رواية زهرة الفصل الثالث والرابع والخامس والسادس
بقلم/ندى أشرف ، نجوى أشرف
رواية زهرة البارت الثالث والرابع والخامس والسادس
بقلم/ندى أشرف ، نجوى أشرف
رواية زهرة الفصل الثالث والرابع والخامس والسادس
بقلم/ندى أشرف ، نجوى أشرف
بعد أن عاد سليم ووالده من العمل ولم يعطي إلى فريدة أدنى اهتمام، أشعل ذلك النيران بقلبها، كانت تشعر بالاشتياق الشديد إليه وتود محادثته بأي شكلٍ من الأشكال، ظنت بأنها إذا تسللت إلى غرفته سوف تتمكن من التحدث معه بدون علم من والدتها، فريدة فتاة جميلة وطائشة، تثق بنفسها زيادة عن الحد المطلوب مما يدفعها لفعل أشياء لا يجب فعلها أبداً..
بعد أن غادرت المكان متصنعة الخجل وأنها قامت لكي تحصل على الماء غيرت وجهتها سريعاً وتسللت إلى غرفة سليم ودخلت دون أن يشعر بها أحد وأغلقت الباب خلفها بعد أن تأكدت بأنه لم يرها أحد كالسارقة..
استنشقت هواء الغرفة بلهفة وألقت بجسدها على سريره تحتضن وسادته وتستنشقها بحُب قائلة:
- يابخت المكان اللي تنام عليه.. يابخت المخدة اللي بتنام بين أحضانك كل يوم.
ثم قامت فجأة وأخذت تنظر وتجول بعينيها في أرجاء الغرفة حتى وجدت كتاب مذكرات سليم على مكتبه، مدت يدها لتتفحصه وهمت لفتحه وقراءة ما فيه وفي تلك اللحظة خرج سليم من الحمام ولم يكن مغطى من جسده سوى خصره، لا يعلم بوجودها ولكن عندما لاحظ ذلك تسائل في ذهول وغضب:
- فريدة! إنتي بتعملي إيه هنا؟!
ارتبكت وفَزِعت ثم ألقت ما بيدها خوفاً عن دون قصد ثم غضت بصرها عنه قائلة:
- انا...أصل أنا..
قاطعها بغضب:
- إنتي إيه ما تردي بتعملي إيه في أوضتي..
ثم لاحظ ما كان بين يديها وهم ليأخذها فوجد أنها مذكراته الشخصية فاستشاط غضباً لذلك..
ثم صرخ بها قائلاً:
- انتي إزاي تدخلي أوضتي من غير استئذان وكمان بتفتشي في خصوصياتي، أنا اسف يعني هوا انتي ملاقيتيش حد يربيكي على الأصول ولا علموكي إن التدخل في خصوصيات الناس عيب!!
أجابت وقد بدأت في البكاء:
- أنا أسفة...
خرجت فريدة ودموعها تنهمر منها لا تعلم كيف وصلت إلى أول درجة في السلم ودون أن تشعر وقعت من أعلاه درجةً تِلو الأخرى حتى اصطدمت رأسها بحافة السلم في آخره!
صرخت بألم ثم فقدت وعيها تماماً وتركت خلفها الدماء تسيل من كل مكان..
سمعت سماح صوت ارتطام شيئاً ما وأحدهم يصرخ ثم توقف عن الصراخ فجأة فذهبت حيثُ ذلك الصوت فوجدت إبنتها ملقاة على الأرض ساكنة لا حراك فصرخت في خوف وقلق:
- بنتي.. فريدة مالك يا فريدة إلحقوني بنتي هاتروح مني..
ذهب إليها سليم سريعاً بعد أن ارتدى ملابسه وبدون تفكير حمل فريدة بين يديه وذهب إلى السيارة وخلفه خالته سماح وصاحبتهم في المشوار بدرية أما المنشاوي فقد كان نائماً ولم يشعر بشيءٍ مما يحدث حوله..
توجه سليم إلى أقرب مشفى حاملاً فريدة بين يديه والدماء تسيل منها فاستقبله أحد الممرضين بالترول سريعاً قائلاً:
- إيه اللي حصلها حادثة دي ولا إيه..!
أجابه سليم:
- لأ وقعت من على السلم وهيا نازلة لو سمحت عايزين دكتور يطمنا عليها ضروري...
بعد مرور بعض من الوقت استفاقت فريدة من إغمائتها واكتشف الطبيب أن أحد ذراعيها قد كُسر إثر وقوعها عليه كما كدمات بالرأس استحقت بضع غرز تألمت لها كثيراً لكن مرّت..
نائمة على السرير هادئة في ثبات كان الجميع مجتمعين حولها يبدو على ملامحهم التوتر والقلق وبجانبها سماح تبكي وتتحدث إليها:
- مالك يابنتي طمنيني عليكي حصلك إيه وإيه اللي وقعك كدة يافريدة..
أجابت في جمود:
- مافيش يا ماما أنا كويسة.. وقعت غصب عني.
رفعت بصرها لتجد سليم بين الواقفين وتلاقت أعنيهم فشعرت بالحرج ثم ذهبت بنظراتها بعيداً عن عينيه الحادة الغاضبة..
كان الجميع يتمنوا لها السلامة والشفاء حتى قطع حديثهم دخول الطبيب يطمئن عليها وعلى المحاليل المعلقة في يدها ثم أعقب قائلا:
- حمداللة على سلامتك يا أنسة فريدة انتي بخير دلوقتي أول ما يخلص المحلول تقدري تخرجي..
ثم استطرد قوله موجهاً حديثه للموجودين:
- طبعا ياجماعة هيا لما تروح لازم راحة تامة وممنوع أي مجهود أو عصبية وياريت تاكل كويس عشان تعوض الدم اللي نزفته..
ثم انتهى مما كان يفعل واستأذنهم مغادراً المكان.
أما سليم فقد كان عقله عند زهرة يُفكر فيها ويتمنى لو بإمكانه الاطمئنان عليها أو محادثتها..
مر الوقت وعاد الجميع إلى الفيلا ومرت عليهم تلك الليلة في تعب، فريدة تتألم نفسياً وجسدياً وتشعر بالألم يجتاح قلبها أشد من آثار وقوعها على السلم حتى غطت في ثباتٍ عميق..
أما زهرة فقد باتت ليلتها تُفكر كيف ستُكمل حياتها لا سند لها سوى نفسها، تبكي تارة وتهدأ تارةً أخرى، فكرت بأنها يجب أن تعمل وقد نوت البحث عن عمل في الصباح الباكر ثم نامت..
في صباح اليوم التالي استيقظت زهره وهي تنوي البحث عن عمل، خرجت فوجدت سنية قد أعدت الفطار وكانت ذاهبة لتوقظها..
زهره:
- صباح الخير يا ماما
- صباح النور ياحبيبتي لسة كنت جاية أصحيكي تفطري، بس انتي لابسة كدة ورايحة على فين!
أجابت زهرة بيأس:
- هوا مين يجيله نفس بس يا ماما..
نظرت لها سنيه بحزن والتعب واضح على ملامح زهرة التي قضت ليلتها تفكر وتبكِ ..
هتفت سنية فيها قائلة:
- عارفة يا زهرة الحزن والبُكى لو كان بيرجع اللي راح لكنت قضيت عمري كله أبكي.. انا عايزاكي تحاولي تتعايشي مع أي ظروف بنمر بيها ومتوقفيش حياتك وسيبي كل حاجه على الله..
نظرت لها زهره بندم وحزن:
- معلش يا ماما انا اسفة بس غصب عني، أنا لسة مش قادرة أصدق إنه مات.. ملحقتش أتهنى عليه ووحشني أوي، نفسي أحضنه واقوله كل حاجه جوايا كنت مش بعرف أقولهاله، كنت هقوله أنا بحبك أوي يا بابا واني مقدرش أعيش من غيره..
ثم انهارت في البكاء قائلة:
- انا اكتشفت اني مكنتش بقوله إني بحبه ولا ببوس إيديه كل يوم ولا بشوف أي حاجه يحتاجها أو نفسه فيها وأعملهاله، بس متأخر أوي يا ماما.. متأخر أوي.
ثم ألقت بجسدها على المقعد وهي تبكي بحرقة واضعة كفيها على وجهها لا تستطيع التوقف.
احتضنتها سنية بحنان وأخذت تربت على كتفها وهي تردد، اللهم اربط على قلوبنا وارحمه..
ثم قالت برجاء:
- عشان خاطري يابنتي متوجعيش قلبي عليكي أكتر من كدة، انا عايزاكي قوية يازهرة وماتعيطيش تاني انا معدتش قادرة استحمل شوفتك كده بتنهاري وانا مش بإيدي حاجه أعملهالك، مش هوا ده الفراق، ربنا هيجمعنا بيه فالجنة إن شاء الله، الفراق الحقيقي لو لاقدر الله كان حد فالجنة وحد فالنار.. وان شاء الله ربنا يجعلنا من أهل الجنة وتشوفيه وتحكيله كل اللي في قلبك كمان..
أجابت في هدوء:
- آمين يارب..
استطردت سنية قولها:
- وبعدين لسة قدامك دراستك وحياتك وربنا هيعوضك كل خير، مش كلية الطب دي كانت حلم حياتك اللي تعبتي سنين عشانه..
أجابت في يأس:
- خلاص بقى ياماما دا كان حلم وخلاص راح لحاله
أجابت سنية بغضب:
- لا طبعا انتي بتقولي إيه، أنا لا يمكن اسيبك تضيعي مستقبلك كدا..
ردت زهرة في يأس:
- ياماما افهميني وضعنا دلوقتي مايستحملش مصاريف كليه الطب دي صعبة، معلش ياماما انا مش هقدر اكمل خالص وأبقى عبء عليكي بالشكل ده.
أجابت سنية في جمود:
- زهرة.. انتي كده بتقللي مني، هوا انا مش هقدر أحققلك اللي بتتمنيه يعني! عموماً أنا قولت اللي عندي وياستي لو عايزة تشتغلي وانتي بتدرسي موافقة هعتبرها حرية شخصية ليكي، لكن اعملي اللي بقولك عليه وحققي لأبوكي اللي كان بيتمنى يوصلك ليه.
تنهدت ثم أجابت:
- حاضر يا ماما اللي تشوفيه، انا لازم أمشي بقى..
- لأ مش قبل ما تفطري وترجعي ضحكتك الجميلة تنور وشك من تاني..
أجابت قائلة:
- حاضر ياستي عشان خاطرك بس هاكل حاجه خفيفة قبل ما أمشي.
ثم ذهبت معها إلى مائدة الطعام وجلسن يتشاركن وجبة الفطور ثم قطع الصمت اقتراح من سنية قائلة:
- ايه رأيك يا زهرة لو أكلملك المنشاوي بيه يشغلك معاه في شركته، أكيد هنلاقي أي حاجه تناسبك..
أجابت بالرفض قائلة:
- لا لا كفاية اللي عملوه معانا مش حابة نتقل عليهم أكتر من كدة، وكمان انا عايزة أعتمد على نفسي..
هتفت برجاء:
- معلش مهو أبوكي ليه عليه جمايل كتير وأكيد مش صعب يعني يشغلك عندهم الاختصاص مش بعيد أوي.. عشان خاطري يابنتي خلينا نجرب واهو ابقى قلبي متطمن عليكي اكتر، اضمن منين إن الشغل اللي هاتروحيه ناس كويسين!
ارتشفت القليل من الشاي ثم قالت:
- ما أنا اكيد مش هشتغل في أي حاجه وخلاص، وبعدين انا هعمل اللي عليا وياستي لو انا ملقتش شغل خالص هخليكي تكلميه، تمام كده؟
أومأت سنية إيجاباً في صمت
توقفت زهرة عن تناول الطعام قائلة:
- يلا أنا ماشية عشان متأخرش أكتر من كدة، دعواتك بقى ربنا ييسر الحال.
أجابت:
- ربنا يباركلك يا بنتي ويراضيكي زي ما بتراضيني ويجعل لك في كل خطوة سلامة ويوقف في طريقك ولاد الحلال ويكفيكِ شر ولاد الحرام.
ابتسمت زهرة في رضى وتمنت في قلبها استجابة دعوات والدتها ثم خرجت وكلها أمل في إيجاد عمل..
قضت يومها تسعى بلا جدوى ظلت يوم بعد يوم تبحث وتسأل وتقرأ إعلانات الجرائد ولكن الحال على ما هو عليه حتى فقدت الأمل تماماً ولم يبقى لها سوى أن تنصاع خلف اقتراح والدتها بطلب العمل مع المنشاوي بيه في شركته.
٭٭٭
في فيلا المنشاوي اجتمع الجميع في غرفة فريدة ليطمئنوا عليها كانت نائمة مُتعبة تسائل المنشاوي:
- هوا إيه اللي حصلها بقى؟
أجابت سماح:
- والله أنا لحد دلوقتي ما فاهمة كل ما اسألها تقول وقعت غصب عني! انا أصلا مش فاهمة كنتي فوق بتعملي إيه وانتي قايلة انك رايحة تشربي وراجعة..
ازدردت ريقها بصعوبة وقبل ان تجيب دخل سليم عليهم وهو يستائل:
- انتوا هنا وانا عمال أدور عليكوا.. ألقى نظرة على فريدة ثم قال:
- الف سلامة عليكي يافريدة.. بابا لو سمحت عايزك
أجاب:
- عايزني في إيه يابني ما تقول!
أجابه في حرج:
- كنت عايز اسألك يعني مش ناوي تعمل زيارة لزهرة ووالدتها..!
ضرب بيده على جبهته ثم قال:
- ياااه دا أنا نسيت خالص الموضوع ده، واجب بردو نسأل عليهم ونشوف لو محتاجين حاجه بس إمتى..
تسائلت بدرية بتعجب وضيق:
- تطلع مين زهرة ووالدتها دول؟
أجاب المنشاوي:
- آه ما أنا نسيت أحكيلك، فاكرة اليوم اللي رجعنا فيه انا وسليم متأخرين، اليوم دا كان جنازة صديقي عبد الحميد عرفاه انتي، كان المساعد بتاعي الله يرحمه..
أجابت في أسى وصدمة:
- هوا مات! الله يرحمه ويغفرله يارب، بس بردو مين زهرة ووالدتها!
- ما دي بنته ومراته، مالهمش حد وقولت واجب نرعاهم يعني ونقف جنبهم، البنت زي الورد والله وجميلة ملحقش يفرح ببنته، داخلة أولى طب زي سليم وفريدة..
صمتت تفكر في الأمر ثم قالت:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا معاهم ويقدرك على فعل الخير..
تسائل سليم:
- طيب أنا بفكر نروحلهم النهاردة بعد الشغل ايه رأيك يا بابا..؟
شعرت فريدة بنيران الغيرة تشتعل في قلبها وهي تقول في نفسها " وانت شاغل بالك أوي كده ليه يعني، بقى هيا دي اللي مشغول بيها عني، طيب أقوم بس من اللي انا فيه وانا هعرف ازاي أشيلها ست زهرة دي من طريقي وأخليك ليا لواحدي ياسليم.."
وقع بصره عليها ليجدها تحدق فيه بغضب والشر يتطاير من عينيها، لم يهتم لأمرها لكنه انتبه على صوت والده يقرر بالموافقة على طلبه في زيارة زهرة بعد انتهاء العمل ثم غادر معه.
٭٭★٭٭
* عوده إلى الواقع *
استفاقت زهرة من شرودها وقد شعرت بالملل فخرجت من غرفتها ثم راودها شعور بالقلق على هايا ثم عادت للداخل على نية أن تبحث عن هاتفها لتتصل بها ولكن روائح الطعام الذي تُعده هنية أثارت انتباهها وألم الجوع بداخلها فتوجهت إليها مباشرةً متناسية أمر هايا التي تأخرت كثيراً ثم قالت لها:
- الله الله ياهنية إيه الروايح الحلوة دي، بتطبخيلنا إيه النهاردة؟
ابتسمت هنية ثم أجابت بسعادة وحب:
- محشي، بعمل محشي وملوخية خضراء وفراخ و..
قاطعتها زهرة قائلة:
- و إيه تاني ما كفاية، دا المحشي لواحده حملة..
ثم ضحكت فقالت:
- شكلك كدة ناوية تبوظيلي الريچيم.. بس سيبك إنتي أنا كان نفسي فيه أوي.. يلا كملي وانا هستعجل هايا ترجع عشان نتغدى سوى.
أجابت هنيه بفرحه:
- ياااه ياست هانم والله لو اعرف ان المحشي هيسعدك كدا كنت عملته من زمان..
ابتسمت زهرة فهتفت قائلة:
- آه صحيح عملتي حساب أم أحمد معانا؟
أجابت:
- طبعاً هوا أنا اقدر انسى، دا أنا عملتلها شوربة خضار بالفراخ البلدي مخصوص، انا عارفة إنك لما تعملي الخير بتحبيه يكون على أكمل وجه، عشان كده اتوصيت وربنا يجازيكي كل خير يا ست زهرة..
أجابت مُبتسمة:
- ماتحرمش منك يارب يا هنية، يلا شهلي انتي بس وانا هروح أكلم هايا..
٭٭٭
في إحدى الكافيهات تجلس هايا بصحبة صديقاتها يتحدثن بشأن الدراسة فتسائلت إحداهن:
- ها ناويين تعملوا إيه بقى بعد التخرج..؟
أجابت هايا بحماس:
- أنا بحلم أشتغل في النيابة الإدراية..
ضحكت صديقتها أميرة بسخرية قائلة:
- بالساهل كده؟ نيابة إدارية مرة واحدة! ياستي إحلمي على قدك..
ذهبت الابتسامة عن وجه هايا وقد احتقن وجهها غضباً ثم قالت:
- دا بدل ما تشجعيني بتحبطيني! مش يمكن تتحقق واقدر أتعب على نفسي وأوصل
ردت إيمان:
- فعلاً هايا عندها حق
أجابتهم أميرة:
- لأ معلش وانتي بتحلمي خليكي واقعية شوية، دي مهنة مش سهلة وشروطها كمان صعبة.. مش عايزة أحرقلك النهاية بس انتي هتشوفي بنفسك.
نظرت لها هايا بإحباط وازعاج
هتفت صديقتهن إيمان قائلة:
- أنا بقول الجواز أحسن مشروع بعد التخرج، انا أتعب نفسي ليه ما جوزي هوا اللي يصرف وانا أقعد في البيت معززة مُكرمة
ردت أميرة:
- طبعاً واحدة مخطوبة هنستنى منها تفكر ازاي
ثم ضحكت بسخرية فقالت إيمان في حنق:
- هوا انتي مش عاجبك أي حاجه خالص، ربنا يهديكي على شياطين أفكارك..
فقطع حديثهم ارتفاع صوت هاتف هايا يُعلن عن إتصال أحدهم فكانت زهرة فأجابت:
- الو... أنا بخير يا ماما ماتقلقيش... حاضر ياحبيبتي مسافة السكة وأكون عندك، حاضر سلام..
ثم أغلقت الخط وهي تحمل حقيبتها وهاتفها قائلة:
- طيب يابنات انا لازم أمشي اتأخرت وماما بتستعجلني..
ثم همت ذاهبة وذهبن معها الفتيات عائدين إلى بيوتهن هن الأخريات..
بعد أن عادت هايا الى بيتها وتشاركت الغداء مع والدتها وكذلك هنية التي أرسلت الطعام إلى جارتهم المريضة تسائلت زهرة موجهة حديثها الى هايا:
- إيه رأيك لو نروح نعمل زيارة لجارتنا أم أحمد..
انتفض قلب هايا ثم قالت بعدم تصديق:
- بجد يا ماما؟
- آه بجد، زيارة المريض صدقة وأهي فرصة كويسة نتعرف عليهم ونتخذهم أصدقاء، الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وصانا بيها وقال: " مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا"
وقال " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ "
أجابت في حماس:
- عليه أفضل الصلاة والسلام، طيب إديني بس خمس دقايق وابقى جاهزة نروح..
٭٭٭
وذهبت هايا بصُحبة زهرة إلى بيت تمنت كثيراً لو بإمكانها الدخول إليه ورؤية تفاصيله..
أطرقت على الباب ففتح لهم والد أحمد عم محمود ثم رحب بهم بسعادة قائلاً:
- اتفضلوا يا ألف أهلاً وسهلاً بيتنا نور بيكم..
ابتسمت زهرة بخجل وقالت:
- ازيك يا عم محمود احنا كنا حابين نتطمن على مدام هالة
أجاب:
- البيت بيتكم يابنتي وتشرفونا في أي وقت اتفضلوا تعالوا الصالون وانا هقولها واجيلكم.
عم محمود وزوجته هالة جيران لزهرة يعيشان بمفردهما منذ أن غادر وحيدهم أحمد الذي رزقهم الله به بعد أعوام من المحاولات والسعي وراء الإنجاب، سافر لإستكمال مسيرته العلمية فهو شاب متفوق يستحق فرصة وهو الآن في آخر سنة له بأعوامه الدراسية.. أما محمود فهو مقعد على المعاش لا حلم له ولا هدف في الحياة سوى إسعاد إبنه أحمد ورؤيته شخص ناجح وسعيد.
جلسن ينتظرن في هدوء
قطع الصمت هايا تتحدث بهدوء:
- شوفتي يا ماما عم محمود فرحان بزيارتنا قد إيه..
اجابت:
- حب الناس شيء جميل والأجمل يابنتي إنك تعملي اللي يسعدهم ولو شفتيهم مبسوطين بسببك هتلاقي حب غمر قلبك وسعاده لا تقدر بثمن..
لفت انتباههم دخول مدام هالة ترحب بهم في سعادة
أجابتها زهرة:
- ألف سلامة عليكي يا مدام هالة
ردت:
- الله يسلمك ياحبيبتي دا أنا بقيت كويسة بشوفتك إنتي والجميلة بنتك.. ها تحبوا تشربوا إيه بقى؟
ابتسمت هايا في سعادة وأجابت زهرة:
- لا لا أنا مش حابة أتعبك، وبعدين أنا جايبة معايا شوية حاجات حلوة كده نقضي بيها وقت حلو مع بعض مش هسيبك النهاردة إلا وانا مخرجاكي من جو التعب ده، دا انتي لسة شباب ولا إيه يا عم محمود..
قال عم محمود في حماس:
- كتر ألف خيرك يابنتي، الله يسعدك يارب.. انا هعملكوا شاي عمركوا ما دقتوا في حلاوته...
مرت الساعات بينهم دون أن يشعروا بالوقت حتى قالت زهرة في سعادة:
- طيب يا جماعة هنستأذن إحنا بقى والف سلامة عليكي مرة تانية يا مدام هالة ربنا يتم شفاكي على خير يارب.. انا مبسوطة جداً ان اتعرفت عليكوا.
أجابت هالة في سعادة:
- والله احنا كمان، دا بقالنا زمان محرومين من اللمة الحلوة دي
كذلك صدق على حديثها عم محمود:
- فعلا.. ياريت ماتقطعوش بينا وجودكم أسعدنا حتى شوفي أم أحمد راقت وبقت زي الفل ازاي..
ضحكت ثم قالت:
- الحمد لله ربنا يطمنا عليها ان شاء الله، يلا تصبحوا على خير..
اصطحبهم عم محمود الى الباب ثم قام بتوديعهم وشكرهم على وجبة الغداء بامتنان وسعادة ثم عاد الى زوجته مجبوراً خاطره.
رواية "زهرة" (٤)
بقلم/ندى أشرف ، نجوى أشرف
٭٭★٭٭
بعد قضاء يوم عمل شاق هم منشاوي ليغادر الشركة عائداً إلى البيت لكنه تذكر حينما أخبره سليم بأمر زيارة زهرة فتسائل متعجباً:
- الله أمال إيه حكاية اهتمامك بالموضوع ده أوي كدة.. دا أنا كنت بجرك جر كدة لأي حاجه أطلب منك تعملها!
أجاب وهو يفرك رأسه بيديه ويجول بنظره في الأنحاء:
- ابداً والله يا بابا أنا بس صعبان عليا البنت ومامتها، مش أكتر..
ثم توجه صوب السيارة وكذلك المنشاوي وأدار الأخير محرك السيارة..
جلس سليم يتأمل الشوارع ويفكر حتى قال متسائلاً:
- بس بقولك إيه يا بابا، أنا لاحظت إن في عزا عم عبد الحميد الله يرحمه إمبارح مكنش في حد موجود كتير، هما ملهمش أهل هنا ولا إيه..
تنهد المنشاوي ثم أجاب:
- والله يابني عمك عبد الحميد دا حكايته حكاية، بس فعلا مالهمش حد هنا خالص لكن عندهم فالبلد أهله ناس كتير أوي وكبار في البلد وليهم إسمهم..أنما حظه بقى اللي حدفه هنا، عموماً دي قصة يطول شرحها هبقى أفهمك بعدين..
بعد مرور بضع دقائق هتف المنشاوي:
- يلا وصِلنا.
تقدم المنشاوي وإبنه من الباب فأخذ يطرق ثم فتحت له سنية وقد ابتهجت لرؤيتهم
ابتسم قائلاً:
- السلام عليكم إزيك يا أم زهرة..
أجابت في سعادة:
- وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، اتفضلوا..
دلفوا إلى الداخل يحملون بين أيديهم من خيرات الله ما لذ وطاب، ثم جلس المنشاوي واتبعه سليم الذي كان يبحث بعينيه عن زهرة وتمنى لو يراها..
قالت سنية في حرج:
- ليه تعبتوا نفسكوا بس إيه دا كله..
أجاب المنشاوي:
- والله لا تعب ولا حاجه دي حاجة بسيطة.
خرجت زهرة على فجأة من غرفتها ترتدي ملابس الخروج استعداداً للبحث عن عمل من جديد فهي لا تكل ولا تمل بسهولة..
ابتسم سليم لرؤيتها وشعر بالسعادة تجتاح قلبه فقال:
- ازيك يا زهرة..
شعرت بالخجل فهي لم تكن تشعر بوجودهم وازداد خجلها عندما لاحظت نظراته إليها وإسلوبه معها فأجابت:
- أنا الحمد لله بخير نورتونا والله.
تسائل المنشاوي:
- خير يابنتي متشيكة وزي القمر كدة رايحة على فين..
نظرت زهرة إلى والداتها في حيرة من أمرها، هل تخبرهم أم لا، كانت تشعر أن لها عزة نفس تمنعها عن إخبارهم حتى لا يشفقوا عليها فهي تكره الشفقة من أحد كوالدها تماماً..
فأجابت بدلاً عنها سنية قائلة:
- دي يا حبيبتي شقيانة كل يوم تدور على شغل، وتفضل تلف على كعوب رجليها وترجع زي ما راحت مافيش فرص عمل خالص..
تسائل المنشاوي:
- الله، وتشتغل ليه من أساسه مش عندها دراسة هتبدأ كمان كام شهر ولازم تركز فيها، ازاي هتوازن بين ده وده..
ردت زهرة:
- لأ انا شايفة إن هقدر أعمل الاتنين مع بعض وبعدين انا مش أول واحدة تشتغل وهيا بتدرس، عادي..
قاطعهم سليم في سرعة:
- طيب إيه رأيك يا بابا لو تشتغل معانا في الشركة، زهرة بنت ذكية وهتقدر تساعدنا في حاجات كتير..
أطال النظر فيها وكأن يفكر في الأمر ثم قال:
- والله معاك حق ياسليم كانت تايهة عني فين احنا فعلا محتاجين حد في مجال الدعاية الطبية هعينك فيها مع سليم مؤقتاً لحد ما تتخرجوا من كلية الطب ونشوفكوا أكبر دكاترة في مصر إن شاء الله..
أجابت سنية في سعادة:
- الله يكرمك يارب يامنشاوي بيه والله انا مافرحت كده من زمان، بصراحه انا مش عارفة أشكرك ازاي.
ابتسمت زهرة بهدوء قائلة:
- شرف ليا طبعا إن اشتغل مع حضرتك وان شاء الله أكون قد المسئولية دي.
تنهد سليم في سعادة وهو ينظر الى زهرة بعيون لامعة وقلب مطمئن.
تسائلت زهرة:
- اه أنا اسفة نسيت اسألكم تشربوا إيه..
طلبوا منها قهوة فذهبت لتحضيرها فقطع الصمت المنشاوي يقول:
- كنت عايز أتكلم معاكي في موضوع كده يا أم زهرة..
أجابت:
- خير اتفضل..
بدأ المنشاوي في الحديث عن الموضوع:
- من فتره كدا كانت في حسابات متقفلتش خاصة بـ عبد الحميد الله يرحمه، كنت صارفله مكافئة على انتاجية تِعب عليها وحققت نجاح عظيم وللأسف ملحقتش أخبره بيها، فطبعاً المكافئة دي من حقكوا وكمان إجراءات المعاش أنا خلصتها وكل شهر هيبقى في معاش كده ان شاء الله هيكفي مصاريفكوا انتي وزهرة..
ثم وضع يده في جيب سترته وأخرج بطاقة إئتمان وظرف يحوي بداخلة مبلغ من المال فقدمهم إليها قائلاً:
- اتفضلي، المكافئة والفيزا اللي هتقبضي بيها المعاش.
مدت يدها سنية تأخذ منه ما بيده وقد بدت على وجهها علامات الفرحة وجال في خاطرها أنها كانت تفكر كيف ستدبر أمر دراسة إبنتها ومصاريفها الشخصية ثم حمدت ربها في قلبها وقالت:
- انا مش عارفة أقولك إيه معقول في حد كده في الدنيا!.. ثم دمعت عيناها فقالت والله الدنيا لسة بخير طول ما فيها أمثالك يا منشاوي بيه..
ضحك بسعادة قائلاً:
- ربنا يباركلك يا أم زهرة وعقبال ما تفرحي بـ ست البنات..
قالها عندما رأى زهرة قادمة إليهم تحمل بين يديها القهوة التي طلبوها فقدمتها إليهم، ثم جلست بالقرب من سليم فأخذ يُحادثها بشأن الدراسة وانه سوف يساعدها ويساندها ولن يُقصر في شيء ما دام يمكنه فعله، كانت في بادئ الأمر تشعر بالخجل والإحراج من مجرد التحدث إليه حتى زال الخجل وأصبحت تتحدث بحرية وطلاقة مما ساعد سليم على اكتشافها ومحبتها أكثر فأكثر...
شعر المنشاوي بأن سنية متعبة فأراد أن لا يكون ضيفاً ثقيلاً فقال:
- طيب نستأذن احنا بقى ولو احتاجتوا أي حاجة مهما كانت كلموني..
أجابت سنية بهدوء:
- ربنا يزيدك من فضله يامنشاوي بيه ويقدرنا نردلك جميلك ان شاء الله..
ثم هموا مغادرين وفجأه شعرت سنية بدوار جعلها غير قادرة على المقاومة أكثر وكأن كل شيء يدور من حولها ثم وقعت على الأرض فجأه في ذهول من الجميع فاندفعت إليها زهرة فزعةً خائفة تُناديها وتصرخ بها أن أفيقي ولكن دون جدوى..
٭٭٭
في فيلا المنشاوي جلست سماح أمام التلفاز وكذلك فريدة ابنتها التي حاولت النهوض عن فراشها لبعض الوقت..
قالت سماح:
- إيه حكاية أم زهرة اللي طلعت لنا في البخت دي بقى..؟
ردت فريده في شيء من الغيرة والحقد:
- ما انتي سمعتي ياماما..
ردت عليها قائلة:
- ما انا عارفه بس احنا كان ناقصنا يعني..
- والله ما انا عارفه ياماما بس شكلها ست مش ساهلة هيا وبنتها.. شوفتي سليم كان مستعجل ومهتم ازاي إن يروحلهم، دي تبقى مصيبة لو البنت دي عاجباه وناوي يخطبها..
تسائلت سماح بمكر:
- وانتي ناويه على إيه بقى ها تسيبيها تخطفه منك كدة؟!
أجابت في غضب:
- دا على جثتي! ثم صرخت في ألم..
- خلاص خلاص إهدي انتي لسة تعبانة، عموماً ماتخافيش وسيبي الموضوع ده عليا وياريت تبطلي تبيني اهتمامك قدام خالتك مش عايزينها تقول علينا مدلوقين ولا طمعانين في إبنها...
دخلت عليهم بدرية فجأة تحمل بين يديها ثلاث أكواب من العصير فتسائلت في تعجب:
- في إيه ياسماح بتنموا على مين من غيري ها..
نظرت لها بمكر ثم قالت:
- مش ملاحظة إن جوزك وابنك اتأخروا أوي عند الست دي..
اجابت بهدوء:
- عادي ما يمكن مشيوا وبيقضوا أي مشاوير مهمة.
قالت فريده بخبث لتدفع بدرية للإتصال على زوجها لتطمئن هل بقى هناك أم غادر:
- تفتكري يا ماما يكون سليم قاعد مع البنت دي بنت الست اللي راحوا عندها وهيا قاعدة مع أنكل منشاوي..
اشتعلت نيران الغيرة في قلب بدرية لكنها تماسكت قائلة بتوتر:
- لا مستحيل، منشاوي مايعملش كده أبداً وأنا واثقة إنه زارهم وعمل الواجب ومشي، اكيد هوا في الشركة دلوقتي.. وبعدين يافريدة مايصحش تتكملي بالطريقة دي على عمك المنشاوي أو حتى سليم..
أجابت سماح ببرود وسخرية:
- جايز.. كل شيء جـايز.
نظرت لها بدرية في ضيق وقد بدأ الكلام يُثير الشكوك بداخل عقلها وتشتعل النيران بقلبها في صمت لا تعلم ماذا تفعل!
٭٭٭
في مكان آخر شعرت زهره بأن ضربات قلبها تتسارع بشدة فهي لم تتعافى من ألم فراق والدها وصدمة فقده على فجأة، جثت على ركبتيها بجانب والدتها تحاول أن تطمئن عليها:
- ماما انتي سمعاني ردي عليا أرجوكي فوقي يا ماما عشان خاطري.. حاول سليم تهدئتها لكنها كانت خائفة وبشدة.
اتصل المنشاوي بدكتور خالد وأخبره بما حدث فأخبره بأنه سيأتي في الحال..
حملتها زهرة وساعدها سليم لتنام على الفراش حتى يصل الطبيب، وبعد دقائق ليست بكثيرة كان معهم دكتور خالد..
حاول أن يجعلها تستفيق لكنها لم تستجيب وضع يده على رقبتها وجد أن هُناك نبض ثم توجه لزهرة بعدة تساؤلات:
- زهره لو سمحتي عايز اسألك على حاجات معينة..
ردت في توتر وخوف:
- اتفضل يا دكتور بس هيا ماما كويسة مش بترد عليا ليه؟
أجاب:
- كويسة متخافيش بس قوليلي هيا كانت بتبان عليها أعراض تعب الفتره اللي فاتت!!
أخذت تُفكر قليلاً ثم هتفت قائلة:
- أعراض زي إيه يعني يا دكتور
أجاب:
- يعني مثلا دوخة، غثيان، مغص.. اشتكت من الكلى قبل كدة؟
أجابت:
- اه كنت بلاحظ عليها بتدوخ كتير وتحس بغثيان أغلب الوقت ورجليها بتورم كل شوية.. آه وكمان ساعات كتير كانت بتحس بضيق في التنفس ويجيلها مغص جامد في بطنها.. مكانتش بتقدر تاخد خطوة واحدة من شدة الألم ودايماً تكتفي بالمسكن وتقول هبقى كويسة..
استوعب دكتور خالد ما يحدث لسنية ثم قال لها:
- طيب يا زهرة أنا مش عايزك تقلقي نهائياً بس احنا لازم ننقل مامتك للمستشفى حالاً وتتحجز لحد ما تفوق من الغيبوبة..
أجابت بصدمة والدموع تجري على وجنتيها بكثرة وقد آلامها قلبها كثيراً على عزيزتها المريضة قائلة:
- غيبوبة!! طب ليه هيا عندها إيه أصلاً.. وهتفضل كده قد أيه أنا مقدرش أعيش من غيرها لحظة واحدة، طب أعمل إيه أنا دلوقتي يارب..
تابع منشاوي في صمت كذلك سليم الذي انفطر قلبه عليها وحزن لحزنها بشدة، أشفق عليها وتمنى لو بإمكانه احتضانها وتعويضها عما تمر به من آلام..
أجاب خالد:
- للأسف عندها فشل كلوي، أنا مش فاهم ليه الإهمال لحد ما توصل للدرجة دي.. لما حد يحس إنه تعبان بسرعه يروح يتطمن على نفسه بدل ما يتبهدل ولا تطور حالته أو تسوء فيتعب بزيادة.. أمال الطب ده لازمته إيه بس يا جماعة.
تنهد ثم استطرد قوله في غضب:
- عموماً مش وقته الكلام ده دلوقتي ولا في منه فايدة انا هكلمهم يبعتوا الإسعاف تيجي تنقلها وبإذن الله هعمل أقصى ما عندي عشان تفوق من غيبوبتها...
هتف سليم قائلاً:
- طب ما احنا معانا العربية نوصلها بسرعه لهناك..
أجاب خالد:
- لأ مالوش لزوم عربيه الإسعاف مهيأه أكتر للحالات اللي زي كدا.
جلست زهرة تحتضن والدتها وتقبل يدها وتدعو الله أن يردها إليها سالمة من كل شر..
دقائق وكانت سارينة الإسعاف تُعلن عن وصولها مما أثار الرعب والقلق في نفس زهره أكثر ، خوفاً من أن تفقد والدتها وتعيش وحيدة تماماً، سيأخذونها بعيداً عنها لعدة أيام حتى يأذن الله لها بالعودة من غيبوبتها..
قاموا بنقلها إلى عربة الإسعاف ثم وضعوها في وحدة العنايه المركزة.
وقفت زهرة خارج الغرفه تتأملها من خلف الزجاج وتبكي بمرارة على حالها، فقدت والدها ولم يهدأ لها جفن حتى سقطت والدتها هي الأخرى والله وحده أعلم بمصيرها..
تقدم منها المنشاوي في أسى وأخذ يُربت على كتفها بحنان قائلاً:
- يلا يابنتي، يلا نمشي وبكرة نرجعلها تاني..
أجابت من وسط دموعها:
- لا لا مستحيل، أنا هستناها هنا مش ممكن أسيبها وأرجع البيت لواحدي من غيرها..
- لأ ما انتي مش هترجعي عالبيت، انا مقدرش أسيبك تباتي فالبيت لواحدك..
نظرت له بعدم فهم ثم قالت:
- يعني إيه! أمال انا هاروح فين..
أجاب:
- هتيجي معايا الفيلا متخافيش في هناك زوجتي وأختها وبنتها مش هتبقي لواحدك، الدنيا مش امان يابنتي وهوا ده أسلم حل.
ردت بعناد:
- لا لا أنا مش هقدر أروح مكان غريب عليا وفيه ناس غريبة.. ثم نظرت الى والدتها خلف الزجاج قائلة:
- والنبي يا ماما فوقي عشان خاطري وروحي معايا عالبيت..
تحدث لها منشاوي بحنان:
- انتي كده كإنك بتقوليلي مش واثقة فيا ولا مآمنة على نفسك وسط بيتي وأهلي..
ردت بخجل:
- أنا اسفة يامنشاوي بيه بس غصب عني والله..
تدخل سليم قائلاً بهدوء:
- زهرة لو سمحتي إفهمي، انتي بنت ماينفعش تبقي في البيت لواحدك بالنا هيبقى مشغول عليكي، معلش هيا فتره مؤقتة وياستي وعد مني لو مرتاحتيش أنا هرجعك البيت بنفسي.. تمام؟
نظرت زهرة في عيني سليم ورأت الصدق والحنان فلم تستطع أن ترفض فأومأت إيجاباً في صمت هدأت له نبضات قلبها وشتات عقلها من الضجيج، شعرت وكأن الدنيا لم تخلو من حولها فهناك من يُحبها بصدق ويخاف عليها ويتمنى لها الرضى والراحة..
شعر سليم وكأنه انتصر على عنادها وفرح لذلك ثم سحبها منشاوي من يدها بهدوء قائلاً:
- يلا يابنتي تعالي الله يهديكي ويريح قلبك..
ذهبت معه بهدوء متوجهين الى السياره، تركها المنشاوي بصُحبة سليم وسبقهم ليُجري إتصالاً بزوجته، أجابت في ضيق:
- السلام عليكم، إيه يا منشاوي فينك كده اتأخرت أوي.
- انا اسف ياحبيبتي غصب عني والله المهم اسمعي، أنا راجع البيت حالاً ومعايا ضيفة.. عايز استقبال يشرف ها..
تسائلت بتعجب:
- ضيفة؟! في الوقت ده! طب ازاي ومين دي..
هتف بتعب:
- ياحبيبتي اسمعي الكلام بس وانا لما آجي هفهمك كل حاجه..
أجابت في حنق:
- حاضر حاضر، تيجوا بالسلامة انا في انتظاركم،
مع السلامة..
كانت زهره تتسائل في نفسها بشأن سليم، لم تكن تصرفاته معها عادية.. لما كل هذا الاهتمام.. نظرته، اسلوبه، اهتمامه.. غريب أمره معها ولكن طالت المسافة بينه وبينها فقالت في أسى، إنه تعاطف لا أكثر، هو متعاطف معي ويشفق على حالي لا أكثر..
قطع شرودها صوت سليم يناديها بصوتٍ عال:
- زهرة مالك أنا بكلمك مبترديش خالص سرحانة في ايه بس!
أجابت في حرج:
- ها.. معلش ماسمعتكش هوا انت كنت بتقول ايه؟
- كنت بقول إيه؟ لا دا انتي مش معانا فالدنيا خالص، عموماً يلا اهي العربية.. فتح لها الباب الخلفي ثم قال:
- اتفضلي.
استقلت السيارة بهدوء كذلك سليم ثم أدار المنشاوي محرك السيارة وبدأ في التحرك، غادرت زهرة تاركهة خلفها قلبها وروحها وعقلها مع والدتها..
٭٭٭
دقائق ووصلوا الى فيلا المنشاوي في استقبال كلاً من بدرية وسماح وفريدة، كانت تبدو عليهم علامات الدهشه من تلك الضيفة الغريبة في ذلك الوقت المتأخر من الليل ثم قطع ذلك الصمت قول المنشاوي:
- أعرفكم زهرة عبد الحميد..
ثم وجه بصره الى زهرة مشيراً الى زوجته قائلاً:
- دي بدرية مراتي يا زهرة ودي سماح أختها ودي بقى فريدة بنتها..
أجابت زهرة في حرج شديد وهي تومئ برأسها مُرحبة بهما:
- اهلاً اتشرفت بيكوا.
هتف سليم في حماس:
- ايه يا جماعة هنفضل على الباب كدا اتفضلوا يلا ندخل جوا، اتفضلي يا زهرة.
تقدموا جميعاً بالخطوات إلا فريدة التي وقفت مصدومة مما رأت وهي تُفكر " طبعاً ليك حق تتلهف عليها بالمنظر ده، هوا ده جمال طبيعي! وكمان جايبها البيت أنا لازم أفهم إيه اللي بيحصل وإلا هايجرالي حاجه!.."
دخلوا غرفة استقبال الضيوف ولحقت بهم فريدة في تعب..
لم تصبر بدرية لكي تفهم ما يحدث فسحبت منشاوي من يده وذهبت به بعيداً عن الأعين لتسأله عن سبب عودته متأخرا بصُحبة تلك الفتاة اليتيمة..
أما سماح فذهبت لإحضار شيئاً تشربه زهرة وفي رأسها يدور ألف سؤال وسؤال، و لم يبقى في الغرفة سوى سليم وفريدة وزهرة...
قال سليم بسعادة:
- نورتي بيتنا يا زهرة، إعتبري نفسك في بيتك بالظبط شوية كده وماما هتوريكي اوضتك لو حابة ترتاحي..
اومأت ايجاباً في حرج وخوف..
فاستطرد قوله:
- اتعرفي على فريدة بنت خالتي أنا ها اروح أغير هدومي وارجع تاني عشان نتعشى..
شعرت زهرة بالاطمئنان عندما قال أنه سوف يعود ثانيةً فهي تقلق وتخاف عندما تكون موجودة وحدها وسط أناس لا تعرف عنهم شيئاً ولم يسبق لها أن رأتهم من قبل.. ثم ألقت نظرة على فريده التي تنظر لها بحنق وكره وغيرة ثم تفوهت أخيراً:
- هوا انتي هتباتي عندنا ولا إيه؟ أمال فين مامتك يعني مستغربة ازاي تيجي هنا لواحدك متأخر كدة..
شعرت زهرة بالحزن الشديد كانت تود أن تبكي بشدة على وضعها الآن وهي بدون أمها لكنها لا تحب أن يراها أحد تبكي وتكره العطف والشفقة،
لم تنطق بشيء نظرت لها بجمود تشعر أنها لو تحدثت بحرف واحد لانطلقت الدموع من مقلتيها بدون استئذان..
غضبت لذلك فريدة فقالت:
- هاي أنا بكلمك انتي ما بتسمعيش ولا خرسة ولا ايه بالظبط..
قالت تلك الكلمات على وقت دخول والدتها ثم رمقتها بنظرة غضب فقالت:
- إيه ده يا فريده إزاي نكلم ضيوفنا كدة عيب عليكي..
ثم وجهت حديثها الى زهرة قائلة:
- متزعليش يا زهرة ياحبيبتي دا هيا فريدة بس طيبة واللي في قلبها على طول على لسانها..
اتفضلي ياحبيبتي العصير.
نظرت لهم زهرة في ضيق قائلة في نفسها " كدة وطيبة! أمال لو مش طيبة كانت طردتني!!.. يارب صبرني لحد ما أمي تقوم بالسلامة وأرجع بيتي عاجلاً غير آجل.. "
ثم استجمعت قوتها وقالت بإبتسامة يزيد لها ضوء المكان وظهرت رقتها في نبرتها:
- ولا يهمك ياطنط عادي فريدة زي أختي..
كادت فريدة أن تنطق بقول "أنا ماليش إخوات" لولا أن رمقتها سماح بنظرة جعلتها تفهم أن عليها أن تصمت وإلا لن تمر تلك الليلة على خير أبداً..
ثم قالت سماح:
- طبعاً ياحبيبتي، اتفضلي إشربي العصير..
٭٭٭
في غرفة منشاوي هتفت بدرية في غضب:
- أقدر أفهم بقى ازاي تجيب بنت غريبة عندنا الساعه دي!
أجاب:
- انا آسف ياحبيبتي.. مامتها تعبت ونقلناها المستشفى وللأسف دخلت في غيبوبة.. البنت ملهاش حد فالدنيا أبوها لسة متوفي وأمها زي ما سمعتي كده..
شعرت بدرية بالحزن لكن داخلها جزء غاضب غير راضٍ فقالت:
- وهيا هتشرفنا هنا قد إيه! إنت ناسي ان عندنا شاب فالبيت وكدا ماينفعش!
أجاب بنفاذ صبر:
- اللهم طولك يا روح.. طب وبالنسبة لبنت اختك و اختك اللي عايشين معانا دول!
مش بنت دي بردو وعندنا شاب؟
ردت بعناد:
- بردو في فرق و.. وبعدين دي بنت أختي لكن دي بنت غريبة، ثم قالت بغضب علت له نبرة صوتها:
- إنت أصلا ازاي متاخدش رأيي في حاجه زي كده، دي بنت فقر على أهلها مش هتبقى فقر علينا!!!
شد منشاوي على قبضة يده غضباً ثم قال:
- الشِدة هيا اللي بتبين معدن الناس يا بدرية، الظاهر إني لما عرفتك اتخدعت في طيبة قلبك وانسانيتك لكن شوفي بقى.. برضاكي أو غصب عنك البنت دي هتقعد معانا لحد ما مامتها تقوم بالسلامة وأنا مستحيل أرمي لحمي فالشارع إنتي فاهمه!
كان أثر وقع الكلمة على مسامعها ماحياً لكل ما قاله وقد اتسعت حدقتا عينيها في صدمة فردت قائلة:
- لحمك!!..
رواية "زهرة" (٥)
بقلم/ندى أشرف ، نجوى أشرف
٭٭★٭٭
بعد مرور بضع شهور في واقع زهرة المشتت لكنه واقع تتخلله بعض التفاصيل الجميلة كانت نائمة كالزهرة متوردة الوجنتين في ثبات عميق رغم تأخر الوقت عن ميعاد استيقاظها اليومي حتى دلفت عليها هنية بعد أن طرقت عدة طرقات على الباب دون رد من زهرة، دلفت ثم بدأت تنادي فيها بهدوء:
- زهرة هانم، إصحي يا زهرة هانم بقينا بعد الضهر..
فتحت زهرة عيناها الخضراويتين بكسل:
- صباح النور ياهنية.. إيه عاملالي قلق كده ليه مش تسيبيني أصحى براحتي.
أجابت هنية بشيء من السعادة:
- صباح النور ياهانم، كل ده نوم.. أنا عندي ليكي خبر حلو..
مسحت عن وجهها وكأنها تزيل النعاس بأيديها ثم أجابت:
- خير خبر إيه..؟
- النهاردة الصبح أحمد إبن عم محمود جارنا رجع من السفر بشهادة تخرجه، بقى مهندس قد الدنيا وشاب زي الورد، طول إيه وجمال إيه، هوا والاستاذة هايا كإنهم فولة واتقسمت نصين..
تسائلت:
- معقولة! قالتها ثم نظرت لها بتعجب:
- طب وانتي إيه اللي مفرحك أوي كده، مش فاهمة يعني ليه الحماس ده كله! وإيه علاقة ده بـ هايا..!
أجابت هنية بتردد:
- ها..! يعني انتي كل ده مش واخدة بالك من حاجه!
- انتي بتقولي إيه؟
- لا لا مافيش أنا بس قولت أعرفك اللي بيحصل حواليكي مش أكتر.
- هممم قولتي تعرفيني.. طيب تمام مسيري هفهم إيه بيحصل بالظبط، المهم حضريلي القهوة بتاعتي مع الفطار لحد ما أقوم.
أجابت:
- من عيني الاتنين
- يسلمولي ياهنية يا بكاشة
ابتسمت لها بسعادة ثم غادرت.
قامت زهرة عن فراشها ثم توجهت إلى غرفة هايا بعد أن اغتسلت وتوضأت فوجدتها تاركة باب غرفتها مفتوحاً، دلفت الى الداخل كانت جالسة في شرفة غرفتها التي تُطِل على مناظر تعيد للروح بهجتها وسعادتها، الخضرة التي يتوسطها مسبح بسيط والزهور على حافته كما في الأرجاء تنتشر الزهور بألوانها الرائعة والطيور العابرة كما أصواتها المتغنية بالحُب التي غطت على صوت الصمت فجعلت من المكان لوحة فنية مكتملة أركانها ناهيك عن دفء شمسها الذي كسر حدة برودة الشتاء، كانت تنظر في أرجاء الشوارع وكأنها تراقب الأجواء من حولها أو تبحث عن شيئاً ما..
هتفت زهرة قائلة:
- صباح الخير ياقلب ماما، الجميل سرحان في إيه كدة..!
نظرت لها هايا وقد تفاجئت بوجودها في غرفتها ثم أجابت بخجل:
- صباح النور.. أنا..؟ أنا مش سرحانة، قولت بس أشم شوية هوا.
رفعت زهرة إحدى حاجبيها ثم نظرت لها بشك قائلة:
- سمعت إن أحمد رجع من السفر النهاردة..
شعرت هايا بالتوتر وتصنعت الجهل بالأمر فقالت:
- والله! هوا رجع طيب كويس والله..
ضحكت زهرة ثم قالت:
- دا على أساس إنك مش عارفة بقى وكدة صح!
صمتت هايا لبضع ثوانٍ ثم تنهدت قائلة:
- بصراحه بقى كنت عارفة بس كنت خايفة تفهميني غلط، وبعدين انا أصلا كنت قايلالك بس إنتي مسألتيش على تفاصيل..
أخذت تفكر ثم قالت:
- طيب بما إنك بقيتي فاضية إحنا ممكن نتناقش في الموضوع، هنتكلم عالفطار بس هصلي الضهر تكون هنية حضرته تمام..؟
ابتسمت هايا بسعادة فقالت:
- تمام.
دقائق واجتمعن على مائدة الطعام ثم قطع الصمت صوت زهرة قائلة:
- يلا بقى قوليلي أنا كُلي آذانٌ صاغيه..
اذدردت هايا ريقها بصعوبة ثم أجابت بتوتر:
- والله يا ماما انا مش عارفة ابدأ منين وإزاي.. بس انا ماتعودتش أخبي عليكي حاجه..
بصي يا ماما أنا وأحمد بنحب بعض من زمان أوي..
قاطعتها زهرة بتعجب:
- بتحبوا بعض! ومن زمان أوي كمان..
حاولت أن تصبر لكي تفهم قبل أن تُصدر أي ردة فعل أو رأي قائلة:
- طيب إحكيلي الموضوع بدأ ازاي؟
أجابت هايا بحرج:
- أول أيام ليا في الكلية.. كنا بنتصادف كتير في الشارع، مواعيد معينة كانت بتبقى نفس مواعيد بعض.. يعني كان معاد كورس الانجلش بتاعي بيبقى نفس معاد كورس ليه وكنت بشوفه كل يوم في وقت الكورس ده بالتحديد دوناً عن الباقيين، لحد ما في يوم اتأخرت جداً عن معادي وهوا كان جاله أوبر يوصله فعرض عليا انه يوصلنا إحنا الاتنين ويبدأ بالمكان الأقرب فالأبعد.. كان أنا مكان الكورس بتاعي أقرب.
- ها كملي..
- كنت مضطرة والله يا ماما مش لاقية أي تاكسي والاوبر اللي بيجيلي اتأخر جداً ومكنش قدامي غير إني اوافق.. المهم لما ركبنا مع بعض كان ساكت أغلب الوقت ولقيته فجأة بيقولي...
- استاذة هايا صح؟
- آه إسمي هايا..
- وانا أحمد.. جاركوا هنا
- اتشرفت بحضرتك، بس ازاي عرفت إسمي..!
- بالصدفة والله سمعت والدتك في مرة كانت بتناديكي وانتي ناسية حاجه كانت بتجيبهالك.
صمتت قليلاً ثم تذكرت:
- آه صحيح فاكرة الموقف ده، بس دي مش مامتي دي هنية المساعدة لماما في شئون البيت، كنت ناسية موبايلي وجت تلحقني قبل ما آخد الأوبر بثواني، سبحان الله عالصدف...
بعدها أخدت بالي إني زودتها فالكلام ما أنا غصب عني بلاقي نفسي بتكلم كإني أعرف اللي قدامي من سنين بالذات لو.. لو مرتاحه ليه يعني ومش خايفة منه..
المهم لما حسيت بنفسي كدة سكت عن الكلام خالص لقيته بيقولي وهو محرج:
- طيب ممكن تاخدي رقمي ونبقى أصحاب ولو احتاجتي أي حاجه أنا موجود..
- أنا اسفة مش هاينفع.
شعر بالحرج لكنه اجاب:
- تمام ولا يهمك بس أنا بردو عند وعدي لو احتاجتي أي حاجه أنا موجود...
ساعتها وصلت عند مكان الكورس ونزلت من العربية وكانت دي أول مرة اتكلم معاه فيها ومن ساعتها كل ما اتصادف بيه يسلم عليا ويحاول يكلمني، مرة على مرة اتعودت على شوفته وكلامه، حتى لما كان مش بيظهر كنت بزعل أوي وبتحمس للكورس ده عشان أشوفه وكنت معجبة بيه وبحبه بيني وبين نفسي.. أنا ساعات كنت بطلع أجيب طلبات قريبة مننا هنا والمكان بيكون مرعب أحياناً كنت بحس إنه محاوطني باهتمامه وأمانه وكان بينقذني في بعض المواقف.. والحمد لله كانت بتعدي على خير...
صمتت زهرة منتظرة منها أن تُكمل وهي تتسائل في نفسها "كيف لي ألا أعرف كل هذه الأمور عن ابنتي"..
أكملت:
- وبعدين جه في مره كنت قاعدة في الحديقة اللي جنبنا هنا لواحدي مستنية صاحبتي ومجاتش..
لقيته قدامي وبعدين لاحظت إنه اتفاجئ بوجودي، الله أعلم كان عارف إني هنا ولا ولأ بس بعدها جه وقف قدامي وبعد ما سلم عليا قالي:
- ممكن أقعد..؟
حسيت بالإحراج طبعا إن أرفض أو اقول مستنية صديقة بس قولتله " اتفضل.."
أنا وقتها كنت محرجة جداً منه ومن وجوده بس ده مايمنعش إني كنت في قمة سعادتي وقلبي بينبض جامد وبحاول أهدي من توتري عشان متصرفش وحش قدامه..
ابتسمت زهرة وهي تقول في نفسها " كبرتي يا هايا وبقيتي تحبي وقلبك يدق لحد.."
وبعدين لقيته بيقولي:
- استاذة هايا أنا في حاجه لازم أقولك عليها..
- أكيد اتفضل قول..
بعد صمت دام لثواني قال في حرج:
- أنا معجب بيكي جداً وبشخصيتك وأخلاقك.. وبتمنى لو أقدر اتعرف عليكي أكتر واقرب منك بس متخافيش والله أنا ناوي أدخل البيت من بابه..
أنا معرفتش أرد عليه وكنت مش مصدقة أصلا أنا بحلم ولا ده حقيقة، أول شاب تشوفه عيني ويعجبني يكون بردو بيبادلني نفس الشعور، رغم فرحتي دي وإن قلبي كان بيرد قبل مني بالموافقة بس مردتش عليه وقتها وفضلت معلقاه شهور لا بقوله اه ولا بقول لأ لحد ما وصلنا آخر أيام في أولى كُلية..
وقتها كان رد فعله إنه بدأ يبعد عني وبطل يهتم وبطل حتى يسلم عليا لما يشوفني، كان زعلان مني..
حسيت إني ضيعته بغبائي وبقيت بعاتب نفسي كتير وقتها ليه مكنش عندي الجرأة الكافية أقوله إني ببادله نفس الشعور، وكمان فقدت الأمل فيه وبدأت اتعامل عالأساس ده..
بس بردو قلبي كان بيوجعني كتير، كنت بحس إن حياتي بقت فاضية ورجعت وحيده مع إني كنت لواحدي أصلاً بس مجرد وجود الإحساس ده في حياتي كان بيبسطني وكنت مكتفية بيه أوي..
لحد ما عرفت بالصدفة إنه مسافر يكمل تعليمه برا.. اليوم ده يا ماما كان يوم صعب أوي عليا..
تسائلت زهرة:
- وانا كنت فين من ده كله..
- والله انا كنت بحاول ألمحلك باللي بيحصل معايا وبسألك على حاجات وغالباً كان ردك إن دي بتبقى مراهقة للبنات الصغيرين ومشاعرهم مش بتكون حقيقية وكلام شبه ده.. بس انا كنت حاسة إن مشاعري حقيقية فقررت احتفظ بيها لنفسي وكنت بزعل لواحدي في أوضتي وافرح لواحدي..
أنا اسفة بس ده اللي حصل..
- كملي يا هايا هانم..
تنحنحت هايا ثم أكملت في حرج..
- قبل ما أحمد يسافر بيوم كنت بتمنى من كل قلبي يكلمني، يطمني إني لسة جواه ومعجب بيا وعايزني.. أي رد فعل قبل ما يسافر ومحسش إني خسرته فعلا.
اليوم ده من خنقتي مقدرتش أقعد في البيت، أحمد خلاص هيسافر ومش هشوفه تاني..
فـ رجعت أقعد في نفس مكاني في الحديقة بس مكنتش مستنية حاجه غير أمل يرجع لقلبي الفرحه اللي كان عايشها من غير ما أعمل أي حاجه غلط طبعاً..
وفجأة لقيت أحمد قدامي وبيقرب عليا وعلى غير العادة بيمد إيده يسلم عليا..
سلمت عليه بطرف إيدي البارد وسحبتها بسرعه جداً.. وبعدها قعد جنبي من غير ما يسألني كالعادة..
بعدت عنه شوية وسبت بينا مسافة كافية إن أسمعه وهوا بيكلمني..
ضحك واستغرب رد فعلي وبعدين بص بعيد وهوا بيمرر إيده بين خصلات شعره الناعمة ورجع يبصلي تاني وقالي:
- إزيك يا هايا..
- الحمد لله أنا بخير، إنت ازيك.
- آهو كويس..
- يارب دايما كويس..
تنهد وبعدين قالي:
- أنا مسافر بكرة.. ومش راجع غير بعد ما أخلص دراسة خالص..
- ترجع بالسلامة إن شاء الله..
هوا سكت شوية وبعدين قالي:
- هايا ممكن سؤال..؟
رديت:
- أكيد اتفضل.
- ممكن أعرف ليه لحد دلوقتي مفكرتيش تردي عليا في طلبي منك! انتي حتى مقولتيش لأ عشان أفهم بكدة إنك مش بتبادليني نفس الشعور فـ أصرف نظري عنك مهو اكيد مش هتحبيني غصب عنك..
سايباني محتار وأفكر، تحت احتمالات كتيرة ما بين آه عايزاني أو لأ.. أقول لو مش عايزاني كانت رفضتني.. أرجع أقول بس لو عايزاني كانت وافقت.
أنا بالفعل قررت أصرف نظر عن الموضوع وأطلعه من دماغي بس مقدرتش أطلعه من قلبي إنتي مستوعبة!!
اتنهد بقوة وغضب وقتها وحسيت قد إيه هوا تعبان وموجوع بسببي، قلبي كان بيدق جامد كنت بقوله من جوايا بكل حاجه حاسة بيها تجاهه بس من برا أنا ببصله وساكتة.. وبعدين بصلي جوا عيوني وركز أوي لدرجة إني حسيت بدوخه من شدة خجلي فقالي بطريقة انفعالية:
- هايا أنا بحبك! ياريت متتعبيش قلبي معاكي أكتر من كدة.. أنا كل يوم باجي أقعد في المكان ده، على الكرسي ده بالتحديد، وأفضل مستنيكي وأقول دلوقتي هتيجي ده مكانها اللي بتحبه وبتقعد فيه دايما بس انتي مبتجيش..
هتصدقيني لو قولتلك إني دلوقتي جيت على آخر أمل ليا الاقيكي وأقولك كل اللي جوايا وارتاح بقى..!
أنا وقتها بصيت عالأرض بحاول أجمع الكلام اللي هقوله ما أنا أكيد مش هكتم جوايا أكتر من كدة..
فضلت باصة في الأرض استجمعت قوتي وجرأتي وانا بقوله:
- عارف يا أحمد في مغنية قالت جملة حلوة أوي، جملة بتوصف شعوري اللي جوايا ليك بالحرف الواحد.
غنتهاله من كل قلبي:
- " لو اختار ما بين نفسي وما بينك هعترف.. بإن إنت أغلى وأولى وكمان أولاً..
بحبك سنين في السر ومحدش عرف.. وانا ادفع سنين تانيين واحبك في العلن.. "
كان بيضحك ضحكة مش غايبة عن خيالي وكان مبهور بصوتي كمان فقولتله:
- عارف ده معناه إيه ولا أوضح أكتر من كدة..!
مش قادرة أوصفلك يا ماما كم الفرحة اللي كان فيها وقتها واسمحيلي أحكيلك بالتفصيل باعتبار إنك صاحبتي مش مامتي، مش هلاقي أولى منك أحكيله سري.
قالت زهرة في حماس وتعجب:
- إحكي ياحبيبتي دا انتي غلبتيني أنا وباباكي في قصة حبنا، إحكي دا أنا هعمل منك شاورما دلوقتي..
ضحكت هايا بسعادة لا تُوصف فقالت:
- تخيلي رد عليا قال إيه..
قالي أنا لو مكنش حرام دلوقتي إني أقوم أحضنك كنت حضنتك قدام الناس دي كلها وأعوض نفسي كل اللي عملتيه فيا الشهور اللي فاتت دي، بس عموماً انا همسك نفسي لكن يوم ما تبقي حلالي أوعدك إن هاخد حقي منك تالت ومتلت يا هايا يا بنت.. زهرة.
وبس ياستي أخدت منه وعد قعدت سنين بتمنى يتحقق واتفقنا إن يجي يتقدم لما يتخرج واهو رجع وعايز يجي يوفي بوعده ليا...
تسائلت زهرة:
- وكل المدة دي كنتوا بتتكلموا؟
- أبداً والله يا ماما أنا كنت براعيكي في كل تصرف مكنش بيني وبينه أكتر من السلام وكل فترة والتانية يتطمن عليا عشان أنا ماعنديش أغلى من ثقتك فيا وإنك تفضلي رافعة راسك قدام الدنيا كلها وتقولي أنا فعلاً ربيت حتى لو.. حتى لو كان بابا مش موجود.
تأثرت زهرة وبشدة ترقرق الدمع في عينيها رغماً عنها وهي تقول:
- أنا فخورة بيكي جداً يا بنتي وبتمنى لو كان باباكي معانا دلوقتي وشايفك كبرتي واحلويتي وبقيتي عروسة زي القمر... ربنا يرجعه سالم غانم يعوض سنين الشوق والمرار اللي شوفتها في غيابه.
٭٭٭
٭في بيت عم محمود٭
محمود بفرحه :
- حمدالله على سلامتك يابني نورت بيتك أخيرا يا حبيبي شوفناك دي مامتك كانت طول الوقت تعبانه و قلبها دايما واكلها عليك عشان انتا مش قدام عنيها تخيل !
أجاب في سعادة:
- ربنا يخليكوا ليا يا بابا و لا يحرمني منكوا ابداً، كل دا بفضلكوا عليا لولاكوا مكنتش عملت حاجه بعد ربنا.. أمال ماما مالها سمعت إنها كانت تعبانة
أجاب محمود في أسى:
- اه والله يابني كانت تعبانة، دا لولا جارتنا مدام زهرة وبنتها هايا كان زمانها حالها حال دلوقتي.. الحمد لله .
اطمئن قلب أحمد لتلك السيره الطيبه و قال في نفسه "هاايل انا كدا مسكت طرف الخيط" ثم قال:
- طيب عموما انا في موضوع عايز اكلمكوا فيه بس فين ماما الأول عايز اتطمن عليها..
أجاب محمود ضاحكاً:
- دي من الصبح و هيا شاغله نفسها في تجهيز كل الأكلات اللي بتحبها كإنك كنت عايش جعان، ماتعرفش إنك هناك بتاكل أحلى أكل..
- والله يابابا أكل الدنيا كوم وأي حاجه من إيد ماما كوم تاني خالص..
- ومافيش كلمتين حلوين زي دول لأبوك يعني؟
قبّل أحمد يد والده وقال ضاحكا:
- دا انتا الخير والبركه ياحبيبي، كنت واحشني أوي والله يا بابا..
أخذ يُربت على كتفه بحنان قائلاً:
- وانت أكتر ياحبيب أبوك.. تعالى ياحبيبي ارتاح من مشوار سفرك واحكيلي موضوع إيه اللي عايزني فيه
ذهب بصُحبته إلى الداخل قائلاً:
- كل خير إن شاء الله..
٭٭٭
انتهت زهرة من الحديث مع ابنتها وجلست تحتسي كوب الشاي الأخضر المفضل لديها على أثر ذكر سيرة زوجها جلست تستمر في تذكر ماضيها...
تأثر المنشاوي من حديث زوجته غضباً فشد على قبضة يده ثم قال:
- يا بدرية.. الشدة هيا اللي بتبين معدن الناس، الظاهر إني لما عرفتك اتخدعت في طيبة قلبك وانسانيتك لكن شوفي بقى.. برضاكي أو غصب عنك البنت دي هتقعد معانا لحد ما مامتها تقوم بالسلامة وأنا مستحيل أرمي لحمي فالشارع إنتي فاهمه!
كان أثر وقع الكلمة على مسامعها ماحياً لكل ما قاله فردت قائلة وقد استعت حدقتا عينيها:
- لحمك!!..
أجاب في جمود:
- اه لحمي.. إنتي ماتعرفيش كل حاجه عن عيلتي ردت في عدم فهم:
- ازاي بقى ممكن تفهمني!
أجاب:
- عبد الحميد يبقى إبن عمي من واحده تانيه في السر غير مراته الأولى.
عمي زمان كان شاف واحده غلبانه وحالها ميسرش كان في ناس دايما مستقصداها وعايزين يأذوها و شاف انه كان لازم يحميها منهم بجوازه منها.. فإتجوزها فالسر مش عشان فكرة الجواز نفسها لكن لهدف تاني وهوا انه يحميها من شرهم وقرر يخلي الموضوع سر واستأمني أنا على سره ولما مكنش بيقدر يروح لها كان بيبعتني ليها، مع الأيام بقى خلفوا عبد الحميد وعمل عقد جوازهم رسمي بدل عرفي..
تسائلت بدرية:
- وبعدين..!
أكمل حديثه في هدوء:
- وبعدين لما عمي اتوفى حصلت مشاكل علي الميراث كان عبد الحميد ليه حقوق عايز ياخدها والدته خافت عليه من المشاكل والاشتباك بأهل أبوه فمنعته من حقه، وطلبت منه يتنازل عن حقه فالميراث عشان ماتحصلش مشاكل وعشان ميحتكش بيهم أصلاً، هوا ساعتها كان في أشد الحاجه للفلوس دي ورافض انه يستغنى عن حقه لمجرد ان جواز امه من ابوه كان فالسر فمشي غضبان و ساب البلد.. بعد كدا لما حاله اتظبط اتجوز سنيه وجاب منها زهرة ورجعت علاقته مع والدته كويسة لحد ما اتوفت هي كمان واستقر هنا في مصر..
فهمتي يا بدريه انا ليه بعمل كدا مع زهرة بالذات لما أبوها اللي هوا أصلاً ابن عمي اتوفى! عرفتي ليه اهتميت بعزاه ومراته اللي في مقام أختي!
نظرت له بدرية وقد بدا على ملامحها الحزن والتشتت والندم فقالت:
- وانت ليه شايل كل دا جواك من غير ما تقولي أو تحكيلي عن كل ده، كنت هتخسر ايه لما تفهمني بدل ما انت سايبني كدا زي الأطرش فالزفة
أجاب في حنق:
- يعني يابدرية شويه الوقت اللي برتاح فيهم فالبيت هاجي احكي فالأمور دي و بعدين كل شيء بأوانه وأديكي عرفتي أهو.. يلا بقا خلينا نعشي البنت اللي سبناها برا دي..
هتفت قائلة وهي تتودد إليه بحنان:
- طيب أنا آسفة بصراحه كنت متأثرة بكلام سماح وفريدة خلوني أغير عليك.. مش من حقي أغير على جوزي حبيبي ولا إيه..
تبسم ضاحكاً وهو يقوم بتظبيط ياقته ثم قال:
- حقك، جوزك زي القمر ولازم تخافي عليه من عيون الستات..
يلا ياستي زمان بنت اختك أكلت البنت بقشورها، بزمتك شايفه البنت زي القمر ازاي؟
أجابت:
- ماشاء الله عليها حقيقي جميلة.. ربنا يقوملها مامتها بالسلامة..
أجاب:
- آمين يارب.. يلا بينا بقى.
٭في الصالون٭
سماح:
- اشربي يا زهره العصير .
قبل أن ترد زهره دلف سليم وجد زهره مازالت على حالتها فقال متعجبا:
- إيه دا معقول يا جماعه زهره زي ما هيا كدا قومي يا فريده خليها تلبس حاجه عشان تقعد بيها هوا انا اللي هوصيكي!
دلف إليهم منشاوي وبدريه..
فقالت:
- بالظبط كدا يلا يا دودو ياحبيبتي خدي زهره خليها تغير هدومها وبعد كدا تعالوا على أوضة السفرة عشان نتعشى
قالت زهره في حرج:
- لا معلش انا محتاجه ارتاح اتعشوا انتوا بالهنا والشفاء..
رد منشاوي:
- ليه بس كدا يا زهره انتي وسط أهلك مش عايزك تحسي انك غريبه بينا عالأقل اتعشي معانا بعدين ارتاحي براحتك تمام!
شعرت بالحرج فأومأت بالموافقة قائلة:
- تمام حاضر
هتفت فريده بتأفف ونفاذ صبر:
- يلا بقى يا زهرة!
تقدمت إليها بالخطوات قائلة:
- عن إذنكوا..
رواية "زهرة" (٦)
بقلم/ندى أشرف، نجوى أشرف
٭٭★٭٭
ذهبت زهرة خلف فريدة وأحضرت لها ملابس مخصصة للضيوف وبعدها عادوا ليجتمعوا على مائدة الطعام، تناولت شيئاً بسيطا ثم اعتذرت منهم وغادرت على الفور كانت تتابعها في صمت نظرات سليم حتى اختفت عن ناظريه وأيضاً فريدة التي كانت تلقي نظرة حيث زهرة وأخرى حيث سليم وكانت تستشيط غضباً لهذا الاهتمام ثم همت لتغادر هي الأخرى فبقى الطعام كالغصة في حلقها لم تستطع تناول المزيد..
ذهبت زهرة إلى غرفتها التي أخبرتها عنها بدرية وقضت ليلتها تبكي وتدعو الله أن يُفرج كربها ويشفي والدتها، كانت مشتتة الذهن والقلب ولا يوجد ما يهون عليها سوى ما تشعر به من سليم تجاهها كنقطة بيضاء وسط سواد، كشعاع نور وسط ظلام..
ظلت تفكر وتدعو وتبكي حتى غطت في ثباتٍ عميق.
٭٭٭
في صباح اليوم التالي ذهبت بصُحبة المنشاوي وسليم إلى المستشفى..
كان دكتور خالد ماراً بأحد الطرقات في المستشفى منشغلاً بملفات بين يديه بينما يبحث عنه المنشاوي ليسأله عن حالة سنية، فاصطدم به..
رفع بصره إليه قائلاً:
- منشاوي بيه أهلاً بحضرتك انا آسف جداً ماخدتش بالي مشغول جدا والله ازيك يا استاذ سليم ازيك يا زهرة.
أجابوا جميعهم بالحمد لله ثم هتف منشاوي قائلا:
- ولا يهمك يا دكتور خالد طيب أقدر اتطمن على مدام سنية وأسألك عن حالتها ولا لسه مشغول..
أجاب:
- لا لا تمام، أنا مش مشغول أوي يعني..
هوا دلوقتي ممكن حد يدخل لها يتطمن عليها بس للأسف لازم شخص واحد بس وبدون إزعاج ومش أكتر من خمس دقايق.
فقال منشاوي سريعاً:
- طبعا طبعا.. ثم نظر لزهرة وقال:
- زهره هتدخل تطمن على مامتها وأكيد مش هتتأخر ولا إيه يا زهرة؟
أجابت في لهفة:
- حاضر والله بس أهم حاجه أشوفها واتطمن عليها..
تأثر سليم بنبرة زهره و تلهفها لرؤية والدتها ثم قال سريعاً:
- طيب يلا يا جماعة خلونا نروحلها عشان زهرة تطمن..
نظرت له في امتنان ثم توجهوا صوب غرفة سنية.. دلفت إليها فوقع بصرها عليها وعلى المحاليل المعلقه بيديها والهدوء التام الذي يتخلله صوت الأجهزة لم تستطع تحمل ذلك المنظر الذي لم تتوقع أبداً أن ترى والدتها عليه لا حول لها ولا قوة ساكنة لا حراك ثم أمسكت بيدي والدتها قائلة بدموع:
- كدا بردو يا ماما تسبيني لواحدي؟ قلبي موجوع عليكي يا ماما ارجوكي فوقي وارجعيلي وخلينا نعيش في بيتنا تاني وأنا هخلي بالي منك.. كفاية بابا سابني متسيبينيش إنتي كمان..
تنـهدت ثم مسحت الدموع عن عينيها قائلة:
- عموماً اتطمني ياحبيبتي أنا بخير مش ناقصني غيرك، المنشاوي بيه وسليم أخدوني معاهم مش قاعده لواحدي..
بس انا يا ماما مبحبش أقعد وسط ناس غريبة خصوصا لو فيهم حد بيكرهني..
متتأخريش عليا بالله عليكي يا ماما وقوميلي بألف سلامة عشان خاطري.
أخذت تقبل يدي والدتها ثم وضعت رأسها على يديها وأغمضت عينيها تبكي وتدعو الله وترجوه أن يعيد لها والدتها بكل سلامة وصحة طيبة.
في تلك اللحظه دلفت عليها الممرضة وطلبت منها أن تخرج وأخبرتها بأن ذلك الوقت يكفي وأن هذا ليس هذا من مصلحة المريضة..
أجابت زهره بعيون دامعة:
- معلش لو سمحتي خليني معاها شويه كمان
ردت الممرضة في أسف:
- أنا اسفه والله ياريت كان بإيدي دي تعليمات دكتور خالد.. بعد إذنك يلا بقى كفايه كدا.
اومأت زهرة إيجاباً قائلة :
- طيب خلاص انا جايه وراكي..
- اوكي متتأخريش لو سمحتي.
خرجت زهرة بعد أن ودعت والدتها و ذهبت لكي تسأل الدكتور عن حالتها
عندما خرجت وجدت المنشاوي وسليم فقط ثم سألتهم:
- هوا فين دكتور خالد انا عايزه اسألة عن ماما..
أجاب:
- متقلقيش احنا اتطمنا منه عليها وهوا راح يشوف شغله
تسائلت:
- طيب هوا قال ايه، ماما هتفوق امتى؟
حاول منشاوي ألا يذيد من قلقها وإدعى انها بخير وقريبا جدا ستستفيق من غيبوبتها رغم أن كلام دكتور خالد كان:
" انا مش هخبي عليكوا ممكن تطول فالغيبوبه دي لكن احنا بنتوقع ان تفوق بعد ٣ أيام تقريباً، على حسب وبعدين هيا كإنها بتحارب الموت مش رافضه الحياة زي ناس كتير وطبعا أكيد دا عشان بنتها، حالة الفشل الكلوي عندها متأخره جداً وبعد ما تفوق هنعملها غسيل كلوي بشكل منتظم و للأسف حياتها بردو مش هتكون في أمان زي الأول..
بس ياريت يا منشاوي بيه متوصلش لزهرة الموضوع بوضوح منعاً لإنهيارها هيا كمان لا قدر الله
شعر كلاً من منشاوي وسليم بالحزن الشديد فرد قائلاً:
- لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ربنا يلطف بيها ويقومها بألف سلامة.. حاضر يا دكتور ان شاء الله
رد قائلاً:
- طيب استأذن أنا بقى.. بعد اذنكوا.
٭٭٭
زهره:
- طب انا عايزه أروح البيت بقى لو سمحتوا أنا مش حابة أتقل عليكوا أكتر من كدة.. كتر ألف خيركوا..
أجاب المنشاوي في ضيق:
- يابنتي إنتي غاوية وجع قلب؟ حد زعلك هناك؟
عايزة تمشي ليه دا كل اللي قعدتيه معانة ليلة مش أكتر.. وبعدين ياستي اعتبريه بيتك دا والدك عبد الحميد كان زي أخويا بالظبط وأنا مقدرش أسيب بنت أخويا في ظروف زي دي لواحدها..
زهرة:
- بس أنا..
- مافيش بس ولا حاجه، إنتي هتروحي معانا عالبيت والكلام ده مايتكررش تاني وأول ما والدتك تفوق واتطمن عليكم ارجعي بيتك براحتك.. ولا أنا بيتي مش عاجبك بقى يا ست زهرة؟
ابتسمت في حرج قائلة:
- بالعكس والله بيت حضرتك جميل وطنط بدرية طيبة.. جال في خاطرها فريدة فشعرت بالاشمئزاز كما وأنها من الأساس كانت تود الهروب من رؤيتها أو التعامل معها، لكنها للأسف الآن مضطرة إلى العودة معهم..
تسائل في قلق:
- إيه روحتي فين؟ مالك!
انتبهت له قائلة:
- ها..؟ لا انا تمام، يلا خلينا نرجع عالبيت..
ثم ذهبوا إلى السيارة جلس سليم بالخلف بجانبها ثم تسائل في هدوء:
- زهره.. انتي في حد فالبيت بيضايقك؟
- لا مافيش..
- متخبيش عني حاجه، متخافيش لو حد مضايقك هتصرف بنفسي ومش هقول أنك قولتيلي حاجه..
ثم قال بنبرة حانيه:
- أنا أهم حاجه عندي تكوني مرتاحه..!
نظرت له تتفحص ملامحه بعد أن شعرت بتلك النبرة الغريبة في صوته ثم قالت في حرج:
- لا لا مفيش، لو حد ضايقني هقولك..
انا بس كنت حابه اقعد فالبيت أكيد كنت هحس إن ريحة ماما في كل مكان فيه وإنها موجوده معايا.. كان يبقى أهون بردو شويه.
صمتت لثواني ثم استطردت قولها:
- طب ممكن نعدي على البيت أجيب حاجات ليا؟
أجاب:
- طبعا ممكن بس على شرط
تسائلت في حيرة:
- شرط ايه ؟
- إنك تقبلي نتعشى انا وانتي برا النهاردة وتغيري جو شويه بدل ما انتي شكلك بقى مرهق كدة.. متخافيش عزومة على حسابي مش هتدفعي ولا جنيه.. قالها ثم ضحك
ابتسمت هي الأخرى ثم أجابت في ضيق:
- ازاي بس يجيلي نفس أعمل أي حاجه وماما فالمستشفى تعبانة الله أعلم هتفوق تاني ولا...
أجاب:
- ولا ايه متكمليش ليه التشاؤم ده بس! مامتك هتقوم وهتبقى زي الفل كمان.
أجابت وهي تبكي:
- مستحيل طبعا أقدر أفرح بأي حاجه إلا لما اتطمن عليها وأشوفها بخير..
أجاب:
- طيب طيب خلاص إهدي وبلاش دموعك دي.. أنا كان نفسي بس أخرجك من جو الاكتئاب ده لكن اللي يريحك طبعاً..
ثم أخبر والده بالتوجه إلى بيت زهرة ثم إلى الڤيلا..
قام المنشاوي بتوصيل زهرة إلى الفيلا بعد أن أحضرت أغراضها وعاد مغادراً إلى عمله هو وسليم قائلاً:
- يلا يا زهره انزلي انتي وزي ما قولتلك البيت بيتك خدي راحتك وظبطي حاجتك وإعتبري نفسك وسط أهلك.. تمام؟
هبطت من السيارة بهدوء قائلة:
- حاضر ..
وقفت تنظر إليهم بينما ظلت نظرات سليم معلقة بها حتى ابتعد بالسيارة فأدارت نفسها إلى الفيلا وهي تفكر في نفسها قائلة:
" غريب أمرك ياسليم، نفسي أفهم هو ليه مهتم بيا أوي كدة، مهو مش معقول هيبصلي وانا واحدة فقيرة حياتها مكركبة ومقلوبة رأساً على عقب، هوا فين وأنا فين دا حتى المكان اللي بعيش فيه مايجيش جنب جنينة ڤيلتهم حاجه.. وأكيد كمان بعد ما الفترة دي تعدي مش هشوفه تاني.
أنا لازم أحجم العلاقة دي ومعلقش نفسي بيه وأصرف نظري عن أي تفكير فيه حفاظاً على قلبي وكرامتي كفاية اللي أنا فيه..! "
أطرقت على الباب فتحت لها الخادمة، دلفت في هدوء وجدتهم جالسين سماح وبدريه وفريدة، ألقت السلام عليهم..
- وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته..
بدريه:
- أهلاً يا زهرة طمنيني ياحبيبتي أخبار مامتك ايه دلوقتي؟
أجابت في حزن:
- الحمد لله.. بس للأسف لسه في الغيبوبة، إدعيلها بالله عليكي يا طنط بدرية..
هتفت فريدة بصوت خافت تهامس سماح لكن زهره سمعتها تقول:
- باينها كدا قاعده على قلبنا كتير.. لا وجايبة شنطة هدومها..
نظرت زهرة إلى حقيبة يدها ثم هتفت في غضب:
- على فكرة أنا كنت عايزة أروح أقعد فالبيت بس منشاوي بيه رفض وقالي ماينفعش أبقى لواحدي هناك..
رمقتهم بدريه بنظرة غيظ فقالت:
- طبعا يا حبيبتي مايصحش بنوته زي القمر زيك كدا تبقى لواحدها فالبيت، تعالي تعالي انا هرتب معاكي الأوضة وحاجتك.. يلا بينا.
إحتوتها بذراعها وذهبت بها إلى غرفتها وهي تتحدث معها بهدوء..
قالت سماح في غضب:
- جرا ايه يا فريدة إنتي اتجننتي؟ ليه كدة تحرجيني مع خالتك لازمته ايه الكلام ده قدامهم؟
أجابت فريدة في حنق:
- طيب طيب خلاص الله.. أنا بس في حاجه مستغرباها، هما ليه مهتمين بيهم أوي كدة وهيا حيالله بنت صاحبه!
أجابت سماح:
- معرفش يمكن فتحوا بيتهم سبيل للي يسوى واللي مايسواش! ثم تبادلا الضحكات هي وابنتها.
دلفت إليهم بدرية قائلة في غضب:
- أنا فاتحة بيتي سبيل؟
لعلمك بقى زهره مش حيالله بنت صاحبه لا هيا تبقى قريبة المنشاوي ومش واحدة غريبه ولا حاجه.. وياريت اللي حصل ده مايتكررش تاني ونراعي شعور البنت لحد ما مامتها تفوق وترجع تعيش حياتها زي ما كانت تاني تمام! أنا مش عايزة مشاكل مع المنشاوي..
ضحكت سماح في حرج قائلة:
- يوه إنتي زعلتي يابدرية؟ دا إحنا بنهزر متاخديش كل حاجه جد كدة الله.. وبعدين أهو يونسوا بعض ويتصاحبوا على بعض بدل ما فريدة وحيدة.. مش كدة يا فوفا؟
لوت فريدة شفتيها ثم أدارت وجهها بعيداً قائلة:
- اه كدة..
٭٭٭
بعد أن غادرت زهرة عاد سليم ليجلس في الكرسي الأمامي بجانب والده..
تسائل المنشاوي قائلاً:
- كنتوا بتتكلموا في إيه بقى بصوت واطي كدة؟
شعر سليم بالحرج الشديد من والده فقال:
- لا أبداً انا كنت بواسيها بس وبحاول أخفف عنها مش أكتر..
- مممم بتواسيها مش أكتر.. أمال أنا ملاحظ اهتمام غريب كدة.. مش إبني اللي أنا أعرفه يعني.. إحكيلي انا زي أبوك بردو..
ضحك سليم فقال:
- والله يا بابا إحساس كدة لله فلله إن البنت دي غلبانة وطيبة ومستاهلش أبداً اللي بيحصلها..
- آه بتشفق عليها يعني.
- مش بالظبط يعني بس..
رد منشاوي بنبرة حادة:
- إسمع.. إنت قولت أهو هي متستاهلش اللي بيحصلها، يعني ياريت متبقاش إنت كمان سبب في يوم لكسرة قلبها.. والمسافة اللي بينكوا دي أنا مش عايزها ومش عايزك تعلق البنت بيك تمام؟
تعجب سليم فقال:
- الله! ولازمته إيه بس الكلام ده يا بابا..
- أنا قولت اللي عندي وانت وضميرك، يلا إنزل خلينا نشوف شغلنا.
٭٭٭
عادت بدريه إلى غرفة زهرة من جديد فطرقت على الباب قائلة:
- ممكن أدخل يازهرة؟
أجابت:
- آه طبعاً اتفضلي..
هتفت بدريه في حرج :
- متزعليش يازهرة من فريدة وياريت لو ماتهتميش بأي تصرفات تحصل منها وأعتبريها كأنها مش موجودة أصلا..
أجابت:
- لا لا أنا مش زعلانة منها.. أنا مقدرة بردو إننا من سن بعض وهيا فجأة لقت واحدة غريبة في حياتها أخدت إهتمام أهلها فطبيعي تتضايق من وجودي، بس يارب أكون خفيفة على قلبكم والوقت يعدي على خير..
أجابت:
- والله يازهرة إنتي اختصرتي الكلام كله.. أوقات بحس إنك أكبر من سنك وإنك قد المسئولية اللي ربنا حطك فيها، فعلاً إن الله لا يُكلف نفساً إلا وسعها..
المهم بقى قوليلي نفسك تاكلي إيه النهاردة؟ ولا إنتي مابتعرفيش تاكلي غير من إيد مامتك؟..
ابتسمت زهرة فقالت:
- لا انا مش بهتم بالأكل أساساً و أي حاجه من حضرتك هحبها أكيد..
بس هيا فين مامتي دلوقتي، انا بجد محتاجلها ونفسي تكون جنبي وتشاركني كل حاجه بحسها وبمر بيها.. أنا مش مستوعبه ازاي فجأه كدا بقيت لواحدي! الأول بابا يتوفى وبعدين هيا تدخل في غيبوبة واحنا مالناش حد خالص لولا منشاوي بيه، وبفكر كتير بكون مستغربه ليه بيعمل كدا معانا.. مش عارفه بس ربنا يعدي الأيام دي على خير.
أجابت:
- هتعدي إن شاء الله وماما هتقوم بالسلامة، بس انتي متفكريش كتير فالأمور دي، بكرا كل حاجه هتبقى تمام..
ثم اقتربت منها واحتضنتها في حنان ثم أبعدتها برفق قائلة:
- تعرفي أنا كان نفسي يبقى عندي بنوته زيك كدة.. ونتكلم مع بعض وأعتبرها صاحبتي، إيه رأيك تعتبريني صاحبتك؟
أجابت زهرة في سعادة:
- ياه دا أنا ليا الشرف إن يبقى ليا صاحبة زي حضرتك كدة..
- طيب يا ستي اتفقنا.. يلا خلصي اللي في إيدك وتعالي تحت نتفرج على التليفزيون لحد ما الغدا يجهز..
ردت زهرة بإبتسامة خفيفه:
- حاضر اتفضلي انتي وانا جاية وراكي..
عادت بدرية إلى الطابق السفلي فوجدت سماح جالسة بمفردها فتسائلت بتعجب:
- أمال فين فريدة مش موجودة يعني!
أجابتها في عدم اهتمام:
- خرجت.. راحت تعمل شوبينج مع صحابها، تغير جو كدة يعني.
- هيا مش لسة تعبانة؟
- لا لا بقت كويسة..
- طيب المهم أنها ماتتأخرش عن ميعاد الغدا المنشاوي وسليم قربوا يرجعوا..
ثم جلست بجانبها قائلة:
- يلا هاتي المسلسل زمانه اشتغل.
أما زهرة فجهزت نفسها دائما ما تكون حريصة على أن ترتدي ملابس محتشمه تخفي مفاتن جسدها لا تصف ولا تشف خاصةً أن سليم ووالده كثيراً ما يتواجدون في الفيلا ومن المتوقع حضورهم في أي وقت.. كانت جميله وتزداد جمالاً عندما تبدو بذلك المظهر..
دلفت إليهن فوجدتهم جالسين أمام التلفاز يستعدون لمشاهدة ذلك المسلسل الذي سبق وأخبرتها عنه بدرية، جلست بجانبها وتسائلت:
- إيه قصته بقى المسلسل ده عشان أنا مش بتابع حاجه خالص..
قبل أن تنطق بدرية أجابت سماح:
- المسلسل ده بقى حاجه كدا ممتعه في الفُرجة عليه قصته رومانسية بتتكلم عن حب البطل للبطلة رغم كل الظروف ورفض أهلهم لإرتباطهم واختلاف المستوى الاجتماعي بينهم، بس كان حبهم لبعض أقوى من أي سبب يمنعهم من الجواز..
فضلوا مع بعض ومستغنوش عن بعض وفضل حبهم قوي جداً.. بدأو حياتهم بعيد عن أهلهم بسبب خلافات المستوى الاجتماعي وبدأوا من الصفر وعاشوا أيام صعبة لحد ما بقوا أغنية وليهم اسم كبير وكونوا عيله كبيره ورجعوا لأهلهم تاني..
إحنا شوفناه قبل كدا بس بنحب نتفرج عليه أوي خصوصاً انه دايماً مرتبط بليالي الشتاء وذكرياته الجميله..
كانت سماح تقص على زهرة قصة المسلسل وهي بعالم آخر، من بداية ما وصفت سماح وزهره تفكر في سليم وتشابه الظروف بينهم..
تسائلت سماح:
- زهرة؟ انتي معاية!
هتفت بدريه ضاحكه:
- يا شيخه اعتقيها لوجه الله انتي ما صدقتي، زهرة مش معاكي خالص اصلاً!
أجابت زهرة في حرج:
- لا لا انا معاكي ده باين إن قصته حلوه جداً
ردت سماح بسخرية:
- قصته حلوة جداً؟ آه تمام..
ما علينا اسكتوا بقى عشان هيبدأ أهو..
هتفت بدريه ضاحكة:
- شوفوا مين بيتكلم..
نظرت لها سماح في ضيق دون أن تتفوه بكلمه ثم عادت تنصت إلى مشاهدة المسلسل في هدوء..
٭٭٭
٭في شركة المنشاوي بيه٭
هتف سليم في حماس:
- بابا المناقصه دي مهمة جداً احنا لازم نكسبها..
أجاب في حزم:
- طبعا أمال انت فاكرني نايم على وداني!
مش هسيبها بسهوله كدة تروح مني، عموماً عرضنا ميترفضش متقلقش.. بكرة أو بعده بالكتير هيكون الموضوع دا خلص.
- طيب تمام طمنتني، أنا أصلي متحمس ليها جداً هتنقلنا نقلة تانية خالص..
يلا أنا هروح أخلص شوية شغل كدا وهعدي عليك عشان نروّح مع بعض..
أجابه وهو منشغلاً في عمله:
- تمام هستناك..
قطع تركيزه اتصال من دكتور خالد فترك ما بيده وأجاب على الفور...
٭٭٭
شعرت زهره بشيء ما غريب أثناء مشاهدتها للتلفاز لا تدري ما هو لكنها شعرت بقبضة في قلبها وكانت تشعر بالقلق على والدتها والاشتياق إليها فاستئذنت وعادت مغادرة إلى غرفتها تفكر بهدوء ثم قالت في نفسها:
" انا هقوم اتوضى وأصلي ركعتين يمكن قلبي يرتاح "
جلست تصلي وتدعي لوالدتها وعندما أنهت صلاتها ذهبت لتنظر في هاتفها وجدت عدة مكالمات من المنشاوي.
انقبض صدرها قليلاً وفجأة دلفت إليها بدرية مُسرعه تبدو على وجهها علامات غير معلومة أهي خوف أم حزن، خير أو شر!
فقالت لها:
- زهرة منشاوي بيكلمك مش بتردي عليه ليه؟
مدت يدها إليها بهاتفها قائلة:
- خدي هوا عالتليفون عايز يقولك حاجه مهمة بخصوص والدتك..
سحبت منها الهاتف في قلق وخوف وهي تتمنى ألا تسمع منه ما تكره..
ثم أجابت في قلق:
- السلام عليكم...
٭٭٭
٭في المستشفى٭
كان دكتور خالد واقفاً يتحدث مع إحدى الممرضات أمام غرفة سنية فذهب إليه المنشاوي في لهفة قائلاً:
- إيه الأخبار يا دكتور خالد فعلاً مدام سنية فاقت!!
كذلك زهرة التي هتفت في فرحة شديدة:
- أنا عايزه أشوفها يا دكتور لو سمحت
أجاب خالد:
- إهدوا بس يا جماعة اللي حصل انها فعلا فاقت الحمد لله وكانت بتنادي على زهره..
٭فلاش باك٭
دخلت الممرضه على سنيه لتُعيد وضع المحلول، كانت سنيه تحاول أن تستفيق.. نظرت لها الممرضة في عدم تصديق وجدتها تحرك إصبع السبابه وبعد دقائق قليلة هتفت بصوت خافت وعدم وعي كافي:
- زهرة.. زهرة.
خرجت الممرضة في سرعة لتُخبر دكتور خالد بما رأت قائلة:
- يا دكتور تعالى بسرعه مدام سنيه فاقت..
انتفض خالد من مقعده وقام سريعاً وهو غير مصدقاً ما يسمع.. دلف إليها ليطمئن بنفسه وجدها تبكي وتتألم ولازالت تنادي إبنتها زهرة.
قال خالد للمرضه:
- خليكي معاها وتابعي حالتها لحد ما أرجعلك..
أنا هتصل بيهم ييجو يجيبولها زهرة أكيد لما تشوفها هترتاح وتهدى.. يلا اتحركي مستنية إيه؟!
٭٭٭
خالد:
- بس وحالياً هخلي زهرة تدخلها عشان تطمن بوجودها جنبها وتستعيد وعيها من تاني..
جلسوا جميعاً على كراسي الإنتظار أمام الغرفة بينما ذهبت زهرة لتطمئن على والدتها..
هتفت بدريه قائلة:
- متتصورش زهره كانت هتطير من الفرحة إزاي بعد مكالمتك ليها تخيل انها حضنتني أوي من فرحتها..
دي خلتني أحس بشعور مفتقداه.. أنا معنديش بنات بس طول ما هيا معاية حسيت إنها بنتي والله و فرحت لفرحها جداً..
رد المنشاوي:
- الحمد لله يا بدرية، الحمد لله.. الواحد كان خايف على الست دي لايجرالها حاجه عشان بنتها..
ثم غمز لها ونظر لسليم الجالس بجانبهم قائلاً:
- شايفة إبنك عامل إزاي؟ من وقت ما ظهرت زهرة في حياته وهوا واحد تاني خالص غير اللي أعرفه..
تسائلت:
- ازاي يعني.. قصدك إيه؟
لاحظ سليم نظراتهم التي تراقبه فشعر بالتوتر أكثر فقال:
- إيه مالكوا؟ بتبصولي كدة ليه؟
بقولكوا ايه أنا رايح أجيب حاجه أشربها أجيبلكوا حاجه تشربوها!
أجاب والده ضاحكاً:
- اللي يجي منك ياسيدي..
وسط نظرات بدرية المفعمة بالشك قال هارباً:
- تمام.. يلا سلام.
تسائلت بدرية في حيرة:
- هوا في إيه بالظبط بقى هاه! أنا بدأت اتوغوش..
منشاوي:
- إبنك شكله كدة مهتم بيها زيادة عن اللزوم ومش بعيد يكون بيحبها..
- بيحب مين؟ زهرة قصدك! معقول؟
بس بيني وبينك من ناحية الجمال الواد طالع لأبوه بيعرف يختار..
نظر المنشاوي بعيداً فقال:
- يلا الله يجازي اللي كان السبب..
ردت في حنق:
- نعم! قصدك ايه بقى؟!
- ولا أي حاجة ياحبيبتي بقول ربنا يجازيه خير اللي كان السبب.. ثم قبل يدها قائلاً:
- دا انتي الخير والبركة..
- أيوة كدة إرجع لعقلك أحسنلك..
تعليقات
إرسال تعليق