فردوس الشياطين الجزء الاول
الفصل ( 2 )
~¤ أسفار ! ¤~
يخرج "سفيان" من الحمام مرتديا مئزره الأبيض ... ليجد فنجان القهوة الذي طلبه بإنتظاره علي الطاولة
يحتسيه كله علي ثلاثة جرعات ، ثم يتجه صوب خزانته الضخمة ..
عمد علي تنسيق بنطلون رمادي مع قميص أبيض يعزز تقاسيم بنيته الرياضية ، و أرتدي حذاء من نفس لون القميص ، ثم إنتقل لقسم الإكسسوارات و العطور
فإرتدي ساعة يد إبتلعت معصمه الأسمر العريض و إتخذ سلسلة فضية تدلت منها قلادة ثلاثية الأبعاد علي شكل مرساة السفينة
و أخيرا مشط شعره بخفة و رش عطره القاتم النفاذ بغزارة ، ثم أسرع إلي الأسفل ...
يقابل الخادمة في طريقه لتبلغه بوصول صديقه "سامح حمدان" المحامي ، خرج "سفيان" إلي الشرفة مسرعا فوجد صديقه يجلس هناك و يحتسي فنجانا من الشاي
تقدم نحوه و هو يهتف :
-سـآامح ! بنتي خرجت من المستشفى إزاي ؟؟؟؟
يرد "سامح" و هو يضع الفنجان علي الطاولة :
-صباح الخير يا سفيان
سفيان : بقــــــــولك بنتي خرجت من المستشفى إزاي ؟
سامح : طيب إزيك الأول !
سفيان بغضب : جرى إيه يا سامح
تنهد "سامح" و قال مبتسما :
-خلاص ماتتضايقش أوي كده .. بنتك خرجت من المستشفي مع أمها . الدكتور سمحلها بالخروج رجلها بقت كويسة و مافيش داعي تقعد أكتر من كده و هي كمان إللي طلبت تخرج
سفيان : و أنا قرطاس لب هنا صح ؟
أنا قولتلك أمها ماتشوفهاش لحد معاد المحكمة حصل و لا لأ ؟؟؟
سامح : حصل يا سيدي بس دي كانت رغبة بنتك هي قبلت تشوف أمها و إنت عارف الأمريكان عندهم Democracy و حقوق إنسان و ليلة بيضة و حضرتك عربي و مسلم هيسمعوا كلامك و لا كلام أمها الأمريكانية !!
سفيان بإنفعال : أمها الأمريكانية دي مدمنة خمرة و كانت محبوسة من 4 شهور في المستشفى . أمها ماتقدرش تراعيها و لا تاخد بالها منها دي ممكن تبيعها لو هتجبلها تمن إزازة ويسكي
سامح بثقة : ماتقلقش عليها ماتقدرش تعملها حاجة إحنا عندنا عيون برا و لا نسيت ؟
سفيان : نهــايته .. أنا عاوز أسافرلها إنهاردة شوف هتعمل إيه إحجزلي علي أول طيارة أو حتي شوفلي طيارة خاصة المهم أبقي عندها الليلة دي
سامح بإستنكار : يعني إيه إللي بتقوله ده ؟
ماينفعش تسافر اليومين دول شغلنا المهم و قضية عمك إللي إتقتل و إعلام وراثة و بلاوي زرقة عايز تسيب كل ده و تسافر ؟
سفيان : أه هسافر و إنهاردة إعمل إللي بقولك عليه من سكات
سامح : يابني إنت ماينفعش إللي بتقوله
طيب قول لسا قضية عمك بيتحقق فيها و مش مهمة . لكن الصفقة إللي عقدناها مع الجماعة الألمان . دول مابيهزروش و إنت عارف ماينفعش نتأخر عليهم
سفيان بصرامة : قلت هسافر يعني هسافر
يولعوا كلهم بجاز مايهمنيش و إنت عارف بردو .. ثم قام مكملا :
-أنا طالع أجهز شنطتي تكون جهزتلي رحلة علي هناك
و أعمل حسابك هتيجي معايا
و لم يعطيه "سفيان" فرصة للإعتراض ، فمضي مسرعا إلي الداخل و صعد لغرفته
إصطدم بأخته بالأعلي ، لتسأله :
-إيه يا سفيان ماشي متلهوج كده ليه ؟
سفيان : مستعجل . ورايا مشوار
وفاء بإستغراب : مشوار تاني ؟ رايح فين المرة دي ؟
سفيان بصوته القوي :
-رايـح أجيب بنتــي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تذهب "يارا" برفقة "هشام" إبن خالتها إلي منزلهم بعد أن ضمنته في القسم ...
تقابلها الخالة بحفاوة شديدة و تحضتنها بقوة و هي تهدل :
-يا حبيبة قلبي . يا روحي يا غالية يا بنت الغالية
مش عارفة أعملك إيه يا ريري بس فرحتي بيكي ماتتوصفش ربنا يخليكي لينا يا رب
يارا بإبتسامة متكلفة :
-ماتقوليش كده يا خالتو أنا ماعملتش حاجة بالعكس ده واجب عليا .. ثم نظرت نحو "هشام" و أكملت :
-أهم حاجة بس الأستاذ ده يتعلم من غلطه و يمشي عدل بعد كده
نظرت "سعاد" لأبنها و قالت بغيظ :
-ده الأستاذ ده له حساب تاني معايا .. و رحمة أبوك يا هشام ما هطول مني مليم و عربيتك إنساها هديها لأخوك كريم و المدرسة كمان مانتش رايحها
هشام : نعــم ! إيه إللي بتقوليه ده يا ست الكل ؟
مافيش الكلام ده إنتي بتكلمي عيل صغير !!
سعاد : أااه بكلم عيل صغير . لما تروح تمشي مع الصيع و تقلدهم في السفالة و قلة الأدب ده هيبقي إسلوبي معاك لحد ما تتعدل و أشوف ده بعيني
هشام بنظرات محتقنة :
-بقي كده يا ماما !
سعاد : كده يا روح أمك و إن كان عجبك
هشام : مآاااشي . بس إبقي إفتكريها .. و ذهب إلي غرفته
لتسمعه "يارا" يصفق الباب بعنف تهتز له الأبدان ..
-خبطة في نفوخك إن شاء الله يا قليل الآدب .. قالتها "سعاد" بصوتها الجهوري
فضحكت "يارا" بخفة و قالت :
-طيب عن إذنك بقي يا خالتو . همشي عشان إتأخرت علي ماما
سعاد بلطف جم :
-لأ يا حبيبتي تمشي إيه ؟ إنتي هتتعشي معانا ده أحمد زمانه جاي من الشغل و هيفرح أووي لما يشوفك .. و غمزت لها
يارا بضيق : معلش يا خالتو لازم أمشي
مرة تانية إن شاء الله
سعاد : طيب إستني أنا كنت عايزة أسألك سؤال
ردك إيه يا حبيبتي علي الموضوع إللي أمك كلمتك فيه
نظرت "يارا" لخالتها و قالت بجدية :
-بصي يا خالتو
أولا أنا مش بفكر في الجواز الفترة دي نهائي . ثانيا أحمد زي أخويا إحنا إتربينا سوا و أنا مش هقدر أبصله من منظور تاني
سعاد و قد تلاشت إبتسامتها :
-يعني إيه ؟ بترفضي إبني يا يارا ؟؟!!
يارا : يا خالتو بليز ماتزعليش مني
بس أنا من حقي إختار الراجل إللي هتجوزه . أهم حاجة عايزاها في الإنسان إللي هرتبط بيه إني أكون مليا عنيه و بصراحة سوري يعني إبنك صايع و بتاع بنات مقضيها و كل يوم مع واحدة
سعاد : يا بنتي دي إشاعــات و الله إشاعـآاات
إنتي بتصدقي كلام الناس ؟ طب و الله و ما ليكي عليا يمين احمد هو إللي كلمني عليكي بنفسه . يابنتي إنتي ناسية من و إنتوا أد كده و هو لازق فيكي ده طول عمره بيحبك
يارا بإبتسامة باهتة :
-طيب خلاص يا خالتو أوعدك هفكر في الموضوع تاني
يلا بقي سلام
سعاد : مع السلامة يا غالية . إبقي طمنيني لما توصلي
خرجت "يارا" من بيت خالتها و هي تتنفس الصعداء
ركضت نحو سيارتها و صعدت خلف المقود ، بحثت عن هاتفهها ، ثم أجرت الإتصال بوالدتها ...
يارا : أيوه يا ماما .. أه وصلت البيه .. أيوه خالتو فرحانة أوي
المهم يا ماما إسمعيني . عايزاكي تدخلي تحضريلي شنطة هدوم صغيرة كده .. مسافرة الفيوم أغطي تحقيق للجرنال
هاروح أحجز تذكرة القطر دلوقتي .. لازم أسافر الليلة دي عشان أكون هناك الصبح إن شاء الله .. حاضر . مش هتأخر .. سلام !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مطار العاصمة واشنطن , مقاطعة كولومبيا , الولايات المتحدة الأمريكية ... كان فرق التوقيت واضحا
عندما نظر "سفيان" في ساعة يده فوجدها تشير للحادية عشر مساءً بتوقيت القاهرة ، بينما في ساعة المطار الضخمة تشير إلي الخامسة صباحا
ضبط ساعته علي التوقيت الحالي ، ثم إلتفت إلي "سامح" قائلا :
-العربية وصلت يا سامح ؟
سامح : أيوه يا عم وصلت و الشنط طلعت
يلا بينا
و مضيا سويا إلي الخارج ، إستقلا سيارة ليموزين كانت في إنتظارهما ... ليجدا المحامي الأمريكي يجلس في مقعد بمفرده منتظرا قدومهما هو الأخر
-أهلا بكما ! .. قالها المحامي الإنجليزي بلغته الأم ، و تابع و هو يصافح "سفيان" بحرارة :
-سيد سفيان . سعدت بلقائك كثيرا
سفيان ماضيا بإنجليزيته الممتازة :
-سعدت بلقائك أيضا سيد چورچ
أخبرني من فضلك . كيف حال إبنتي ؟
چورچ : إنها في أحسن صحة . سترى بنفسك
بيت السيدة ستيلا لا يبعد كثيرا عن هنا . سنكون هناك في غضون خمسة عشر دقيقة
سفيان : حسنا جدا
و أعطي "چورچ" للسائق الأمر بالإنطلاق ، لتتجه السيارة إلي بيت السيدة "ستيلا براون" زوجة "سفيان الداغر" السابقة ..
وصلوا قبل الوقت الذي إقترحه "چورچ"
فترجل "سفيان" أولا و هو ينظر إلي ذلك البيت الذي يتألف من طابقين ، تحيط به المرج الخضراء و تطوقه أشجار الأرز العالية بجذوعها التي تغطيها الطحالب و تتدلي من أغصانها ..
تقدمه المحامي ، و مشي "سفيان" مع "سامح" جنبا إلي جنب ... شعر بقلبه يخفق في صدره كعصفور وجل ، فمع كل خطوة تتقلص المسافة أكثر بينه و بين إبنته التي لم يراها منذ كانت في العاشرة من عمرها
دق "چورچ" جرس المنزل و إنتظر لدقيقة ..
ففتحت "ستيلا" بنفسها
سيدة في منتصف الثلاثينيات ، بيضاء نحيلة ، متوسطة القامة ، شعرها الأشقر الناعم يصل إلي كتفيها ، و عيناها الزرقاء باهتة تحيط بها الهالات الناجمة عن السموم التي تتناولها ..
ما أن رأت "ستيلا" زوجها السابق حتي إبتسمت ساخرة و قالت :
-كنت أعلم إنك ستأتي في أسرع وقت . كيف حالك يا عزيزي ؟
أظلمت نظرات "سفيان" و لمحت "ستيلا" في وجهه هبوب عاصفة مدمرة لا تبقي و لا تذر ..
نطق أخيرا ، فقال لها بنبرة عدائية تحمل تهديدا صريح :
-ستيلا .. جئت لآخذ إبنتي !
ستيلا بإستخفاف : فلتأخذها طبعا و لا داعي للمحاكم و القضايا . إنها إبنتك أيضا
لقد كبرت و أصبحت بحاجة إليك أكثر مني .. و أكملت بمكر :
-و لكن بشروط يا حبيبي .. تفضلوا بالدخول أولا
و أفسحت لهم مجالا للدخول ...
ولج "سفيان" بعد "چورچ" و أتبعه "سامح" ... جلس الجميع بغرفة المعيشة ، و قبل أن يفتتح أيا منهم حديثا
إقتحمت "ميرا" المكان و علي وجهها إبتسامة مشرقة ..
نظرت إلي والدها بعدم تصديق ، و بدوره وقف "سفيان" يرمقها بشوق كبير .. إنطلقت "ميرا" نحوه حتي إستقرت بأحضانه
ضمها بحنان أبوي و هو يمسح علي شعرها الكستنائي الأملس ، لتهمس له بعربيتها الركيكة :
-دآادي . وهـشتني ( وحشتني ) كتيييييير
يبعدها "سفيان" عنه قليلا ، ثم يقول و هو ينظر لها بسعادة مفرطة :
-إنتي وحشتيني أكتر . ميرا حبيبتي
كبرتي !
ميرا و هي تنظر إلي وجهه المنحوت و تتأمل وسامته المتزايدة :
-و إنت لسا صغير ... زي ما إنت
كان "سامح" في وادٍ أخر ... كان يقف كالصنم ، مأخوذا بجمال تلك الحورية التي يستأثر بها صديقه
لم يصدق أنها إبنته ، هو يعلم أن له إبنة في مبتدأ سن المراهقة ، كان يتخيلها مجرد طفلة علي مطلع البلوغ
و لكن من رآها الآن أنثي بالغة بكل ما في الكلمة من معني ، أنثي بلغت كمالها ... إنها تشبه والدتها إلي حد كبير و لا شك ، و لكنه إستطاع رؤية أطوار صديقه طاغية عليها ..
حمحم "سامح" بإرتباك و قال و هو يواصل النظر للفتاة الجامحة التي تقف أمامه :
-هي . هي دي ميرا ؟ .. دي بنتك يا سفيان ؟؟!!
نظر "سفيان" له و قال بحدة :
-إيه يا سامح جرالك إيــه ؟
سامح بتوتر : مافيش حاجة . أنا قصدي ما شاء الله عليها يعني ماتخيلتهاش كده .. ربنا يخليهالك
و فشل أن يحيد عنها ، ليرمقه "سفيان" بضيق شديد ...
و هنا أعلنت "ستيلا" بصوتها الرقيق :
-و الآن لنتفق يا .. أبا ميرا
إذا كنت تريد إبنتك بدون مشاكل . فلتدفع ثمنها أولا ..... !!!!!!
يتبـــــع ...
تعليقات
إرسال تعليق