القائمة الرئيسية

الصفحات

متى تخضعين لقلبى الفصل الخامس والسادس

 


متى تخضعين لقلبى 

الفصل الخامس والسادس

بعد انتهاء الفطور انسحب فريد مرة أخرى إلى غرفة مكتبه بينما قررت حياة استئناف اكتشافها للمنزل، فقبل مقابلة عزة المثيرة للأعصاب كانت تنتوي الدخول للمطبخ فهو يعد من إحدى هواياتها المفضلة، أما الآن فهى تعلم جيدًا أن وجودها بداخله غير مرحب به!...
زفرت في ضيق ثم اكملت جولتها بداخل المنزل ولم تملك ألا الإعجاب به حقيقةً فكل ركن به مفروش بعناية وذوق رفيع، ولم يتبقِ لها سوى المطبخ لدخوله، وفي الحقيقة كان ينتابها الكثير من الفضول لرؤيته ورؤيه تأثيثه وتجهيزاته بعد كل ما ادهشها من زوايا المنزل، لذلك وقفت مترددة تحاول الوصول لقرار، ثم رفعت رأسها بكبرياء وقررت زيارته فهو في الأخير منزلها هي ولن يمنعها أحد عنه، وما أن خطت بداخله حتى رأت ثلاثة أزواج من العيون تناظرها ما بين مهتم ومستنكر ، زوج منهم أصبحت تعرفه جيدًا، أما الآخرين فغريبان كليًا عنها...
تنحنحت حياة بحرج وهي تقف في مدخله مترددة، وعلى الفور تقدمت نحوها سيدة ممتلئة الجسد، في منتصف الخمسينات من عمرها تقريبًا، قصيرة القوام ذو ابتسامة دافئة آحبتها حياة على الفور فبادلتها ابتسامتها بأشراق....
تحدثت السيدة بنبرة أكثر دفئًا، بينما تمد يدها في اتجاه الواقفة كي تحتضن كلتا يديها بحب متسائلة :
-اكيد أنتِ بنت آمنة حياة.. قصدى حياة هانم...

هزت حياة رأسها لها بأيجاب ثم بالنفى وهي لازالت تحافظ على ابتسامتها الواسعة :
-لا طبعًا أنا اسمى حياة بس.. وآه أنا بنت آمنة حضرتك تعرفيها؟!..

مسحت المرأة على شعر محدثتها بحنان ونظرات الإعجاب تملؤها قائلة :
-ماشاء الله.. آمنة عرفت تربي.. ليه حق فريد.. جميلة خلقًا وخُلقًا..

أخفضت حياة رأسها بخجل والأحمرار يغزو وجنتها فأضافت السيدة متمتمة :
-صحيح نسيت أعرفك بنفسي.. أنا عفاف المسئولة عن الطبخ والمطبخ هنا...

ثم اشارت إلى رجل في مقتبل الستينات من عمره كان يجلس على الطاولة بهدوء يتناول طعامه ولكنه نهض بمجرد دخولها ورؤيتها :
-وده بقي عمك رضا.. جوزى والجنايني بتاع الفيلا...

أومأ الرجل الستيني برأسه لحياة يحييها باحترام ووقار متفاجئًا من رد فعلها، إذا تقدمت نحوه تمد يدها في اتجاهه متمتمة في حبور :
-أزي حضرتك ياعم رضا...

أجابها معجبًا بسلوكها الودود :
-بقيت أحسن لما شفتك يابنتي.. ربنا يباركله فيكي..

متى تخضعين لقلبى - الفصل ٦

استيقظت حياة في صباح اليوم التالي والابتسامة تعلو ثغرها إذ عقدت النية على بدء خطتها الموضوعة بداية من اليوم فهي لم تنسى ولم تستسلم له، ولكن أول شيء عليها فعله عقد هدنة مع فريد، أو بالأدق ذلك ما سوف توهمه به، فهي لا تريد الاستمرار في معاملته على ذلك النحو الجاف حتى تنجح في صرف انتباهه عنها، فتجارب السنون الماضية علمتها جيدًا أنه كلما عاندت معه، كلما لفتت انتباهه أكثر وأكثر لها، وهذا أخر ما تود فعله تلك الأيام خاصةً وقد أصبحت تحت أنظاره دومًا....
فكرت أيضًا في البحث عن عمل حتى تستطيع الهرب من المنزل ومن صحبته أكبر وقت ممكن ولكنها تراجعت في أخر لحظة كي لا ترتبط بمسؤولية تمنعها من الهرب متى تحين لها الفرصة، وعليه قفزت من فراشها بسعادة بعدما نظمت داخل عقلها ما عليها فعله ورتبت كيفية فعله أيضًا، فقط يبقى التنفيذ...

وبعد قليل هبطت إلى الاسفل بمزاج رائق نوعًا ما عن الأيام السابقة، وكأن صفحة ماءُها عادت للهدوء بعد زوابع الأحداث الماضية، ثم توجهت مباشرةً نحو غرفة الطعام وكأنها تعرف جدوله لا إراديًا، فوجدته جالسًا ينتظرها دون حديث أو بدء طعامه دونها، أنه حقًا دقيق في مواعيده كالألة ولا يتأخر عنها ولو لثانية، هذا ما فكرت بِه حياة بتعجب وهي تطالع جلسته على رأس الطاولة التي لا يجلس عليها سواهم، مرتديًا بذلة رسمية سوداء تتناسب جيدًا مع تفاصيل جسده، بينما يُعبث بتركيز بأحد هواتفه الموضوعة أمامه وقد رفع نظره بمجرد وصولها الغرفة، إذ وصله عبيرها إليه قبلها، ثم بهدوء أومأ لها إيماءة خفيفة برأسه دون تعقيب، بل ظل يتأملها بردائها البسيط، حيث كانت ترتدي بنطال من الجينز مع قميص من نفس النوع واللون، فعكس الأزرق الداكن جمال بشرتها وأظهر تناسق قوامها الرفيع، بينما ارتبكت هي بنظرتها أمام نظراته المتفحصة لها دون قصد منه فحقًا أخر ما يود فعله هو إرباكها عن قصد أو إثارة شعور عدم الراحة بداخلها، اللعنة على ذلك التوتر الذي ينتابها في حضوره حتى إن لم يفعل شيء وكأنها طفلة تقف في حضرة مُعلمها!، إنها لا تخشاه في المجمل ولكن وجوده بجوارها يوترها كثيرًا دون وضع يدها على السبب الحقيقي لذلك الشعور المتزايد كلما مرت الدقائق في صحبته...
للحق أن حضوره بهيئته تلك ونظراته التي تُشبه نظرات الصقر ولا يفوتها حركة واحدة تستطيع إرباك أي شخص ولم تكن هي استثناء تلك القاعدة، على كلًا حييته تحية الصباح بأقتضاب، ثم جلست على مقعدها لتناول فطورها في صمت رتيب خانق، بالطبع كانت عزة هي من تشرف على تقديم الطعام الأمر الذي زاد من امتعاضها، فيبدو أن البارحة وعلى الغذاء كان وجود السيدة عفاف استثناء وسيحرص فريد جيدًا على ألا يتكرر ثانية، لذا قررت تجاهلها وتجاهل نظراتها هي الأخرى والشروع في تناول طعامها متجنبة كل المؤثرات الخارجية حولها، فأبدًا لن تسمح لهم بالضغط عليها أو إفساد تعاليمها بسبب سوء معشرهم كما قررت البارحة..
تناولا الطعام بصمت ففريد كان هادئًا بطبيعته ولا يتحدث كثيرًا منذ صغره وهذا ما أسعدها كثيرًا، ففي الحقيقة أخر شئ تود فعله هو مشاركته أية أحاديث ودية مهما كان تافهة أو بسيطة...

تعليقات

التنقل السريع
    close