه بإحترام، فـ خطا الفرعون للداخل مبتسمًا بثقة، ليجد "نائل" يهب واقفًا وهو يصرخ بعصبية فاقدًا أعصابه:
-أنا بعمل إيه هنا يا سيدنا، بقى ده جزاتي أني قولت أطمن على روفان رغم إللي عملته وآآ..
-هُشششش.
قالها الفرعون وهو يشير بيده بالصمت التام، وهو يدنو نحو إحدى المقاعد، فبلع "نائل" ريقه بصعوبة وهو يسأله مرةٍ أخرى بقلق:
-هو في إيه بظبط؟!..
جلس "هارون" باسترخاءٍ على مقعده دون يرفع نظراته التي عادت لقسوتها من جديد عن "نائل"، رد بهدوء يستثير الأعصاب:
-خلاص يا نائل، جه وقت الحســاب.
*****
#أحيا_بنبضها.
#أميرة_مدحت
1-ياترى راشد هيتقتل بجد؟!
2-هارون هيعمل إيه مع نائل؟
3-ويونس هيعمل إيه عشان يجيب حق رزان؟ وهل الفرعون هيسمحله؟
4-الراجل المجهول هيعمل إيه دلوقتي بعد ما خطته فشلت؟!
5-ردة فعل روفان لما تفوق هيكون شكلها إيه؟
إنتوا عارفين إني بحبكم، والفصل ده في كشف عن جزء من قصة رزان، فـ عاوزين التفاعل يوصل لـ400 لايك بجد هفرح أوي.