بسم الله الرحمن الرحيم
رواية حدث بالخطأ
سلسلة "حينما يتمرد القدر "
بقلمي دينا العدوي
"البارت التاسع والعاشر"
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
🌺🌺🌺🌺
وسمَ قلبي بعشقك
وتوجتك سلطانة قلبي
بكِ بتُ عالق، مقيد بمشاعري نحوك
ليتني أتحرر منكِ ومن
ذاك السعير الذي أحياه ببعدك
مئات الدمعات تسكن الأحداق
وهون القلب لا يطاق
ليتني اتركها تنساب تعبر عن الألآم
ولا اخشى كوني رجُل لا تهزمه الأوجاع
لكنِ انهزمت أمام وجع الفراق، والتوق للوصال
فانا ببعدك محطم لـ أشلاء، ارحميني بقربًا رفأ بقلبي الملتاع، ولا ترجميني بكلمات رفضًا تخسف بي ألى أسفل سافلين...
***
بعد سويعات من الانهيار والأفضاء بما يختلج قلبها من آلام
بكلمات كانت كالسياط هشمت قلب من يضمها الى صدره ويمنحها ربته حنونه، نقيض لما تجلده به فتدميه آنين، إلا أنه كالعادة يحجب أوجاعه عنها ويلقيها بأقصى اعماقه حتى ينفرد فتعود للطفو والطرق بقسوة برأسه وبقلبه، بكل أنشًا بهما تدميهما وتحطمهما، تنفس بقوة يرغم ذاته على التفوة بما يحثه عقله عليه ويمنعه قلبه، يطالبه أن يكون أنانيًا لمرة واحده ويقتنص فرصته التي قدمت له لتفريقهما وجعل الطريق خاليًا امامه للوصول لمبتغاه إلا وهو نيلها، لقد طرقت السعادة بابه لما لا يفرجه لها ويقحمها حياته، لما يصر ان يحيي بذاك السعير يحترق بآتون التوق!..
إلا أنه نهره بشدة، يخاطبه بأعماقه انه عاشق والعشق تضحية، يسعى فيه العاشق من أجل من يعشق، يرسم السعادة و الفرح على محياه من اختلج له النبض، وهو عاشق متيم لن يبني سعادته على ركام حطام قلبها، بل سيحطم قلبه ويبقى بالسعير يحترق، ذاك السعير الذي يحيي به منذ عشقها وتلظى بفراقها وعشقها لآخر، وهتف بنبرة صوت متألمة لو فقط كانت تنتبه وتفرق بين طبقات صوته لأدركت كم هو مُعذب وهو يتحدث قائلًا:-
- غلطانه يا ميار في هروبك، كان المفروض توجهيه وتتأكدي من صحة الرسالة اللي وصلتك!..
صاحت مستنكرة قائلة:-
- مش محتاجه أواجه!، الصور واللي شفته كفايه!..
اردف بنبرة هادئة قائلًا:-
- الصور مش تأكيد يا ميار انه بيخونك ولا المشهد اللي شفتيه، ممكن يكون فعلًا كان في بينهم علاقة حب وقت الجامعة وانفصلوا، ورجع قابلها صدفه، او ممكن يكون بينهم شغل نظرًا أنها نفس مجال جوزك هندسة زراعه وارد جدًا كلامي، انتِ اتصرفتِ من منظور غيرتك كأنثى..
أما من وجهة نظري ك ضابط شرطه ربطت كل الخيوط ببعضها والنتيجة هي انك اتعرضتي لخدعه صدقتيها بمنتهى السذاجة، الرسايل اللي بتوصلك بقالك فترة بأن جوزك بيخونك مرافقه لعنوان المكان، كانت مخططه من شخص عارف بالمكان قبل وقت..
طالعته بنظرات تيه، وعدم أستعاب، فأردف قائلًا بينما يلكزها بأصبعه برأسها بخفه قائلًا:-
-يا غبيه البنت دي هي اللي خططت لكل دا، عشان تشوفيهم سوا ويحصل دا، وانا متأكد انها شافتك لما شفتيهم وحبت تأكد لك اكثر فبعتت لك الصور والرسالة دي وأنتِ وصلتيها للي هي عايزه بالضبط..
انتبهت لحديثه ورتبته برأسها وشعرت بالاقتناع نوعًا ما، ألا أن قلبها رفضه، يؤكد لها أحسسها، فهتفت باعتراض قائلة:-
- لا يا ركان انا متأكدة من اللي شفته، نظرته ليها ولمست ايديها ليه، ونظرة عينيه كانت غير، أنت مش هتعرف ظافر اكثر مني، غير اني متأكدة أن قلب ظافر عمره ما كان ليا، دايمًا نظرته كان فيه لوم وأوقات كنت بشوف فيها بغض وكره، كنت بكذب نفسي دايمًا، لكن اتأكدت بعد اللي حصل، ظافر اتجبر على الجواز مني، وأنه يترك البنت اللي بيحبها، واللي لسه بيحبها وأنا كان شايفني عائق واقع وانفرض عليه أنا متأكدة من دا...
زفر متنهدًا منها قائلًا:-
- اسمعيني وتكلمي مع جوزك وتأكدي من إنك مش ظلماه عشان ما تندميش بعدين، تعالي نروح لعنده الشركة دلوقت وروحوا مكان هادي واتكلموا قبل اي قرار تخديه، اسمعي مني انا عايز مصلحتك، ويا ستي ما تخافيش انا هكون قريب منك ولو ما اقتنعتِ أو تأكدت من إحساسك أنا هخدك وابعدك عنه ومش هيقدر يوصلك...
شعرت بالتردد، فأماء لها مشجعًا قائلًا:-
- يلا يا ميار قومِ اجهزي وثقي بيا..
اذعنت له ونهضت متجهه ألي غرفتها حتى تبدل ثيابها، بينما هو ازال قناع الجمود واجتاحه الألم وارتسم الحزن على محياه ورفع يده يمسد بها قلبه الملتاع اللائم له على استمراره في جلده وتهشيمه..
حينها خرجت لمار من المطبخ وقد وصل لمسمعها حديثه، فتوجهت نحوه عابسة، يؤلمها ما يفعله بذاته فأردفت قائلة باعتراض:-
-ليه بتعمل في نفسك كده!، ليه حابب تألم قلبك وروحك!، ليه جيت يا ركان!، وليه بتبعتها لعنده في الوقت اللي كان ليك فرصه تفرقهم وقتها يمكن يكون ليك أمل في يوم من الأيام..
ارتسمت بسمة شجن على محياه وهو يأردف بغبطه ونبرة ممتلئة بالألم والانكسار قائلًا:-
-لأني بحبها يا لمار، بحبها ومش قادر اشوف دمعه من عينها، بحبها لدرجة اني راضي أتألم وحتى أموت عشانها، راضي بالحزن طريقي لو هتكون السعادة بالمقابل طريقها، وهي سعيدة مع ظافر وبتحبه ويستحيل بيوم من الأيام تحس بيا، تحس باللي قلبه عمره ما دق لغيرها،..
صمت للحظات ثم أردف بنبرة تهكم ممتزجه بمرارة كلماته:-
ـ مرت سنين وما انتبهت ليا، فكرك بيوم هتنتبه!، اخوكِ قدره يعيش بألم، يعيش عاشق مجروح، عايش مع نيران الشوق والقهر قيده جواه وهو بيراقب عشق عمره مع غيره..
كان يتحدثا ولم ينتبها لتلك التي تسمرت موضعها، تكبت شهقة صدمة الجمتها، صدمة بوح ركان بعشقه السافر لها، لتهرع الى غرفتها مستنكره ما استمعت له، غير مستوعبه له، أن ركان يعشقها، خارت قواها وشعرت ان قدميها لا يحملانها من هول الصدمة، فجلست ببطيء على الفراش تعيد الكلمات التكرار برأسها بذات النبرة المتألمة التي لم تنتبه لها يومًا، ليعيد عقلها رجم ذكرياتهما معًا واحده تلو الأخرى وأيضًا الصورة الضبابية التي كانت تحجب عنها الرؤية، لتدرك كم كانت مغيبة، قاسيه، تحرق روحه وتهشم قلبه بضلالتها عن عشقه و تعنتها في عشق غيره، أنساب الدمع بغزارة على أخاديد وجهها وكبتت آهات قلبها على حالهُ التي تسببته دون أدراك، الآن فهمت سر اضرابه عن الزواج وأخباره لها أنه عشق مرة واحده ولن يعشق غيرها، وانه أن لم يكن لها لن يكون لغيرها، ضاعفت مقآيها من دموع الشجن والتأثر، لا تستعب عشق مثل عشقه لها، وهي من كانت تظن أن عشقها لظافر هو الأعظم ..
ألمها قلبها بقوة عليه، متسائلة بقهر كيف احتمل رجمها له بكل تلك المشاعر التي تختلجها لآخر، كيف احتمل الأنصات لها وهي تجلده بلا رحمه، لتداهمها ذكرى تفوها الأحمق له منذ بعض الوقت، لتطرق بيديها فمها الذي قذفه بجمرات مشتعلة، مؤكدًا انها احرقته بقوة وألمته بقسوة...
ظلت جالسه موقعها للحظات لم تستعب الصدمة بعد، تحتار في كيفية التصرف بعدما تعرت لها مشاعره المتوارية عنها، هل تتصنع الجهل أم ماذا!، ولكن كيف يكونان بعد الآن!، وهل تحتمل ان تتجاهل انها تلك المعشوقة السرية التي تؤلمه والتي لطالما بغضتها لعدم انتباهها له ولعشقه!، ليتضح انها هي الغبيه المعنيه، يا الهي كم ان العشق أحيانًا يكون ظالم!، فمن يهواها قلبك تهوى آخر لا يكن لها ذات المشاعر، دوامه يغرق بها ثلاثتهم ولا احد منها ناجي، الجميع يعاني من عشق رجيم اختلج القلب الخاطئ ناحرًا له بلا رحمه...
فاقت من شرودها على نبرة صوته يخبرها أن تسرع حتى لا يتأخر في العودة لعمله..
بعقل مشغول، وجسد بلا روح ، نهضت من على الفراش، تشعر أنها مستنزفه، وبخطوات مثقله اتجهت للخزانة، تلتقط أحدى الاثواب دون اهتمام وترتديه، ثم خرجت لهما
عيناها لا تجرأ على النظر لعينه، تتهرب منها إلا أنها طالعته صاغرة حينما وجدت ملامح وجهه قد تغضنت بالنقيض عما كانت عليه منذ لحظات مضت، تعجبت كيف رسم ابتسامه حانيه على محياه، يرمقها بنظرات متألمة غفلت عنها قبلًا، تأملته منشدها كيف له أن يتبدل هكذا ويتناسى الألم الذي ينهش به كوحش جريح ويرسم بسمه تبث الراحة والاطمئنان بقلبها، تقدم نحوها يجذبها من كفها اتجاه الطاولة، لتلاحظ ارتجفت يديه عند ملامسة كفها، اختلج النبض بشريانها توترًا وتحيرًا هل كانت من قبل ولم تنتبه لها ايضًا، ليأردف هو باهتمام ينجلي على محياه، بينما يجلسها ويحثها على تناول الطعام:-
قبل ما نسافر لازم تآكلي حاجه يا ميار عشان اللي في بطنك..
نبرة صوته المهزوزة، المعبأة بالألم عند ذكر طفلها ألمت روحها عليه حقًا، بهتت ملامحها حينما وجدته يمد لها يده بأحدي الشطائر أتجاه فاها، لما تشعر بأنها تريد البكاء وبشدة الآن!، لا تحتمل إلا هو!، أن تكون سبب ألمًا وجرحًا له لا تحتمله، لكن ماذا بيدها فالعشق ليس أجبار، وليت بأمكاننا الاختيار!، لما انهان قلب او شعر بالانكسار..
أذعنت صاغرة لقضم لقيمه مع ألحاحه، تعقبها رغبه بالتقياء ورفض للمزيد، وتحرك اتجاه السيارة ألى طريق
تعلم أنه سيقودها اليه وهو يخطو على جمرات ملتهبة للوصول، كم تضاعف احترامها وتقديرها له عن سابق...
****
متعبه، تشعر بألم حاد في نصفها السفلي، منذ أن اجرت تلك الجراحة الإجرائية وهي تشعر بالتعب والوحدة، لم يكن احد بجانبها، لكنها احتملت من أجله حتى يعيش، أن كان صغير منها سيكون سر عيشه كما اخبرها عمها سليمان، فستفعل، هي لن تتخيل حياة دونه ولن تفقده مثل والدها، هو وحده من تشعر معه بالألفة والحنان الذي يغمرها به يذكرها بوالدها الحبيب، تمددت على فراشها، بعدما غادرها تيام قبل عودة آسر منبهًا عليها عدم أخباره بخروجهما للمرة الثانية، أنها تكره الكذب بشده وخاصة الكذب عليه، لكنه اخبرها مرة ان كذبه صغيرة لا تضر، كذبه أن كانت من اجل مصلحة احدهم، لذا هي تكذب من أجل عيشه أو ليس هذا هو الأهم على الاطلاق، لكنها ودت لو كان جانبها، مثل كل زوجين تقابلت معهم بالمركز، اخبرها تيام أن كلًا من هؤلاء زوجين يسعين للحصول على طفل، لم تكن تعلم أن الحصول على طرف صغير شاق هكذا، هل يجب على كل امرأة الخضوع لكل تلك الادوية والحقن والاجراءت لتحمل طفل صغير بداخلها، ابتسمت لوهلة وهي تتخيل كيف ستكون حاملًا ببطن منتفخة، كتلك المرأة التي رأتها سابقًا في المشفى، مؤكد انها تعبت مثلها لتحمل طفل صغير، مؤكد آسر سوف يسعد لكونه أبًا صغير، بالتأكيد لن يفعل معه مثلما فعل والدها، لن يحتجزها بالقصر ويرفض خروجها، بل ستعوضه ما لم تعشه، اخبرها آسر سابقًا أن والدها أراد حمايتها على طريقته، التي لم يدرك انها تؤذيها، هو فقط ظن أنه يحميها...
فتح باب الغرفة واخيرًا كان آسر يتحرك على مقعده الى الداخل، تقدم نحوها بنظرات مرتعبة قائلًا:-
- تيام قال انك تعبانة، مالك يا جود!.
بتوتر وتلعثم أجابته قائلة:-
- أنا كويسه، بس بطني تعباني شوية ومحتاجه ارتاح..
- انتبها لتوترها هذا وأقلقه، حتى تفوهت بوجع معدتها، فلاحت له فكرة ضاعفت من توتره، لربما جود تعاني من تلك الفترة بكل شهر وتخجل اخباره، ابتسم بخبث قائلًا:-
- تمام فهمت يا جود، هطلب منهم يعملوا لك لبن دافي..
امأت له تهرب بعينيها منه وهي حقًا لا تدرك ماذا فهم!، فهي متوترة للغاية وخائفة من انكشاف كدبتها التي لا يجدر به معرفتها قبل يوم غد وانهاء حملها كما اخبرها عمها سليمان..
لتتسع ابتسامته ظنًا منه أنه أخجلها بأدراكه لما يعتريها فـ هتف هو بها قائلًا:-
-تمام يا جود نامي انتِ وارتاحي وانا هبقى هنا اقرا كتاب ولو احتاجتيني ناديني..
أمأت له واغمضت عينيها، لتغفو مسرعة من الالم وتأثرًا بالمخدر الذي يسري بدمائها..
***
في السيارة يقطع الأميال، منتبه للطريق وهو يقود ببطيء حرصًا عليها وعلى طفلها، بينما هي كانت تسرق النظرات نحوه وهي شاردة، متألمة، حانت منه استدارة ليجدها تطالعه بشرود، فهتف قائلًا:-
- بتبصي عليه كده ليه!.
فاقت من شرودها شاعره بالحرج، تعيد انظارها للأمام هاربه قائلة:-
- لا ابدًا سرحت شويه..
اماء لها وساد صمت لوهله قطعته قائلة:-
- مش ناوي تتجوز يا ركان وتنسى البنت اللي كنت بتحبها دي..
بألم ارتسم على محياه اجابها قائلًا:-
- صعب انساها يا ميار وهي ملكَ قلبي كله..
بشرود وألم اجتاحها سألته قائلة:-
- ليه بتحبها وانت عارف انها مش ليك ولا هتكون!.
بذات النبرة أردف قائلًا:-
- وليه بنتنفس اذا عارفين أننا هنموت!..
أنا مقدرش اشيلها من قلبي حتى لو ما كانت ليا، هفضل أحبها لأخر لحظه بعمري، وما تفكريش اني ما حاولتش انساها صدقيني حاولت بس لقيت إني بموت وانا بحاول اطلع عشقها من قلبي، وقتها حسيت ان روحي بتطلع مني، فاستسلمت لواقع ان عشقها وألمه هو قدري لآخر عمري..
كلماته تدغدغ المشاعر، ترغب كل انثي بسماعها، تسعدها وترضي غرورها، انها تمكنت من اجتياح قلب رجلًا وأخضعته وبات ملكًا لها وحدها، إلا انها كانت مؤلمه، مهشمه لروحها، كونها لا تستطيع منحه ما يتمناه، فاتخذت الصمت سبيلًا للهرب، كما فعل هو الأخر خوفًا من بوح وشيك وذل ومهانه برفضًا صريح ..
***
هرب من والدته ألي هنا، حتى لا يبيح لها بما يكسر خاطرها، وحاول الانشغال بالعمل عما يؤرقه، طرق الباب فأذن بالدلوف، وكانت سكرتيرته تخبره بمجيء المهندسة نادين ألي الشركة وطلبها رؤيته، زفر متنهدًا مومئًا لها لتدخلها، بخطوات تتهادى دلفت ألي الغرفة نحوه ترسم تعابير القلق على محياها واردفت قائلة:-
-في إيه يا ظافر ما بتجيش الشركة بقالك يومين ولا بترد على تليفونك، قلقت عليك..
اشار لها بالجلوس، فأذعنت له قائلة بنبرة قلقه نقيضه لتوق سماع كلمات تعلن الانتصار، ولم يبخل عليها بها حينما أردف قائلًا:-
- ميار سابت البيت من يومين وطلبت الطلاق..
سرت السعادة بأوصالها، وكادت ان ترسم بسمة لكنها كبحتها ببراعة ترسم تعابير الحزن قائلة:-
- ليه كده يا ظافر، دا انت كنت ناوي تعترف لها بحبك..
بألم يجتاحه وتيه اردف قائلًا:-
- مش عارف يا نادين ليه!، يمكن سمعت شيء عن مقابلتنا او حد قالها وظنت غلط، مش عارف هي مشيت من غير حتى ما تواجهني وتسمعني..
رفت بسمه ماكره على محياها، ازاحتها سريعًا فالغبيه فعلت كما ظنت تمامًا، لم تواجه ولم تخبره عن الرسائل، فأعقبت على حديثه قائلة متصنعة البراءة والطيبة قائلة:-
- لا انا ما يرضيني انك تحزن بسببي يا ظافر، لو تحب انا ممكن اتكلم معها واوضح لها ان اللي بنا زمالة عمل ومعرفه من ايام الجامعة وبس..
رمقها بنظرة امتنان وهو يقول:-
- للأسف انا حتى معرفش مكانها فين!..
نهضت من موقعها قائلة بينما تتجه نحوه:-
-اسمع ان شالله هتتحل وهترجع وهتوضح لها سوء الظن وهترجعوا وكل شيء هيكون تمام، مادام بتحبك ما تقلقش..
ثم صمتت لوهله وهي تحثه على النهوض قائلة:-
-ودلوقت يلا نشوف شغلنا، تعالى عشان نروح نطمن على المشروع يا حضرة المهندس الكسول..
اذعن لها ببسمه ونهض معها متوجهين ألي الاسفل..
في ذات اللحظة كانت وصلت سيارة ركان وقام بركنها بحانب الشركة وألتفت لـ ميار قائلًا:-
- يلا انزلي وروحي اتكلمي مع جوزك وانا هستناكِ هنا
طالعته باستفهام فاردف قائلًا مجيب لها عما يدور بخلدها:-
- ايوة مش هدخل معاكِ وكمان مش لازم ظافر يعرف اني جيت معاكِ أو أعرف باللي بينكم لأنك عارفه وأنا عارف ان ظافر مش بـ يستلطفني..
أمأت له متفهمه، فهو محق هو وظافر لم يستلطفا بعضيهما، ودائما كان بينهما منافسة من نوعًا ما، تضاعفت قبل فترة من خطبتهما، حتى أنه عقبها طلب منها عدم محادثته والالتقاء معه، لذا ترجلت صاغرة تخطو اتجاه الشركة لكن عادت كلماته للطرق برأسها انبهت حواسها لشيء غفلت عنه صعقت مما ترجمه لها عقلها هل عرف ظافر بما يختلج قلب ركان اتجاهها!، لذا منعها عن مهاتفته، هل يعقل أن يكون ظافر طلب زواجها حتى ــــــــــــــ، لا لا ليس عليها التفكير بهذا مؤكدًا ظافر لم يغار منه ولم يطلب يدها حتى لا يسبقه هو، قطعًا هذا لم يحدث، نفت ظنونها السيئة بأقصى مكان بعقلها رافضه ان تتملكها وخطت اتجاه الشركة
لكن لمحتها نادين وهي توشك على الخروج من الشركة هي وظافر، فأسرعت تتظاهر بالتعركل متألمة وهي تتأوه قائلة:-
- رجلي يا ظافر اتلوت وبتوجعني أوي
أسرع ظافر بأمساكها، محاوطًا خصرها بذراعيه قائلًا:-
- انتِ بخير!..
- امأت برأسها نافية قائلة:-
-- لا مش قادرة ادوس عليها please ساعدني لركوب العربية ووصلني البيت، الظاهر مش هقدر اروح المشروع
أماء لها وهو يحثها على التقدم، لتبدو لمن التفتت بذات اللحظة وكأنه يحتضن خصرها بحمميه فتيبست موضعها تلجمها الصدمة وهي تراه يدخلها السيارة، انسابت الدمعات من مقآيها وهرعت اتجاه ركان الجاثم بسيارته، تحثه على اللحاق بسيارة ظافر الأن بهستيرية قائلة:-
- قولت لي تأكدي بنفسك ووجهي جوزك، ودلوقت هنتأكد احنا الاثنان، امشي وراهم..
أذعن لها أمام الحاحها بقلق اعتراه من هيئتها وعبراتها المنسابة بغزارة على اخاديد وجهها، متبعًا سيارة ظافر حيث وجهته
****
لا تتعشم بالكثير حتى لا تخذل بقوة، هكذا كان عشم سارة الذي سخف وهي تضع املًا كبير ب عمر ان يقف بجوارها داعمًا أمام طغيان والدته واستبدادها لها، فما ان ولج المنزل حتى توجه ألي ساره يضمها الي صدره باشتياق، فقد مر اسبوعًا يلوعه الشوق لها، أنه يحبها منذ أن رآها أول مره وهو قلبه نبض لها وعرف انها لن تكون له، فمن هي لتقبل به الجميلة الجامعية الذي يري عيون الشباب تتأكلها، فيؤلمه نبضه لهذا، ليشاء القدر ان يعلم بما علم ويستغله جيدًا لتكون له، فما أن علم بمخطط الباشا وابنته اتجاهها صدفة حينما ذهب لأخذ تحاليلها واشاعتها والذي اكتشف انها تحاليل تشمل رحمها والتأكد ما ان كانت تستطع الانجاب او لا، فكان قد قلق واخذ التحليل لأحد اصدقائه الذي يعمل ممرضًا بتلك المشفى، ليريها للطبيب الذي أعلمه ان التحليل خاصة بأمكانية حملها وخلوها من الأمراض الوراثية، ليدرك مخططهم بعدها، بعدما بدا بمراقبة كل ما يدور حوله جيدًا، واجهم حينها مستغلًا الفرصة عاقدًا الاتفاق ان يكتم فاهه مقابل ان يحصل عليها بالنهاية وقد وافقه على هذا، وتم الاتفاق وفاز بها، رافقها بشهور حملها التي قضت أولها هنا بالبلدة، وما أن مات والدها حتى اخذوها للسفر للخارج حتى ينجب الطفل ويسهل تسجيله بأسم نرمين وما أن ولدت واخبروها بموت طفلها، حتى عادوا الى البلدة وبدأ بتنفيذ خطته يخبرها بمخططهم، بتزويجها من أحد رجالهن وعرضه عليها الزواج للحماية منهم وحرصًا على شرفها وأن ارادته زواج مؤقت هو موافق من أجلها، وبأعماقه يقسم أن لا يتركها لغيره
ضامنًا أذعنها له صاغره ، فما من حل آخر لها ولا مكان ولا أحد داعم لها، ومع معاملته الحانية وتفهمه لها الذي خرص عليه للفوز بها، وافقت على تفعيل زواجهما، وباتت ملكه، ليُصدم من عدم قدرته على الأنجاب وكم قهره أن لا يستطع منحها طفل منه، لتمر الاعوام عليه وهو يجاهد للعلاج ولا من أمل للشفاء بعد، فقد قام بشراء معرضًا للسيارات بالقاهرة وجعلها تقيم هنا برفقة والدته، كاذبًا بأنه يعمل لدى احدهم، بينما هو يقوم بأدارته طيلة ايام الاسبوع ويعود اليها يوم الخميس والجمعة مجبرًا على تلك الحياة لفترة يخبرها أنه يحافظ على المال لصنع مشروع لهما، ويجعلها تشاركه حلمه، حتى لا تتفاجأ متسائلة من أين لك هذا، فيكشف أمامها...
وهكذا مضت السنوات عليهما حتى هذا الوقت، ولكن الشوق يضنيه لها بتلك الفترة، لذا اقترب معانقًا متلهف لوصالًا يخمد نيرانه، إلا أن والدته اقتحمت خلوتهم وهي متجهمة الملامح تداهمه بتذمرها من زوجة التي لا تذعن لها ويضيق منها صدرها وغضبها عليه ان لم يجعلها تذعن لها وتذهب معها ألي الشيخة المباركة التي قد يتم شفاءها على خير وتحمل منه طفلًا...
طالعته بنظرات راجيه أن لا يخذلها تلك المرة
وإلا يذعن لوالدته ورغبتها الجاهلة، فلن تستطع أن تفعلها تلك المرة، هذا الجهل والتخلف لا تستطع ان تقبل بها أبدًا، هذا كثير عليها وسيكسرها، الا أنه لم يهتم لنظراتها، يدرك أن ليس لها غيره ولن تتركه وستختمل صاغره لأوامره، فهتف قائلًا بينما يقبل يد والدته:-
- متزعليش يا امي ما يرضيني زعلك، كل اللي انتِ عايزه هيكون...
***
وصلت سيارة ظافر ألي منزل نادين، والتف يفرج لها بابها، تظاهرت بالألم قائلة:-
- مش هقدر أدوس عليها يا ظافر، موجوعة أوي..
مع آلمها وعبراتها الزائفة، اضطر لحملها، وخطى بها ألي داخل البناية، ولم ينتبه لتلك التي اضرم النار بفؤادها بفعلته، ترمقه بنظرات كساها الحزن والانهزام واختنقت ىـ عبراتها المحزنة بمقآيها وشعرت بخواء رهيب يعربد بحنايا صدرها، وهي تترجل من السيارة بروح مهشمه تأن وجع وترج حزناً،
اصاب الذي تبعها بوجع وآلم وغضب من ذاك الظافر الذي لا يدرك اي جوهرة امتلك يتوق غيره لأن تبيت له ويحفظها لو انها فقط ترضى...
خطى خطواته يتبعها، يحاول خثها على الترجل يخشى من تحطم مدوي لقلبها ما ان تابعت التقدم فكلاهما لا يدركان ما قد ينتظرهما بالأعلى..
في الاعلى توقف المصعد امام الشقة المعنيه، خرج منه ظافر وهو يساندها، اخرجت المفتاح واعطته له، جذبه منها وفتح باب شقتها وهو يعينها على الدخول حتى الأريكة دون ان يغلق الباب، ما ان وضعها واوشك على الابتعاد حتى منعته هي متشبثة بيده وبدون تردد كانت تجذبه نحوها بعناق لثغرها اجفله، للحظه استجاب لها، قبل ان يفيق لكن فات الأوان، فقد انفلتت شهقة بصوت كان غمد السكين بصدرها الذي انشق مما رأى...
وذاك الذي ماجت عيناه بالشفقة المنصهرة وسط لفائف عشق متناثرة لها وغضب دفين من ذاك الأحمق الذي نحرها بخيانته ..
وكـ جسد سلبت منه الصدمة روحه لتبقيها كأشلاء، هرعت هابطة الدرج ألي الأسفل، لحق بها بعدم رمقه بنظرة اشمئزاز وبغض، اجفلت الآخر الذي الجمته صدمة تواجدها ورؤيتها له هكذا، ليهرع خلفها محاولًا التوضيح لها، وجلًا من خسارتها التي باتت مؤكدة، وبالخلف ارتسمت ابتسامة انتصار على محياه نادين ونشوه بالسعادة...
حدث بالخطأ "
سلسلة "حينما يتمرد القدر "
بقلم دينا العدوي "ملاك"
الفصل العاشر
🌺🌺🌺
لما الحياة تعاندني!
لما هي راغبه بكسري!
لما فيها الأحزان تطاردني!
والفرحة دائمًا تهرب مني!
وابتسامتي دائمًا ما تسرق مني!
آهات وآهات بقلبي، نارًا به تحرقني
والمًا يعتصرني وحزن لا يغادرني
لما أشعر بالغربة عني!، تائه أنا مني
وكأني شبح يحيا بلا روح مشتت وحائر
لا ينتمي ألي هذا العالم ويبحث فيه عن خلاصه
ولا يجده في اي مكان...
لما هناك كثير من الجروح بداخلي لا تشفى!
أرغب بأن أجد ذاتي واسترد ابتسامتي
أرغب بأن تغادرني أحزاني ويجدني الفرح.
إلا أستحق هذا!، ألا يستحق قلبي هذا!.
فقد اكتفى من الوجع..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالعادة خذلها وكسر بخاطرها، لم يهتم بنظرات الرجاء التي تطل بعينيها له، تحثه على الرفض ودعمها، إلا أنه لم يكترث!.
لـ تلُج مسرعة ألي غرفتها وملازها الوحيد يغمرها الشعور بالقهر، بينما هو ظلّ مع والدته قليلًا يراضيها غير عابئ بتلك التي يهمشها من حياته دائمًا، يثق ببقائها الدائم حوله
وبكلمه حلوة وغمرة حانيه سترضى وتتفهمه كالعادة، لذا بعد مرور ساعه قضاها مع والدته، دلف ألي غرفة نومهما،
كانت هي على الفراش ممده تختنق مقآيها بعبراتها المحزنة..
تنهد زافرًا مما هو عالق به، دائمًا هي ووالدته لا يتفقا، ويدرك جيدًا كم ان والدته صعبة المراس، متجبرة، ومتسلطة أيضًا وان سارة ما هي إلا خاضعه دومًا، تتقبل بصمت وانكسار تسبب كلاهما به، لقد حرصا على ذلك، وجلًا من ان تتمكن من إصلاح عطب روحها ورآب جروحها وترحل عنه..
اغلق عينيه بضيق يعتمل صدره، متسائلًا لما والدته تفعل به هذا!، إلا يجدر بها الانتظار قليلًا قبل أن تجرفهما ألي الخصام، لقد كان يمنن ذاته بوصالها، لتسحق والدته أماله، الأن وجب عليه تضيع الوقت في محاولة اقناعها وجعلها ترضى، تخضع، وتسامح كعادتها...
خطا خطواته اتجاهها، وهو يسحب اخر أنفاس لفافة التبغ بيده، حتى وصل للكمود وقام بإطفائها، ثم تمدد جوارها، وذراعه حاوط خصرها، يقرب ذاته منها، دافنًا رأسه بين طيات عنقها، يستنشق عبيرها، طابعًا قبله به قائلًا:-
- وحشتيني أوي سارة
اجتاحها الغضب منه ومن ذاتها والنفور، وهي تبعده عنها تنتفض من على الفراش وكأن أفعى هي من لدغتها، تواليه ظهرها، ماجت عينيه بالغضب من فعلتها تلك، لكنه هدئ من روعه، غير راغب بتعكيز مزاجه وتضيع العطلة في الخناق والخصام، ونهض هو الاخر، يخطو نحوها، ثم حاوط خصرها بذراعيه قائلًا:-
- عارف إنك زعلانه مني بس لازم تفهميني، واوعدك ان دا هيكون أخر طلب ليا بخصوص الموضوع دا، دا اخر طريق قدام أمي وأنتِ بروحتك لهناك هتقفليه في وشها ونرتاح
هو مشوار صغير يا سارة متكبريش الموضوع..
اغتضنت ملامحها بالغضب واستدارت له تواجه قائلة:-
- مشوار صغير وآخر مرة، كل مرة يا عمر بتقول نفس الشيء اخر مره يا سارة، استحملي يا سارة، عشان صلة الرحم يا سارة، بس المرة دي غير، مش هقدر اعمل كده وأوافق مامتك في دا، مش هقدر اكون معلمة اجيال واخضع للجهل والتخلف دا، صعب يا عمر...
- سااااره
هكذا هدر بها وهو يضع انامله بأرهاق على جبينه يمسده، مقرر سلك طريق آخر وأسلوب آخر، قد يلقي منه جدوى وهو يتابع قائلًا:-
- الموضوع مش مستدعي نقاش، هتروحي مع ماما وننهي الموضوع دا، أنا مش ناقص وجع دماغ، ريحيها وريحيني وارتاحي انتِ كمان يا سارة، انتِ عارفه ومتأكدة لو مروحتيش حياتنا هتكون ازاي!، وأنا مش متحمل كفاية الإرهاق اللي انا فيه والتعب، انتِ مش حاسة ومقداره يعني إيه يكون أحساسي وأنا عقيم مش قادر احقق لمراتي حلمها بالأمومة وحلمي ان يكون عندي طفل منها، أنت مش عارفه إحساسي بيكون ايه وانا كل مره بعد ما انهي علاج جديد اقف ادام الدكتور مستني النتيجة اللي بتحطم رجولتي مع كل خيبة امل جديدة، أن لسه مفيش جديد، لسه زي ما انا، عشان أرجع هنا وارتاح معاكِ وبقربك شويه واحس بالراحة، لكن بالعكس دايمًا بلاقي مشاكل هنا بينك وبين امي، وأنتِ مش قادرة تضحي شويه وتتحملي، رغم اني بتحمل كتير عشانك من اول لحظة قبلتك يا سارة وأنا بضحي وبتحمل عشانك ورضيت باللي ما يرضاه غيري بجوازي منك رغم ماضيكِ ...
تفوه بآخر كلماته دون وعيًا منه لشدة غضبه....
شحب وجهها ودوى صوت تحطم قلبها عالًيًا، وهي تطالعه مشدوها، لا تستعب نطقه لتلك الكلمات، هل حقًا قال ما قال الأن!،
هل تقصد معايرتها بماضيها الذي لم تكن لها يدًا به، وهو الأدري أنها ظلمت ونحرت واستباح جسدها عنوه..
كلماته اطلقت كرصاصه ذبحتها وطالت روحها، لتذرف مقآيها دموع الخذلان والتحطم وبدت كالهشيم أمامه، ليتدارك هو تفوه الأحمق لها، ونظرة الانكسار التي تطل من عينيها ألمته، فبرغم كل شيء يهوها القلب، ولا بأمكانه التناهي عن هواها، لقد تخطى الحدود وتناسى الأخلاق لنيلها، لذا قطع الخطوات الفاصلة التي ابتعدتها عنه مسبقًا وهو يهتف بأسف قائلًا:-
- سارة حبيبتي أنا أسف، صدقيني ما كانش قصدي اقولك كدا، انا متوتر يا سارة وموجوع، وانتِ بتقتليني كل ما اشوفك وأنا عارف اني مش قادر احقق لك حلمك الوحيد إنك تكوني أم، الفكرة بتجنني وبقى عندي هاجس إنك تتخلي عني للسبب دا، انا بقضيها من دكتور ل دكتور ومفيش أمل خيبة جديد بتحطم فيا، دا غير محاولات عشان احسن حياتنا كمان، كنت جاي وعندي ليكِ مفاجأة حلوة، أني وأخيرًا لقيت الشريك اللي بدور عليه وهحقق حلمي بامتلاك معرض سيارات، واننا ابتدأنا بالفعل ندور على مكان واننا خلال شهور هننتقل للقاهرة، ونبعد عن هنا وهريحك، صدقيني يا سارة، عشان كده بقولك دا اخر طريق مع أمي، اسمعي لها المرة دي بس يا سارة ارجوكِ افهميني انا بحبك وبتعذب بيكِ وليكِ، وكلمات أمي بتدبحني افهميني يا سارة ..
كان يداهمها بحديثه، يسير تعاطفها معه، محاولًا صبر أغوارها، يدرك تمامًا كيف يسيطر عليها، نبرته المتألمة والمعذبة سيكون لها جدوى، وبانكسار لرؤية تلك الحالة التي يحادثها بها وتعزيزه للبخس من قدرها وتعظيم ما فعله من أجلها اومئت برأسها موافقه صاغرة والدمع ينساب من بين جفونها، ليتابع اجتياحه لجسدها بعدما سيطر على عقلها وقلبها، ينهش به بجنون واشتهاء سيطر عليه ما ان رآها اول مره، يجذبها حيث الفراش متابع اجتياحه وهي بين يديه كالجثة الهامدة، كورقه في مهب الريح تستلم له، بلا مشاعر، بلا روح، بلا حياة، فقط كانت جسد له ولم يهتم ولم يلاحظ فقط ينهش ويجتاح ويبيح لذاته امتلاكها، حتى انتهى وتمدد على الفراش بجانبها، لتستدير عنه مواليه اياه ظهرها وهي تتقوقع على ذاتها وماتزال العبرات تنساب من جفونها المغلقة بألم من ذاتها المحطمة والمنكسرة، فما تزال كلماته تحوم برأسها وتنهش به، وتخسف من قدرها....
**
اذا تتبعت الاساطير على مر العصور، سوف تتأكد أن دائما ما امتزج العشق بالعذاب، وهي لم تنال نصيبها من العشق يومًا!، فقط العذاب هي ما حصدته بسنون عشقه حتى تلك اللحظة وكانت الأقسى والأقوى لقد حطم قلبها وأسقطها بعنفوان بـ هاوية مظلمه... هاوية الاحساس بالخيانة، مذيقًا أياها مرارتها...
هبطت الدرج بسرعه وهي لا ترى أمامها غير خيانته لها، شاعرة بالضيم والقهر وكل ذكرى لهما تجتاح راسها ألمه أياها بقوه، تؤكد لها حقيقه واحده خائن لم يحبها أبدًا، آنت روحها من تلك النيران التي يضرمها بها ذاك المشهد الذي يعاد ويعاد برأسها وهي تهرول مبتعدة تصيح به ان يتوقف عن رجمها بالتكرار، حتى خرجت من باب البناية، تطلع نحوها بجنون وتيه وعبراتها تنساب بغزارة من جفونها، ونبضات قلبها بدأت بالأسرع وهي تحاول قطع الطريق للوصول لسيارة ركان، لكن تيبست قدميها وهي تنتبه لتلك السيارة القادمة نحوها بسرعه، لترى موتها الوشيك أمام عينيها، وما هي إلا لحظه كانت بين الموت وبينها، وهي تطلق صرخة مرتعبة، صرخة كانت صداها كالسوط الملتهب على فؤاد ذاك الذي كادت روحه ان تزهق وتغادر جسده رعبًا ما أن اصابها مكروه، لتكون يده هي الاسرع في انتشالها والى صدره يضمها..
صدر أدركت هوية صاحبة مؤكدًا، صدر كان لها الملجأ دائمًا والآن هو المنقذة لها، وما هي إلا لحظات وقبل ان ترفع بصرها نحوه حتى تماوجت الرؤيا أمامها لتثقل اجفانها وتسلم لتلك الفجوة المظلمة التي ابتلعتها، بينما هو هدر قلبه دقاتًا وجله وهو يهتف باسمها مرددًا اياه بارتياب:-
- ميار... ميار... فوقي..
ليسرع بحملها اتجاه سيارته ووضعها وما كاد ان يتحرك، حتى وجد ظافر الذي هرول خلفهما يحاول ايقافه ومنعه قائلًا:-
-أبعد وسيب مراتي، كنت متأكد ان حد ورا اللي بيحصل دا، وطبيعي يكون أنت يا ركان، مش متحمل تشوف سعادتنا مقابل تعاستك واننا اللي فوزت بيها..
تغضنت ملامح ركان وبدت كـ لوحة سرياليه من الألم والغضب، آلم عليها وغضب من ذاك الحقير خلفه، الذي ألما قلبها، ويلصق اخطائه بغيره، فأستدار له بغته وهو يلكمه بقوة في وجهه، ليتزعزع ظافر للخلف وينزف انفه، بينما ركان يهدر به قائلًا:-
- أياك يا ظافر، تتهمني بقذارتك ووسختك، انا مش زيك، ولا عمري افكر أذي ميار، أنا زي الغبي لما عرفت اللي بينكم وزعلها روحت وتكلمت معها وقولت لها ما تخسريش جوزك قبل ما تفهمي منه وتعالى ناقشيه وجبتها بأيدي لعندك، ودا كان قبل ما اعرف انها نادين وأن انت اللي حقير وضعيف وتسببت بالمهزلة دي..
كان صدره يعلو ويهبط من فرت انفعاله، وظافر يطالعه بحده وهو يتابع هدره به قائلًا:-
- إيه اللي رجع نادين بحياتك تاني يا ظافر من بعد ما سبتها من سنتين!، ايه اللي دخلها حياتك قولي!، ولا قلبك حن ليها!، واذا كان كده ليه تجوزت ميار!، وسبتها بعد ما فضلت سنين الجامعة تسعى لحد ما ترضي عنك وتحبك، وبعدها روحت قولتلها اسف انا هتجوز بنت عمي، بنت عمك اللي ما كانش في قلبك ليها أي مشاعر...
أجابه ظافر بحده وهو يزيل بأنامله دماء انفه قائلًا:-
-لأني اكتشفت انها بتحبني، وكان يستحيل اكسر قلبها..
ـ كدااااب...
هكذا هدر به ركان وهو يزأر به بألم قائلًا:-
- انت طوال عمرك وأنت عارف ان ميار عندها مشاعر ليك، واعتبرتها مشاعر مرهقه ورفضتها، ورفضت انك تخضع لسلطتهم وتتجوزها، لكن كله اتغير بس لأنك عرفت اني بحبها وأني قررت اعترف ليها واخذ فرصتي معها وأن جدي كان هيوافق على جوازي منها..
أجفل ظافر من حديث ركان لوهله، وتزعزع لكنه هتف قائلًا بلا مبالة:-
- أيوا صح لأن ميار بتحبني أنا ومن حقي أنا حسب العادات فأنا طلبت بحقي، حقي اللي ارفض انك تخده وتسلبه مني، مستحيل كنت اسمح لك تاخد الحاجه الوحيدة الباقية ليا، حبها ونظراتها ليا وكأني الرجل الوحيد بالدنيا مستحيل اتنازل عنها، واسيبك تفوز بيها زي ما فوزت بكل حاجه قبلها من لما جيت وعشت معانا وأنت بتخد كل حاجه، حب جدي وعمي وبعدها بقيت اقرب لأدم مني، وسرقت مني كل حاجه وكمان كنت عايز تخدها هي مستحيل يا ركان كنت اسمح لك، ميار ليا انا وقلبها هيحبني انا... انا لأخر العمر...
ردد اخر كلماته وهو يشير لذاته بأصبعه بهوس وتملك..
تطلع به ركان بنظرات منصدمه مما تفوه به للحظات حتى هتف قائلًا:-
- أنا مكنتش متوقع كل الحقد و الغل دا بقلبك من ناحيتي، انت مريض، كنت بتستكتر على يتيم شوية حب وحنان واهتمام، تقوم تخسرني اكثر حاجه حبيتها وتمنيتها في حياتي، انا كنت عايزها هي وبس ..
بنبرة مخنوقة أردف ظافر قائلًا:-
-أنا بحبها.... اكتشفت اني حبيتها.... ويستحيل اضيعها مني واسمحلك تفرق بنا ..
رمقه ركان بنظرة احتقار وألم يجتاحه بصميم قلبه واردف قائلًا بنبرة تهكم سافر:-
- حبيتها! واضح انك حبيتها فعلًا
ثم تابع حديثه وهو يتحرك من أمامه قائلًا:-
- أنا مش هتكلم معاك واجادلك أكتر من كدا وهي بالحالة دي، أنا هخدها للمستشفى ..
أنهى حديثه وتركهُ واستقل سيارته وقادها مسرعًا، فأسرع هو الأخر وصعد سيارته وقادها خلفه حيث المشفى...
**
توقفت السيارة أمام المشفى وترجلا منها ركان حاملًا أياها الى الداخل مطالب بطبيب، بينما توقفت سيارة ظافر ولحق به هو الأخر، وما هي إلا ثواني وجاء طبيب لفحصها، بينما هما ظلا بالخارج، كلًا منهما يرمق الاخر بنظرات قاتلة، وركان الذي يقسم بعد ما رأى، أن قررت ميار تركه سيدعمها ويعترف لها بعشقه ورغبته بها زوجه وحبيبه وأنه سيعتبر صغيرها أبنًا له وسيحبه فقط لأنه منها هي، بينما ظافر يقسم إلا يخسرها ويدعه يفوز بها، ميار تخصه وحده وحبها له سيبقى، لا ينكر أنه ضعف لكنه استفاق بآخر لحظه متذكرًا إياها، وخطابها الذي تتهمه به بالخيانة التي رفض أن يفعلها وتكون حقيقه مؤلمه لها، لا ينكر أن هناك مشاعر تتملكه اتجاه نادين وضعف من نوع ما ارجعه لمشاعره السابقة نحوها وما كان بينهما، لكنه سيعلم التحكم به ويلفظه من قلبه تاركًا المشاعر كلها لـ ميار هكذا اتخذ القرار، لكن قلبه ارتجف وجلًا من ان تتركه، ليأشر برأسه رافضًا لتلك الخاطرة التي تلوح له، هي لن تتركه بعدما تدارك عشقها، لن يرضى بهذا مستحيل، ليخرج الطبيب بتلك اللحظة مانحًا اياه املًا بأخبارهم أنها بخير والجنين بخير، فقط يبدو انها أصابت بانهيار وستكون بخير..
تطلع به ظافر للحظات بعدم استيعاب حتى تدارك ما تفوه به الطبيب وارتسمت بسمه واسعه على محياه وهو يهمس من بين شفتيه قائلًا:-
- ميار حامل!.. حامل بأبني..
تعالى وجيب قلبه سعادة بأدراك وجوده، طفله الذي سوف يصلح علاقته بوالدته ويحسن منها، ولأجله ستسامحه مؤكدًا، ليطالع ركان بنظرات منتصرة قائلًا:-
- عرفت وتأكدت ان ميار أنا قدرها وانها لي انا، وابني هيقرب بنا اكثر..
رمقه ركان بذات النظرات المحتقرة غير عابئ بحديثه فهو لا يعنيه، القرار الان بين يديها وهو سيحترم ما تتخذه وسيظل داعم لها أن ارادته بجانبها، لذا تركه وتوجه أتجاه الغرفة التي تقبع بها، لحق به ظافر وكاد ان يمنعه من الولوج، ألا انه طالعه شزرًا ودفعه بحده قائلًا:-
- انا اللي جبتها لعندك ووعدتها ان مهمها يكون قرارها هدعمها، عشان كده هفضل معاها لحد ما تقرر..
ثم ازاحه ودلف الى الغرفة، يتطلع بها بألم يشطر قلبه وهي ممده على الفراش بوجه شاحب والدموع معلقه بأهدابها، ود لو ينحني ويجذبها الى أحضانه يربت عليها بضمه حنونه، يخبرها انها لو ارادت لحظيت بعشقه وقربة طيلة عمرها، ويقسم لها إلا يتركها أو يحزن قلبها يومًا، لكن العشق لا اجبار فيه..
ظلا للحظات يطالعها وكذلك ظافر الذي اقترب منها يجذب كفها ويلثمه بتأسف، وهي ما تزال غائبه عن الوعي، حتى مرت لحظات وبدأت تستعيد وعيها وأسم ركان هو ما لفظته شفتيها، لتتغضن ملامح ظافر بالغضب، بينما وصل همسها ل ركان الذي اسرع نحوها، في تلك اللحظة افرجت جفونها عن مقلتيها، ليكون وجه ظافر اول ما تراه، فيداهم مشهد رؤياه مخيلتها، فتطالعه بنفور وغضب وهي تجذب يدها من بين يديه بقوه وصياح هستيري ان يبعد عنها، اجفل كلا الرجلين من صياحها، وتقدم منها ركان يحاول تهدئتها وكذلك ظافر الذي ألمه قلبه وهو يهتف قائلًا:-
- ميار اسمعيني ارجوكِ وانا هفهمك اللي حصل والله كان غير اللي شفتيه صدقيني..
لكنها استمرت في صياحها، مما اجفل ركان الذي تقدم يحاول ابعاده عنها، لكن ظافر رفض الخنوع له، وبدأ يدفعه برفض الا أن الطبيب والممرضة قد أتيا في تلك اللحظة، وحاول تهدئتها وطلب من كليهما الخروج، ليذعن كلًا منهما مرغمين، حتى مرت دقائق وخرج الطبيب يهتف قائلًا:-
- المريضة عندها انهيار حاد ويفضل تجنب سبب الانهيار دا حتى ما يأثرش عليها وتجهض.، خاصةِ اننا مش قادرين نعطيها مهدئ لأنه ممكن يأذيها هي والجنين..
انتاب الذعر ظافر مما قال وخشى أن يخسر طفله، فرصته الوحيدة معها، مؤكد لن تغفر له ان اصابه مكروه
فتزعزع للخلف بألم اجتاحه ما ان أستمع لحديث الممرضة بأن المريضة تردد اسم ركان تطالب بوجوده، خفق قلب ركان بقوة وهرع مومئ لها أنه هو، وولج الغرفة يتجه نحوها، وصوت نشيجها كالسيط يرجم روحه، جذب كفها قائلًا:-
- ميار أهدي يا حبيبتي عشان اللي في بطنك..
بينما هي لم تستطع التوقف عن البكاء، فألم الشعور بالخيانة ممن وهبته قلبك واعتبرته حبيب العمر قاتل، رفع كفه الاخر وبأنامله ازاح عبراتها محاول اقناعها بالتوقف عن البكاء قائلًا:؛
--عشان خاطري بلاش دموعك يا ميار، ارجوكِ كفاية عشان ابنك على القليل، حالتك دي بتأذيه وممكن تخسريه، صدقيني مفيش حد يستاهل حالاتك دي عشانه..
استمر في محاولة تهدئتها حتى هدءت قليلًا، ليصدح صوت هاتفه، فيجيب مضطرًا عليه قائلًا:-
- ايوة يا سالم
الطرف الاخر:-ــــــــــ
- انت متأكد من اللي بتقوله دا!، عندنا بالبلد...
الطرف الاخر:- ــــــــــــــــــــ
- ومفيش حد بالمركز
الطرف الاخر:- ـــــــــــــــــــــ
- تمام أنا هتصرف وهحاول أرجع..
-انهى حديثه واغلق زافرًا، شاعرًا بالضيق لأضراره بالعودة، حتى استمع لهاتفها به قائلًة:-
- انت هتمشى وتسبني يا ركان، ارجوك بلاش تسبني لوحدي!..
كلماتها له ونظرات الرجاء التي تطل من عينيها، تطالبه بعدم الرحيل والبقاء كيف له ان يقاومها، حتى ولو خسر عمله، لكن الأمر لا يتعلق بعمله فقط، بل بأناس اخرين على وشك الضياع، يجدر به انقاذهم، لكنه مؤكدًا لا يستطيع تركها بتلك الحالة، لذا اعاد امساك كفها بقوة قائلًا بأصرار:-
- مش هسيبك يا ميار من دلوقت عمري ما هسيبك ولا ابعد عنك ولا اسمح لحد يأذيكِ..
احتياجها له في تلك اللحظة أغفلها عن مغزى حديثه وما يقصده تحديدًا، هي فقط تحتاجه بجانبها، لتشعر بالأمان والاطمئنان، لذا استسلمت لما ترغبه، غير واعيه أنها تمنحه أملًا... أملًا غافلة أن كان موجودًا أم انه وهم سوف يسيطر عليه، لكن بالنهاية لا احد منا يعلم خبايا القدر، فأذا اراد التمرد، لمنح وسلب منا ما نرغبه...
لذا منحها ابتسامه حانية تقطر عشقًا.. عشقًا دائما ما يكون لها فقط وهتف قائلًا:-
- هتصل بزميل ليا كان المفروض اجازته النهارده، بس هخليه يقطعها ويرجع عشان عيونك، لأن في قضية مهمه جدًا في البلد، كان ضروري يكون آدم موجود عشانها، لأنها هتسبب فتنه كبيرة في البلد...
ثم أنهى حديثه واعاد الاتصال بمن يريد قائلًا:-
-- اسف على اللي هطلبه، بس في اخباريه مهمه وصلت ولازم تقطع اجازتك وترجع لأن ضروري وجودي بالقاهرة، ميار بالمستشفى وانا جانبها
أماء له المجهول وهتف قائلًا:-
- ولا يهمك انا كنت في نص الطريق، بس هلف وأرجع والف سلامه عليها بس احكي لي ايه هي الاخبارية المهمة بالشكل دا اللي تستدعي وجود حد فينا...
أجابه يسرد عليه بشاعة ما يحدث، بينما هو اتسعت عيناه صدمه وهو يغير طريقه عائدًا من حيث غادر، حتى ينهي تلك المصيبة والقضاء على فاعلها ووضعه بالمكان الذي يليق به، ولا يدري أنه مع موعد لكارثه سوف تصيبه في الصميم، فهل يصل بالوقت المناسب!، ام أن الوقت لن يكون بصالحه وسيجد الأوان قد فات....
اغلق ركان هاتفه وتوجها نحوها يجلس بقربها، ويمسد على كفيها بحنان قائلًا بنبرة مازحه محاولًا التخفيف عنها:-
- بيقولوا الأم بتحس بطفلها، فأيه احساسك بنوته ولا ولد، أنا شخصيًا بتمني تكون بنوته حلوة زي مامتها..
ثم تابع دون أن ينتبه لحديثه بحماس قائلًا:-
- دا كان حلمي دايمًا يجينا بنت نسخه منك!..
انتبه لما قاله فأسرع بتغير حديثه بمزاح قائلًا:-
-قصدي طبعًا بنت في خفة دمك وشقاوتك، لكن عايزها تكون جميلة زي مامتها، مش شبهك خالص في الشكل..
دائمًا ما كان كاذب سيء، اذا كيف صدقت كذباته المتتالية، هل كانت بهذا الغباء فبلًا أما ان عقلها وقلبها هما من أصابها بالعمى والخبل حتى لا تدرك ما يعتريه، كونهما لم يستطيعا منحه له، فتجنبا الاحساس بالألم وتأنيب الضمير، ليتُ أخبرها قبلًا، قبل ان تتورط مع ظافر وتصبح زوجته، لربما كانت منحته الفرصة ومؤكده من أنه كان سيكسب قلبها وعشقها، لكن هكذا هو القدر، جمعها بحب عمرها، لتعيش معه اكبر ألم، سنون من الخيبات التي كانت تضني من عشقه بداخلها وهي لا تدرك، كان يجلدها بصقيع مشاعره، صقيع انتقل وتسرب الى قلبها وبدأ بتجميده حتى اليوم وتلك اللحظة التي رأته فيه، شعرت بالبرودة تجتاحه حتى تجمد كالجليد وفي لحظه تهشم الى شظايا صغيرة متناثرة تدحرجت بعيدًا.. بعيدًا، كلًا منها بمكان، حتى بات لا يستطيع جمعها واصلاحه، ليتركها بالنهاية بلا قلب حتى يحب مجددًا، لقد تحطمت وانتهى، لا من مقدره للغفران تمنحه إياه ولا من مقدره لعشق تمنحه لغيره، ستعيش لطفلها فقط، لذا هي أسفه لـ ركان، اسفه له فهي لم ولن تستطع منحه ما يتمنى، ليس لأنها لا ترغب، بل لأنها باتت لا تصلح....
لذا لم تتفوه بكلمه وصمتت وأحيانًا يكون الصمت نقيض لضوضاء حرب ضاريه تختلج القلوب....
***
ما ان انتهى منها، حتى تمدد على الفراش شاعرًا بالتخمة والانتشاء، شعورًا لذيذ دائمًا ما يعتريه بعد كل وصال،
لم يشعر بها وهي معه جسد بلا روحًا، روحًا قد أحرقها بسيل كلمات من سجيل قذفها بها، ولا بمقآيها المختنقة بعبراتها المحزنة، التي انسابت على اخاديد وجهها ما أن استدارت عنه، حتى مرت لحظات واستمعا لطرق على الباب وصوت حميدة الغليظ يأمرها بأن تسرع بارتداء ثيابها فالأن وحالًا سيذهبان للشيخة المباركة، فقد اتصلت وتمكنت من حجز موعد لهما، ليهمس لها يحثها على الاذعان والذهاب، وكـ جسد بالي نهضت بخطوات متثاقله حيث خزانة ثيابها تجذب اول ما تطاله أناملها، ثم اكملت خطواتها نحو مرحاض الغرفة، تلقي بجسدها اسفل المياه الباردة في منتصف شهر أبريل البارد، وارتدت ثيابها دون ان تهتم بتجفيف جسدها، وما أن خطت للخارج حتى وجدته قد غفا ولم يبالي بها، انسابت دمعت قهر على وجنتيها وهي تفرج باب غرفتها ذاهبه ألي قدرها، تنساق خلفها، بجهل تام عما قد يصيبها، فقد تعبت واستسلمت، لم يبقى لديها قدرة على المواجهة، وهي بلا سند أو داعم لها، وحيدة هي بالحياة مجبرة على العيش كما يأمرنها، لذا سوف تنصاع لهم، فهو محق عليها أن تقدر تضحيته من أجلها، لقد تزوجها وسترها من عار قد يلحق بها، فأي رجل كان سيقبل بها وهي فقدت عذرية جسدها دون ان يمسها رجل وهل كان سوف يصدقها احدهم!..
***
بذات المكان المنفر المعبأ برائحة الجهل، كانت تعُد خطة نحرها كمثيل نساء غيرها، قد دنستهم بفعلتها الشنعاء، نهضت الشيخة المزعومة وقد تبدل حالها تمامًا عن تلك العبأة البيضاء والمسبحة، فالان ترتدي كمثيل روحها قميصًا اسود اللون وعارً بجانبها هو شريكها في قذارتها، من تدنس النساء بما تحصل عليه منه، فهو رجل اسمر ضخم البنيه وقوي، تدرك جيدًا قدرته على الأنجاب، فقد جربته مسبقًا وجميع من اقحمت تلك "الصوفة" التي انغمست سابقًا بالعينة التي يهبها لها بتلك الغرفة الصغيرة المجاورة، في ذات الوقت التي تقبع ضحيتها معها بالخارج، لتأخذها منه الفتاة التي تعمل معهما، حتى تقحمها هي برحم المرآة التي افقدتها وعيها سابقًا بخدعة المياه المحصنة التي تم القراءة عليها، لكن الحقيقة انها ليست الا مياه تحتوي على مادة مخدرة تدوم لدقائق معدودة، تمكنهم فيها من زراعة ما تسمى بـ "الصوفة" بداخلها، لتعيدها كما كانت مسبقًا، وما ان يفقن تخبرهن انها نجحت بأخراح ذاك الجن الذي يسكن اجسدهن وانهم بتَ قادرين على الحمل والانجاب...
طرقت عليهما الفتاة الباب، لتأذن لها بالدلوف، دون ان تعبأ بعريها أو بما هما عليه، فقد اعتادت الفتاة على رؤية ذاك العهر، الذي بات من شيمهم، وهل سيفرق معهما، من يقومان بتلك الأفعال الشنعاء وتدنيس الاجساد وخلط الانساب، ليس لهم دين ولا اخلاق ولا حياء، رمقتهم الفتاة بنظرة خليعه لعلمها بما كان يدور بينهما منذ لحظات، ثم تفوهت قائلة بنبرة ساخرة-
- حميدة جاية هي ومرات ابنها ولازم تجهزي يا ست الشيخة، وكمان اطلبي منه يتدارى ويدخل الاوضه ويجهز كالعادة، لحد ما تحين اللحظة..
أمأت لها الشيخة المزعومة، وهتفت بها قائلة:-
- تمام انا هجهز وأول ما يجوا دخليهم، وزي ما تعودنا، بعد دقايق هديكِ الاشارة تدخلي بعد ما أشرب مرات ابنها المية المخدرة، تدخلي علينا عشان تجيبي العينة وأنا اطلب من حميدة تطلع برا عشان ما تتأذيش مننا واحنا بنطرد الجن...
امأت لها الفتاة وغادرت، بينما هي نهضت تستعد وكذلك فعل الشاب الاسمر، نهض هو الاخر يجذب قميصه ويضعه على صدره العاري، وهو يهتف بها قائلًا:-
- مش ملاحظه اننا طولنا بالبلد هنا، كان كبيرنا في كل قرية اسبوعان، وانا خايف ريحتنا تفوح للحكومة، ما تنسيش انهم بيدوروا علينا ولو شموا خبر اننا هنا هتكون مصيبه...
اجابته بثقه قائلة:-
- ما تخافش هما يومين ننهي فيهم حوار الكام ست دول واخد منهم الفلوس ونهرب على قرية غيرها، يلا ادخل انت اجهز وانا كمان هجهز، وأول ما يجوا تجهز الصوفة والبت هتخدها منك كالعادة..
اماء لها وتحرك بعدما رمقها بنظراته الخليعة..
وما هي الا لحظات وتوقفت سيارة" التوكتوك" بالخارج تترجل منه حميدة تسحب سارة التي تنساق خلفها كالذبيحة التي تنقاد لمكان نحرها...
****
على طاولة الغداء جلست شاهي على الطاولة، بينما آتى كلًا من سليمان وتيام وجلسا بجانبها وبدأنا بسكب الطعام، اردفت شاهي بتساؤل قائلة:-
- أمال آسر وجود مش هيتغدوا معانا ولا إيه.
اجابها تيام بتسرع قائلًا:-
- لا جود تعبانة ويفضل ترتاح بالسرير النهاردة والاكل ليطلع لها فوق..
رمقه سليمان بنظرة تأنيب عندما اردفت شاهي قائلة بتساؤل:-
- وايه الي تعبها أن شالله وليه يفضل تبقى بالسرير، وصحيح تعالي هنا وقولي كنت فين معاها النهارده، أنا جيت بدري وعرفت انك خدتها وخرجت برا البيت...
أتاهم صوت آسر المتسأل هو الأخر من الخلف والذي استقل المصعد للأسفل ما أن أطمئن على جود ورأها قد غفت، ليقرر الهبوط للأسفل ومجالسة تيام قليلًا بالحديقة وتوصية الخادمة بصنع شوربة ساخنه لجود، ليتفاجأ بسماع ما قالت شاهي، فأردف متسائلًا:-
- أنت خرجت أنت وجود النهاردة يا تيام..
تلعثم تيام وأرتبك وأحتار بما يجب عليه قوله، شعر سليمان به فأردف بثبات قائلًا:-
- أيوا صحيح يا آسر هما خرجوا، أنا اللي طلبت من تيام ياخد جود يفسحها بالعربية شوية واحنا برا عشان ما تزهقش، بس هي تعبت ورجعوا على طوال..
لم يقتنع آسر مستنكر عدم أخبار جود له، وهي التي تعتاد أن تقص عليه كل شيء، لكنه أرجع هذا لتعب جسدها، لذا اماء بتفهم وهو يطلب من الخادمة صنع حساء ساخن لجود وتجهيز الغداء لكليهما بالغرفة، وتحرك بمقعده ألي الحديقة، بينما شاهي انتبهت لارتباك ابنها ونظراته المتبادلة مع والده، فشعرت بشيئًا خاطئ واستشعرت بان هناك ما يدور حولها ويخفى عنها هي وآسر. وعزمت على معرفته..
**
بالحديقة رفع آسر هاتفه، بعدما ضغط عدة ارقام مقرر الاتصال بمحامي لدى شركة والد جود قد تعرف عليه بالعزاء واخذ رقمه، وهاتفه مقررًا طلب منه تجهيز الاوراق اللازمة لنقل بضعة من نصيبه بأسهم شركة والده بأسمها وأيضًا الشقة التي اشتراها له والده سابقًا كأستثمار وإنشاء حساب لها وتحويل مبلغ مالي من حسابه ألي حسابها، وقرر اختياره هو حتى يكون الامر سرًا ولا يعلمه احد بالمنزل، فهو أراد الاطمئنان عليها ما أن أتاه الموت وخسر أمام مرضه، فرغب بالتأكد أن يكون لها الدعم المادي وتوعد بأن يبدأ بمحاولة اخراجها من قوقعتها تلك، وحثها على الخروج للعالم وأدراك ما حولها، حتى أنه سيقوم بتقديم اوراقها للدراسة الجامعية هذه السنه، فعليه تسليحها بالمال والعلم ليكون عونًا لها أن لم يستطع وكتب القدر نهايته....
***
بغرفة الفندق يجلس على الأريكة أمامها، نظراته عليها مثبته، يحدق بوجهها بملامح تموهها الاضاءة الخافتة من ذاك المصبح الصغير بجانبها، وهي غافية، متعبه، متأثره بما خضعت له، قلبه يأن منذ عشقها وفكره حائره بها وبأفعالها،
متسأله لما تسعى لطفلًا منه وهو لا مكان له بقلبها، برود وصقيع مشاعرها نحوه جاهر له، يدرك تمامًا كيف تراه منذ الصغر، متكبر، ظالم، ومتجبر لم تسعى يومًا للاقتراب والتعمق بدواخله وترى ما هو عليه حقًا، وما هي تعني له، لقد وأدت رغبته بأجهار جنون مشاعره الموقدة نحوها، ود لو اخبرها انه لطالما عشقها وبالمقابل هي لم تفعل..
شرد بسنون عشقه لها وما كانت عليه منذ الصغر، تهابه مثلها مثل باقي سكان البلدة، وما تركه بانطباع بنفوسهم
فقد تربي منذ الصغر علي أنه كبير العائلة، والزعيم المستقبلي للبلدة بعد عمراً طويلا لجده، الذي أوكل له منذ حداثة سنه مهام عده، كان يصطحبه معه في مجالس البلدة لحل مشاكلها، بل كان يجبره علي المشاركة و الإدلاء برأيه، بل وتنفيذها أيضا من قبلهم، فقد كان يتمتع بالذكاء، والدهاء، والفطنة التي تؤهله لذلك، لطالما علمه جده أن يكون عقله هو المتحكم والأمر الناهي في قراره دائما، واخبره أن القلب ضعيف؛ واتباع سبيله يسبب الذل، المهانة، الانكسار، والشقاء لصاحبه.....
وأنه لكِ يكون زعيم ناجح ذو هيبة، يحترم من قبلهما عليه أن يلغي قلبه تماما ؛ ويحكمهم بيد من صلب،!..
دائماً أتبع نصيحته إلا معها هي، من هواها قلبه وخضع لها منذ الصغر، كان يتظاهر بالقسوة والجمود ، بينما يلبي لها كل مطالبها، ورغبتها في الخفاء، كان يؤلمه قلبه من رؤية حزنها، يحثه على الخضوع لها، ملبيًا كافة رغباتها، وهي كانت تملك من الدهاء ما هو كافي لكِ تدرك ضعفه أمامها
فتستغله دائما لتنفيذ رغباتها، وكان هو أكثر من مرحبٍ لهذا الاستغلال له، لكن جده لطالما كان يقيده دائما، ويجبره على الحزم، وتقيد مشاعره تلك، يخبره أن "نيره" يجب أن تعامل بالشده والحزم فهي عنيدة، ثائرة، ماكره كوالدتها، وأنها يجب أن تقيد، فهي ليست بهينة أبدًا، وحذره بأنه يجدر به أن يتعلم السيطرة علي عواطفه معها، كان ينكر الأمر له، مخبرًا أياه أنه فقط يشعر بالحزن لأجل موت والدها ويشعر بالمسئولية اتجاهها فقط، وأنه مؤكدًا سوف يتبع نصيحته، لكنه ببساطه لم يستطع ، تذكر ذاك الوقت التي أعلنت فيه رغبتها بمتابعة دراستها و الالتحاق بالجامعة، وإصرار جده علي الرفض، وكم حزنت هي واحتجزت ذاتها بالغرفة لثلاثة أيام كامله، كان هو حينها في القاهرة ملحق الجامعة ، يتابع دراسة إدارة الأعمال، ما أن علم من والدتها ؛ حتي آتى مسرعاً، جاهد لإقناع جده بتحقيق رغباتها، أن يجعلها تلتحق بأدارة الأعمال مثله، لكِ تكون تحت رعايته وأمام نظره!..
مع إصرارًا منه قد اقتنع جده ووافق، شرط أن يعقد قرانه عليها ويصطحبها معه كزوجه، سعد قلبه وتهللت اساريره بهذا الخبر، أخيراً محبوبته سوف تكون له وتصير نصفه الآخر، يتحرر معها من جموده!، يريها العاشق المتيم بعشقه لها، لكن صدم تمامًا من غضبها، و بل وثورتها رافضه للزواج به، حينها هددها جدها بأن لم توافق علي الزواج به؛ لن تدرس وستبقى هنا، بينما يزوجها لأحد أبناء اخوته
استسلمت لرغبته ووافقت على مضض..
كما تذكر تلك الليلة حينما أتت الي مكتبه بكل قوه وجرأة ، تخبره أنها سوف توافق علي الزواج ، شرط أن يكون عقد قران فقط، وأنه لن يتم زفاف إلا بعد أن تنتهي من دراستها
وافق هو وخضع لمطالبها ، فهو علي كل حال لم يكن ينوي اقتراح الأمر علي جده والارتباط بها، إلا بعدما ينهي كلا منهما دراسته ، لأنه الآخر مازال يدرس، هو يكبرها بعامين فقط، وقد عقدا وعد بينه و بين ذاته أن يتمكن من استمالة قلبها له في تلك الفترة، عازمًا على أسعادها قدر الامكان، وقد وفي بكل وعد قطعه لها، تمكن من تدليلها، وتحقيق كافة مطالبها وسط انشغاله في الدراسة بالجامعة ثم التدريس بها، وإدارة الأعمال وزعامة القرية، وحل مشاكلها، لكن برغم كل محاولته، لم يتمكن من استمالة قلبها له، لم يجد منها إلا الجفاء، لا يكل ولا يمل فيها من المحاولة ، كان عازمًا علي نيل عشقها، رغم محاولات الكثيرات من الايقاع به واستمالة قلبه وشهوه جسده، لكنه لم يمنح اي منهما لأحدهن مطلقًا فقد حافظ علي عذرية قلبه وجسده من اجلها هي معشوقته على مدار أربعة أعوام وهما على وضعهم المأساوي اوي والمهلك له، خاصةٍ ان كلًا من قلبه وجسده يناشد حبها ووصالها...
استمر بهما الحال هكذا، حتى حادثة مرض جده وتقاعده طريح الفراش تاركًا له عبأ زعامة القرية، العائلة، والشركة أيضًا....
كافة المسئوليات باتت على عاتقه وحده، فقد كان شقيقه طائش مستهتر لا يملك اي مقدره علي تولى الاعمال وازاحة بعض المتاعب والمسؤوليات عن كاهله، لكن الوحيد الذي كان يسانده ويدعمه قليلاً هو ابن عمه وزوج اخته الصغرى ظافر، لولاه لما استطاع الراحة ابدًا، وكان ترك مهنه التدريس بالجامعة، تلك المهنة التي يعشقها، وقد قلصها الى يومين او ثلاث اسبوعين مجبرًا....
انتقلت ذاكرته تلقائيًا ألي تلك الليلة التي اتت فيها إليه تخبره بانها جاهزة لأتمام الزواج، لكن دون زفاف متعللة بوفاة الجد الذي لم يمر عليه إلا بضعة اشهر، وافق على مطلبها، فقد بات شوقه لها كآتون مشتعل، ولم يعد لديه أي قدره على احتمال فراقها وتوقه لها اكثر من ذلك، قلبه يكاد يجن لقربها..
طالما شرد وتخيل تلك الليلة التي سيجتمع بها وينال وصالها ويصبحان كيانًا واحدًا، يخبرها فيها كم هو عاشق متيم بها، وكم هي مشاعره هوجاء، ثائرة، تواقة لها، راغبًا حينها بتعليمها أبجديات عشقه بأفعال وليست أقوال لا يجيدها، تذكر كيف كان قلبه ينبض فرحًا لنيلة واخيرًا لذة قربها،...
بمشاعر هوجاء قادته أليها، مشاعر ثائره تواقة لأخماد نيران تستعر بداخله لسنون عده، كان كلًا من قلبه وروحه يهفوان أليها، يسبقان قدمه في الوصول، حتي يسمح لذاته بالتحرر من تلك الهالة من البرودة التي يتصنعها امام الجميع، يقترب منها ضاممًا اياها إليه بولهٍ، يتذوق نعيم قربها و يرتشف من رحيقها بتروي، يخبرها مع كل لمسه؛ همسة بالعشق لها، متحرر من جموده الى ذاك العاشق المتيم بها، والذي تتمناه كل انثى، حتى تجرأ أكثر وباتت ملكه في ليلة محمومة بالمشاعر من قبله هو، فاترة جفاء من قبلها، صُدم تمامًا حينها من ردة فعلها معه وعدم تجاوبها وجمود مشاعرها نحوه..
مرت عليه عدة ليالي اخرى مثيلة لها، لا يستقبل منها إلا الفتور والجمود، بينما هو مشاعره عاشقه، تواقة، ملتهبة، معطيًا اياه الاعذار، انها مازالت لم تعتاد عليه، حتى فقد الامر قدرة تحمله، لينهي مأساته حينها بالابتعاد، بالنهاية هو رجل كرامته تثور عليه وتفوق عشقه، ، فلن يسمح أن تهان كرامته ورجولته اكثر من هذا بالاقتراب من أمرأه لا ترغبه!...
استمر الحال بينهما هكذا على مدار عدة أشهر مضت، يعطيها كل الحب، الحنان، والدلال التي تحتاجه، لكنه ليلاً يلجأ لغرفة منفصله عنها فلا يريد أن يفرض وجوده عليها، ولقد تألم لهذا وعانى، فكم يصعب على الذات إدراك جفاء الحبيب وجفاء مشاعر قلبه لك، بينما قلبك انت يكاد ان يجن عشقًا به ويشعله بنيران تحرق ما أن تقترب منه،
فما بالك كم يكون مهيناً أكثر لرجل عاشق متيم مثله، يستجدي من معشوقته ايًا من مشاعره الهوجاء الثائرة بها فقط يتوق لنظرة حب واحده بعينيها المهلكة له ..
إلى أن آتي ليلًا كان فيه بغرفته يعمل على جهازه اللوحي،
استمع الى طرق الباب، فأذن للطارق وكانت هي من ولجت الغرفة وأتت أليه بكل أسلحتها الأنثوية من الإغواء والأثارة لمشاعره الجياشة التواقة لها، تستجديه قربها و المطالبة بأحقيتها فيه وفي طفلًا منه، كم اذهله فعلتها تلك لوهله، إلا أنه قد اعتاد على جراءتها، فأغتبط قلبه بما قالت، انها تطالبه بجزءً منه يربطهما معًا، انها تسعى لتنقيح علاقتهم، حينها استمال قلبه لها، مطالباً بأحقيته هو فيها....
ومنذ تلك الليلة وهو لا ينكر التهاب مشاعرها الأنثوية و الفطرية معه ليلاً في تلك الفترة التي يتم فيها التخصيب من كل شهر ، غير عادله بالاستعانة بأسلحتها الأنثوية من الإغراء والغنج مستغله ضعف قلبه و توقه لها ، لتستجديه قربها والذي يدرك تمامًا غايته؛ أن تحمل طفلًا منه، لتعود مجدداً لجفائها الذي يدهشه ويحيره، لكن قلبه يستعطفه قائلًا يكفي انها تريد منه طفل، ربما ذاك البرود والجفاء هو جزء من طبيعتها، ويعد ذاته أنه لن يكل يوماً أو يمل من محاولة اذابة صقيع قلبها وامتلاكه، وهو يصيبه بأسهم عشقه الذي أصابته قبلًا بها سابقًا، حتى تتيم بها..
لكن ما من أمل في نيل عشقها، حتى أنه باتت تسيطر عليه
تلك الخاطرة، أن العطب به هو، فـ ربما هو رجل صعب المراس، لا يُعشق ولا يُحتمل، لذا لم يستطع امتلاك قلبها..
فأستسلم وخضع لقدره بحياة باردة خالية من المشاعر، فمهما كان لا يستطع أن يظلمها بتطليقها أو الزواج بأخرى
لأنه المخطأ من البداية بحقها، حينما اقترن بها رغم أدراكه بجفاء قلبها من أية مشاعر له لكنه حدث بالخطأ، فقد ظن أنه بأمكانه اجتياح قلبها وبث عشقه به ألا انه فشل وسيجني نتائج خطأه وفشله معها وسيمحنها ما تريد، طفلًا منهما، لعل ذات يوم يصلح ما لم يستطع هو اصلاحه، ولهذا اليوم سينتظر...
شعر بألم غائر يجتاحه مما آلت اليه حياته، مستنكرًا التيار الذي جرفه لأتجاه آخر بخلاف ما كان يرغبه، مدركًا ان قدره أن يبقى جانبه العاشق وجموح مشاعره مكبوت بأعماقه ولن تطفو للعلن، انتابه شعور بالاختناق، لذا نهض متوجه ألي شرفة الغرفة، يستنشق بعضًا من الهواء البارد لعله يبرد على قلبه ويطفئ نيرانه....
يتبع
تعليقات
إرسال تعليق