القائمة الرئيسية

الصفحات

حكاية مشوه بقلم قسمة الشبيني البارت الاول حتي البارت السادس والاخير كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

اعلان اعلى المواضيع

حكاية مشوه

بقلم قسمة الشبيني

البارت الاول حتي البارت السادس والاخير 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

 لم يختر لنفسه أن يحيا مشوه يرتعد الأطفال لرؤيته ويخشى الناس اقترابه .

نبذه اقرب الناس إليه ولم يعد مرحبا به فى حياتهم ولو كعابر سبيل .

ضاقت الدنيا وسدت الأبواب .

لم يعد أمامه إلا التسول أو الإجرام .

فماذا سيكون مصيره ؟ قلب رحيم أو قلبان لاناس غرباء لم يرهم مطلقا .

كيف تكون الحياة مع كل هذا الألم ؟؟؟

انتظروا الإجابة فى نوڤيلا حكاية مشوه

القصة من وحى خيالى وليس لها أسس واقعية


#حكايةمشوه_بقلم_قسمةالشبينى


الحلقة الأولى

فى حجرة متواضعة للغاية فوق أحد الأبنية المتواضعة ايضا يجلس رامى ؛ ذلك الفتى ذو السبعة عشر ربيعا ممسكا بكتاب وهو ينظر له بتركيز شديد فالغد هو آخر اختبارات الثانوية العامة وعليه أن يجتازها بتفوق كما الأعوام السابقة من دراسته .


الحجرة لا تحوى سوى فراش متهالك ومكتب خشبى بالإضافة لخزانة ملابس من ضلفة واحدة وفى أحد الأركان يقبع موقد غاز وبعض الاوانى الغير مجلية جيدا .

لا يحيد رامى بعينيه عن كتابه ولا يفقد تركيزه رغم ما يشعر به من ألم بالرأس وكأن الألم مجرد صوت يخبره أنه على قيد الحياة .


بدأ يدون بعض الكلمات بخط أنيق ، من يرى تلك الأصابع الشبة متلاصقة لا يصدق أن هذا الخط الأنيق كتب بها . 


أنهى اخر ملاحظاته ،نظر لأوراقه نظرة رضا ، نهض عن المقعد الخشبى ليتوجه لخزانة الملابس فقد خفف ملابسه نظرا لشدة حرارة الجو لكنه سيتجه للخارج الأن وعليه أن يخفى نفسه داخل كومة من الملابس .


ارتدى سترة بأكمام طويلة ورفع غطاء الرأس ليخفى معظم وجهه ثم ارتدى قفازات أخفت كفيه ايضا واخيرا تلك النظارات الشمسية ذات العدسات الكبيرة لتخفى اغلب وجهه .

اتجه للخارج بخطوات ثابتة ليهبط الدرج متوجها لمكتبة يتعامل معها منذ عامين لبيع ملخصات ومذكرات دراسية يقوم هو بتلخيصها وكتابتها ويقوم صاحب المكتبة بتصويرها وبيعها .


تجمعات من الطلبة هنا وهناك بالقرب من المكتبة مجرد رؤيتهم أدت لإهتزاز خطواته لكنه تحامل على نفسه وتجاهل نظراتهم المريبة لهيئته واتجه لداخل المكتبة .


قابله صاحب المكتبة بحفاوة كبيرة فكل هذا التجمع بالخارج ينتظر اوراقه .


وقف صاحب المكتبة ويدعى أحمد بمجرد رؤية رامى يدخل من الباب : اهلا يا رامى يا بنى . اتأخرت ليه النهاردة .


رفع رامى يده بالأوراق : معلش يا عم احمد المادة كبيرة انت عارف التاريخ .

امسك احمد بالأوراق ينظر لها بسعادة وهم بالتحدث ليقاطعة دخول أحد الطلبة : ها يا عم احمد ماتكلم اللى بيجيب لك الملخصات عاوزين نلحق نذاكر .

رفع احمد عينيه ليقول : الملخصات جت . نص ساعة تجهز . 

نظر المتحدث إلى رامى بريبة وغادر للخارج ليتنفس رامى براحة : ادينى فلوسى يا عم احمد علشان اروح . 


مد احمد يده لدرج أمواله ليخرج ورقتين فئة المائة جنية يقدمها ل رامى الذى ابتسم للمال الذى يجنيه بسعادة ليتناوله من احمد ويهم بالمغادرة ليوقفه قائلا : بقولك ايه يا رامى يابنى ؟ 


توقف رامى ليقول أحمد : بما إنك هتاخد إجازة وتبقى فاضى ، اجيب لك شوية كتب تعمل لهم ملخصات فى الإجازة هديك فى الملخص خمسمائة جنية !!


توقف رامى لسماع المبلغ : ليه يا عم احمد كتب إيه دى ؟


احمد : كتب جامعة . ها قلت إيه ؟


رامى : موافق يا عم احمد بكرة وأنا راجع من الامتحان هعدى اخد اول كتاب .


وانصرف رامى بخطوات سريعة بينما ابتسم أحمد لموافقته فهو يكسب ألاف الجنيهات من تلك الملخصات التى يكتبها رامى منذ عامين . وبهذه الطريقة سيكسب أموالا إضافية .


توجه رامى من فوره لشراء بعض الحاجات الضرورية ليعود فورا إلى غرفته .

اغلق الباب بهدوء ليتنفس براحة ويبدأ في نزع تلك الملابس عنه .خلع السترة لتظهر التشوهات بطول ذراعه الأيمن والتى طالت رقبته ووجهه حتى أعلى رأسه التى خلا جزء منها من الشعر نظرا لهذا التشوه .


تجاعيد منفرة بطول رقبته أثرت على حركتها بشكل كبير ، وتجاعيد اكثر تنفيرا حول فمه وعينه اليمنى بينما الجزء الأملس من رأسه والذى خلا من الشعر بلون أحمر مؤلم للقلب .


خلع قفازاته لتظهر أصابع كفه الأيمن الشبه متلاصقة حيث يلتصق بنصره بوسطاه حتى العقلة الثانية ، لكنه سيتخلص من هذا الالتصاق فى اقرب وقت .


توجه للمرحاض الملحق بالغرفة ليفتح صنبور المياة ويخلع عنه ما بقى من ملابسه لعل برودة المياة تلطف تلك الحرارة التى ألهبت جسده نظرا لملابسه تلك .


أنهى حمامه ليقرر الحصول على قسط من الراحة سيفيده كثيرا في تجديد نشاطه وإعادة التركيز كما سيخلصه من ألم رأسه هذا .


تمدد فوق الفراش ليغفو فى لحظات .

#حكايةمشوه_بقلم_قسمةالشبينى


الحلقة الثاني


رامى الأخ الأوسط لثلاثة أبناء لوالديهم ذلك الرجل البسيط الذى لم يدخر جهدا لاسعادهم . يعمل بكد ليقدم لهم أفضل حياة يمكنه تقديمها .


حتى كان ذلك اليوم ، كان يوما شديد الحرارة وقد أذاع التلفاز تحذيرات مشددة عن خطورة حرارة الجو ، الكل يستمع دون اهتمام فهذا هو حال الإعلام يبالغ ويغالى بكل الصغيرات .


نوبة حرارة ولا شئ خطير . هكذا يظن اغلب الناس .


كان والده قد عاد للتو من عمله لتخبره زوجته أن إسطوانة الغاز قد فرغت تماما وهى لم تنه إعداد الطعام . حمل الأب الإسطوانة الفارغة ليعود بعد نصف ساعة يتصبب عرقا بأخرى ممتلئة يرفعها فوق كتفه وقد وضع أسفلها حاجز كرتونى فهى شديدة السخونة ولم يتحمل حملها دون حائل . 


أسرع للمطبخ الضيق ليضعها بمكانها المخصص ، اوصلها بخرطوم الموقد واشعل النار ثم ترك زوجته لتعد الغداء .


جلس بتلك الردهة متوسطة المساحة هو وأبناءه الثلاث يتبادل معهم الحديث للإطمئنان على شؤونهم .


مر بعض الوقت وفى لحظة دوى إنفجار هائل لتتحول الشقة فى لحظات لقطعة من جهنم . 


صراخات تمزق القلوب صادرة عن الجميع بلا تفرقة ليرى رامى بعينيه أجساد أسرته وهى تحترق يتخبطون هنا وهناك كما يفعل هو فى محاولة لإخماد النيران التى تذيب لحومهم . 


تراجع رامى خطوات من شدة الألم ليرتطم بالنافذة فيهوى خارجا والنيران تتأكله بلا رحمة .


لم يشعر بالوقت بعد ذلك ، كان ارتطام جسمه المشتعل بالأرض هو آخر ما شعر به . 

افاق ليجد نفسه ممددا فوق فراش معدنى وجسمه يختفى تحت الأربطة الطبية وساقه اليسرى معلقة فقد كسرت نتيجة لسقوطه .


أغمض عينيه ليرى صورة والدته وجسدها يندفع بقوة خارج المطبخ لتسقط أمامه بلا حراك ثم صورة والده وشقيقيه وهم يتخبطون من شدة الألم . لقد رأى جسد أخيه الأكبر يسكن في لحظات بينما اندفع هو تاركا والده وشقيقه الأصغر يحترقان مثله لكن اندفاعه هذا أسقطه من النافذة التى لحسن الحظ بالدور الثاني ليكون هذا الساق المعلق ألم اضافى يضاف للنيران المشتعلة . 


أخبروه بالمشفى أنه فى غيبوبة منذ عشرة أيام . وكم كانت غيبوبته تلك رحيمة به . فقد تخطى أثناءها الكثير من الألم فوق طاقة البشر . 


كان رامى فى ذلك الوقت قد أنهى اختبارات الشهادة الإعدادية وينتظر ظهور نتيجته ليدخل بعض السرور على أسرته التى أبلغوه أنه فقد جميع أفرادها .

بعد تمام شفاءه وهذه التشوهات التى اصابته غادر المشفى الحكومى الذى خضع للعلاج فيه .


خطأ طبيب أدى لإلتصاق اصابع كفه الأيمن ليهدد بإعاقة مدى الحياة لكن الطبيب أخبره ببرود أنه يمكنه التخص من هذا الالتصاق بجراحة بسيطة .


لكن من أين له بالمال !!! 


 عاش فترة علاجه على مساعدات أهل الحى . لقد عاش عمره فى كنف والده الراحل بكرامة ، كان فقيرا لكنه عفيف النفس لم يشعر بالاحتياج مطلقا . وها هو اليوم يحيا على المساعدات . ياله من ألم يمزق قلبه ويجرح كبرياءه ويطيح بكرامته.


ظهرت نتيجة الشهادة الاعدادية وقد نجح رامى بتفوق كعادته ، لكنه صغير السن بعد ولا يمكنه نقل أوراقه للمدرسة الثانوية دون ولى أمر ، ونظرا لوفاة والده فقد حصل عمه على ولاية أمره .


غادر المشفى رأسا لمنزل عمه ليرى صورته المشوهة بأعين المارة ، هذا ينظر له بشفقة وهذا يرمقه بتقزز ، البعض يبتعد عن خطواته والأطفال يفزعون لمجرد النظر إليه .


اخيرا وصل منزل عمه ليختبأ من تلك الأعين التى تلاحقه وليته لم يصل .

قابله عمه بتحفظ وتهرب ابن عمه من لقاءه ، دقائق وطلبت زوجة عمه أن تتحدث إليه .


منزل عمه لا يختلف عن منزلهم كثيرا ، نفس المساحة والبساطة لذا يمكنه بسهولة أن يستمع للحديث بالغرفة الأخرى خاصة مع حرص زوجة عمه على رفع صوتها .

زوجة عمه : اوعى تفكر إنك تقعده عندى . أنا خايفة منه .وابنك لايمكن يرضى ينام معاه .


العم : يعنى اعمل ايه ؟ارميه فى الشارع ؟ ما ماتوا كلهم الله يرحمهم .

زوجة عمه : اعمل اللى تعمله بس خرج ابن اخوك من بيتى .ده مشوه 

وكأنه بحاجة للمزيد من الالم ، وكأنه اختار ما حدث له !!! 


ليته فارق الحياة مثل باقى أسرته .


عاد العم ليطلب منه رامى أن يحول أوراقه للمدرسة الثانوية بصفته ولى أمره ثم استئذن وغادر ، لم يحاول عمه أن يمنعه من المغادرة فقط وضع يده بجيبه ليخرج عدة أوراق مالية رفضها رامى بشدة وغادر مسرعا .


لم يكن يعلم وقتها إلى أين سيتجه ، أو ماذا سيفعل لكنه لن يستطيع أن يظل ببيت عمه لحظة واحدة .


فقد تكون الحيوانات الضالة بالشارع ارحم من زوجة عمه تلك ومن عمه الذى لم يقدم له جرعة ماء فقط أراد خروجه من منزله إذعانا لرغبة زوجته وقد تكون رغبته أيضاً ، لقد رأى النفور بعينيه وإن لم ينطق لسانه فحاله فعل .

#حكايةمشوه_بقلم_قسمةالشبينى


الحلقة الثالثة

غادر منزل عمه بلا هدى ، ولا مال ، ولا طعام ، ولا كلمة طيبة .

سار يخفض رأسه ليتلافى نظرات المارة ورأسه تضج بالافكار ؛ أين سيذهب ؟؟ وكيف سيعيش ؟

لقد لفظه منزل عمه ، فهل يقبل به الغرباء ؟؟

أوقفته لافتة على أحد المتاجر تطلب عامل ، نظر لها بتردد لكن ليس لديه ما يخسره .

دفع الباب ودخل ليقابله فتى يكبره بعدة أعوام ، نظر له بتقزز : أى خدمة ؟؟

تفحصه جيدا لكن رامى لم يهتم وقال بتردد : عاوز اشتغل 

نظر له الفتى بصدمة ، لقد ظنه سيطلب مساعدة مالية ، تجاوز صدمته ليقول بلا رحمة : تشتغل !!! انت مش شايف شكلك ؟؟ يابنى ده محل أكل عيش تقابل الزباين بوشك ده ازاى ؟؟؟

أخرج مبلغا ماليا ليحاول أن يضعه بكفه ، انتفض رامى مبتعدا وهو يصيح : أنا مش شحات .

وتوجه للخارج بخطوات مهزوزة عرجاء ليستوقفه صوت انثوى : استنى .

توقف رامى بينما نظرت هى للفتى الآخر بحدة ثم قالت : تعالى عاوز تشتغل ؟

التفت لها بحماس لتقول : ادخل المخزن نضفه كويس ورص البضاعة المرمية على الأرض على الرفوف . تنفعك الشغلانة دى ؟

هز رامى رأسه بحماس : تنفع طبعا .

لم ينظر لها لكنها تساءلت : شكلك صغير طبعا مش معاك بطاقة .

هز رأسه بأسف لتتنهد : يبقى مقدرش اشغلك شغل دايم لكن ممكن تيجى مرة في الأسبوع تنضف المخزن هاديك كل مرة خمسين جنية .

ابتسم رامى فهذا برأيه كرما بالغا منها ، اشارت له بإتجاه المخزن ليدخل إليه فورا ، عمل بجد ولم يكن صعبا عليه أن يستمع لهمساتها اللائمة التى توبخ بها عاملها فظ القلب . 

أنهى رامى عمله لتستحسنه فورا فقد اجاده بالفعل ، أعطته ماله ليغادر بسعادة متوجها من فوره لأحد المتاجر الذى يبيع الملابس المستعملة . اشترى لنفسه سترة طويلة الأكمام بغطاء رأس ليخفى ما يمكن إخفاءه من تشوهات رقبته ووجهه ويعود للسير في الطرقات .

شعر بجوع شديد فهو لم يأكل منذ الأمس حيث اخر وجبة قدمت له بالمشفى ، توجه إلى أحد عربات الأطعمة بالشارع ليطلب وجبة ويغادر فورا . 

جلس بأحد الأركان اسفل كوبرى للمشاة وتناول الطعام بصمت ودموع لم يتحكم بها ، اتخذت مجراها على وجهه رغما عنه .

اكمل سيره بعد تناول الطعام وحين أنهكه التعب تكوم على نفسه تحت أحد الكبارى واستسلم للنوم ليكون تشوه وجهه هو درعه الحامى من المتطفلين والمعتدين .

ظل أياما على ذلك الحال ، يتناول ابخث الأطعمة ليحافظ على ما تبقى من جنيهات حتى موعد تنظيف المخزن لتلك الكريمة التى منحته عملا .

توقفت خطواته رغما عنه أمام أحد متاجر الخضر والفاكهة ، لقد بلغ منه الجوع مبلغه وهو يتناول وجبة واحدة يوميا . 

غالب نفسه وهم بالمغادرة ليستوقفه ذلك البائع الذى يرتدى جلبابا واسعا : استنى يا ولدى .

توقف رامى ينظر أرضا  ليقبل الرجل يحمل كيسا جمع به بعض الفاكهة وبكفه الآخر مبلغا ماليا .

شعر رامى بيد الرجل تدخل جيبه لينتفض مبتعدا : أنا مش شحات يا عم .

قالها رامى بنبرة متألمة ليقول الرجل : ماجصديش يا ولدى .

هم بالمغادرة ليمسكه الرجل : تعا بس يا ولدى ماتبجاش حمجى إكدة .

انصاع له رامى ليجلسه فوق أحد المقاعد ويقدم له كيس الفاكهة مرة أخرى ، نظر له رامى بحدة : قلت لك أنا مش شحات .

ابتسم الرجل : خابر يا ولدى دى هدية .

رامى : معلش يا عم الحج أنا مااعرفكش علشان اخد منك هدية .

صمت لحظة هو بحاجة ماسة لهذه الثمرات فعاد يقول : ممكن اخدهم بس اشتغل قصادهم . انضف لك المحل أو اشيل لك الخضار .

ابتسم الرجل لهذا الفتى الذى نادرا ما يقابل شخصا عزيز النفس بهذا القدر ليقول : وانى موافج . اكنس المحل ورش جدام الباب ميه وبعدين تنجض الفاكهة البايتة فى چمب لحالها بياخدوها بتوع العصير وتفتح كراتين چديدة ترصها . ها تجدر تعمل كل ده ؟

نهض رامى فورا : أقدر إن شاء الله .

وبدأ بالعمل فورا بنشاط رغم إحساسه بالارهاق . أنهى عمله بعد ساعتين ليقول صاحب المتجر : براوة عليك . تاخد أجرتك بجا 

وأخرج من درج المال ثلاث ورقات فئة عشر جنيهات قدمها ل رامى الذى قبلها بسعادة ليعود الرجل مقدما له الفاكهة . رفع رامى عينيه ليعترض فيقول الرجل بحدة : عظيم تلاتة ما هى راچعة .

اخفى رامى يمناه بجيبه كالعادة ومد كفه الأيسر بخجل ليتناول الكيس من الرجل الذى قال : انت دارك فين يا ولدى ؟ 

لم يرفع رامى عينيه وهو يقول : ماليش دار يا عم الحج .

صدق حدسه ، فهذا الفتى عزيز النفس ضحية حادث أودى بكامل أسرته ليحكم عليه المجتمع بالعيش منبوذا مشردا .

ابتسم بحنان : أسمى نصير . عمك نصير . انت اسمك إيه بجا ؟

شعر بالالفة لهذا الغريب فقال بهدوء : رامى .

ربت نصير على كتفه الأيسر فقد لاحظ أن إصابته بشقه الأيمن وقد خشى أن يؤلمه فقال : فوت بكرة وتعالى بعده روج الدكان ونضفه موافج ؟

هز رامى رأسه بحماس : عنيا يا عم نصير . 

واحتضن الكيس بين ذراعيه وغادر . اتجه لأحد المساجد حيث يتمكن من استخدام المراحيض لاذالة اثار الحرارة عن نفسه ، صلى العصر بعد أن شعر بالانتعاش وجلس بباحة المسجد . التف حوله بعض الأطفال المشردين الذين لا يهتمون كثيرا لمظهره  ليوزع عليهم بعض الثمرات ويكتفى بنظراتهم السعيدة 

#حكايةمشوه_بقلم_قسمةالشبينى


الحلقة الرابعة

بعد عدة أيام مر بمنزل عمه الذى أخبره أنه قدم أوراقه بالمدرسة الثانوية بالحى ليشكره ويغادر . لم يسأله اين يعيش ؟ أو كيف يعيش ؟ 

اكتفى ببعض نظرات مشفقة قدمها له كتعويض عن عجزه أمام زوجته .

استمر رامى قرابة شهر يداوم على العملين ، يذهب أسبوعيا لتنظيف مخزن تلك السيدة التى عرف فيما بعد أن اسمها مدام صفاء ولم ينقطع ايضا عن التردد على متجر عم نصير .

فى أحد الأيام وقد أنهى عمله طلب منه نصير عملا إضافيا وهو حمل الفاكهة لمحل العصير بنهاية الشارع ، لم يتردد وحمل الفاكهة كما طلب منه ليعود له بعد قليل .

قدم له نصير الثلاث ورقات نظير عمله وورقة إضافية نظير حمل الفاكهة . ابتسم كالعادة كما يبتسم لكل مال يجنيه . 

اتجه للخارج : افوت عليك بعد بكرة يا عم نصير .

أسرع نصير يستوقفه : استنى يا رامى رايد اتحدت معاك .

وقف رامى وقد ظن أنه سيعفيه من العمل ، فهذا أمر متوقع إلا أن نصير فاجأه وهو يقول : أنى لجيت لك أوضة بحمام فوح سطح عمارة چارنا اهنه تجضى الغرض أحسن من نومتك تحت الكوبري .

شعر رامى بشئ من السكينة فهو لن يخسر هذه الجنيهات القليلة التى يجنيها لكنه قال : ياريت يا عم نصير . الشتا داخل كمان وانا هروح المدرسة.بس أجرتها كام ؟

ابتسم نصير وقال : صاحب البيت صاحبى وجال الاوضة لاچل خاطرى بمية چنية فى الشهر .

تهلل وجه رامى ، يمكنه أن يدفع ذلك المبلغ ، ويمكنه أن يعيش ايضا ببقية ما يجنيه كاد نصير أن يعرض عليه أن يتكفل بإيجار الغرفة لكنه أسرع قائلا : موافق يا عم نصير 

صمت لحظة متردد ثم قال : بس انا لسه معنديش بطاقة !!!

ربت نصير على كتفه بحنان: أنى هضمنك عند صاحب البيت .

شكره رامى وأخبره أنه سيعود له بنهاية اليوم ، حاول نصير ابقاءه لكنه رفض وأخذ يتجول مرة أخرى .

لم يترك متجرا يطلب عمال إلا وتقدم للعمل ، كم قابلته وجوه مشمئزة !!! وكم سمع من عبارات تمزق قلبه !!

لكنه بالنهاية حصل على عدة أعمال فى عدة متاجر تأكد أنه يمكنه أن يقوم بها جميعا ، فكلها تقتصر على التنظيف والتنظيم فحتى أولئك الذين يمنحونه عملا يراعون تشوه وجهه فلا يكون العمل مختلطا بالزبائن بأى شكل كان .

عاد رامى بنهاية اليوم منهك القوى ليصحبه نصير إلى تلك الغرفة البسيطة لتكون مع مرور الوقت جزءا منه .

مرت الأيام وبدأ العام الدراسي لتبدأ معاناة رامى مع تنمر زملاءه. ما بين سخرية وتقزز مر اول اسبوع دراسى ليستدعيه ناظر المدرسة الأستاذ عزام .

طرق الباب بقلق ودخل بهدوء ليقول عزام بشفقة : تعالى يا رامى .

وقف رامى بالقرب من مكتب عزام الذى قال : يا بنى انا مقدر ظروفك ..لكن انت مش هقدر تستحمل كتير .. وشوية بشوية هتلاقى نفسك بتتغير وتوصل لشخص أنا مااحبش انك توصل له .

ظل رامى منكس الرأس يتفحص الارض بدقة ، عزام محق ..هؤلاء الطلبة يدفعونه للجنون . ويوما ما سيجد نفسه قد تحول لمجرم فقط ليخيفهم ليتوقفوا عن السخرية منه .

صمت عزام قليلا ثم قال : واضح من بداية السنة ورأى المدرسين إنك مجتهد . إيه رأيك تاخد الثانوية منازل .

رفع رامى رأسه.. إنها فكرة رائعة .. كيف لم يفكر بها مسبقا !!!

ظهرت بسمة على شفتى رامى يراها عزام للمرة الأولى وهو يقول : ماشى يا استاذ المهم مااسيبش التعليم .

ابتسم له عزام : لا طبعا هتكمل تعليمك إن شاء الله وتدخل الجامعة اللى تحبها كمان . أنا هحول اوراقك لمنازل وتبعت ولى امرك بس علشان الموافقة ومصاريف المنازل زيادة شوية .

ارتبك رامى وظهر الارتباك على وجهه ليفهم عزام أنه لا يستطيع أن يدفع مصروفات إضافية لقد درس ملف رامى وهو على علم بوفاة والده لذا قال بهدوء : صور شهادة وفاة والدك واديها للاخصائى ومالاكش دعوة بالمصاريف .

نظر له رامى ليقول : ده القانون يابنى محدش بيمن عليك بحاجة . القانون بيقول الايتام يتعفو من المصروفات .

وهكذا قضى رامى أعوام دراسته الثانوية ، يعمل في المتاجر على التنظيف بأجر بسيط لكن يحفظ ماء وجهه ويمكنه من الحياة دون سؤال الناس . 

ربطته علاقة قوية ب نصير ومدام صفاء واصبحا يوصيان به للعمل لدى من يعرفونه من أصحاب المتاجر .

بنهاية عامه الثانوى الاول فكر في بيع الملخصات لصاحب المكتبة الذى قبل على مضض فى العام الأول وسرعان ما راج الأمر وذاع سيط المكتبة ليكون عملا إضافيا ل رامى .

وطوال الأعوام الثلاث ورامى يدخر كل ما يمكنه ادخاره . اخيرا يمكنه إجراء جراحة للتخلص من التصاق اصبعيه ، وهذا سيرحمه من تلك القفازات التى يرتديها دائما .

*********

افاق رامى فى ذلك المشفى يرفع جاهدا كفه الأيمن ليدخل الطبيب بهدوء  : ما تتعبش نفسك . العملية نجحت بس هنفك الرباط كمان اسبوع . المفروض تقعد الاسبوع ده فى المستشفى .

رامى بضعف : معلش يا دكتور ..لازم اروح واجى بعد اسبوع 

بالطبع يجب أن يغادر ، لقد استغرقه الأمر ثلاثة أعوام ليجمع تكاليف الجراحة التجميلية لكنه لا يستطيع أن يدفع لقاء الإقامة بتلك المشفى .

بعد ساعتين غادر رامى إلى غرفته ..اشترى علاجه فى الطريق ،فهذا الاسبوع سيتوقف عن العمل وهذا يعنى ..لا مال

الحلقة الخامسة

كان هذا الاسبوع من اسوأ أيامه فهو لم يقتصر على توقفه عن العمل بل إنه ينتظر اثنين من أهم نتائج حياته .

نتيجة الجراحة ونتيجة الاختبارات ، العمل كان يشغله لبعض الوقت فكان يخفف من ألم الانتظار ، أما الان هو وأفكاره فقط في هذه الغرفة .

اخيرا جاء يوم النتيجة الأولى وتوجه للمشفى ليكتشف نتيجة الجراحة وإلى أى مدى استجابة أنسجة جسمه للعلاج .

تعلقت عينيه بأصابع الطبيب التى تعمل بمهارة وسرعة وفى لحظات كانت عينيه تتطلع إلى كفه الأيمن .

نظر له الطبيب ليرى دموعه تصحبها شهقات صامتة وهو يقلب كفه أمام عينيه يباعد بنصره عن وسطاه ويضحك من بين دموعه .

كما اختفت كل التجاعيد المخيفة التى كانت بكفه كأنها لم تكن ، فقط يقتصر الأمر على تفاوت في لون الجلد يعتبره هو نظرا لهيئته الأولى لا شئ .

ابتسم الطبيب لكم المشاعر التى تعبر عنها قسمات رامى ودموعه ثم قال : الفرق في اللون هيختفى مع الوقت والعلاج .

اتسعت ابتسامة رامى مع انهمار المزيد من دموعه ليتحدث الطبيب مرة أخرى : وممكن نحصل على نفس النتيجة لتشوه دراعك كله ووشك . أما اعلى الرأس هيحتاج اكتر من جراحة .

عاد الألم لملامح رامى ، من أين له بكل تلك الأموال لإزالة آثار هذا الحادث الذى حرمه من أسرته واستقراره وحياته وجسمه .

نهض رامى قائلا بهدوء : إن شاء الله يا دكتور لما يكون معايا فلوس العملية هاجى لحضرتك .

ناوله الطبيب الوصفة العلاجية بعد أن شرح له طريقة العلاج ليغادر رامى .

لم يتوقف طيلة طريق العودة عن بسط كفه وقبضه وهو يحمد الله على تمكنه من هذا اخيرا .

عاد لمزاولة العمل واعطاه تلخيص الكتب مالا إضافيا فكان يعمل في التنظيف نهارا ويسهر للتلخيص ليلا .

مرت الأيام مسرعة وها هي نتيجة الثانوية العامة تظهر بتفوق متوقع ل رامى ليحصل مجموع يؤهله للالتحاق بإحدى كليات القمة .

رغم أن المجموع يسعد أى طالب إلا أنه احزن رامى ، لا لشئ سوى لعجزه عن تحقيق حلم أى طالب بالالتحاق بكلية مرموقة نظرا لحالته .

قرر أن يلتحق بكلية تجارة انجليزى، ليتمكن من الدراسة بنظام الانتساب فهو لن يذهب للجامعة بهذا الوجه ليكون عرضة للتنمر او الاشمئزاز مرة أخرى . 

لم يتغير شئ بحياته رغم أنه أصبح يجنى المال بوفرة .

لازال طعامه بسيطا ، ملابسه من متاجر الملابس المستعملة ، حجرته بنفس اثاثها المهترئ .

مر عامين اضافيين حصل بهما رامى ما يكفي لإجراء جراحة لإزالة تشوه وجهه . هو لن يهتم الأن بما تخفيه الملابس .

يتمنى أن يسير في الطرقات دون غطاء رأسه ، أن يرفع عينيه وينظر لمن يتحدث إليه دون أن يخشى نظرته ، أن يبتسم للأطفال دون أن يصيبهم الذعر . 

توجه للطبيب والحماس يرعى بقلبه ليطلب منه معالجة تشوه وجهه ، لكنه لم يكن يعلم أن مرور الوقت يقلل نسب نجاح الجراحة .

أخبره الطبيب أنه سيقوم بكل ما يمكنه القيام به لكن عليه أن يكون شجاعا كفاية ليتحمل النتيجة التي سيحصل عليها ويمكن فى المستقبل أن يجرى جراحة أخرى .

بكى رامى ، لم يكن له من يحتوى أحزانه أو من يربت على كتفه ليمنحه ما يحتاج من شعور بالحنان والأمان .

كان قلبه يرتعد وغير قادر على التقدم أو التراجع .

توجه للمسجد ، المكان الوحيد الذي يمكنه أن يكشف وجهه فيه دون الاهتمام بمن سيراه . 

بكى وبكى وشكى لله كل ما يعانى .

حزم أمره وعاد للطبيب ليحدد موعد جراحته فأى نتيجة سيحصل عليها ستكون أفضل من حاله هذا بكل الأحوال .

***

فتح عينيه بتثاقل ولا زال يعانى اثار المخدر ليبتسم له الطبيب بفخر : النتيجة هتكون كويسة جدا إن شاء الله وهتشوفها بعد اسبوع .

لم يكن يستطيع أن يبدى رد فعل فوجهه ورقبته محاطين بالأربطة الطبية يمكنه فقط فتح عينيه ، حتى طعامه سيقتصر على السوائل لثلاثة أيام .

وكالعادة غادر المشفى على أن يتبع تعليمات الطبيب ويعود بعد اسبوع لمعرفة نتيجة الجراحة .

قبع بغرفته طيلة هذا الاسبوع ينتظر ذلك اليوم الذي سيرسم الطريق لما تبقى من عمره

هذه المرة لا يمكنه متابعة انامل الطبيب التى تنزع عن وجهه الأربطة ولا أن ينظر للنتيجة بأعين متلهفة ، عينيه اليوم مثبته على اعين الطبيب لعله يستشف النتيجة من قسمات وجهه .

أنهى الطبيب نزع الأربطة ولم يزل مقطب الجبين يتطلع لوجه رامى ولم تتوقف أنامله عن فحص شق وجهه الأيمن .

دقات قلبه تدوى كقرع طبول الحرب فيتردد صداها بين جنباته يهز كيانه بعنف .

مد الطبيب ذراعه إلى ما تحمله الممرضة ليتناول مرآة ويقدمها ل رامى .

اخيرا كللت وجهه ابتسامة رضا ليمد رامى اصابع مرتجفة ليتناول المرآة ويلقى نظرة خائفة .

لكم اشتاق لوجهه !!!!! ، وجه ذلك الطفل الذى حرم منه منذ سنوات ليستبدله بذلك الوجه المخيف .

اتسعت عينيه وامتدت أنامله تتلمس وجهه .

لا تجاعيد !!! 

عينه اليمنى اتخذت وضعها الطبيعي ويعلوها حاجب ايضا .

علت الدهشة وجهه وهو يتلمس جانب فمه .من ينظر له يرى شئ غريب لكنه يراه رائع .

ذلك الارتفاع القليل لشفته العليا لا بأس به اطلاقا ، ولن يحرمه من حياة شبه طبيعية كانت حلما حتى لحظات مضت .

نظر لأعلى رأسه حيث ذلك الجزء الخالى من الشعر ليرفع غطاء رأسه مرة أخرى ويبتسم ، سيغادر المشفى ليحلق شعره كاملا ، لا بأس من الصلع إنه افضل ما يمكنه الحصول عليه مع وجهه الجديد .

ابتسم الطبيب لرد فعل رامى ليقدم له ورقة : العلاج هيخفى تفاوت اللون مع الوقت .

ابتسم رامى بسعادة ،قلما يبتسم بسعادة ليقول : ولون راسى يا دكتور مش ممكن يتعالج . أنا مش عاوز شعر . عاوز بس شكل طبيعي.

هز الطبيب رأسه بتفاهم وهو يضيف بعض الأدوية لوصفته ويعيدها إليه : قريب أوى هتتقارب الألوان .

الحلقة السادسة

خرج رامى من باب المشفى بقلب جديد ، وليس بوجه جديد .توجه من فوره لشراء ادويته ثم اتجه فورا للحلاق حيث تخلص من باقى شعره .رفع كفه يتلمس رأسه الأملس وينظر بسعادة لهيئته الجديدة .

فكر أن يعود لغرفته ليغير اتجاهه ويعرج بطريقة على متجر عم نصير .

وقف بباب المتجر ، كان بحاجة لرؤية الفرحة بوجه شخص يحبه حقا .

كان نصير يحاسب أحد الزبائن لينظر له دون أن يدقق النظر فهو يعلم مدى شعور رامى بالحرج ممن يدقق النظر لوجهه .

وضع المال فى درجه وهو يقول معاتبا : توك ما افتكرت عمك نصير يا ولدى .

رفع رامى كفه ليزيل غطاء رأسه وعينيه مرتكزة بقوة على وجه نصير الذى اتسعت عينيه بدهشة وتلعثم لسانه من فرحته ، تحرك اخيرا ليجذب رامى بين ذراعيه يضمه بقوة تعبر عن سعادته لأجله.

أبعده بعد قليل ليقول معاتبا : روحت لحالك بردك . على كد فرحتى على كد زعلى .. سنين يا ولدى وانت باعد حالك عن الدنيا وعن الناس .

اخفض رامي عينيه : غصب عني يا عم نصير .ماكنتش مستحمل نظرات الناس . اللى خايف واللى قرفان اكتر حاجة توجع الشفقة ماكنتش عاوز احس إنى محتاج شفقة الناس .

ربت نصير على ذراعه : خابر يا ولدي .

صمت لحظة ليقول : يا فرحة اهلك بيك الليلة .. بوك راچل صوح وخلف راچل صوح .

هنا بكى رامى وهو يقول : الله يرحمهم .

لينهره نصير فورا : بوك ماماتش يا ولدى . بوك عايش چواك . فى نفسك العزيزة وروحك الطاهرة . 

ابتعد عنه ليقول : يدك معايا يا رامى هنجفل الدكان .

تعجب رامى : بدرى كدة يا عم نصير ؟

ابتسم نصير : أنى عازمك على العشا ، واوعاك تزعلنى 

قال جملته الأخيرة بلهجة تحذيرية ليضحك رامى وينضم إليه يساعده .

ظن رامى أنه سيستغنى بسهولة عن غطاء رأسه كما كان يتمنى ليكتشف مع الأيام صعوبة ذلك .

هناك حاجز نفسى يمنعه من ذلك ، كلما امتدت يده لنزعه ، تسرع فتعيده فى لحظات .

فكر أن يحصل على بعض الشجاعة بتحويل مساره التعليمى من انتساب لانتظام خاصة مع حصوله على تقدير ممتاز فى العامين الماضيين سيكون هذا أمرا سهلا .

يسير رامى بخطوات سريعة يسهل رؤية الخوف والقلق من سرعتها وهو يدخل إلى مدرج الجامعة لحضور أولى محاضراته .

يشعر أن دوى ضربات قلبه يعلو على صوت المحاضر ليفقد تركيزه تماما فى أولى المحاضرات لكن يده سجلت كل كلمة وسيمكنه من استيعاب ما فاته لاحقا .

إنه اليوم الأول الذى يتفحص فيه الجامعة ،خلال العامين الماضيين كانت عينيه لا تفارق الأرض وبخطوات سريعة يدخل لجنة امتحانه ليغادر بنفس السرعة . اما اليوم فهو ينظر بتمعن دون أن يخاف أن يراه أحد زملائه .

سار بباحة الجامعة ليتخذ مقعدا حتى موعد المحاضرة التالية ،لحظات ووقفت أمامه فتاتين لتقول إحداهما : انت طالب معانا في سنة تالتة .صح؟

رفع عينيه لتبتسما له ، اومأ برأسه ثم قال : أى خدمة ؟

لتقدم له ورقة وتقول الأخرى : انت يمكن ما تعرفش إن ستة وتلاتين فى المية من ضحايا حوادث الحروق بيتوفوا خلال أول ست ساعات وده لأن للأسف ...

اسهبت فى شرح لم ينصت له رامى فقد كانت عينيه تلتهم الكلمات بتلك الورقة التي منحتها إياه لتعيد له سنوات من الألم .

ينشئون مشفى خاصا لعلاج ضحايا الحروق ، كم كان بحاجة هذا المشفى !!!!

وقف رامى بغتة لتفزع الفتاتين لكنه لم يغادر بل أخرج حافظته افرغها ثم جالت يديه بجيوبه لتخرج كل ما بها من مال تحت نظرات الدهشة من الفتاتين لتقول إحداهما : إيه ده؟؟هتدينا كل فلوسك ؟

لم يرفع عينيه بل قال بتلقائية: ايوه .

تتساءل الأخرى : وهتروح ازاى ؟

ليجيب بتلقائية ايضا : هروح مشى .

قدم لهما المال ثم قال : أنا ممكن اصمم إعلان افضل من ده .. وممكن نطلب من الطلبة التبرع بالعمل مش لازم تبرع مالى .ولازم تخرجوا من نطاق الجامعة ، انتو مهما تشوفوه كبير إلا إنه نطاق ضيق جدا .لازم نروحوا شركات الأدوية والأجهزة الطبية دول ممكن يقدموا كتير .

نظرتا له بتعجب لتقول إحداهما بمرح : أول إنسان يتحمس معانا .انت اسمك إيه ؟

صمتت لحظة لتقول: أنا ريم ودى زينة .

رفع عينيه ينظر لهما ليتعرف عليهما لاحقا وهو يقول : رامى .

عاد لمنزله منهك القوى لكنه تمكن من استخدام مكتبة الجامعة للحصول على صور ضحايا الحريق عبر الحاسب ولم يقدم على الراحة قبل أن يصمم إعلانا يحوى عدة ورقات بعضها صور ورسم بيانى عن تزايد حالات الوفاة وصورة للمشفى الذى تم بناءه .

نام رامى قرير العين تلك الليلة وقد بات له حلما يصبو لتحقيقه .

مرت أعوام الدراسة ورامى على نفس حاله لم يتوقف عن ادخار المال ولم يغير أى شئ بحياته . لازال يعمل ببعض المتاجر فذلك العمل البسيط يمكنه من مزاولة حياته والحصول على المال الذى يحتاجه والوقت الذي يحتاجه أيضاً .

مع نهاية حياته الجامعية بتفوق كعادته بدأ العمل بذلك المشفى الذى لم يدخر جهدا للترويج له خلال العامين الماضيين.

ونظرا لحصوله على تقدير ممتاز أسرع يقدم أوراقه للعمل كمتطوع فى المشفى ليتم قبوله فورا .

الحلقة الأخيرة


وبعد أيام وصله خطابا من الجامعة حيث تم تعينه كمعيد نظرا لتقديره طيلة أربعة أعوام متتالية . أسرع يقتنص فرصته للتقدم بحياته خطوات للأمام ، أصبحت حياته اكثر صعوبة فهو صباحا يعمل بالجامعة ومساءا يعمل بالمشفى ويقضى النصف الأول من الليل في الدراسة لرسالة الماجيستير ورغم كل ذلك اوجد ساعتين يوميا لعمل اضافي فقد توقف عن العمل بالتنظيف لكنه يعمل على مراجعة حسابات بعض المتاجر لم تنقطع علاقته بعم نصير بل أصبح يساعده طيلة تفرغه مساعده كامله نسی رامی امر تشوه ذراعه ولم يحاول أن يجرى جراحة أخرى وكأنه لم يعد يتألم نفسيا .كلما ساعد مصابا قل الألم النفسي داخله وكأنه كان يحتاج لهذه المشفي .لقد ساعده العمل بها أكثر مما ساعد هو المصابين ذلك اليوم الذي تم استقبال أول مريض بذلك المشفى كان اليوم الأصعب بحياة رامي ، لم يعد لحجرته تلك الليلة بل ظل واقفا بباب غرفة المريض الذي لم يكن سوى طفل في العاشرة . طيلة الليل يراقب بابه بقلق ، وكأن قلبه داخل الغرفة . شعر أن الزمن عاد به لتلك الأيام التي قضاها في ذلك المشفى في غيبوبة تأثرا بإصابته . ولكنه اليوم في المكان الذي احتاج وجود شخص به لأجله ولم يكن هذا الشخص موجودا مطلقا .ومنذ ذاك اليوم عاهد نفسه أن يكون بهذا المكان دائما لدعم كل من يحتاج إليه بكل طاقته ..وبكل ماله ايضا خمس أعوام مضت حصل فيها رامي على شهادة

الماجستير وتقدم بعمله لكن حياته لم تتغير بعد لازال يقطن تلك الغرفة ، لازال يعمل بالمشفى ومعظم دخله يتبرع به للمرضي . لكنه سعيد رغم حياته المؤلمة ، رغم جسده المشوه ، رغم بساطة حياته رغم كل شيء هو سعيد بالنهاية ،يشعر أن ثمة هدف تم تحقيقه وسمة حيوات تنتظره ليحياها ..حيوات عديدة عبر كل من يساعد في إنقاذه ..سيحيا بحياتهم جميعا .تلك النيران في ذلك اليوم الذي فقد فيه الكثير احرقت جسده ،لكن لم تحرق روحه وقلبه .تألم كثيرا وكثيرا لكنه يشعر أن روحه سكنت يرى كل يوم صورة ذلك اليوم وأصبح يتبعها الكثير من الصور التي مرت بحياته التي رغم قصرها إلا أنها كانت طويلة حافلة بالألم الذي تمكن من قهره ليستمر بقلب نقي وروح طاهرة


لم يعد ذكرى ذلك الحريق يؤلمه ..لم يعد فقدان أسرته يشعره بالوحدة .. أصبح يرى حياته من منظور آخر ..يرى أنه مر بكل هذا ليكون بهذا المكان في النهاية .


المكان الذي يحتاجه فيه الكثيرون .. ربما فقدانه أسرته أهله ليقاتل لأجل أسر أخرى تحتاج من يقاتل لأجلها.. ربما ليالى الألم اهلته لينزع الألم عن هؤلاء المتألمون أصبح رامي اليوم يشعر بالسكينة والرضا عن حياته الأليمة حياته كمشوه ساعدت الكثيرين للتخلص من ذلك التشوه .لن يترك طفلا يعاني ما عاناه ..لن يسمح أن يمر طفل بما مربه فهو غير واثق أن أحدهم يمكنه أن يتخطى ما تخطاه هو .


تمـت بحمد الله


ادسنس وسط المقال

تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS