القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخبار[LastPost]

وانهمرت دموع الورد بقلم بتول علي من الفصل الأول حتي الحادي عشر والاخير

 

وانهمرت دموع الورد

بقلم بتول علي 

من الفصل الأول حتي الحادي عشر والاخير


-"اسمعي يا زفتة يا اللي اسمك ورد وركزي في كل كلمة هقولها ، أنتِ هنا مجرد خدامة مش أكتر وملكيش أي حقوق ، الكلمة اللي أمي تقولها تنفذيها ومن غير أي نقاش ، وإياكِ تتصلي تشتكي منها مرة تانية".


أغلق "منذر" الهاتف في وجه زوجته "ورد" التي أخذت تبكي بشدة على سوء معاملة زوجها وأهله فهذه ليست الحياة التي كانت تحلم بها.


-"إيه يا مرات ابني اللي مقعدك هنا على السلم ، اتصلتي تشتكي لمنذر وفي الأخر قالك اسمعي كلام أمي مش كده ، يلا قومي انجري امسحي السلم والشقة وادخلي المطبخ اعملي الغدا وبعد كدا تروحي الحمام وتغسلي الهدوم اللي أنا حطاها في سبت الغسيل وتنشريها".


نطقت تلك الكلمات "سامية" حماة ورد تلك المرأة المتغطرسة عديمة الرحمة والتي تجعلها تقوم بجميع الأعمال المنزلية.


-"حرام عليكِ ، أنتِ عندك أربع بنات خليهم يساعدوني على الأقل في شغل البيت ، أنا بنزل من شقتي كل يوم الساعة خمسة الصبح ومش بطلع غير الساعة عشرة بالليل وبيكون جسمي مكسر ومش قادرة أحرك لا إيدي ولا رجلي". 


وضعت سامية يدها في خصرها ولوت شفتيها بتبرم وهي تقول:


-"والله ده اللي عندنا ، لو مش عاجبك شوفيلك أي داهية وغوري فيها ، ولا أقولك على حاجة لمي هدومك وروحي بيت أبوكي ده لو هتقدري تدخليه".


أجهشت ورد بالبكاء ورددت بقهر:


-"حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ ، ربنا ينتقم منك يا ظالمة يا مفترية ، إن شاء الله هيجي يوم أشوفك فيه مشوية في نار جهنم".


خرجت نعمات شقيقة زوجها الكبرى والتي طلقها زوجها بسبب قلة ذوقها ومعاملتها السيئة مع أهله ورفعت صوتها وهي تنظر إلى ورد مستنكرة تلك الكلمات التي سمعتها منها منذ لحظات قليلة:


-"نهار أبوكِ أسود ، هي وصلت بيكِ قلة الأدب أنك تدعي على أمي وقدامنا كمان ، ده أنتِ ليلتك سودة النهاردة".


دلف منذر في تلك اللحظة إلى المنزل وسمع حديث نعمات فسألها:


-"إيه اللي حصل يا نعمات ، قوليلي بسرعة زفتة الطين دي عملت إيه؟"


أنهى عبارته وهو يشير إلى زوجته التي انكمشت على نفسها وشعرت بالرعب مما سيحدث لها ، فزوجها لن يتركها وشأنها وسوف يضربها ويكسر عظامها كما يفعل كل يوم.


-"الهانم بتدعي على أمك وبتقولها ربنا ينتقم منك يا ظالمة".


التفت منذر إلى زوجته وقبض على شعرها بقسوة وهتف بغضب:


-"بتدعي على أمي يا زبالة!! ده أنا هكسر دماغك النهاردة".


انهال منذر على زوجته بالضرب فارتفعت صرخاتها التي وصلت إلى مسامع الجيران الذين حاولوا أن يتدخلوا ولكن منعتهم سامية التي صاحت بغلظة وتشفي:


-"محدش له دعوة بينا ، واحدة مش متربية وعيارها فالت وجوزها بيربيها وبيعلمها الأدب عشان تبقى تحترم نفسها بعد كده".


هتف الحاج فتحي بهدوء محاولا حل المشكلة:


-"يا أم منذر مينفعش كده ، احنا كل يوم بنسمع صوت صريخ مرات ابنك وبنشوف وشها متعور وعينيها مزرقة وهي رايحة تتسوق ، خلي ابنك يتقي الله في مراته وافتكري دايما أن كما تدين تدان".


لم تكترث سامية بكلمات الحاج فتحي وقامت بطردهم جميعا ثم أغلقت الباب ودلفت إلى الداخل وأخذت تشاهد بعينيها ابنها وهو يمسك الحزام وينهال به على جسد زوجته التي خارت قواها من كثرة الضرب.


مر بضع ساعات أنهت بهم ورد جميع الأعمال المنزلية التي كلفتها بها حماتها ثم صعدت إلى شقتها وأخرجت علبة المرهم من درج الكومود وأخذت تدهن أماكن الجروح والكدمات وهي تتأوه بوجع من حياتها التي أصبحت بائسة بعدما تزوجت غصبا من منذر والسبب في ذلك شقيقها الحقير.


أخذت تتذكر حياتها وكيف كانت تعيش مرتاحة البال وسعيدة في كنف أبيها ولكن تبدلت تلك السعادة إلى معاناة بعدما مات والدها في حادث مأساوي عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها وتركها تحت رحمة شقيقها الذي كان يتعاطى المخدرات ويقضي أوقاته في صالات القمار برفقة الساقطات.


مر ثلاث سنوات عاشت فيهم ورد حياة صعبة بسبب تصرفات شقيقها الذي يعود دائما إلى المنزل وهو يترنح ولا يدري بما يدور حوله وعندما يرى شقيقته أمامه يضربها ويقذف عليها أي شيء يقع في يده.


خرجت ورد ذات يوم من المنزل وذهبت تشتري بعض الأغراض وفي تلك اللحظة رآها منذر وسأل عليها الناس وعلم حينها أنها شقيقة صديقه أشرف الذي يرافقه دوما إلى صالة القمار.


-"يخربيتك يا أشرف ، يعني يبقى عندك أخت حلوة كده ومتعرفنيش".


في اليوم التالي ، كانت تقف ورد وتنتظر الأتوبيس الذي سوف يقلها إلى الجامعة ، انقبض قلبها فجأة عندما سمعت صوت منذر الذي اقترب منها ونظر لها نظرات جعلتها تشعر بالتقزز:


-"أمال الجميل رايح فين على الصبح كده؟!"


ابتعدت ورد وسارت بعيدا عنه ولكنه لحق بها وقبض على ذراعها بخشونة:


-"جرى إيه با بنت أنتِ ، هو أنا مش بكلمك يا روح أمك يبقى تردي عليها بدل ما أديك فوق دماغك".


حاولت ورد أن تحرر ذراعها وهي تصرخ بخوف انتابها من هيئة منذر ورائحته الكريهة التي لا تختلف عن رائحة شقيقها فكل منهما يشرب الخمور ويتعاطى المخدرات:


-"ابعد عني يا حيوان ، أنت مين وعايز مني إيه؟"


صرخت ورد تستنجد بالناس ولكن وضع منذر يده على فمها وقال:


-"أنا أبقى عريسك يا حلوة اللي طلب إيدك من أخوك امبارح ، واعملي حسابك من هنا ورايح مفيش جامعة ولا دراسة".


دفعها منذر فسقطت أرضا تأن بألم ، نهضت ورد ورجعت إلى المنزل مرة أخرى وأيقظت شقيقها الذي كان يغط في نوم عميق وأخبرته بما حدث معها.


هتف أشرف ببرود:


-"منذر جه طلب إيدك امبارح وأنا وافقت وفرحكم هيكون يوم الخميس الجاي".


صاحت ورد بصدمة:


-"إيه الكلام ده يا أشرف ، أنت عايز تجوزني لواحد خمورجي وبتاع نسوان وكمان بيلعب قمار!!"


-"أنا خلاص اديته كلمة وفرحكم يوم الخميس الجاي ، احمدي ربنا يا أختي أنك لقيتِ حد يقبل بيك ويشيل شيلتك من غير جهاز ولا مصاريف".


لطمت ورد خديها قائلة بحسرة:


-"أنت عايز ترميني لواحد حيوان وزبالة عشان خاطر ترتاح من جهازي!! طيب أنا مش عايزاك لا تجهزني ولا تجيبلي حاجة بس بلاش ترميني الرمية السودة دي".


هتفت باستعطاف ودموعها تنهمر كالمطر الغزير في ليلة عاصفة:


-"عشان خاطري متضيعنيش يا أشرف ده أنا في الأخر أختك اللي من لحمك ودمك".


-"أنتِ لو متجوزتيش منذر ساعتها هو هيحبسني بسبب وصولات الأمانة اللي هو ممضيني عليها".


-"يا نهار أسود ومنيل ، يعني أنت بتبيعني لصاحبك وبتضحي بيا عشان تنقذ نفسك من الحبس!! أنا مستحيل أسيبك تعمل فيا كده يا عرة الرجالة".


-"بقى أنا عرة!! طيب وحياة أمي لأوريكِ".


أمسك بها أشرف وحبسها في غرفتها ومرت الأيام وجاء يوم الخميس وتم الزواج غصبا عن ورد التي نالت كما لا يستهان به من الضرب والتعنيف على يد شقيقها طوال الأيام الماضية.


هتف أشرف بغطرسة:


-"أنا جوزتك أختي زي ما أنت كنت عايز ، هات وصولات الأمانة".


أخرج منذر الوصولات ووضعها في يد أشرف ثم أخذ ورد التي كانت تعافر وتقاوم حتى لا يأخذها من منزل والدها.


دلف منذر إلى غرفته وألقى بورد على الأرض ثم أخذ يقترب منها وهي تتراجع وتهتف بترجي:


-"والنبي سيبني في حالي ومتقربش مني ، أشرف مجوزني ليك غصب وأنا مكنتش موافقة على الجوازة دي".


لم يلتفت إلى توسلاتها وانهال عليها كالذئب البشري يسلب منها أعز ما تملك وسط صراخها ومقاومتها ولكن فرق القوى بينهما جعلها تفشل في إبعاده عنها.


لم تنم ورد طوال تلك الليلة المشؤومة وظلت تبكي وهي تضم الشرشف إلى جسدها ، دلفت سامية إلى الغرفة دون أن تستأذن وألقت على ورد نظرة متهكمة وهي تردف:


-"يلا يا أختي قومي ، أنتِ هتقضيها عياط طول النهار ، ده إيه البلاوي دي بس ، يلا قومي وانزلي تحت عشان تروقي الشقة وتغسلي المواعين اللي ماليين المطبخ ومبهدلين الدنيا".


نظرت لها ورد باستنكار:


-"شقة إيه اللي هروقها ، أنا مالي أصلا ومال الكلام ده؟!"


رفعت سامية حاجبيها ورددت بسخرية لاذعة:


-"هو أنتِ مفكرة نفسك عروسة ولا إيه؟! ابني اشتراك من أخوكِ اللي باعك وجابك هنا عشان تخدميني بالنهار وتروقي مزاجه باليل ، يلا فزي قومي بدل ما أتصل على منذر يجي يربيك".


وهكذا أصبحت حياتها تعيش خادمة لحماتها وشقيقات زوجها طوال النهار وجارية بالليل لذلك القذر الذي يدعى زوجها.


مر ثلاث سنوات تتعرض فيهم لأقسى وأبشع أنواع الضرب والتعذيب ولا يمكنها أن تفعل شيئا فشقيقها قام بطردها عندما ذهبت تشتكي له ولم يكتف بذلك فقد قام بصفعها ثم اتصل بزوجها الذي أخذها وأعادها إلى الجحيم مرة أخرى.

نهاية الفصل


وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل الثاني


استيقظت ورد في الصباح الباكر ونزلت إلى شقة حماتها ، نظرت إلى الصحون المتسخة وإلى بواقي الكفتة المشوية التي أحضرها زوجها بالأمس بعدما صعدت إلى الشقة ولم يكلف خاطره وينادي عليها حتى تأكل معهم.


زفرت بسخرية وهي ترص الأطباق وتخرج زجاجة الصابون فمنذ متى وعائلة زوجها يجعلونها تشاركهم في الطعام فحماتها تتعمد أن تجعلها تعد الأطعمة التي لا تحبها كالسمك المقلي ، والكرشة ، وغيرها من الوجبات التي لا تستطيع أن تضعها في فمها.


قامت ورد بغمس الليفة في الصابون ثم بدأت تغسل الأطباق وهي تبكي بسبب وجع يدها اليمنى الناتج عن ضربات زوجها فوق ذراعها بالأمس.


وقفت تستريح قليلا وأخذت تدلك كتفها الذي يزداد به الألم كلما حركت ذراعها.


شهقت ورد وكاد قلبها يتوقف عندما سمعت صوت خلفها فهي تعلم جيدا أن حماتها لن ترحمها إذا وجدتها تستريح ولا تكمل غسل الأطباق ولكنها تنهدت براحة عندما رأت "فداء" شقيقة منذر الصغرى والتي يلقبها الجميع بأخر العنقود ؛ لأنها هي أصغر إخوتها.


-"اهدي ومتخافيش يا ورد ، ماما ونعمات لسة نايمين ومش هيصحوا دلوقتي ؛ لأنهم ناموا امبارح متأخر".


ابتسمت لها ورد بوهن فليس هناك أي أحد يعاملها بشكل جيد داخل هذا المنزل سوى فداء صاحبة القلب الطيب والتي تستغرب من انتمائها لتلك العائلة الغير آدمية!!


لاحظت فداء تلك الكدمات في ذراع ورد ونظرت بحزن إلى كثرة الأطباق المتسخة فتوجهت نحو باب المطبخ وأغلقته جيدا ثم وضعت خلفه منضدة خشبية تمنع أي شخص يريد فتح الباب من الخارج.


استغربت ورد من فعلتها فسألتها بتعجب:


-"أنتِ بتعملي إيه يا فداء وبتقفلي الباب ليه؟!"


أشارت لها فداء أن تصمت ثم تحركت وفتحت الثلاجة وأخرجت منها علبة بلاستيكية تحتوي على عدد من أصابع الكفتة بالإضافة إلى علبة صغيرة مليئة بالطحينة.


أشعلت فداء الموقد ووضعت الكفتة داخل طبق من الألومنيوم وتركتها لدقائق فوق النار ثم حملت الطبق بعدما سخَّنت الكفتة ووضعتها فوق المنضدة الصغيرة التي سدت بها الباب وقالت:


-"تعالي اقعدي يا ورد وافطري أنتِ مكلتيش حاجة من امبارح".


نظرت ورد إلى الكفتة والطحينة بدهشة لاحظتها فداء التي ابتسمت وقالت:


-"منذر راح اشترى امبارح كفتة وفراخ مشويين من عند عمو حمدي وأنا قدرت أخبي الشوية دول عشانك ؛ لأني عارفة أنك بتحبي الكفتة زائد أن الغدا امبارح كان سمك بلطي وأنتِ مكلتيش عشان الحساسية اللي عندك".

  

ابتسمت ورد وجلست أمام الطاولة وقالت:


-"كتر خيرك يا فداء ، أنا مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه".


-"بالهنا والشفا يا حبيبتي ، كان نفسي أعين ليكِ فراخ بس للأسف معرفتش".


قالتها فداء وشمرت ساعديها ثم أمسكت بالليفة والسلكة فنظرت لها ورد بامتنان وهتفت بعرفان:


-"ولا يهمك يا قلبي ، كفاية أوي أنك فكرت فيا وخبيتي شوية كفتة عشاني".


فتحت فداء صنبور المياه وأخذت تغسل الأطباق وتقوم بجليها وسط اعتراض ورد ولكنها صممت على إتمام الغسيل بمفردها حتى لا يتأذى ذراع ورد أكثر من ذلك.


لم تتوقف مساعدة فداء على غسل الصحون بل قامت أيضا بتنظيف المنزل ومسح الأرضية والسلم واستغلت استغراق والدتها وشقيقتها في النوم وقررت أن تعد الغداء.


أخرجت فداء حبات العدس البني الذي نقعته في المياه ثم ألقت المكرونة في المياه الساخنة واستطاعت خلال أقل من ساعة أن تنتهي من تحضير الكشري والصوص الخاص به.


استيقظت سامية من النوم وذهبت إلى المطبخ بعدما التقط أنفها رائحة البصل المحمص.


ضربت سامية صدرها وصاحت بأعلى صوتها:


-"نهارك أسود ومنيل يا ورد القرف أنتِ ، إيه اللي خلاك تطلعي الكشري وتعمليه من غير ما تستأذني مني وتشوفي أنا ناوية أتغدى إيه النهاردة!!"


أسرعت فداء بالإجابة بعدما حضرت من غرفتها وانتبهت إلى توتر ورد الملحوظ:


-"أنا يا ماما اللي قولتلها  تعمل كشري على الغدا ؛ لأني بقالي كتير مكلتوش ونفسي هفت عليه النهاردة".


ابتسمت سامية بحنان لابنتها وقالت:


-"إذا كان كده ماشي ، أنا كنت مفكرة أنها اتهبلت في عقلها واتصرفت من دماغها من غير ما تشاور حد".


خرجت سامية من المطبخ وأيقظت نعمات ثم جلس الجميع بعدما عاد منذر من الخارج وتناولوا الطعام.


دقت الساعة العاشرة مساءا فصعدت ورد إلى شقتها وزفرت بضيق بعدما رأت منذر الذي صعد خلفها فوجوده في المنزل يخيفها ويجعلها تشعر باختناق وانقباض رهيب في ضربات قلبها.


حملت ورد علبة المرهم حتى تضع منها فوق الكدمات ولكن أمسك بها منذر بعنف وقربها منه وقال:


-"قلبتي خلقتك ليه أول ما شوفتيني طالع وراك ، محسساني أنك شوفتي عفريت".


تمنت ورد بداخلها أن يختفي زوجها وترى بدلا من عفريتا فرؤيته لن تخفيها مثلما يخيفها منذر بوجوده.


ابتعلت ورد ريقها ثم سألته بهدوء وحذر:


-"أنت طالع تجهز نفسك عشان هتروح تسهر النهاردة مع أشرف مش كده برضه؟"


وكم تمنت أن تكون الإجابة بنعم ولكن خاب أملها عندما نفى زوجها هذا الأمر قائلا:


-"لا مش رايح في أي حتة ، أنا ناوي أقعد النهاردة عندك مانع؟!"


هزت ورد رأسها بسرعة خوفا من بطشة:


-"لا معنديش اعتراض ولا حاجة ، أنا كنت بسألك عشان لو عايزني أجهزلك هدوم للخروج".


تحسس منذر ذراعها المتورم بشكل من الحدة واقترب منها أكثر ولكنها أبعدته عنها وأخبرته أن لديها عذر يمنعه من الاقتراب منها وهذا الأمر أشعل فتيل غضبه أكثر فأمسكها من شعرها هادرا بلهجة غاضبة:


-"كتك نيلة وأنتِ بني أدمة نكدية ووشك فقري ، الله يخربيت الساعة اللي اتجوزتك فيها ، كان يوم أسود ومنيل".


لم تستطع ورد أن تتمالك غضبها واندفعت الكلمات من فمها وكأنها قذائف مدفعية:


-"هو فعلا كان يوم أغبر ومهبب ؛ لأني اتجوزت فيه واحد شمام ومقرف زيك وبتاع مخدرات ونسوان".


تعجب منذر من قوتها المفاجئة ومن ردها الذي زلزل كيانه فمنذ متى وهي تعلم عن علاقاته بنساء أخريات؟!


قبض بقسوة أشد على شعرها الذي كان يمسك به ويشده بيده منذ بداية الحديث ثم زمجر بصوت جهوري جعلها ترتجف بين يديه:


-"وأنتِ عرفتي منين موضوع النسوان ده ، انطقي وقولي أحسنلك ، اوعي تكوني بتفتشي في موبايلي؟"


لم ينتظر منذر أن تمنحه إجابة لسؤاله فقد أمسك بها من ذراعها بعنف وأخذ يكيل لها الضربات ولم يستمع إلى توسلاتها فقد وصل إلى أقصى درجات غضبه الذي تخطى حواجز العقل والمنطق.


حاولت ورد أن تبعده عنها ونجحت بالفعل في ذلك وركضت بسرعة نحو الحمام وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح ولكن زوجها رفض أن يتركها وشأنها فأخذ يطرق الباب بعنف أفزعها وهو يصيح بلهجة قاسية للغاية:


-"افتحي الباب أحسنلك وإلا هموتك وهشرب من دمك".


ابتعدت ورد عن الباب وانكمشت على نفسها وهي تردف باستعطاف ظنت أنه قد يليِّن قلب هذا الوحش الذي يعتقد أن إظهار الرجولة يكون بضرب النساء والتطاول عليهن:


-"بالله عليك يا منذر متأذنيش ، أنا معنديش مشكلة ولا معترضة على موضوع الستات اللي أنت مصاحبهم ، دي حياتك وأنت حر تعمل فيها اللي أنت عايزه".


ساد الصمت لدقائق فتنهدت براحة معتقدة أنه قد ذهب وصرف نظره عنها ولكنها صرخت برعب حين أسقط زوجها باب الحمام بالقرب منها ثم أمسك بها واستكمل ضرباته لها وكأنه مدمن يأخذ جرعة راحته من ضرب زوجته التي لا حول لها ولا قوة.


لم يتوقف منذر إلا بعدما سقطت ورد أرضا والدماء تخرج بغزارة من رأسها وتزامن هذا الأمر مع صعود والدته إلى الشقة حتى تمتع بصرها بمظهر ورد وهي تصرخ تحت قبضة ابنها.


لطمت سامية خديها عندما رأت الدماء وقالت:


-"يا نهار أسود ومنيل أنت عملت إيه يا منذر؟!"


حاول منذر إيقاظ زوجته ولكنها لم تستيقظ فشعر بالخوف بعدما رأى سكون جسدها وهتف بصدمة:


-"دي شكلها ماتت يا أمي!!"


ازداد لطم سامية لخديها وهي تنظر إلى جسد ورد الذي يفترش الأرض بلا حراك وقالت:


-"يا دي المصيبة السودة اللي حطت على دماغنا ، هنعمل إيه دلوقتي في البلوة دي؟!"


جلست على كرسي الصالون وأخذت تفكر في طريقة تُخرج بها منذر من تلك الكارثة:


-"احنا لازم نشوف حل يخلصنا من الزفتة دي بشويش ومن غير ما حد يعرف ونروح في ستين داهية".


لاحظت نعمات تأخر والدتها في الأعلى وانعدام صوت صراخ ورد فصعدت إلى شقة منذر حتى تتفقد ما يحدث وتفاجأت بمنذر ووالدتها يجلسان بجوار جثة زوجة شقيقها.


أخذت نعمات تفكر مع والدتها في وسيلة لإنقاذ منذر من حبل المشنقة الذي سوف يكون بانتظاره إذا افتضح أمره.


تحدثت سامية وهي تفرك جبينها:


-"احنا لازم نخلص منها بطريقة متخليش أي حد يسأل عليها أو تشكك الناس في غيابها".


وكأن عقل نعمات كان ينتظر سماع تلك الكلمات حتى يعطيها فكرة مناسبة لإخراجهم من تلك الورطة:


هتفت نعمات بحماس:


-"أنا لقيت الطريقة المناسبة اللي تخلصنا من البلوة دي".


سألتها سامية بلهفة:


-"قولي بسرعة أنتِ بتفكري في إيه يا نعمات؟"


ابتسمت نعمات بخبث ثم بدأت تسرد على والدتها وشقيقها تلك الخطة التي سوف تريحهم وتخلصهم من تلك الورطة التي حلت فوق رؤوسهم.


وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل الثالث 


-"أنتم هتحطوها في شوال وهتشيلوها وتاخدوها دلوقتي ترموها في منطقة بعيدة عن هنا وأنا هنضف الشقة وهخفي أثار الدم والكركبة اللي حصلت هنا وقت الخناقة عشان محدش ياخد باله من حاجة".


نطقت نعمات تلك الكلمات بجدية مطلقة جعلت منذر يردف بتهكم ساخر:


-"يا سلام عليك وعلى فهلوتك يا ست نعمات ، طيب ما الناس هتلاحظ غيابها ومنهم أخواتك نفسهم زائد أن لما البوليس يلاقي جثتها هيجي ويحقق في الموضوع وهنروح وقتها في داهية".


لكزته نعمات في كتفه بحدة قائلة:


-"بطل شغل التسرع بتاعك ده وسيبني أكمل كلامي للأخر".


رفع منذر حاجبيه قائلا باستهزاء:


-"اتفضلي كملي كلامك يا أختي وورينا شطارتك".


تجاهلت نعمات سخريته من أفكارها واستكملت حديثها بمنتهى الهدوء وكأنها لا تشارك في التغطية على جريمة بشعة اقترفها شقيقها في حق زوجته:


-"ماما هتنزل تشيل صندوق الدهب بتاعها وأنا هوديه بكرة الصبح عند وفاء أختك عشان تخبيه في بيتها وهي أصلا جوزها مسافر اليومين دول وبعدين هنروح كلنا على القسم ونعمل محضر وهنقول أننا صحينا من النوم ولقينا ورد سرقت الدهب من دولاب ماما وبعدين هربت مع عشيقها ولو البوليس لقى جثة ورد ساعتها هيفكروا أنها اتخانقت مع الراجل اللي هربت معاه وأنه قتلها عشان ياخد الدهب لنفسه من غير تقاسمه فيه".


فكرت سامية في حديث نعمات ثم ألقت ملاحظة:


-"بس البوليس لما يعمل تحريات عن ورد ويسألوا الناس عليها وقتها كل الجيران هيشكروا فيها وفي أخلاقها وهيقولوا أن منذر كان بيضربها على طول".


ابتسمت نعمات بخبث وقالت:


-"منذر هيخلي صحابه يطلعوا عليها كلام أنهم شافوها كذا مرة بتمشي مع واحد غريب وبتتكلم وتضحك معاه".


-"عندك حق يا نعمات ، أنا هكلم أصحابي وهخليهم ينشروا الكلام بين الناس".


قالها منذر ثم دلف إلى الغرفة وأحضر أغطية كبيرة ولف بها جسد ورد ثم حملها وخرج من الشقة برفقة والدته واستعار التوكتوك الخاص بأحد أصدقائه ووضع بداخله ورد ثم جلست سامية بجوارها.


سار منذر بالتوكتوك وابتعد عن المنطقة واستمر في القيادة ولم يتوقف إلا بعد مرور ثلاثون دقيقة.


حمل منذر جسد الملفوف داخل الأغطية وأراد أن يحفر ويدفنها ولكن أوقفته سامية قائلة بخوف بعدما رأت مرور سيارة بالقرب منهما ومن حسن حظهما أن سائق السيارة كان يقود بسرعة ولم يلمحهما:


-"احنا لازم نمشي بسرعة يا منذر ؛ لأننا لو فضلنا هنا ممكن حد يمر ويشوفنا وساعتها هنروح في ستين داهية".


اقتنع منذر بحديث والدته وصعد برفقتها إلى التوكتوك وابتعد عن المكان بسرعة قبل أن يراه أحد.


مر بعض الوقت قبل أن تمر سيارة ويتوقف مالكها بعدما لفت نظره شيء ملقى على الرمال يشبه هيئة إنسان.


أسرع بالسير بعدما اتضحت أمامه الرؤية ورأى أنه فتاة تفترش الرمال بجسدها.


تفحص الرجل نبضها ووجده ضعيفا للغاية لدرجة أنه لو فحصه شخص عادي فسوف يعتقد أنها ماتت بالفعل ولكنه لم يقع في هذا الخطأ ؛ لأنه طبيب ومر عليه الكثير من الحالات المشابهة.


نظر الرجل إلى الكدمات التي تغطي وجهها بضيق وتمتم بأسف وهو يحملها ويتوجه بها نحو سيارته:


-"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللي عمل فيها كده مستحيل يبقى بني آدم".


وضع الرجل ورد في السيارة وانطلق مسرعا نحو المستشفى الخاصة به هو وشقيقه الأكبر حتى يتمكن من إنقاذها.


رن هاتفه فأجاب عليه وهو لا يزال مستمرا في القيادة:


-"أيوة يا أميرة ، في حاجة حصلت؟"


هتفت أميرة بقلق وهو تنظر إلى الساعة التي تجاوزت الثانية عشر بخمس وعشرين دقيقة:


-"أنا اتصلت من شوية على تليفون البيت عشان أطمن عليك يا إياد بس قاسم قال أنك مرجعتش لحد دلوقتي".


تنهد إياد وقال:


-"أنا اتأخرت شوية على ما طلعت من بيت عمي في الصعيد وكنت هروح البيت بس حصل معايا موقف كده اتسبب في أني أغير طريقي للمستشفى".


صاحت أميرة بقلق وبجوارها والدتها تحاول تهدئتها:


-"إيه اللي حصل معاك يا إياد؟! قول الحقيقة ومتخبيش عليا حاجة ، إيه اللي موديك المستشفى دلوقتي؟"


تفهم إياد حالة القلق التي سيطرت على خطيبته فهما يحبان بعضهما منذ الطفولة ويتشاركان في كثير من الأشياء والصفات وعندما التحق إياد بكلية الطب اجتهدت أميرة في المذاكرة حتى تصبح مثله.


-"لقيت واحدة مرمية على الطريق نبضها ضعيف جدا وشكلها بيدل على أنها اتعرضت لضرب عنيف جدا لدرجة أن ملامح وشها مش باينة من كتر الضرب وأنا لازم ألحقها وأوديها المستشفى في أسرع وقت ممكن".


هتفت أميرة بأسف بعدما سمعت مبرره المقنع:


-"لله الأمر من قبل ومن بعد ، هي الناس جرالها إيه ، أنا حاسة أن احنا بقينا عايشين في غابة ، المهم شوف لو معاها أي إثبات شخصية عشان نقدر نوصل لحد من أهلها".


أوقف إياد السيارة أمام المستشفى وأخرج منها ورد ووضعها فوق سرير نقال ثم بحث عن أي أوراق ثبوتية بحوزتها ولكنه لم يجد فزفر بضيق وقال:


-"للأسف يا أميرة ، مفيش معاها أي إثبات شخصية".


-"معنى كده أن احنا هنستناها لما تفوق ، على العموم أنا هكون عندك بكرة الصبح في المستشفى عشان أطمن عليها وياريت تبقى تتصل وتطمني عليها أول ما تخرج من العمليات".


-"حاضر يا أميرة ، روحي نامي دلوقتي عشان تبقي فايقة الصبح وأنتِ جاية المستشفى".


ابتسمت أميرة وقالت:


-"ماشي ، لا إله إلا الله".


-"محمد رسول الله".


أغلق إياد الهاتف ثم ذهب إلى غرفة التعقيم وجهز نفسه للدخول إلى غرفة العمليات.


تمكن إياد بمساعدة زملائه من إنقاذ حياة ورد التي قاموا بنقلها إلى غرفة العناية المركزة بعد انتهاء العملية التي أجروها لإيقاف نزيف رأسها وتجبير كسر ذراعها .


اقتربت إحدى الممرضات من إياد وأعطته هاتفه الذي يهتز بين يديها.


أخذ إياد الهاتف وأجاب على الاتصال بعدما رأى اسم شقيقه الأكبر يتوسط الشاشة فأتاه صوت أخيه المستاء من تأخره:


-"أنت مرجعتش البيت لحد دلوقتي ليه يا إياد ، ومكنتش بترد على تليفونك ليه؟"


هتف إياد بهدوء تعمد إظهاره في نبرته حتى يحتوي غضب شقيقه الصارم:


-"اسمعني يا قاسم ، أنا موجود دلوقتي في المستشفى وكنت من شوية جوه في أوضة العمليات وهفضل هنا لحد الصبح عشان أتابع حالة المريضة بنفسي ؛ لأنها غير مستقرة".


سأله قاسم باستغراب:


-"مريضة إيه؟"


قص عليه إياد كل ماحدث ثم أنهى الاتصال وذهب إلى مكتبه حتى يستريح قليلا من عناء السفر والسهر.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


استيقظت فداء في الصباح الباكر وذهبت بسرعة إلى المطبخ حتى تساعد زوجة شقيقها في غسل الأطباق مثلما فعلت بالأمس ولكنها أصيبت بدهشة كبيرة عندما رأت أن ورد غير موجودة في المطبخ.


خرجت فداء من المطبخ ونظرت إلى الساعة المعلقة بالقرب مدخل الشقة ثم تمتمت باستغراب:


-"الساعة دلوقتي ستة ونص وورد بتنزل على طول الساعة خمسة ، حاجة غريبة أوي أنها منزلتش النهاردة زي كل يوم!!"


أخذت فداء النسخة الاحتياطية من مفتاح شقة منذر وصعدت إلى الأعلى حتى تطمئن على ورد وقد شجعها على القيام بهذه الخطوة معرفتها بعدم وجود شقيقها فقد غادر المنزل في الثانية صباحا بعدما اتصل به رفاقه ولم يعد حتى الآن.


فتحت فداء الشقة ودلفت إلى غرفة ورد حتى توقظها ولكنها لم تجدها فأخذت تبحث عنها في جميع الغرف ولكنها لم تجد أي أثر لها.


انتاب فداء شعور بالريبة من عدم وجود زوجة أخيها وازداد هذا الشعور تدريجيا وهي تنظر إلى أثاث الشقة فهناك أشياء موضوعة في غير أماكنها.


نظرت فداء باستغراب إلى أرضية الصالة فهي نظيفة بشدة أكثر من أرضية الغرف وهذا يدل على أنه تم مسحها وتنظيفها بعناية في منتصف الليل.


-"ورد كانت تعبانة جدا امبارح وقالتلي أنها هتطلع تنام عشان مش قادرة ، إزاي قدرت تسهر وتمسح الصالة وتنضفها بالشكل ده وكمان هي ليه مرتبة مخدات الكنبة والكراسي بشكل مختلف عن الترتيب اللي بتعمله كل مرة؟!"


انتبهت فداء إلى الخدوش الكثيرة في باب الحمام والذي يبدو من مظهره أن تعرض للكسر ثم تم تجبيره بسرعة وبدون أي إتقان.


اتسعت عيناها بذعر بعدما عادت إلى الصالة وانتبهت إلى بقعة دماء صغيرة للغاية تلوث السجادة.


ارتفعت دقات قلبها بعدما سمعت صوت صراخ والدتها القادم من الأسفل فخرجت بسرعة من الشقة وهبطت الدرج وظلت تركض إلى أن وصلت إلى غرفة سامية التي رأتها تلطم خديها وبجوارها نعمات تتوعد لورد.


أخذت سامية تلطم وتولول بحسرة مصطنعة وكأنه قد أصابتها مصيبة بالفعل:


-"يا لهوي ، شقى عمري كله ضاع ، بنت الحرامية سرقت كل الدهب اللي فضلت أجمع فيه طول عمري وهربت من البيت".


مثلت نعمات الحزن وتظاهرت بالمواساة وهي تقول:


-"اهدي يا ماما عشان صحتك وإن شاء الله هنقدر نلاقي ورد الحقيرة ونرجعلك دهبك اللي هي سرقته".


هتفت فداء بذهول وهي تتقدم منهما:


-"إيه الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده يا نعمات ، ورد سرقت دهب ماما وهربت!!"


أومأت لها نعمات وهي تجفف دموعها التي هطلت بفضل البصل الذي استخدمته نعمات قبل حضور فداء بلحظات قليلة:


-"أيوة سرقته وهربت مع عشيقها والكلام ده هي كاتباه في الجواب اللي هي سابته قبل ما تهرب".


أعطت نعمات الرسالة لشقيقتها الصغرى التي اتسعت عيناها من فظاعة الكلمات التي قرأتها.


نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل الرابع


خرجت نعمات من البيت بعدما أعطت لفداء الرسالة التي كتبتها بخط يدها باسم ورد ثم استقلت توكتوك مر من أمامها فسألها السائق وهو يدير المحرك:


-"أوصلك على فين يا ست نعمات؟"


أجابته نعمات وهي تعطيه الأجرة:


-"وديني على بيت وفاء أختي".


تحرك السائق واستمر في القيادة حتى وصل إلى منزل وفاء شقيقة نعمات.


طرقت نعمات باب منزل شقيقتها التي فتحت لها على الفور وقالت:


-"إيه اللي أخرك كده يا نعمات؟! ، المفروض كنتِ تيجي بدري عشان تلحقي تروحي مع ماما القسم وتعملوا المحضر".


أخرجت نعمات علبة الذهب من حقيبتها وزفرت بضيق وهي تجلس على الأريكة:


-"اتأخرت بسبب فداء اللي صحيت بدري وكانت هتكشف خطتنا".


أخذت وفاء علبة الذهب وتوجهت إلى غرفتها وخبأت العلبة  جيدا ثم عادت مجددا إلى الصالة حيث تنتظرها نعمات.


قدمت وفاء كأس عصير لنعمات قائلة باستياء فهي لم تعد تحتمل تدليل والدتها لمنذر وكأنها لا تمتلك أولاد غيره:


-"من يوم ما وعينا على الدنيا واحنا مش بنشوف غير مصايب أخوكِ منذر ، أنا عمري ما شوفت منه حاجة عدلة أبدا ، على طول بيعمل كوارث ومشاكل وأمك بتلزمنا أننا نتصرف ونداري على بلاويه".


تمتمت نعمات بنزق مؤيدة حديث شقيقتها:


-"عندك حق يا وفاء ، أمك مش بتهتم غير بمنذر وبس وأي حد تاني مش مهم عندها ، تصدقي بالله لو مكنتش سمعتنا هتنضر من موضوع قتل منذر لورد والله العظيم كنت غفلته وروحت بلغت عنه وسيبته يتقبض عليه ويتشنق ويغور في ستين داهية وأهو على الأقل نرتاح منه ومن قرفه".


هتفت وفاء بنبرة حاقدة لا تختلف عن نبرة نعمات التي تود التخلص من منذر:


-"مين سمعك يا حبيبتي ، أنا أصلا وافقت أساعده بعد ما أمك كلمتني امبارح بالليل وفهمتني الحوار عشان عارفة كويس أن جوزي الندل هيطلقني لو منذر اتقبض عليه".


-"طيب أنا هستأذن عشان ألحق أروح القسم مع أمك ، سلام يا حبيبتي".


قالتها نعمات ونهضت من مكانها واحتضنت وفاء التي همست بنبرة حانية وهي تربت على كتفي شقيقتها:


-"مع السلامة يا قلبي ، ابقي اتصلي طمنيني لما تخرجي من القسم".


ابتسمت نعمات وقالت:


-"حاضر يا وفاء ، هديك رنة أول ما أخلص في القسم وأنتِ تبقي تتصلي بيا عشان أنا مش بشحن رصيد".


تساءلت وفاء باستغراب:


-"طيب أنتِ هترني عليا إزاي وخطك مفيش فيه رصيد؟"


تعالت ضحكات نعمات وانفرج فمها بشدة وكأنها حمار ينهق:


-"يا بنت أنتِ ناسية أن أنا خطي أورنج يعني أقدر أرن مرتين في اليوم ببلاش".


-"خلاص ماشي يا نعمات ابقي اديني رنة وأنا هبقى أتصل بيكِ".


نطقت وفاء تلك الجملة بسخط لم تنتبه له نعمات التي حملت حقيبتها ورحلت ، أغلقت وفاء الباب خلف شقيقتها وهتفت بتبرم:


-"هتفضلي طول عمرك بخيلة ونتنة يا نعمات ، معاكِ فلوس كتير ومستخسرة تشحني رصيد لخطك ، حاجة تنقط صحيح".


دلفت وفاء بسرعة إلى الغرفة وأخرجت علبة الذهب من الخزانة وأخذت تنظر إلى القطع الذهبية بجشع ثم حسمت أمرها وهي تقول:


-"الدهب ده أنا مستحيل أسيبه يضيع من إيدي ، لازم أفكر وأعمل المستحيل عشان العلبة دي تفضل معايا ومترجعش لماما مهما حصل".


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


ذهبت نعمات برفقة والدتها إلى قسم الشرطة وحررت محضرا ادعت به أن ورد سرقتهم وهربت مع عشيقها.


اتفق منذر مع أصدقائه الذين أشاعوا بين الناس أقاويل كاذبة يؤكد بها كل واحد منهم أنه رأى ورد وهي تلتقي وتتسكع مع رجل غريب عن المنطقة.


مر يومين وأصبحت سيرة ورد تحاك على ألسنة الناس وقد خاض الكثير في عرضها وشرفها دون دليل أو برهان ونسوا توعد الله تعالى في كتابه العزيز لمن يتحدث بالسوء عن المحصنات دون أن يكون لديه بينة واضحة كوضوح الشمس وسط السماء في وقت الظهيرة.


-"لا حول ولا قوة إلا بالله ، أنا مش مصدق أن ورد ممكن تكون فعلا سرقت الدهب وهربت مع راجل تاني".


قالها الحاج فتحي لابنه مصطفى وهو يضرب كفيه فهو لا يزال غير قادرا على استيعاب تلك الإشاعات التي يرددها الناس على ألسنتهم بخصوص فضيحة ورد.


سمعت تلك الجملة سامية التي دلفت إلى محل البقالة وهتفت بضيق انتابها بسبب تعاطف الحاج فتحي مع زوجة ابنها:


-"ومش مصدق ليه يا حاج فتحي ، قصدك بقى أن احنا كدابين وبنتبلى عليها وبنقول كلام محصلش؟!"


تدخل مصطفى في الحوار قائلا بلطف حتى لا ترفع سامية صوتها الذي يشبه زمجرة الرعد أثناء هطول الأمطار:


-"العفو يا أم منذر محدش قال عليكم كده ، الموضوع وما فيه أن بابا اتفاجئ زي كل الناس أن ورد يطلع منها تصرف زي ده".


تمتمت سامية بامتغاض:


-"هي الدنيا كده يا مصطفى ، في ناس يبان على وشهم البراءة والسماحة والطيبة وبيطلعوا في الأخر مية من تحت تبن ، أنا ياما حذرت منذر منها وقولت ليه يفتح عينه كويس ويخلي باله من تصرفاتها بس هو كان بيكبر دماغه ومش بيعبرني ولا بيهتم بالكلام اللي بقوله وكأن ورد كانت عاملة ليه سحر تسيطر بيه على ابني وتخليه ميفكرش أبدا في أي حاجة غيرها".


تظاهر مصطفى بأنه اقتنع بحديثها بينما كان يسخر بداخله من الكلمات التي ألقتها سامية.


اشترت سامية الطلبات التي تلزمها ثم غادرت فزفر الحاج فتحي باستياء هاتفا بتهكم:


-"كتك نيلة وأنتِ ولية أرشانة ، بتقول أن ورد كانت عاملة سحر لمنذر وهو كان كل يوم بيصبحها بعلقة وبيمسيها بعلقة".


ضحك مصطفى بشدة قائلا بلهجة ساخرة على حديث سامية الغير مقنع:


-"لا وكمان بتقول أن منذر كان بيطنش كلامها وبيمشي ورا ورد في كل حاجة ، دي ولية فعلا أعوذ بالله منها ومن بنتها نعمات عاملين زي جوز الحوش ، لو ورد فعلا طفشت زي ما هما بيقولوا فيبقى بصراحة عندها حق ؛ لأن مفيش حد يقدر يستحمل العيشة مع العالم الرخمة دي".


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


وصل قاسم إلى المستشفى ودلف إلى غرفة إياد دون أن يستأذن وهتف بغضب من استهتار أخيه:


-"وبعدين معاك يا إياد ، أنت بقالك يومين قاعد في المستشفى وكل ده عشان واحدة غريبة منعرفهاش ولا نعرف حاجة عن أصلها وفصلها".


ترك إياد ما في يده وانتصب في جلسته وهو يردف بتبرير:


-"يا قاسم أرجوك افهمني ، البنت لسة مفاقتش لحد دلوقتي وحالتها محتاجة متابعة عشان نضمن أن ميحصلهاش مضاعفات وكمان ممكن الموضوع يوصل ل..."


وقبل أن ينهي إياد جملته وجد أخيه ينطق بخشونته المعهودة فهو لا يطيق رؤية وجه تلك الفتاة التي تتماثل ملامحها مع ملامح زوجته الراحلة:


-"واحنا مالنا بيها ، في دكاترة كتير هنا ويقدروا يتابعوا حالتها ، أنت دورك انتهى معاها ومش معنى أنها صعبانة عليك تفضل قاعد هنا في المستشفى 24 ساعة".


قطع جدالهما الحاد دخول الممرضة التي وجهت حديثها لإياد قائلة بلهفة:


-"البنت اللي كانت في غيبوبة فاقت دلوقتي يا كتور إياد".


تحرك إياد خلف الممرضة تاركا خلفه قاسم الذي سوف يصاب بجلطة من طيبة أخية الزائدة عن حدها ، لحق قاسم بشقيقه ووصل إلى غرفة ورد التي كانت تنظر حولها باستغراب وكأنها طفلة تائهة داخل غابة موحشة.


اقترب منها إياد وسألها بلطف:


-"أنتِ كويسة؟"


رمقته ورد ببلاهة وقالت:


-"أنت مين وإيه اللي جابني هنا؟!"


ابتسم إياد معرفا عن نفسه:


-"أنا أبقى دكتور إياد لقيتك من يومين مرمية قريب من الطريق اللي أنا كنت سايق عليه وحالتك كانت صعبة جدا بس الحمد لله لحقناك وأنقذنا حياتك ، ياريت تقولي اسمك وتدينا رقم تليفون حد من أهلك عشان نتصل عليهم ؛ لأنهم زمانهم دلوقتي قلقانين عليكِ".


حكَّت ورد جبينها تحاول تذكر أي شيء عن نفسها ولكنها فشلت فهبطت دموعها وصاحت بانهيار:


-"أنا مش عارفة ولا قادرة أفتكر أي حاجة ، حتى اسمي مش فكراه".


ضرب قاسم جبهته بعصبية وقال:


-"مش فاكرة حاجة!! أهو ده اللي كان ناقص ، هو اليوم أصلا باين من أوله".


شعرت ورد بالخوف من نظرات قاسم الغاضبة المصوبة نحوها فانكمشت على نفسها وأخفضت رأسها حتى تهرب من حصار عيني قاسم.


نظر إياد بحدة إلى شقيقه الذي يتعمد إخافة ورد التي تم نقلها لاحقا إلى غرفة الفحص والأشعة حتى يعرفوا مدى الضرر الذي لحق بدماغها بسبب الحادث الذي تعرضت له.


انقضى النهار وأسدل الليل ستاره وظهرت نتائج الفحوصات التي تم إجراؤها لورد فهتف الطبيب المختص بلهجة عملية وهو ينظر إلى إياد:


-"للأسف الحادثة أثرت عليها بشكل سلبي جدا وواضح كده أنها اتعرضت لأزمات كتير ؛ لأن فقدان الذاكرة اللي عندها في الغالب بسبب أزمة نفسية هي مرت بيها وكأن عقلها بيحاول يهرب من ذكريات صعبة هي عاشتها قبل كده".


خرج الطبيب من الغرفة بعدما شرح حالة ورد أمام إياد فهتف قاسم بضيق وهو يضع كفه أسفل صدغه:


-"ناوي تتصرف معاها إزاي دلوقتي يا إياد؟ ، أكيد أنت مش ناوي تخليها قاعدة في المستشفى".


أطرق إياد رأسه بحيرة وقال:


-"عندك حق يا قاسم ، أنا لازم أشوف حل للمشكلة دي".


ابتسم قاسم بارتياح بعدما ظن أن أخيه سوف يتخلص من تلك الفتاة التي يشعر نحوها بعدم الارتياح ولكن اختفت ابتسامته فجأة وانفرج فمه بشدة بعدما هتف إياد بجدية:


-"احنا هناخدها البيت ونقعدها مع ماما لحد ما حالتها تتحسن وتبقى كويسة".


سأله قاسم ببلاهة وكأنه لم يستوعب الحديث:


-"بيت مين اللي هناخدها فيه؟!"


ابتسم إياد وهو يجيبه بثقة:


-"بيتنا طبعا ، هو عندنا بيت غيره عشان أتكلم عليه".


ابتلع إياد ريقه برعب بعدما وقف قاسم أمامه ورمقه بنظرات نارية لا تبشر بالخير فهو يدرك جيدا أن قاسم لا يطيق تلك الفتاة التي وجدها بسبب وجهها الذي يشبه محبوبته الراحلة.

نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل الخامس

شبك قاسم أصابعه ونظر إلى إياد قائلا بغضب فما يقوله شقيقه هو درب من دروب الجنون:


-"يعني أنت عايزني أخلي البنت دي تقعد من أمك في البيت؟!"


ارتفع صوت قاسم بنبرة حادة كهدير الرعد:


-"أنت اتجننت يا إياد ولا جرى لعقلك حاجة ، إزاي فكرت أني هوافق على الفكرة الغبية دي ، حط الكلام اللي هقولهولك ده حلقة في ودانك ، أنا مستحيل أسمحلك تجيب البنت دي على البيت بأي شكل من الأشكال؟!"


خرج قاسم من المكتب وهو غاضب وترك إياد الذي قرر أن يفعل ما يريد دون أن يكترث لاعتراض شقيقه.


في اليوم التالي.


فتح إياد باب منزل عائلته ودخل ثم أشار لورد التي كانت تفرك أصابعها بتوتر بالغ:


-"اتفضلي يا ياسمين ادخلي ، ماما منتظراكِ جوة".


أذعنت ورد لطلبه مثلما وافقت على اسم "ياسمين" الذي أطلقه عليها بعدما فشلت في تذكر اسمها الحقيقي.


-"دي يا ماما ياسمين اللي كلمتك عليها".


نظرت لها والدة إياد بابتسامة واسعة وأخذتها في أحضانها وقالت:


-"أهلا بيكِ يا حبيبة قلبي ، نورتي البيت يا روحي".


نظرت لها ورد ببلاهة وكأنها رأت الشمس تشرق في المساء فهي لم تتوقع أبدا أن تتلقي كل هذا الترحيب من والدة هذا المارد المخيف الذي يدعى "قاسم".


تفاجأ الجميع بحضور قاسم وكأنه سمع أفكار ورد وظهرت الصدمة على وجهه بعدما رأى ورد تقف بجوار والدته فاشتعل غضبه أكثر فقد كسر إياد كلمته ونفذ رغبته ولم يكترث لاعتراضه.


-"أنت إزاي تتجرأ وتجيب البنت دي على البيت!! أنت اتجننت يا إياد ، اتفضل خد البني أدمة دي ووديها أي حتة بعيد عن هنا وإلا هاخدها أنا وأرميها في الشارع".


وقفت والدة قاسم التي تدعى فايزة أمام ورد كدرع واق يحميها من غضب قاسم وضربت بعصاها الأرض هاتفة بحزم:


-"طيب وريني كده أنت هتاخدها وترميها في الشارع إزاي يا قاسم ، ياسمين هتفضل معايا ومش هتتحرك من هنا ولو هي خرجت من البيت أنا هخرج معاها".


اتسعت عيني قاسم بعدما سمع اسم "ياسمين" وتأجج غضبه ووصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها وكأنه مارد خرج من قاع الجحيم:


-"ياسمين مين!! مين اللي اتجرأ وسماها ياسمين؟!"


التفت قاسم إلى أخيه وأمسكه من تلابيب قميصه ثم سدد له لكمة في وجهه خرجت الدماء على إثرها من أنف إياد:


-"أنت حسابك تقل معايا أوي على فكرة".


-"قاسم ، أنت إزاي تمد إيدك على أخوك قدامي ، أنت شكلك اتجننت رسمي".


صاحت بها فايزة التي سحبت إياد تتفقد وجهه ثم ربتت عليه ونظرت إلى قاسم بحدة وقالت:


-"أنت شكلك كده محتاج ينعاد تربيتك من أول وجديد ؛ لأنك طايح في كل اللي حواليك وعمال تمد إيدك على أي حد يعارضك وكأن مفيش حد غيرك في الدنيا بيفهم وعنده مخ بيفكر بيه".


أخفض قاسم رأسه وهتف بهدوء يختلف مائة وثمانين درجة عن تلك اللهجة الغاضبة التي كان يتحدث بها قبل لحظات:


-"يعني هو ينفع يا ماما اللي إياد عمله؟ أول حاجة عارض رغبتي وجاب البنت دي على البيت وراح بعد كده سماها ياسمين".


تصنعت والدته عدم الفهم وهي تقول:


-"وماله اسم ياسمين يعني ، اسم جميل جدا ومعروف وناس كتير بتسميه".


كز قاسم على أسنانه من استفزاز والدته المتعمد:


-"يعني أنتِ مش عارفة إيه المشكلة في اسم ياسمين؟!"


ارتفعت نبرته وهو يستكمل بنبرة عبرت غن غضبه الداخلي:


-"يعني هي الدنيا ضاقت أوي كده على ابنك يا حاجة فايزة للدرجة أنه ميلاقيش لها اسم يسميها بيه غير اسم مراتي؟! طيب على الأقل كان يفكر في عم خيري واللي ممكن يحصله لما يشوف الزفتة دي قدامه وكمان يلاقيكم بتنادوا ليها باسم بنته اللي ماتت في حادثة وهي لسة في عز شبابها".


كان صوت قاسم عاليا للغاية وتجمع الخدم حتى يرون سبب غضب سيدهم ولم يقتصر الحضور على العاملين في المنزل فقد جذب هذا الصياح الغاضب خيري الذي يقيم في المنزل المجاور وجعله يأتي على وجه السرعة حتى يرى سبب غضب ابن صديقه وزوج ابنته الراحلة.


-"إيه اللي حصل يا قاسم ، وصوتك عالي كده ليه يا ابني؟!"


التفت قاسم إلى حماه ولم يجبه بل تركه يكتشف الإجابة بنفسه وهذا ما حدث بالفعل فقد تجمد نظر خيري على ورد بعدما وقعت عيناه عليها واقترب منها وهو يردد بذهول وعدم تصديق لما يراه أمامه:


-"ورد حبيبتي ، عمري ما كنت أتخيل أني أشوفك قدامي بعد السنين دي كلها ، أنا دورت عليكِ في كل حتة بس معرفتش أوصلك ، أنا مش مصدق أن ربنا بعتك ليا عشان تعوضيني عن موت ياسمين أختك".


تلك الكلمة الأخيرة التي نطقها خيري أصابت الجميع بالصدمة وأكثرهم قاسم الذي صاح برفض:


-"ورد مين وإزاي تبقى بنتك؟! هو أنت كان عندك بنات غير ياسمين مراتي؟!"


خرجت ورد عن صمتها الذي استمر طوال الدقائق الماضية وصرخت في وجه الجميع:


-"أنتم مين وعايزين مني إيه؟! أنا معرفش مين ورد وياسمين اللي أنتم بتتكلموا عليهم ولا فاهمة أي حاجة من اللي بتحصل هنا ومش عارفة ليه البني أدم اللي اسمه قاسم ده بيزعق في وشي كل ما يشوفني".


انهارت ورد وأخذت تبكي واتجهت نحو الباب حتى تغادر هذا المنزل وترتاح من هذا الصراخ الذي يسبب لها التوتر ويجعلها ترى ومضات رمادية لأحداث مشابهة تماما ولكن في مكان أخر ، هاجمتها ذكريات لرجل يضربها وأخرى لعجوز سليطة اللسان تعنفها وأخرى لامرأة عديمة الرحمة تجبرها على جمع القمامة.


لم تتحمل ورد الضغط الذي تعرضت له من تلك الذكريات الغير واضحة فسقطت أرضا مغشيا عليها قبل أن تتجاوز عتبة المنزل.


ركض خيري نحوها وحملها وذهب بها إلى منزله ومن خلفه إياد وقاسم وفايزة الذين يريدون أن يفهموا حقيقة اسم ورد وكيف تكون ابنة خيري وشقيقة ياسمين!!


اتصل خيري بطبيب يعرفه حضر بسرعة وقام بفحص ورد ثم تحدث بعملية بعدما خرج من الغرفة:


-"حالتها متسمحش أنها تتعرض لأي ضغط الفترة دي بالذات ؛ لأن زي ما الدكتور إياد قال هي فاقدة الذاكرة والخناق اللي حصل قدامها ده غلط على حالتها".


-"تمام ، شكرا ليك يا دكتور تعبناك معانا".


ابتسم الطبيب وقال:


-"مفيش تعب ولا حاجة يا خيري باشا ده احنا عشرة عمر وفي بيننا عيش وملح".


انتظر قاسم ذهاب الطبيب قبل أن يهتف بتساؤل:


-"مين البنت دي يا عمي وليه أنت ناديت عليها باسم ورد؟!"


نظر خيري إلى ملامح الحيرة المرتسمة على وجوههم ثم تنهد وقال:


-"ورد تبقى أخت ياسمين التوأم ، زمان لما كنت لسة ظابط شاب وقع تحت إيدي ديلر بيبيع مخدرات لشباب الجامعات ، فضلت وراه لحد ما اعترف على الناس اللي مشغلينه وأنا وقتها قبضت عليهم بس هما قدروا يخرجوا منها بعد ما الولد الديلر ده مات في السجن والتحقيقات وقتها أثبتت أنه انتحر بس أنا كنت واثق وقتها أنهم قتلوه عشان ميشهدش ضدهم في المحكمة".


نظر إياد إلى وجه أخيه الواجم قبل أن يسأل خيري:


-"طيب وإيه اللي حصل بعد كده وإيه علاقة الموضوع ده بالبنت اللي نايمة جوة في أوضة ياسمين؟"


ارتسم الحزن على ملامح خيري الذي أجاب بغصة:


-"اللي حصل هو أن المجرمين دول قرروا ينتقموا مني بعد ما خرجوا من السجن وده فعلا اللي حصل ، فضلوا يراقبوني فترة طويلة وبعدين قرروا ينفذوا خطتهم واختاروا اليوم اللي أخدت فيه ورد عشان أكشف عليها عند الدكتور ؛ لأن كان عندها سخونية شديدة أوي وعمرها في الوقت ده كان ٣ سنين ، خرجت من عند الدكتور بعد ما كشف عليها ووصف لها أدوية وبعدها أنا خرجت واشتريت الأدوية وركبت العربية وفضلت سايق لحد ما ..."


صمت خيري ولم يستطع أن يكمل الحديث عن تفاصيل تلك الليلة البشعة التي لا يزال يتذكرها وكأنها جرت معه بالأمس.


-"وإيه اللي حصل معاك بعد كده؟"


هتف بها قاسم بفضول حث به خيري على تكملة حديثه:


-"وقفت السواقة ونزلت من العربية بعد ما لقيت شجرة كبيرة واقعة قدامي وقاطعة عليا الطريق واتفاجأت بمجموعة رجالة فضلوا يضربوا فيا وبعدها جه واحد وطعني بالسكينة ووقعت وقتها على الأرض ومقدرتش أمنعهم وقتها من خطف ورد ؛ لأنه أغمي عليا بسبب الطعنة وبعد ما فوقت وعرفت باللي حصل دورت عليها وقلبت عليها الدنيا بس مش لقيت ليها أي أثر".


حاول قاسم أن يقنع خيري بفكرة أن هذه الفتاة من الممكن أن تكون مجرد شبيهة وليست ابنته الضائعة ولكن الأخير رفض الاقتناع بتلك الفكرة فاقترح إياد أن يجري خيري فحص الDNA حتى يتأكد بنفسه من الحقيقة.


شعر قاسم باختناق رهيب من تلك المستجدات التي طرأت عليه وخرج بسرعة من منزل خيري وهو يتمنى أن تثبت الفحوصات عدم وجود صلة تجمع بين ورد وخيري فهو لم يستطع تقبل وجودها بعدما رأى وجهها وهي طريحة الفراش في المستشفى بسبب ملامحها المماثلة لملامح زوجته الراحلة فكيف سيتمكن من تحملها إذا اتضح بالفعل أنها ابنة خيري وتوأم ياسمين.


-"إن شاء الله مش هتطلع بنت عم خيري ، هي أصلا باين عليها كده أن في حد زقها علينا عشان تعمل التمثيلية البايخة دي وتحقق غرض في دماغها ، أنا مستحيل أسيبها تقعد وسطنا وتلعب على مشاعر عم خيري وتسرق منه فلوسه وثروته".


حزم قاسم موقفه بتلك الكلمات التي جعلته يهدأ لفترة مؤقتة فليس هناك شيء حتى الآن يثبت أن هذه هي الابنة الضائعة للسيد خيري.


وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل السادس

ظهرت نتيجة الفحص بعد أسبوع وتأكد خيري من حقيقة أن ورد تكون هي نفسها ابنته الضائعة وهذا الأمر ضايق قاسم كثيرا الذي كان يتأمل أن تكون تلك الفتاة محتالة.


-"مالك يا قاسم ، إيه اللي مزعلك ومخليك مهموم بالشكل ده؟"


نطقت فايزة تلك العبارة بتساؤل وهي تجلس بجوار ابنها وتربت على كتفه فغمغم قاسم بحزن:


-"أنا مش مستحمل أشوفها قدامي وخاصة بعد ما اتأكدنا أنها تبقى توأم ياسمين الله يرحمها".


هتفت والدته بتفهم:


-"أنا عارفة كويس أوي أنك كنت بتحب ياسمين وحزنت جدا على موتها بس ده مش معناه أنك تزعل أن طلع ليها أخت توأم وربنا بعتها عشان تعوض خيري عن فراق بنته التانية ، افتكر كده حالة خيري كانت عاملة إزاي بعد ما ياسمين ماتت وشوف دلوقتي هو بقى سعيد إزاي بعد ما ورد ظهرت في حياته".


اقتنع قاسم بوجهة نظر والدته فهو يجب أن يحتفظ بمشاعر الضيق لنفسه ولا يظهرها أمام خيري الذي استعاد بهجته وفرحته بعدما وجد ورد أمامه بعد غياب سنوات كثيرة.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


تأقلمت ورد بسرعة واعتادت على وجودها في منزل خيري الذي عاملها برفق ولطف جعلها تحبه بسرعة وتتعامل معه بأريحية وكأنها تعرفه قبل عدة سنوات.


اشترى خيري العديد من الملابس الجديدة من أجل ورد وأخذ يعوضها عن تلك السنوات التي غابت فيها عنه.


-"أنا مش عارفة أقولك إيه بجد يا بابا ، أنا صحيح مش فاكرة حاجة عن حياتي بس مبقتش مضايقة بخصوص الموضوع ده بعد ما شوفت معاملتك ليا وقد إيه أنت بتحبني".


ابتسم خيري وقبل رأسها قائلا:


-"ربنا يقدرني دايما وأقدر أسعدك يا قلب أبوك ، أنتِ مش متخيلة أنا كنت بعاني إزاي وأنا مش قادر أوصلك ولا أعرف حاجة عنك".


ربتت ورد على كفه وهتفت بحنو:


-"بلاش تفتكر الحاجات دي ، المهم دلوقتي أن احنا موجودين مع بعض ، هتصدقني لو قولتلك أن أنا حابة أفضل كده ومش عايزة الذاكرة ترجعلي لأني حاسة أن حياتي كانت وحشة أوي قبل الحادثة اللي حصلت معايا".


سألها خيري بهدوء أخفى خلفه القلق الذي نهش صدره بعدما سمع هذا الكلام من ابنته:


-"مين اللي قالك أن حياتك كانت وحشة؟! هو أنتِ قدرتي تفتكري حاجة من الماضي؟"


هزت ورد رأسها بنفي وقالت:


-"لا مقدرتش بس بيجيلي كوابيس كتير بشوف نفسي فيها وأنا بتهان وبنضرب بشكل بشع أوي".


تحدث خيري بحزم وهو يمسك يد ابنته بحماية:


-"صدقيني لو فعلا الكوابيس دي حصلت معاك فأنا هندم الناس دي على اللي عملوه فيكِ".


خرجت ورد بعد فترة وأخذت تسير في الحديقة المشتركة بين بيت قاسم ومنزل خيري.


ظهرت ابتسامة واسعة على ثغر ورد عندما رأت وردات حمراء تزين الجزء الجانبي من الحديقة.


اقتربت ورد من الوردات وكادت تلمسها بيدها ولكن منعها قاسم بيده التي قبض بها على معصم ورد بقسوة:


-"أنتِ إيه اللي جابك هنا وإزاي تتجرأي وتحاولي تلمسي الورد بتاع ياسمين".


نفضت ورد ذراع قاسم وهتفت بحدة ونبرة حازمة تعبر عن مدى القوة التي اكتسبتها مؤخرا من دعم والدها ووقوفه بجوارها:


-"أنت إزاي تتجرأ وتمسكني بالشكل ده ، شغل الشخط والزعيق بتاعك ده تروح تعمله مع حد تاني غيري ؛ لأن أنا مش هسمحلك تتجاوز حدودك معايا".


صرخ قاسم بغضب شديد:


-"لا هعلي صوتي عليك ولو وصلت هكسر رأسك كمان ؛ لأن أنتِ اللي بدأت لما لمستِ الورد بتاع مراتي".


صاحت ورد في وجهه بغضب مماثل:


-"أنا مكنتش أعرف أن الورد ده بتاع ياسمين بس ده مش سبب يخليك تزعقلي كده".


تركته ورد يحدق أمامه بذهول من طريقتها المستفزة في الحديث وعادت إلى المنزل دون أن تكترث بهذا البركان الثائر الذي اشتعلت نيرانه.


-"ماشي يا ورد أنا هوريك وهعلمك إزاي تتكلمي معايا".


▪▪▪▪▪▪▪▪


-"أه يا كتفي اللي اتقطم ، أنا مش قادرة أحرك دراعي".


صاحت "نعمات" بتلك العبارة وهي تضع الممسحة جانبا فهتفت سامية بامتغاض من أفعال ابنتها:


-"وبعدين معاكِ يا نعمات ، كل يوم نفس الأسطوانة ، مرة تقولي أه يا إيدي وبعدها تقولي أه يا رجلي وبعدها تقولي أه يا بطني وبعدها تقولي أه يا كتفي ، بطلي حركاتك دي وخلصي يلا المسح والتنضيف عشان تنشري الهدوم".


رفعت نعمات صوتها باعتراض:


-"نعم!! هدوم إيه دي اللي هنشرها إن شاء الله ، هو مفيش حد غيري في البيت ده ولا إيه ، خلي بناتك يقوموا يهزوا طولهم ويعملوا حاجة".


تنهدت سامية بسأم من أفعال ابنتها:


-"ومين فيهم اللي هينفع تعمل معاكِ؟! وفاء وموجودة في بيت جوزها ، وأسماء وفداء بيذاكروا عشان الامتحانات بتاعتهم قربت".


تملك نعمات غيظ شديد بعدما جلبت والدتها سيرة أسماء التي وافقت سامية على التحاقها بالجامعة رغم أنها لم تكن حاصلة على مجموع مرتفع.


-"أنا كنت جايبة في الثانوية مجموع أعلى من أسماء ومع ذلك أنتِ رفضتي أن أنا أدخل الجامعة وأكمل تعليمي وقولتي اللي مش هتجيب مجموع كلية قمة مش هتكمل علام ولما أسماء خلصت ثانوية والنتيجة بتاعتها ظهرت وقتها أنتِ سيبتيها تكمل مع أن مجموعها مجابش غير كلية أداب".


خرجت أسماء من غرفتها بعدما سمعت كلام نعمات ووضعت يدها في خصرها وقالت:


-"افتكري يا حبيبتي أن أسماء دي اللي أنتِ دلوقتي بتبصلها عشان دخلت الجامعة كانت بتشتغل أيام الثانوية عشان تساعد أمك في جهازك أنتِ ووفاء على عكس منذر أخوكِ اللي مرضاش يساعد ولا يحط إيده في حاجة وبعدين متنسيش يا أختي أن أنا بشتغل لحد دلوقتي ومصاريف الجامعة والكتب والمواصلات واللبس وكل حاجة أنا اللي بدفعها ومحدش بيصرف عليا مليم واحد وياريت تفتكري كمان أن فواتير الكهرباء والإنترنت اللي أنتِ بتفضلي قاعدة عليه طول النهار أنا برضه اللي بسددها من جيبي".


لوت نعمات فمها قائلة بسخط:


-"هو أنتِ جاية تعايرينا بفلوسك ولا إيه يا ست أسماء ، لا يا حبيبتي بطلي الأسلوب ده عشان ...."


قاطعتها أسماء ببرود:


-"لا مش بعايرك ولا حاجة ، بس بفكرك أن كل واحد فينا بيساهم في البيت ده بشكل مختلف عن التاني فمتجيش أنتِ تقللي مننا عشان بتمسحي وتنضفي ، وبعدين إذا كان شغل البيت مضايقك أوي كده كنت ساعدي مرات أخوكِ في العمايل واتعاملي معاها كويس ؛ لأنك لو كنت عملت كده كان زمانها دلوقتي مطفشتش وسابتلك شغل البيت كله".


صاحت سامية بصوت جهوري:


-"خلاص أنتِ بطلوا كلام كتير ، روحي يا أسماء شوفي شغلك اللي المفروض تروحيه كمان ساعة وأنتِ يا نعمات خلصي اللي وراكِ من غير برطمة".


دلفت أسماء إلى غرفتها حتى تجهز نفسها للذهاب إلى العمل ورأت فداء تنظر أمامها بشرود وحزن ، اقتربت أسماء من شقيقتها الصغرى وقالت:


-"مالك يا حبيبتي فيكِ إيه ، صدقيني الكلام اللي أنا كنت بقوله برة ده أنا قولته عشان أكتم بيه نعمات اللي قاعدة ترخم علينا في الرايحة والجاية".


هتفت فداء بهدوء:


-"أنا عارفة كويس الكلام ده من غير ما تقوليه يا أسماء ، بس أنا مضايقة أوي من موضوع ورد ومش مصدقة الكلام اللي اتقال عليها من أمك وأخوكِ وأختك".


تنهدت أسماء وقالت:


-"أنا صحيح مكنتش بتعامل كتير مع ورد لأني أغلب الوقت بقضيه برة في الجامعة والشغل بس أنا كمان مش مصدقة أنها سرقت دهب أمك وبصراحة كده أنا شاكة أن نعمات هي اللي سرقت الدهب واستغلت هروب ورد عشان تلبسها التهمة".


كادت فداء تتحدث وتخبر شقيقتها بتلك الأشياء التي رأتها في الشقة ولكنها تراجعت والتزمت الصمت. 


ربتت أسماء قبل أن تنهض على يد فداء وقالت:


-"سيبك أنتِ دلوقتي من الحوارات دي وركزي في مستقبلك ، أنتِ في كلية صيدلة ولازم تذاكري كويس".


غادرت أسماء المنزل بعدما انتهت من ارتداء ملابسها وتركت فداء تجلس واجمة الوجه ومغمضة العين.


صحيح أنه مر فترة على اختفاء ورد إلا أن فداء لا تزال غير مقتنعة بحديث والدتها وشقيقتها عن سرقة ورد للذهب وهروبها مع رجل أخر.


-"أنا متأكدة أن منذر عمل حاجة في ورد وده سبب وجود بقعة الدم والكركبة اللي أنا شوفتها في الشقة لما طلعت في نفس يوم اختفاء ورد ، ده غير باب الحمام اللي كان فيه أثار كسر".


ارتدت فداء ملابسها وتوجهت نحو والدتها التي كانت تشاهد التلفاز:


-"أنا هروح أشتري ملزمة مهمة فيها أسئلة كتيرة ممكن تيجي في الامتحانات وهرجع البيت على طول".


أومأت سامية وقالت:


-"ماشي يا حبيبتي ، روحي اشتري الملزمة بس متتأخريش".


-"حاضر يا ماما ، سلام".


خرجت فداء من المنزل وذهبت إلى قسم الشرطة وأبلغت الضابط المسؤول عن قضية اختفاء ورد بتلك الأشياء التي رأتها في الشقة حتى تريح ضميرها من هذا العذاب الذي ينهش روحها ويجعلها غير قادرة على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي.


-"تمام يا آنسة فداء وشكرا جدا على تعاونك معانا".


قالها الضابط بجدية مطلقة فهتفت فداء بخفوت وهي تنظر إلى ساعة يدها تتفقد الوقت:


-"أنا ليا بس طلب بسيط وهو أن محدش من أهلي يعرف حاجة عن الكلام اللي أنا قولته ده غير لما تتأكدوا الأول من الموضوع وإذا كان منذر أذى ورد فعلا ولا لا".


-"أنا مش هسجل أقوالك دي في محضر رسمي غير لما التحريات تخلص ونشوف مرات أخوكِ راحت فين".


-"تمام ، شكرا جدا يا فندم".


خرجت فداء من القسم وتركت خلفها الضابط يبتسم بإعجاب على أخلاق تلك الفتاة النزيهة التي قررت أن تشهد بالحقيقة التي من الممكن أن تلحق الضرر بعائلتها.


استدعى الضابط أحد المخبرين ونظر له قائلا بحزم يتماشى تماما مع الشخصية الجادة التي تظهر عليه أثناء تأدية عمله:


-"تفضل ورا منذر طول اليوم ومتخليهوش يغفل عن عينك لحظة واحدة".


أدى المخبر التحية العسكرية:


-"تمام يا مجدي باشا ، أنا هفضل وراه وأي حاجة جديدة هبلغها لحضرتك على طول".


تمتم الضابط بصرامة وهو يعيد رأسه للوراء:


-"أنا من الأول مكنتش مستريح للناس دي ودلوقتي بعد الكلام اللي فداء قالته أنا بقيت متأكد أنهم عملوا حاجة في مرات منذر".


نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل السابع

جهز خيري المشواة ووضع الفحم بداخلها وأشعل النيران بها وانتظر حتى أصبح الفحم ساخنا ثم قام بالنداء على ابنته:


-"هاتي الكفتة يلا يا ورد ، الفحم سخن أوي وشكله حلو الصراحة وإن شاء الله الكفتة تستوي كويس".


أحضرت ورد أسياخ الكفتة ووضعتها فوق المشواة وأخذت تقلبها حتى انتهت من شويها فرفعتها عن النار ووضعتها في الأطباق ثم جلست برفقة والدها على الطاولة وتناولا الكفتة في جو ملئ بالمداعبات والضحك تحت نظرات قاسم الذي كان يتابعهما من شرفة غرفته.


نهضت ورد حتى تحمل المشواة وتضعها جانبا ولكن خرجت منها فجأة صرخة متألمة بعدما سقطت قطعة فحم مشتعلة فوق قدمها ، ذهب خيري نحوها ورفع طرف الفستان حتى يرى الجرح ولكن جحظت عيناه عندما رأى أثار جروح أخرى تشبه إلى حد كبير هذا الحرق ولكن تلك الندبات أقوى وأعمق بكثير.


هتف خيري بذهول وهو يتحسس تلك الأثار ذات المظهر المرعب:


-"إيه الجروح اللي في رجلك دي يا ورد؟! واضح جدا من شكلها أن في حد حيوان لسعك بالنار بالشكل الوحشي ده".


نظرت ورد إلى الندبات وانتابها صداع رهيب ومؤلم للغاية في الوقت نفسه الذي بدأت تأتيها ومضات رمادية عن رجل وامرأتين يضعان الفحم الساخن فوق قدميها وصوت كريه لأحداهما وهي تقول بنبرة قاسية تدل على عدم وجود رحمة في قلبها:


-"دي يا حلوة عشان تبقي تحترمي نفسك بعد كده ورجلك متعتبش تاني السوبر ماركت عند الحاج فتحي اللي بتشتكيله مننا".


صرخت ورد برعب وحاولت أن تحرر نفسها من الحبال التي قيدها بها منذر:


-"خلاص والنبي مش هروح هناك تاني ولا هقول أي حاجة خالص".


أمسكها منذر من شعرها وهتف بخشونة:


-"هو فعلا أنتِ مش هتقولي حاجة ؛ لأنك لو فتحتي بوقك تاني ساعتها الفحم هيتحط على لسانك بدل رجلك".


وضعت نعمات الفحم على قدمي ورد التي أخذت تصرخ وتحاول تحرير نفسها ولكن دون جدوى وازداد الأمر سوءا عندما كتمت سامية صوت الصراخ بيدها التي وضعتها على فم ورد.


أخذت ورد ترتعش أمام عيني خيري وهي تحاول أن تتذكر تفاصيل أكثر عن هؤلاء الأشخاص الذين حرقوا قدميها بكل برود وكأنهم كائنات منزوعة المشاعر ولكنها شعرت بدوار حاد أدى في النهاية لسقوطها بين ذراع خيري وقاسم الذي حضر على الفور بعدما رأى الفحم يسقط على قدمها.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪


خرجت نعمات من المنزل بعدما غسلت الملابس ونشرتها ، وسارت وهي تلتفت حولها حتى وصلت إلى بيت بعيد عن منطقة سكنها ثم رنت الجرس ففتح لها شاب سحبها بسرعة للداخل ثم أغلق الباب قبل أن يراها أحد.


اقترب منها الشاب وبدأ يضع يده عليها بشكل مقزز ومثير للاشمئزاز ولكنها كانت سعيدة بتلك اللمسات المقرفة وضحكت بصوت صاخب وهي تقول:


-"مكنتش أعرف أن أنا وحشاك أوي كده يا واد يا تامر".


هتف تامر بنبرة شهوانية قذرة تثير غثيان أي امرأة شريفة ومحترمة ولكنها أسعدت نعمات التي لا تكترث لحرمانية هذا الذنب البشع الذي ترتكبه بكل أريحية وكأنه لن يأتي اليوم الذي ستدفن به تحت التراب وتحاسب على جميع أفعالها.


-"استنى يا تامر هدخل أغير هدومي وبعدين أعمل حاجة ناكلها".


جلس تامر ينتظر خروجها من الغرفة بعدما بدلت ملابسها ثم غرقا معا في مستنقع الخطيئة والإثم الذي سيكون له عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.


أما في الخارج فقد كان يقف رجل يراقب منزل تامر وانتظر حتى خرجت نعمات ثم سار خلفها يراقبها بعينيه كالصقر ولم يبتعد إلا بعدما دلفت إلى بيتها.


أخرج الرجل هاتفه من سترته واتصل بوفاء التي سألته بلهفة:


-"ها عملت إيه يا رشيد؟"


أجابها رشيد بجدية:


-"كله تمام يا ست وفاء ، أنا صورت نعمات وهي داخلة بيت تامر وصورتها وهي خارجة وتامر كان بيحضنها".


ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي وفاء وهتفت بلهجة ماكرة:


-"تمام يا رشيد ، خليك مراقبها وأول ما أديك الإشارة تبعت الصور لمنذر".


أنهت وفاء المكالمة ونظرت إلى الذهب الذي فرشته على السرير:


-"لو خطتي نجحت ساعتها هقدر أخلص من منذر ونعمات في ضربة واحدة والدهب كله هيبقى ساعتها ليا ؛ لأن أسماء وفداء ميعرفوش حاجة عن الموضوع وماما لو اتكلمت هقولها نعمات مجابتش حاجة ولو كدبتني فبراحتها خالص هي أصلا مش هتقدر تفتح بوقها وإلا ساعتها هيبان أنها اتبلت على ورد ووقتها البوليس هيعرف أن منذر قتل ورد وخلص من جثتها بمساعدة ماما وده هيخليها تدخل السجن".


وضعت وفاء الذهب داخل صندوق خشبي وخبأته جيدا في خزانتها ثم خرجت من الغرفة حتى تعد الغداء لزوجها قبل أن يعود من العمل.


قشرت وفاء البطاطس وغسلتها ثم جلست حتى تقطعها وفي تلك الأثناء حضر زوجها "فوزي" ودلف إلى الغرفة يبحث عن بعض الأوراق التي تخصه.


ظل يبحث عن الأوراق في كل مكان بالغرفة ولكنه لم يجد شيئا فتوجه نحو خزانة زوجته وظل يبحث بداخلها وتجمدت يداه فجأة بعدما لمست صندوق خشبي صغير.


أخرج فوزي الصندوق وفتحه واتسعت عيناه بدهشة عندما رأى كمية لا بأس بها من المصوغات الذهبية وقد علم على الفور أن هذا الذهب ملك لحماته ؛ لأنه رأى السلسال الذهبي الذي كانت ترتديه سامية في حفل زفافه من وفاء.


سال لعابة وهو يتحسس السلاسل والخواتم:


-"أه يا ولاد الأبلسة ، اتهمتوا ورد أنها سرقت الدهب وطفشت وطلع في الأخر موجود هنا مع وفاء اللي مخبياه هنا في دولابها!!"


أعاد فوزي الذهب إلى الصندوق ووضعه في الخزانة مرة أخرى وهو يتمتم بخبث:


-"بما أنهم بلغوا البوليس وقالوا أن ورد سرقت الدهب منهم فده معناه أنهم مش هيقدروا يبلغوا البوليس تاني ويتهموني بأني سرقت الدهب".


▪▪▪▪▪▪▪▪


وضع إياد جهاز قياس الضغط جانبا بعدما فحص ورد والتفت إلى خيري وقال:


-"ضغطها وطي شوية بس خلاص بقى مظبوط  دلوقتي".


لمس خيري كف ابنته وهتف بحنو:


-"أنتِ كويسة دلوقتي يا ورد؟"


هزت ورد رأسها وأجابته بهدوء:


-"أيوة يا بابا ، أنا مش حاسة بأي دوخة".


سحب قاسم كرسي خشبي وجلس أمامها وهتف بجدية مطلقة:


-"شكلك قبل ما يغمى عليك كان بيقول أنك افتكرتي حاجة عن حروق رجلك ، ياريت تشاركينا بالحاجات اللي افتكرتيها عشان نقدر نوصل للي عمل فيكِ كده".


أخبرته ورد بكل شيء وهي تعتصر رأسها حتى لا تنسى شيئا ثم غمغمت بحزن:


-"الناس دي كان باين من صوتهم اللي بيتردد لحد دلوقتي في وداني أنهم معندهمش أي شفقة أو رحمة ويقدروا يأذوا أي حد بمنتهى البرود ومن غير ما ضميرهم يأنبهم".


أومأ قاسم برأسه وأخذ يفكر في وسيلة يجمع بها معلومات عن ماضي ورد وكيف كانت تعيش قبل أن توقع بها الصدفة في طريق خيري.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


حمل منذر سترته ثم خرج من شقته وهبط إلى الأسفل حيث تجلس والدته تتابع التلفاز وبجوارها نعمات تقشر اللب وتأكله.


اقترب منهما قائلا بجدية:


-"أنا هخرج دلوقتي مع أصحابي وهتأخر برة ، ابقوا اقفلوا البوابة عليكم بالمفتاح وأنا لما أجي هبقى أفتحها بالمفتاح اللي معايا".


التفتت له سامية وقالت:


-"ماشي يا حبيبي".


خرج منذر من المنزل وذهب إلى شقة أحد أصدقائه حيث تقع صالة المقامرة التي يحضرها الكثير من الفاسدين والضائعين ولا يقتصر نشاط الشقة على لعب الميسر وشرب الخمر وتعاطي المخدرات بل يتم بداخلها أيضا تسهيل أعمال الدعارة.


هتف أحد الشباب بعدما رأى منذر:


-"وأخيرا جيت يا كبير ، ده السهرة النهاردة هتبقى على أخرها واللعب الليلة دي هيكون على تقيل".


ابتسم منذر بثقة قائلا:


-"وأنا جاهز للعب التقيل".


-"طول عمرك بتحب التقيل يا منذر".


نطقت تلك العبارة "جيجي" ثم أعقبتها بضحكة خليعة لا تليق سوى بالساقطات ، ضحك منذر على جملتها وقال:


-"أصيلة طول عمرك يا جيجي ، أنتِ دايما اللي بترفعي معنوياتي".


سحبته جيجي إلى ركن بعيد وهتفت بجدية:


-"هو حوار مراتك اللي أنتِ قتلتها ده مين اللي يعرفه بالظبط من عيلتك؟"


أمسكها منذر من ذراعها بقسوة وهدر بصرامة:


-"أنتِ عرفتي الكلام ده إزاي؟! انطقي بدل ما أقطعلك لسانك".


نفضت جيجي ذراعه الغليظة وأردفت بلهجة حادة:


-"تقطع لسان مين ياض ، هو أنت مفكرني الغندورة مراتك ، لا يا حبيبي فوق لنفسك كويس وشوف أنت بتتكلم مع مين ، أنا أبقى جيجي يا بابا يعني أقدر أفرمك وأرمي لحمك لكلاب السكك تنهش فيه".


ابتلع منذر ريقه وهتف بوداعة محاولا امتصاص غضبها الذي أشعله بكلماته الحمقاء:


-"أنا أسف يا جيجي مكنتش أقصد الكلام اللي قولته ، أنا الفترة دي بمر فيها بأوقات صعبة وخايف جدا من الأيام اللي جاية".


ضربت جيجي كتفه وهي تلوي فمها بسخرية:


-"طبيعي أنك تكون خايف يا قلب جيجي ، أنت قتلت مراتك وممكن البوليس يعكشك في أي لحظة".


سألها منذر وهو يجاهد للحفاظ على نبرته الهادئة:


-"مقولتليش بقى يا جيجي ، أنتِ عرفت موضوع القتل ده إزاي".


أجابته جيجي باستهزاء لاذع:


-"عرفته منك يا موكوس لما كنت سكران امبارح ومش دريان بنفسك ، اشكر ربنا أن محدش غيري سمعك وإلا كان زمانك دلوقتي مرمي في التخشيبة ومستني الحاجة أمك تجيبلك عيش وحلاوة".


هتف منذر باستعطاف:


-"اوعي يا جيجي حد غيرك يعرف الحوار ده".


ابتسمت جيجي بلطف وقالت:


-"من الناحية دي اطمن ومتخافش".


تبدلت نبرتها إلى الجدية التامة وهي تستكمل:


-"بس في حاجة مهمة لازم أقولك عليها".


شعر منذر بالخوف يدق أوصاله من نبرتها فأخفض صوته وسألها بتوجس:


-"فيه إيه يا جيجي؟"


اقتربت منه جيجي وهمست أمام وجهه بخفوت:


-"أنا شوفت أختك فداء وهي خارجة النهاردة من القسم وكان باين عليها أنها خايفة ومتوترة".


ضرب منذر رأسه وهتف بتلعثم:


-"فداء!! يا نهار أسود ومنيل".


نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي

الفصل الثامن 

-"أنتِ متأكدة من الكلام اللي بتقوليه ده يا جيجي؟"


نطق منذر تلك العبارة وهو لا يزال غير قادر على تصديق أن فداء قد اكتشفت حقيقته وأبلغت الشرطة عنه.


أجابته جيجي بثقة وهي تهز رأسها:


-"عيب عليك يا منذر ، أنا مستحيل كنت أقولك حاجة زي دي لو مكنتش متأكدة منها وعشان كده أنا سألتك في الأول مين اللي يعرف حكاية قتلك لورد من عيلتك ؛ لأن أنا متأكدة وواثقة أنك مقولتش حاجة لفداء".


تمتم منذر بغضب وهو يهم بالمغادرة:


-"لو اللي في دماغي صح فأنا مش هيكفيني فيها موتها".


عاد منذر إلى منزله ودلف إلى غرفة فداء التي كانت تغط في نوم عميق ثم أمسكها من شعرها وجرها إلى الصالة لتتعالى صرخاتها وصرخات سامية التي لا تفهم سبب غضب ابنها من فداء.


-"سيبها يا منذر واستهدى بالله وفهمني بس إيه اللي حصل وليه ماسك فداء من شعرها؟"


قالتها سامية بقلق وهي تحاول تحرير فداء من قبضة ابنها التي تبطش بالجميع ولا ترحم أي أحد.


أخذ منذر يضرب ويصفع فداء التي حاولت إبعاده عنها واستطاعت في النهاية أن تدفعه وتسقطه أرضا ثم حملت المزهرية وصاحت به بنبرة قوية تدل على مدى شراستها عندما تغضب:


-"لو قربت مني هكسر الزهرية على دماغك ومش هيهمني موتك على الأقل هكون ريحت البشرية من واحد حيوان زيك".


نظر منذر لوالدته وهتف بغيظ وهو يشير نحو شقيقته الصغرى التي تهدده بتهشيم المزهرية فوق رأسك:


-"شايفك قلة أدب بنتك ، بتقول عليا حيوان!!"


صاحت فداء بغضب أشد مؤكدة قصدها لنطق تلك الكلمة:


-"أيوة حيوان وستين حيوان ، واحد داخل أوضتي زي المتخلف وصحاني من النوم وهو بيضرب فيا زي الثور اللي مش لاقي حد يلمه ولا يشكمه".


صرخت سامية في وجههما:


-"اخرسوا أنتم الاتنين مش عايزة أسمع أي كلمة غير سبب نرفزتك يا منذر وإيه اللي خلاك ترجع من برة على أوضة أختك وتضربها بالشكل ده!!"


أجابها منذر بعصبية وهو يوجه سبابته نحو فداء التي ترمقه بنظرات مشمئزة وكارهة:


-"اسألي المحروسة بنتك كانت بتعمل إيه النهاردة في القسم؟!"


نظرت لها سامية بصدمة ورددت بذهول:


-"أنتِ روحتي القسم النهاردة؟!"


خرج صوت فداء متلعثم وهي تقول:


-"أيوة أنا روحت عشان ال..."


لطمت سامية خديها وصاحت بغضب:


-"عشان إيه ، انطقي بدل ما هدفنك مكانك ، أنتِ روحتي عشان تبلغي عننا وتفضحينا يا بنت بطني".


تحدثت فداء بسرعة محاولة تدارك الأمر:


-"يا ماما أنتِ فاهمة الموضوع غلط أنا ..."


أمسكت بها نعمات من شعرها وصفعتها على وجهها وهي تردف بنبرة غليظة:


-"عايزة تودينا السجن يا حيوانة عشان تستولي على كل حاجة ، أنا مش هسيبك غير لما أخلص عليكِ"


لم تجد فداء وسيلة تتخلص بها من نعمات سوى بركلها فوق ركبتها اليمنى ثم أمسكت المزهرية مرة أخرى وهي تصيح بها:


-"حاجة إيه اللي هستولى عليها يا متخلفة أنتِ ، بطلي جنان وشوفي الكلام اللي بتنطقيه بدل ما أنتِ قاعدة تهبلي وخلاص".


هتف منذر بنفاذ صبر:


-"طيب اتفضلي قولي إيه اللي وداكِ القسم النهاردة؟"


-"راحت عشان تجيب موبايلها اللي كان ضايع منها في الكلية".


خرجت تلك الجملة من أسماء التي عادت للتو من عملها وسمعت الحديث الذي دار أثناء المشاجرة.


سألتها سامية باستغراب:


-"موبايل إيه يا أسماء اللي كان ضايع؟! تعالي هنا وفهميني إيه اللي حصل بالظبط؟"


تحركت أسماء ووقفت أمام والدتها ثم هتفت بثبات جعل الجميع يظن أنها تقول الحقيقة:


-"موبايل فداء ضاع منها امبارح في الكلية وهي راحت عملت محضر ومرضيتش تقول حاجة قدامكم عشان متزعلوش والنهاردة الظابط اتصل على تليفوني قبل ما أخرج من البيت وقالي أنهم لقوا التليفون وعشان كده فداء راحت القسم تستلمه".


تحدث منذر بضيق وهو ينظر إلى فداء:


-"طيب وأنتِ مقولتيش الكلام ده من الأول ليه يا فداء؟"


أجابته فداء بتهكم:


-"وهو أنت كنت سيبتلي فرصة عشان أتكلم وأدافع عن نفسي!!"


استكملت حديثها وهي ترفع حاجبيها وترمقه باتهام يدل على أنها تشك بأمره وقد فعلت ذلك عن عمد حتى تشتت تركيزه وتجعله لا يشك بصحة حديث أسماء:


-"وبعدين أنا مش فاهمة إيه السبب اللي خلاك تتنرفز أوي كده أنت وماما ونعمات أول ما عرفتم أني روحت القسم؟ وإيه حكاية الفضيحة اللي أنتم اتكلمتوا عليها من شوية؟ هو أنتم عاملين مصيبة وخايفين أنكم تروحوا في داهية لو اتكشفتوا ولا إيه؟!"


ربتت سامية على كتف فداء وهتفت بتلجج:


-"لا يا حبيبتي مفيش مصايب ولا حاجة ، احنا بس كنا قلقانين عليكِ وخايفين تكوني وقعتي في مشكلة".


رمقتها فداء بنظرات مستهزئة فقد تأكدت الآن من جميع شكوكها وأنهم قد ألحقوا الأذى بورد وهذا هو سبب اختفائها وعدم ظهورها.


دلفت فداء إلى غرفتها وتبعتها أسماء التي أغلقت الباب خلفها بسرعة ثم أمسكت فداء من ذراعها وهمست بصرامة:


-"اتفضلي قوليلي دلوقتي إيه الحكاية بالظبط وإيه اللي وداك القسم وليه أمك ومنذر ونعمات خافوا أوي كده من الموضوع لدرجة أنهم فكروا أنك روحتي تبلغي عنهم؟"


جلست فداء على السرير وهتفت بجدية:


-"أنا فعلا روحت عشان أبلغ عنهم ؛ لأنهم عملوا حاجة في ورد وبعدها كدبوا وقالوا أنها سرقتهم وطفشت".


ضربت أسماء على صدرها وتمتمت بصدمة:


-"يا مصيبتي!! إيه الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده يا فداء وإيه اللي مخليك متأكدة أوي كده؟!"


تنهدت فداء وأخذت تسرد على شقيقتها جميع التفاصيل التي رأتها في شقة منذر عندما صعدت إليها في صباح يوم اختفاء ورد.


زفرت فداء وأردفت بحزن على زوجة شقيقها المسكينة:


-"أنا في الأول كنت شاكة فيهم لكن دلوقتي وبعد اللي عملوه معايا من شوية بقيت واثقة ومتأكدة أنهم قتلوا ورد".    


خللت أسماء أصابعها بين خصلات شعرها وهتفت بصدمة أصابتها من هول الكلمات التي تفوهت بها شقيقتها:


-"كلامك كله منطقي يا فداء وملوش أي استنتاج غير أنهم قتلوا ورد وخلصوا من جثتها ، أنا عارفة كويس أن منذر بيكره ورد عشان رفضته لما قالها أنه طلب إيدها من أخوها بس عمري ما تخيلت أن الموضوع يوصل بيه لقتلها".


-"أنا لازم أريح ضميري وأخلص نفسي من الذنب ده قدام ربنا ؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس وأنا مستحيل أكون كده مهما حصل".


نطقت فداء تلك الكلمات بحزم جعل أسماء تسألها باستغراب:


-"أنا مش فاهمة ، أنتِ ناوية على إيه بالظبط؟"


ابتسمت فداء بتشفي وقالت:


-"هتشوفي دلوقتي كل حاجة بنفسك".


أمسكت فداء هاتفها واتصلت بالضابط مجدي الذي أجاب على الاتصال وهو يفرك عينيه يزيل أثار النعاس:


-"أيوة يا أنسة فداء ، في حاجة جديدة حصلت؟"


سألها مجدي هذا السؤال بمنتهى التلقائية فهو قد أعطاها رقم هاتفه وطلب منها أن تتصل به إذا تذكرت أي شيء قد يفيده في حل القضية.


قصت عليه فداء كل ما حدث من عائلتها وكيف قاموا بتعنيفها بعدما علموا بذهابها إلى قسم الشرطة.


أومأ مجدي بتفهم وقال:


-"ردة فعلهم معاكِ بتثبت أنهم فعلا عملوا حاجة في مرات أخوكِ ، المهم دلوقتي تمسحي المكالمة دي من سجل المكالمات عندك وتفتحي عينك كويس ؛ لأنهم ممكن يكونوا لسة شاكين فيكِ".


-"تمام يا حضرة الظابط".


أنهت فداء الاتصال وحذفت المكالمة من السجل مثلما نصحها مجدي ... نظرت لها أسماء بحيرة وقالت:


-"أنا مش عارفة اللي أنتِ عملتيه ده صح ولا لا بس اللي أعرفه إن لازم منذر يتعاقب لو كان فعلا قتل ورد".


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


استطاع قاسم أن يجمع المعلومات الكافية عن ماضي ورد وقد قرر أن يذهب لمنزل خيري ويتحدث مع ورد وهذا بالفعل ما حدث.


جلس قاسم في غرفة الصالون وانتظر قدوم ورد التي حضرت بعد دقيقتين واستغربت سبب حضوره وهذا الأمر ظهر بوضوح في نبرتها:


-"خير يا أستاذ قاسم إيه سبب زيارتك المفاجئة دي؟ وكمان أنت صممت أنك تقعد وتتكلم معايا على انفراد".


-"أنا قدرت أعرف كل حاجة عن حياتك".


تلك الجملة كانت كفيلة بتبديل حالها وجعل قلبها يدق بعنف خوفا مما سيلقيه قاسم على مسامعها بعد لحظات.


جلست ورد أمامه وتحلت بالشجاعة وهي تقول:


-"إيه بالظبط اللي أنت عرفته عني يا أستاذ قاسم ، ياريت تقول كل حاجة عرفتها ومتخبيش عليا أي تفاصيل".


-"أنتِ متجوزة واحد خمورجي وصايع اسمه منذر عايش مع أمه وعنده أربع أخوات بنات منهم واحدة مطلقة واحدة متجوزة أما الباقيين فهما لسة آنسات ، المعلومات اللي أنا جمعتها بتقول أنك اتجوزت الشخص ده غصب عنك وأنه كان على طول بيضربك وبيهينك وأمه كانت بتشغلك خدامة ليها".


هتفت ورد بهدوء أثار ريبة قاسم:


-"ممكن أعرف حضرتك جمعت المعلومات دي منين؟"


تنهد قاسم وقال:


-"أنا أخدت صورة لياسمين مراتي بما أنها شبهك بالظبط وأديتها لواحد صاحبي ظابط شرطة عشان يعمل عنك تحريات وهو قدر يوصل لكل المعلومات دي بسهولة ؛ لأن البوليس أساسا بيدور عليكِ بسبب البلاغ اللي جوزك وأهله قدموه فيكِ وقالوا أنك سرقتيهم وهربتي مع عشيقك".


وقعت تلك الكلمات على ورد كصاعقة البرق من شدة قسوتها ، صحيح أنها لا تتذكر أي شيء ولكنها متأكدة من أنها لم تسرق أي شيء من هؤلاء الناس.


هتف قاسم بهدوء عكس شخصيته الصارمة:


-"أنا متأكد كويس أنك مسرقتيش حاجة وأن الكلام ده مجرد إفتراء منهم".


تفاجأت ورد من ثقته بها ولكنها تجاوزت تلك المفاجئة بسرعة وأردفت برجاء:


-"ممكن تاخدني عند بيت الراجل اللي أنت بتقول عليه أنه جوزي ؛ لأن احتمال لما أشوفه أفتكر حاجة".


استجاب قاسم لرغبتها واصطحبها معه في السيارة وانطلقا إلى الحي الشعبي الذي يقع به بيت منذر.


نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي

الفصل التاسع


وصل قاسم بسيارته بالقرب من منزل منذر ، فتطلعت ورد إلى المنزل الذي كان مألوفا جدا بالنسبة لها وهبطت من السيارة واقتربت من البيت فلحق بها قاسم بسرعة ؛ لأنه خشي عليها من هؤلاء الناس.


شعرت ورد بيد رقيقة تسحبها إلى ركن معزول فرفعت بصرها ونظرت إلى صاحبة تلك اليد قائلة باستغراب:


-"أنتِ مين ، وليه سحبتيني كده من إيدي؟!"


احتضنتها فداء ورددت بفرحة:


-"أنا مش مصدقة أني شايفاكِ قدامي يا ورد ، أنا كنت مفكرة أن منذر قتلك بس الحمد لله أنتِ طلعتِ عايشة".


اقترب قاسم منهما ونظر إلى فداء وقال:


-"أنتِ تبقي فداء أخت منذر مش كده؟"


رمقته فداء بتعجب ثم وجهت سؤالها إلى ورد:


-"مين ده يا ورد؟!"


صمتت ورد ولم تعرف بماذا تجيب فهتف قاسم بهدوء:


-"أنا أبقى جوز المرحومة ياسمين أخت مدام ورد".


رددت فداء بذهول:


-"أخت ورد!! وهي ورد من إمتى عندها أخوات غير أشرف صاحب منذر!!"


نظر قاسم حوله يرى إذا كان هناك من يسترق السمع ثم هتف بهدوء بعدما اطمئن أنه لا يوجد أحد يتابع حديثهم:


-"ده موضوع طويل ومحتاج شرح ومش هينفع نتكلم هنا ، ياريت تتفضلي معانا يا آنسة فداء نروح نتكلم في أي مكان بعيد عن المنطقة وأنا هفهمك كل حاجة".


سارت فداء معهما وصعدت إلى سيارة قاسم الذي انطلق بسرعة قبل أن يراهم أحد.


وصل قاسم إلى أحد المطاعم الفاخرة وجلس برفقة ورد وفداء وشرح أمامهم كل شيء فخرجت الكلمات بنبرة متعجبة من شفتي فداء التي لا تزال غير قادرة على استيعاب تلك الحقائق التي سمعتها: 


-"يا خبر أبيض ، أنا مش قادرة أصدق الكلام اللي أنا بسمعه ده ، معنى كده أن ورد مش أخت أشرف وعشان كده هو فرط فيها بسهولة جدا ومسألش عليها".


استكملت فداء بجدية وهي تمسك هاتفها:


-"أنت قولت دلوقتي أن أخوك لما لقى ورد مرمية في الطريق هي كانت مضروبة ومتبهدلة ومكنش معاها أي دهب ، أنا لازم أكلم الرائد مجدي وأقوله على كل حاجة".


تحدثت فداء مع مجدي وأخبرته بكل شيء فطلب منهم أن يحضروا إلى قسم الشرطة حتى يأخذ أقوالهم فذهبوا بالفعل إلى القسم وتحدث قاسم أمام مجدي بجميع التفاصيل.


زفر مجدي وهتف بجدية:


-"احنا دلوقتي بقينا متأكدين أنهم حاولوا يقتلوا مدام ورد وعشان يخبوا جريمتهم اتهموها أنها سرقتهم وهربت مع عشيقها ولو واجهناهم دلوقتي هينكروا وهيقولوا أن ممكن يكون العشيق ده هو اللي ضرب ورد وسرق الدهب وهرب".


هتفت ورد بغيظ تملكها من تلك العائلة الحقيرة التي تستحق أن يتم حرقها:


-"المشكلة دلوقتي أننا مش عارفين لحد دلوقتي هما خبوا الدهب فين".


حك قاسم ذقنه وقال:


-"مش مهم نعرف مكان الدهب ، المهم دلوقتي أننا نثبت أنهم حاولوا يقتلوكِ وأن موضوع الدهب ده مجرد ادعاء منهم عشان يخفوا جريمتهم".


هزت ورد رأسها قائلة بمكر فهي على الرغم من عدم تذكرها لماضيها إلا أنها سوف تنتقم من العائلة التي عذبتها بشدة فقد شهدت أثار هذا العذاب على جسدها المشوه بالندبات:


-"عندك حق يا قاسم وأنا عندي فكرة ممكن أجيب بيها الدليل بس هحتاج مساعدة فداء".


هتف مجدي بتساؤل:


-"ممكن أعرف إيه الفكرة اللي حضرتك بتفكري فيها يا مدام ورد؟"


تحدثت ورد وشرحت الفكرة أمام الجميع فابتسم قاسم بإعجاب على ذكاء ورد بينما هتف مجدي بانبهار:


-"دي فكرة ممتازة جدا بس هنحتاج إذن من النيابة ده غير أننا هنعتمد بشكل كبير جدا على الآنسة فداء".


نظرت ورد إلى شقيقة زوجها تنتظر ردها فحركت فداء رأسها وقالت:


-"وأنا موافقة ومستعدة للمساعدة ، جهز أنت يا حضرة الظابط إذن النيابة عشان التسجيل يبقى قانوني وأنا هظبط كل حاجة عندنا في البيت عشان ورد تقدر تدخل وتواجه منذر من غير ما حد يشوفها".


عادت فداء إلى المنزل بعد مرور عدة ساعات من الحوار الذي دار بينها وبين ورد في القسم ثم دلفت إلى المطبخ وقامت بتحضير عصير مانجو ووضعت به مادة مخدرة ثم خرجت إلى الصالة وهتفت بابتسامة بعدما استدعت والدتها وشقيقتها نعمات:


-"اتفضلوا يا جماعة ، أنا لقيت المانجو رخيصة النهاردة فاشتريت شوية وعملت عصير للكل".


تناولت سامية كأسها وفعلت نعمات المثل ، نظرت لهما فداء وأردفت بهدوء بعدما تأكدت من شربهما للعصير:


-"أنا هطلع لمنذر شقته عشان أديله الكوباية بتاعته وهنزل على طول".


صعدت فداء إلى شقة منذر دون أن تنتظر ردهما وقبل أن تطرق الباب أخرجت من جيب سترتها مخدر يختلف نوعه عن الذي وضعته في كأس سامية ونعمات.


وضعت فداء المخدر في كأس العصير وقلبته جيدا ثم طرقت باب الشقة ليفتح لها منذر الذي رمقها باستغراب فهتفت بسرعة وهي تعطيه الكأس:


-"ده عصير مانجو احنا عاملينه تحت ، اشربه بسرعة وهات الكوباية والصينية عشان أغسلهم".


-"ماشي".


تناول منذر الكأس وشرب العصير كله ثم أعطى شقيقته الصينية وأغلق باب الشقة.


هبطت فداء إلى الأسفل وكما توقعت فقد نامت كل من والدتها وشقيقتها ، سارت فداء نحو المطبخ وغسلت الأكواب جيدا ثم توجهت إلى الصالة وقامت بفصل الكهرباء عن المنزل بأكمله.


فتحت فداء البوابة لورد وقامت بإدخالها وأعطتها مفتاح شقة منذر وهي تقول:


-"منذر موجود فوق في الشقة وزمان المخدر عمل معاه مفعول وهتلاقيه دلوقتي مسطول ومش قادر يتحرك وده هيساعدك في أنك تاخدي منه كل الاعترافات اللي أنتِ عايزاها وفي نفس الوقت تضمني أنه مش هيأذيكِ".


قامت ورد بإشعال المصباح الذي تحمله في يدها ثم صعدت إلى الشقة ودلفت إليها ووجدت منذر يجلس فوق الأريكة ويغمض عينيه بشكل جزئي ولا يستطيع تحريك بدنه.


ارتعش جسد منذر بشدة واتسعت عيناه عندما رأى ورد تحمل المصباح وتقف أمامه بهيئتها المرعبة فقد كانت ترتدي فستانا من اللون الأسود وتضع مكياجا مرعبا ومخيفا على وجهها وأنياب صناعية فوق أسنانها تضغط بهما على فمها الذي يتدلى منه سائل أحمر قاني يشبه الدماء.


نظرت ورد إلى أركان الشقة وهتفت بلهجة مخيفة مرددة الكلمات التي حفظتها من فداء:


-"ده المكان اللي أنت قتلتني فيه بإيدك وسيبت دمي يتصفى قدامك من غير شفقة أو رحمة ودلوقتي جيت ساعة حسابك يا ظالم".


غطى العرق جبين منذر الذي حاول أن يتحرك ولكنه لم يستطع كما أنه كان مغيبا بشكل جزئي عن الواقع.


اقتربت ورد خطوتين فتمتم بفزع:


-"أرجوك بلاش تقتليني يا ورد ، أنا أسف والله صدقيني أنا ندمان على كل حاجة عملتها فيكِ".


حاول منذر أن يصرخ ويستنجد بالناس ولكن صوته كان ضعيفا للغاية فضحكت ورد بصوت مخيف بث الرعب أكثر في قلب منذر:


-"ندمان على إيه ولا إيه ، أنا ممكن أسامحك في حالة واحدة بس وهي أنك تقول وتعيد قدامي كل البلاوي اللي عملتها فيا ؛ لأني ساعتها بس هحس أنك ندمان وعايز تكفر عن ذنبك".


غمغم منذر بصوت مرتعش وهو يقاوم الدوار الذي يشعر به:


-"ندمان أني كنت بضربك وندمان على قتلك وندمت أني سمعت كلام ماما ونعمات وخلصت من جثتك بعد ما رميتها بمساعدة أمي في حتة قريبة من الطريق الصحراوي".


خشَّنت ورد صوتها وهي تصرخ في وجهه بغصب:


-"ومش ندمان أنك اتهمتني بسرقة الدهب وقولت للناس أني هربت مع عشيقي وأنت عارف كويس أني محترمة ومش بمشي على حل شعري".


هز منذر رأسه وهتف بصوت متلجج:


-"أنتِ فعلا محترمة وأنا افتريت عليكِ لما قولت أنك سرقتي الدهب وهربتي مع واحد تاني بس صدقيني دي كانت فكرة نعمات وهي أصلا العقل المدبر لكل الحكاية دي".


تمكن الدوار من منذر وغاب عن الوعي بعدما سجلت له ورد جميع الاعترافات التي أدلى بها قبل لحظات.


ملست ورد على شعره ثم شدته بغل وقالت:


-"ابقى قول لأمك تبقى تجيبلك عيش وحلاوة لما تيجي تزورك في السجن ده لو ما اتقبضش عليها معاك". 


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


في اليوم التالي وفي تمام الساعة الثانية ظهرا سمعت سامية صوت طرقات على باب منزلها فنهضت من فوق الأريكة وصاحت بنزق:


-"حاضر يا اللي بتخبط هفتح أهو ، هي الدنيا طارت ولا إيه!!"


اشتد الطرق أكثر  فصاحت سامية وقذفت الطارق بوابل من الشتائم السوقية وهي تتوجه نحو الباب حتى تفتح لهذا المزعج الذي يدق الباب بعنف وكأنه يريد أن يكسره.


تيبست أطراف سامية بعدما فتحت الباب فقد رأت أمامها مجدي برفقة بعض عناصر الشرطة.


تقدم منها مجدي قائلا بخشونة:


-"ادخلي نادي لابنك ، احنا معانا إذن من النيابة بالقبض عليه".


ضربت سامية صدرها ثم أخذت تلطم خديها وهي تصيح بجزع:


-"ليه يا حضرة الظابط؟! ده أنا ابني غلبان ومش بيعمل أي حاجة".


ابتسم مجدي بسخرية وقال:


-"واضح فعلا أنه غلبان وعشان كده حاول أنه يقتل مراته وباين عليكِ أنتِ قد إيه أم مثالية وده ظهر بوضوح لما أنتِ ساعدتي ابنك في أنه يتخلص من جثة ورد اللي أنتم فكرتوها ميتة".


انتبهت سامية إلى الثلاث كلمات الأخيرة التي نطقها مجدي فوضعت يدها على قلبها وهتفت بتعجب:


-"فكرناها ميتة!! هي ورد لسة عايشة؟!"


أومأ لها مجدي بابتسامة مستهزئة على حالها الذي انقلب بسرعة البرق بعدما علمت أن زوجة ابنها حية ترزق:


-"أيوة عايشة وقدمت فيكم بلاغ بأنكم حاولتم تقتلوها يعني أنتِ ونعمات هيتقبض عليكم مع منذر".


أشار مجدي إلى العساكر حتى يحضروا منذر فدلفوا إلى الداخل وقاموا بتفتيش المنزل ولكنهم لم يجدوا أي أثر لمنذر أو لنعمات.


نظر مجدي لسامية بغضب وهتف بخشونة:


-"انطقي يا ست أنتِ وقولي ولادك فين بدل ما هخلي يومك أسود النهاردة".


هزت سامية رأسها وأخذت تبكي بانهيار فقد خسرت كل شيء وحان الوقت حتى تنال جزائها.


كرر مجدي جملته بصرامة فصرخت سامية بانهيار وهي تجثو أرضا:


-"معرفش هما فين ، والله العظيم ما أعرف مكانهم ، هما خرجوا الصبح بدري ومحدش منهم قال هو رايح فين".


حصل مجدي على الجواب الذي أراد سماعه من سامية بعدما حضر إلى المنزل صبي صغير في عمر العاشرة وهتف بصوت جهوري:


-"الحقي يا ست سامية ، منذر ابنك قفش نعمات في بيت تامر صاحبه وقتلوا بعض ومحدش منهم خرج عايش".


صرخت سامية بقلب أم مفجوع على أولادها:


-"يا لهوي!! يا ضنايا يا ابني!!"


لم تتحمل سامية هول الصدمة فسقطت مغشيا عليها أمام مجدي الذي كان ينظر للفتى بذهول.


وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل العاشر


انتقلت قوات الشرطة إلى منزل تامر وتحديدا إلى غرفة نومه وحملت سيارة الإسعاف جثة كل من ، منذر ، وتامر ، ونعمات.


ضرب الحاج فتحي كفيه ببعضهما وقال:


-"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، صدق اللي قال كما تدين تدان وزي ما هما قالوا أن ورد خانت جوزها وهربت مع عشيقها أهو ربنا فضح نعمات اللي كانت على علاقة محرمة بتامر صاحب أخوها منذر ووصمة العار هتفضل ملاحقة العيلة دي طول ما هما عايشين".


سمعت أسماء التي عادت للتو من عملها تلك الكلمات من الحاج فتحي فركضت بسرعة إلى منزل عائلتها ورأت سيارة الإسعاف تنقل والدتها التي أغشي عليها بعدما علمت بموت منذر ونعمات.


أوقفت أسماء توكتوك وطلبت من السائق أن يلحق بسيارة الإسعاف وهذا ما حدث بالفعل واتصلت بفداء ووفاء بعدما وصلت إلى المستشفى وأبلغتهما بما حدث.


مر بعض الوقت قبل أن يخرج الطبيب من غرفة العمليات فتوجهت أسماء نحوه وسألته بقلق:


-"طمني يا دكتور ، ماما أخبارها إيه دلوقتي؟"


هتف الطبيب بأسف وشفقة على تلك الشابة التي ستتلقى منه صدمة قاسية بعدما تعلم بما حدث لوالدتها بسبب الصدمة التي تعرضت لها:


-"للأسف يا آنسة ، والدتك جالها جلطة اتسببت في أنها تتشل ، يعني مش هتقدر تتحرك ولا تتكلم بعد كده".


شهقت كل من أسماء وفداء بصدمة بينما ابتسمت وفاء بخبث فقد تخلصت بضربة واحدة من جميع العقبات التي كانت تقف أمامها في الحصول على الذهب بمفردها فلا يوجد أي شيء سيمنعها الآن من تحقيق هدفها ؛ لأنه لا أحد يعلم أن الذهب كله بحوزتها.


تصنعت وفاء البكاء وهتفت بحزن زائف وهي تجثو أرضا وتغطي وجهها بيديها:


-"يا حبيبتي يا ماما ، كان مستخبيلك كل ده فين يا قلبي ، منك لله يا نعمات أنتِ السبب في كل اللي جرى مع ماما".


دلكت فداء وجهها وهتفت بحدة:


-"خلاص يا وفاء ، مفيش داعي للكلام ده دلوقتي ؛ لأن مش ده الوقت ولا المكان المناسب اللي ينفع نتكلم فيه في الموضوع ده".


تسللت وفاء بعد فترة وخرجت من المستشفى بحجة ذهابها إلى المسجد والتقت بالرجل الذي كلفته بمراقبة نعمات وقامت بإعطائه المال الذي وعدته به ثم سارت مرة أخرى لتعود إلى المستشفى وعقلها يسترجع أمامها جميع الأحداث التي مرت على مدار اليوم ، وفي الوقت نفسه كانت فداء تتأمل والدتها التي ترقد أمامها وأخذت تتذكر هي الأخرى ما حدث بعدما هبطت ورد بالأمس من شقة منذر وهي تحمل الهاتف الذي سجلت به كل شيء.


-"عملتِ إيه يا ورد؟"


ابتسمت ورد بفخر وقالت:


-"كل حاجة مشيت تمام وزي ما احنا كنا مخططين ، أخوكِ طلع خواف أوي واعترف بكل حاجة في ثواني ومن غير ما يغلبني معاه".


عادت ورد إلى منزل والدها وانتظرت حتى أشرقت شمس الصباح ثم ذهبت برفقة قاسم إلى المديرية وقدمت الفيديو الذي تم الاعتداد به في التحقيقات بسبب تصريح النيابة الذي حصل عليه مجدي قبل قيام ورد بالتسجيل لزوجها ، وفي الوقت نفسه استيقظ منذر وهو يشعر بصداع شديد يكاد يفتك برأسه وتذكر رؤيته لورد بمظهرها المخيف ولكنه اعتقد أن هذا كله كان حلم اخترعه عقله بسبب خوفه الزائد من أن تكتشف الشرطة حقيقة ما حدث مع ورد.


خرج منذر من المنزل وذهب إلى ورشة أحد أصدقائه وفي هذه الأثناء خرجت نعمات من البيت وذهبت إلى تامر في منزله وهو الأمر الذي رآه الرجل الذي كان يراقبها فاتصل بوفاء وأبلغها.


ضحكت وفاء وقالت:


-"كلم منذر وابعتله الصور وعرفه دلوقتي أن نعمات موجودة في بيت تامر".


اتصل الرجل بمنذر وأبلغه بالأمر فذهب منذر بسرعة إلى منزل تامر ورأى نعمات في أحضانه ولا يسترهما سوى شرشف السرير.


صاح منذر بغضب أعمى وهو يتقدم نحو صديقه الخائن وأخته العاهرة:


-"هقتلكم وأشرب من دمكم يا سافلة أنتِ وهو".


هجم منذر على تامر وقام بغرس السكين في بطنه فصرخت نعمات وحاولت أن تهرب من شقيقها الغاضب ولكنه أمسك بها وسدد لها طعنة وترك السكين مغروس في صدرها فنظرت له نعمات بغل وتماسكت بطرف السرير وهي تتنفس بصعوبة قائلة بحشرجة:


-"أنا مش هموت لوحدي يا منذر".


وقبل أن يدرك منذر قصدها سحبت نعمات السكين من صدرها وغرسته في قلب شقيقها فسقط جثة هامدة بجوارها.


استفاقت وفاء من شرودها وهي تدلف إلى غرفة سامية التي حاولت أن تتحدث وتطلب منها أن تحضر الذهب وتبيعه وتنفقه على العلاج ولكن تظاهرت وفاء بعدم الفهم وقد أثارت إشارات سامية تساؤلات أسماء التي تحدثت بحيرة:


-"حاولي يا ماما تشرحي أكتر إيه اللي أنتِ عايزة تقوليه لوفاء وأنا هقولها تريحك وتنفذلك طلبك بسرعة".


أشارت سامية عدة مرات إلى وفاء حتى تحضر الذهب ولكن استمرت الأخيرة في التظاهر بعدم الفهم وكأنها من بنها كما يقول المثل الشهير فبكت سامية بحرقة بعدما رأت بعينيها هذا الجحود من ابنتها.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


-"كده يا ورد ، بقى يحصل معاكِ كل ده ومتقوليليش!!"


قالها خيري بعتاب وهو ينظر إلى ورد التي أخبرته بكل ما حدث معها وكيف انتهت قصة مثلث الشر ،  منذر ، ونعمات ، وسامية.


-"حقك عليا يا بابا بس أنا مكنتش عايزة أقلقك بخصوص الموضوع بتاع المحضر اللي هما عملوه فيا وقالوا فيه أني سرقتهم وعشان كده استنيت لحد ما اتعاملت معاهم وقدرت أثبت براءتي".


ابتسم خيري برضا وقال:


-"الحمد لله أن كل حاجة عدت على خير وأنك خلصت من الموضوع ده وقدرتي تاخدي حقك تالت ومتلت من الناس دي".


نظرت ورد أمامها وتحدثت بشرود:


-"أنا فعلا قدرت أسجل لمنذر وأجيب منه الاعتراف اللي يثبت براءتي بس قبل ما يتم استخدام الفيديو ده ربنا جابلي حقي منه هو وأخته في نفس الوقت وبطريقة الناس عمرها ما هتنساها أبدا".


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


مر شهر على وفاة نعمات ومنذر تظاهرت وفاء خلال هذا الشهر بالأسى الشديد على ما حدث لإخوتها وظلت تنتظر طوال هذه المدة حتى هدأت الأوضاع ثم قررت أخيرا أن تستفيد من الذهب الذي خططت وفعلت كل ذلك لتحصل عليه.


عادت وفاء إلى منزلها وذهبت إلى غرفتها ثم فتحت الخزانة حتى تخرج الذهب ولكنها لم تجد شيئا.


اتسعت عينيها بصدمة وأخذت تبحث كالمجنونة عن الذهب ولكن دون جدوى فصرخت ولطمت خديها وصاحت بحسرة:


-"يا نهار أسود ومنيل بستين نيلة ، الدهب راح فين؟!"


شدت شعرها بقسوة وهي تقلب الغرفة كلها رأسا على عقب في محاولة يائسة منها لإيجاد الذهب دون جدوى فجثت أرضا وظلت تبكي بشدة إلى أن انتبهت إلى تلك الورقة المطوية الملقاة بجوار السرير ، فاقتربت منها وانتشلتها وأخذت تقرأ محتواها وكانت الصدمة عندما رأت الكلمات المكتوبة في الرسالة بخط وتوقيع زوجها فوزي:


-"إزيك يا فوفو يا حبيبتي عاملة إيه ، أنا هتكلم معاكِ بصراحة ومن غير مماطلة ، أنا زهقت من العيشة معاك وعايز أجدد شبابي وأعوض الأيام السودة اللي قضيتها جنبك مع واحدة تانية أحبها وتحبني والحمد لله أنا لقيت الست دي بس واجهتني مشكلة صغيرة وهي أني كنت محتاج فلوس عشان أقدر أتجوزها والمشكلة دي اتحلت بفضل الدهب بتاع أمك الحاجة سامية وزي ما الناس بتقول ، محدش يقدر يسرق حاجة مسروقة من صاحبها ومعمول محضر في القسم بالكلام ده ، صحيح نسيت أقولك أنك طالق بالتلاتة وورقتك هتوصلك بعد يومين ، سلام يا فوفا وياريت متنسيش تلمي حاجتك بسرعة وتروحي بيت أمك ؛ لأني بعت الشقة قبل ما أسافر والمشتري الجديد هيجي بكرة عشان يستلمها".


تعالت ضحكات وفاء بشكل هستيري من هول الصدمة التي تعرضت لها فقد ضحت بوالدتها وإخوتها حتى تكون الفائزة الوحيدة في تلك اللعبة ولكنها بدلا من ذلك خسرت كل ما تملكه ولم يتبق لها أي شيء.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


هذا الشهر الذي مر كان كفيل بتغيير أشياء كثيرة منها مشاعر قاسم تجاه الورد والتي كانت في الماضي عبارة عن كتلة من الغضب والغيظ بسبب تشابه الوجه بينها وبين ياسمين أما الآن فهناك شيء أخر يشعر به ولكنه لا يجد له مبرر أو تفسير.


الأمر نفسه كان يحدث مع ورد ولكنها أرجعت هذا الأمر لمساعدة قاسم لها في مسألة إثبات براءتها من التهمة التي لفقتها عائلة منذر لها.


ابتسمت ورد بعدما رأت أميرة خطيبة إياد التي حضرت لرؤيتها وقالت:


-"أميرة كويس أنك جيتي ، بابا جايب لحمة وناوي يشوي كباب على الفحم".


ارتسمت ابتسامة على شفتي أميرة التي هتفت بمرح:


-"عمو خيري من يوم يومه وهو بيحب الشوي وكان قاسم وإياد بيشاركوه دايما في الهواية دي ، ده حتى إياد عزمني أنا وماما النهاردة مخصوص عشان أتفرج على مهاراته في الشوي".


جهز إياد عدة الشوي وبدأت المنافسة بينه وبين خيري حول من الذي يقوم بشوي اللحم بشكل أفضل.


▪▪▪▪▪▪▪▪


ذهبت أسماء إلى السجن حتى تزور والدتها التي لم يشفع لها مرضها ولم ينقذها من العقاب الذي كان بانتظارها وهو السجن لتسترها على جريمة ابنها.


-"حياتنا يا ماما بقت عبارة عن كابوس ، الناس كلها بتلقح علينا في الرايحة والجاية بسبب فضيحة نعمات ومحدش بقى طايقنا في الحتة وعشان كده أنا وفداء قررنا أننا نبيع البيت ونروح نسكن في مكان تاني بس ما تخافيش أنا هجيلك على طول في الزيارات ومش هسيبك".


تمنت سامية أن تتحدث وتهون على ابنتها ولكن لم تتحقق تلك الأمنية فقد أخرست تلك الجلطة لسانها إلى الأبد.


انتهى موعد الزيارة فخرجت أسماء من مبنى السجن وهي تشعر بالحزن على عائلتها التي تدمرت بسبب أفعال والدتها وإخوتها.


نهاية الفصل

وانهمرت دموع الورد 

بقلم بتول علي 

الفصل الحادي عشر "الأخير"

جلست أميرة وانتظرت الكفتة الذي سوف يتم تقديمها لها من خيري وإياد حتى تحكم بينهما فقد وقع الاختيار عليها من جميع أفراد العائلة حتى تكون الحكم في هذه المنافسة.


قدم لها إياد قطعة كفتة فتناولتها أميرة ثم صفقت بحماس:


-"جميلة جدا يا إياد تسلم إيدك ، أنت المفروض تسيبك من الطب وشغل المستشفى وتروح تشتغل شيف وتعمل برنامج تقدم فيه الوصفات اللي بتطبخها ، صدقني هتتشهر وهيكون عندك متابعين كتير".


اعترض خيري على حديثها وهو يقدم لها واحدة من قطع الكفتة التي قام بإعدادها:


-"خدي دوقي الأول واحدة من اللي أنا عملتها وبعدين احكمي ، أنا واثق أنك هتغيري رأيك بعد ما تدوقي عمايل إيدي".


تذوقت أميرة القطعة وكانت بالفعل أفضل بكثير من تلك التي صنعها إياد ... تنحنحت أميرة وهتفت بحرج:


-"الاتنين حلوين بصراحة وأنا مقدرش أفضل واحدة على التانية".


هتف خيري بسخرية مصطنعة:


-"قصدك متقدريش تحرجي خطيبك قدامنا ، على العموم أنا مش محتاج للتحكيم عشان أعرف أن محدش بيعرف يشوي زيي".


ضحك الجميع وأخذوا يتناولون الطعام في جو ملئ بالبهجة والسعادة.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


باعت أسماء منزل العائلة ثم انتقلت برفقة فداء إلى منطقة أخرى وقامت بشراء بيت جديد لتبدأ حياة مختلفة بعيدة كل البعد عن ذكريات الماضي المؤلمة.


ربتت فداء على كتف أسماء التي كانت تبكي بشدة بعدما تذكرت ما حدث مع منذر ، ونعمات ، ووالدتها ، وأيضا مع وفاء التي أصابها مس من الجنون وتم إيداعها داخل مصحة عقلية بعدما طلقها زوجها وتزوج بامرأة أخرى وسافر معها إلى إحدى دول الخليج.


-"متعمليش كده في نفسك يا أسماء ، إن شاء الله هنقدر نعدي الأزمة دي وربنا يعوضنا عن كل اللي احنا شوفناه ده".


رفعت أسماء رأسها وابتسمت من بين دموعها هاتفة 

بنبرة غلب عليها البكاء:


-"أحسن حاجة في كل اللي احنا مرينا بيه ده هو أنك موجودة جنبي يا فداء ، ربنا ميحرمنيش منك يا أغلى أخت في الدنيا".


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


مر ستة أشهر استعادت خلالهم ورد ذاكرتها وأصبحت تتذكر كل ما جرى معها في الماضي واستطاع والدها ويهون عليها تلك المرارة التي انتابتها كلما تذكرت استغلال منذر ووالدته لضعفها حتى يدهسان كرامتها ويقومان بإهانتها.


أتى اليوم الذي انتظره إياد وكان الجميع في منزل قاسم يعملون على قدم وساق فاليوم سيتم زفاف إياد وأميرة وسط حفل مهيب يليق باسم وسمعة العائلة المرموقة ويجب ألا يكون هناك أي خطأ في الحفل.


تعالت الأغاريد من جهة فايزة وبعض الأقارب احتفالا بتلك المناسبة السعيدة بينما كانت ورد تراقب إياد وأميرة وهما يجلسان بجوار بعضهما يتلقيان المباركات من المدعوين.


أمسكت ورد هاتفها وأخذت تشاهد أخر الأخبار التي تعرض على الإنترنت ، توقفت أمام خبر معروض في موقع إحدى الصحف الإلكترونية ثم انفجرت في نوبة من الضحك فاقترب قاسم منها وهتف بابتسامة هادئة لم يعد يظهرها سوى أمامها هي فقط:


-"ينفع تشاركيني وتقوليلي إيه هو سبب ضحكتك؟"


توقفت ورد عن الضحك ثم ناولته الهاتف وجعلته ينظر معها إلى الخبر الذي جعلها تضحك إلى هذه الدرجة:


-"زي ما أنت شايف قدامك ، مكتوب أن في واحد بيشتغل فرد أمن في جامعة من الجامعات وشاف طالبة جديدة في الجامعة وأعجب بيها جدا وسمع واحدة صاحبتها بتنادي عليها وبتقولها يا شيماء وبكده هو عرف اسمها فراح جري على واحد بيعمل يافطات إعلانات وخلاه يصمم يافطة عريضة لونها بمبي ويكتب عليها بحبك يا شيماء وعلق اليافطة قدام الجامعة والبنت راحة وجاية كل يوم وشايفة الكلام ده بس متعرفش أنها المقصودة وبعدها بكام يوم اتقبض على الشاب ده بتهمة القيام بإعلان بدون ترخيص".


ضحك قاسم بشدة عندما قرأ الخبر وقال:


-"أدي أخرة اللي يمشي ورا المسلسلات التركي والهندي والكوري اللي بوظت عقول البنات والشباب".


ظهرت ابتسامة واسعة على وجه ورد وهي تقول:


-"بصراحة هو شاب أهطل ومش ناضج بشكل كافي ، يعني هو كان هيخسر إيه لو حاول يعرف عنوان البنت وبعدها كلم أهله واشترى علبة شيكولاتة وبوكية ورد وراح دخل البيت من بابه واتقدم للبنت بشكل رسمي أهو على الأقل مكانش البوليس هيقبض عليه".


ابتسم قاسم بمكر وهو يقترب منها:


-"عندك حق ، الواحد المفروض لما تعجبه بنت يروح يدخل البيت على طول ومعاه الست الوالدة عشان تخلصله الموضوع وبما أننا متفقين في النقطة دي فجهزي نفسك بقى يا عروسة عشان هاجي أتقدملك بعد يومين".


تركها قاسم وذهب حيث يجلس شقيقه ، لحقت به ورد بعدما استوعبت كلماته وهتفت بذهول:


-"عروسة!! استنى هنا يا جدع أنت وفهمني إيه الهبل اللي أنت بتقوله ده!!"


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


دلف المخبر إلى مكتب مجدي وأعطاه ورقة مطوية وقال:


-"اتفضل يا باشا ، ده عنوان البيت اللي فداء وأسماء اشتروه بعد ما باعوا بيتهم القديم".


ابتسم مجدي بظفر فقد وصل أخيرا إلى عنوان فداء ، حمل سلسلة مفاتيحه وخرج من المكتب ثم استقل سيارته وتوجه بسرعة إلى منزل فداء وأخبرها أنه يحبها ويريد الزواج بها فابتسمت أسماء وشجعت شقيقتها على الموافقة وهذا ما حدث بالفعل وتمت الخطبة وحضرتها ورد برفقة قاسم الذي أصبح خطيبها بعد إلحاح من والدها.


-"يعني عايزة تفهميني أنك اتخطبتي لقاسم عشان بس ترضي أبوكِ".


قالتها فداء بلؤم وهي ترفع حاجبيها فهتفت ورد بابتسامة: 


-"ده اللي أنا مبيناه قدام قاسم ، تقدري تقولي كده أني بربيه على المعاملة الدبش اللي كان بيتعامل بيها معايا أول ما اتعرف عليا".


ضحكت فداء وربتت على كتف ورد قائلة:


-"تمام يا حبيبتي ، ربنا يعينك وإن شاء الله تعرفي تربيه أحسن تربية".


ارتدت ورد ملابسها في اليوم التالي وخرجت من المنزل بعدما عقدت العزم على إنهاء الشيء الوحيد الذي لا يزال عالقا وحوله العديد من علامات الاستفهام.


هبطت ورد من سيارة قاسم ودقت باب منزل أشرف الذي كانت تعتقد في الماضي أنه شقيقها.


ردد أشرف بصدمة بعدما فتح الباب:


-"ورد!!"


نزلت دموع ورد وأخذت تجري على وجنتيها وهي تتذكر كيف ضحى بها هذا الحقير حتى ينقذ نفسه من السجن.


رفعت ورد يدها وهوت على وجه أشرف بصفعة قوية ولم يستطع أشرف أن يرد الصفعة بسبب وجود قاسم الذي وقف كالسد الحصين أمام ورد وحجبها عن أشرف.


مسحت ورد دموعها بأنامل مرتجفة وهي تتحرك وتقف أمام أشرف وجها لوجه ثم هتفت بجمود:


-"أنت كنت عارف أني مش أختك وعشان كده فرطت فيا بمنتهى السهولة ، صح ولا غلط؟"


ابتلع أشرف لعابه خوفا من بطش قاسم الذي كان يرمقه بنظرات نارية ثم تحدث بخفوت:


-"أيوة أنا كنت عارف أنك مش أختي ، في يوم من الأيام لما أنا كنت لسة صغير لقيت بابا داخل علينا وشايلك في إيده وأنتِ وقتها كنت بتعيطي على أخرك ولما ماما سألته عنك قالها أنه كان راجع من الشغل ولقاك مستخبية ورا شجرة وكنتِ خايفة أوي".


تذكر أشرف ذلك اليوم عدما سألت والدته ورد التي كانت حينها طفلة صغيرة عما حدث معها فأجابتها ورد بصوت متحشرج من كثرة البكاء:


-"في ناس وحشة ضربوا بابا وخدوني معاهم في العربية بس أن جريت منهم لما العربية بتاعتهم عطلت واستخبيت ورا الشجرة".


ربتت السيدة على كف يد ورد الصغير بحنو وتحدثت ببشاشة:


-"متخافيش يا حبيبتي ، محدش هيقدر يأذيك أو يعملك أي حاجة طول ما احنا موجودين جنبك".


بحث والد أشرف عن عائلة ورد حتى يعيدها إليهم ولكنه لم يصل إلى أي شيء فقرر أن يتكفل بورد ويقوم بتربيتها والاعتناء بها وكأنها ابنته التي أنجبها.


عاد أشرف من تلك الذكريات وقال:


-"الكلام ده أنتِ حضرتك مش فكراه ؛ لأنك كنت لسة صغيرة أوي ومع الوقت نسيتي اللي حصل معاك وبقيتي بتتعاملي مع بابا وماما على أنهم أهلك".


أضافت ورد بتهكم:


-"واتعاملت معاك على أنك أخويا بس أنت طلعت واطي وحقير".


اقترب منه قاسم وقال:


-"معلش بقى يا أشرف بس أنت بصراحة شخص قذر ومستفز أوي وأنا مقدرش أسيبك كده من غير سلام يليق بواحد زيك".


وقبل أن يفهم أشرف المقصود من تلك الكلمات عاجله قاسم بلكمة قوية استقرت في منتصف وجهه.


أخذ قاسم ورد وابتعدا عن هذا المنزل وعن هذه المنطقة إلى الأبد.


▪▪▪▪▪▪▪▪▪


-"خالد اقف وتعالي هنا البس هدومك عشان نروح فرح طنط أسماء".


صاحت ورد بتلك الجملة وهي تركض خلف ابنها "خالد" الذي يبلغ من العمر خمس سنوات.


أخرج خالد لسانه وتمتم بعناد:


-"لا مش هلبس البدلة دي عشان وحشة ومش عاجباني".


صرخت ورد بنفاذ صبر:


-"قاسم ، تعالى شوف حل في المفعوص ده بدل ما هطفش وأسيبلك البيت ؛ لأن دي مبقيتش عيشة".


حضر قاسم الذي انتهى للتو من ارتداء ملابسه ثم أخذ البذلة من ورد وقال:


-"روحي أنتِ البسي يا ورد وأنا هتعامل بنفسي مع القرد ده".


ذهبت ورد إلى غرفة نومها وجهزت نفسها ثم خرجت إلى الصالة وابتسمت بإعجاب عندما رأت خالد يقف بجوار قاسم ويرتدي البذلة التي كان يرفضها منذ قليل.


تأبطت ورد ذراع قاسم وقالت:


-"عاش يا أبو خالد ، محدش بيقدر على الولد ده غيرك".


وصلوا إلى قاعة الزفاف وصافحت ورد أسماء وباركت لها وهي تبتسم بسعادة نابعة من قلبها فقد تخطت أسماء حزنها على سامية التي توفيت في السجن منذ عام وقررت أخيرا أن تستكمل حياتها وتنسى تلك المصائب التي مرت بها.


كاد المأذون يعقد القران وينطق تلك العبارة الشهيرة "زواج مبارك إن شاء الله" ولكن لم ينطقها بسبب خالد الذي انتشل بطاقة العريس من يده وركض بعيدا فجرى الجميع خلفه وأولهم هذا العريس المسكين الذي انتظر أربع سنوات حتى وافقت أسماء على الزواج به.


-"والنبي يا ابني هات البطاقة الله يكرمك أنا عايز أتجوز".


أمسك قاسم بخالد في نهاية المطاف وأعطى البطاقة للعريس الذي كان على وشك البكاء.


عقد المأذون القران فتعالت الأغاريد وهكذا انتهت رحلة الدموع التي انهمرت لسنوات من عيني ورد التي عانت من الظلم القسوة ، وفداء وأسماء اللتان لحقتهما فضيحة ليس لهما ذنب بها سوى أنهما من عائلة لم تعرف قلوبهم الرحمة مطلقا.

تمت

تعليقات

CLOSE ADS
CLOSE ADS
close