القائمة الرئيسية

الصفحات

ملاك فى قبضة الشياطين الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر

اعلان اعلى المواضيع



  ملاك فى قبضة الشياطين

  الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

🌹🌷🌹🌷🌹🌷🌹🌷🌹🌷🌹

فى اليوم التالى عاد الآخرين الى المركب وقد قرروا البقاء فيه وترك الفندق ولم يعجب هذا التغيير كلا من كاميليا وجليلة , وخرج من فم تلك الأخيرة سيلا جارفا من الكلمات الأسبانية المستاءة وقالت كاميليا متبرمة وهي تشير الى زينة

- ما ذنبنا نحن فى أن تفسد رحلتنا بسببها .

تجهم وجه فراس وهو ينظر الى زوجته بعتب وأحمر وجه زينة حرجا وقد ساءها أن يتحدثوا عنها فى حضورها وكأنها غير موجودة , فقال ادم بضيق لينهى النقاش

- الموضوع ده مش هيطول .. بمجرد ما يوصل تصريح العمل الخاص بزينة هتنتهى مآساتكم.

لحقت نيكول بزينة فى غرفتها وفاجأتها بأعطائها حقائب مشتريات .. اتسعت عينا زينة بفرح ممزوج بالخجل

- كل الحاجات دى ليا أنا؟ .

ابتسمت لها نيكول وقالت

- نعم .. أنهم لكى .. لقد أوصاني آدم بشرائهم .

كانت سعيدة .. أصبح لديها ملابس خاصة بها وكان لدى نيكول حسا جيدا ولم تنسى أن زينة لا تملك أى شئ فأحضرت لها أيضا بيجامتين للنوم وملابس داخلية وخف وحذائين من المطاط وحقيبة صغيرة لأدوات التجميل فقدمت زينة الشكر لها بشدة من أجلهم وشكرت ايضا آدم برغم أستيائها منه .

طال بقائهم فى باليرمو العاصمة الصقلية الجميلة ليومين وقد حرمت زينة من رؤيتها ولكنها طالعت كتيب كان فراس قد أحضره لها عرفها على أهم معالم المدينة ونبذة عن تاريخها وكان قد قال لها معتذرا برقة

- أعرف أنه ليس كما ترينها على الطبيعة ولكن لا تقلقي سوف يحل الأمر قريبا .

قالت بأمتنان وصدق

- ده يكفيني بجد وشكرا على أهتمامك .

أتسعت ابتسامته وهو يتأمل فرحتها بكتيب صغير لا يساوي شيئا وقال

- أنتى قنوعة جدا .

ضحكت وقالت

- لا .. بالعكس .. أنت متعرفش انا اد ايه مشتاقة اشوف الاماكن دى على الطبيعة .. ده حلم حياتي .

نظر اليها بحنان فهي لم تفهم قصده وقال

- أعدك أن أحاول أن أحقق لك حلمك وأجعلك ترين كل ما تهواه نفسك .

عبست زينة وأغتمت عيناها وشردت بعيدا وراحت تتذكر عندما أخبرت خالد أن حلمها أن تطوف العالم ووعدها بقوة أنه عندما يتزوجا سوف يأخذها برحلة معه حول العالم ويومها تساءلت ان كان يمزح معها أم كان صادقا .. وللأسف كان صادقا .. كان سيجعلها تطوف العالم ولكن كسلعة تباع لكل رجل يدفع ثمنها .

تأخروا فى الرحيل على عكس ما كان مخطط له فوجهتهم الأساسية كانت مدينة نابولى ومنها كانوا سيستقلون الطائرة الى ميلانو ويبقون هناك أسبوعا ولكنهم استمروا فى بالريمو لسبب غير معلوم لها وقد فوجئت فى صباح اليوم الثالث عندما أستيقظت على خبر سفر ادم الى القاهرة فى عمل ... وبالطبع أستاءت جليلة من سفره المفاجئ وحولت اليومين اللذان غاب فيهما الى جحيم مستعر طال الجميع بلا أستثناء .. وذهلت زينة مما رأته منها وأستغربت من تحولها الرهيب وكان من الواضح انها الوحيدة التى فعلت .. فالجميع كان يعرف بطبعها الهستيرى ويعرفون كيفية التعامل معه وهو بالأبتعاد عنها وتجنبها عندما تثور ثائرتها .

واستقر فى نفس زينة أن ادم هو الوحيد القادر على منعها من أظهار طباعها الشريرة فهي لم تكن كذلك أثناء وجوده .. وهذا ما أكده لها بيدرو .. فقد قال لها

- سيد آدم هددها مرة عندما فقدت أعصابها على نيكول فى بداية الرحلة بأنه لن يسمح لها بأهانة ضيف لديه وأنه سوف يضعها على أول طائرة متوجهة الى بلدها ان لم تلتزم حدودها .. ليته لا يغيب طويلا .

تأسف بيدرو على غيابه وكذلك فعلت زينة فقد كان لهما النصيب الأكبر من مزاج جليلة العكر فسلطت سكاكينها على رقبتيهما ودفعت زينة خلال يوم واحد الى البكاء ثلاث مرات وكانت أذنا بيدرو تحمران بشدة وينكمش جبينه عندما توجه له السباب بألفاظ نابية بلغة وصفها بيدرو كما وصفها ادم من قبله بلغة الأزقة , وجاءت المواجهة الأصعب فى اليوم الثانى بعد العشاء وزينة فى المطبخ تجفف الأطباق عندما نزلت جليلة من السطح تحمل بيدها كوب قهوتها والشر فى نظراتها فشعرت زينة بالخوف ووقفت المرأة أمامها وبصوت غاضب قالت

- تعرفين أننى أشرب قهوتى بدون سكر .. ولكن هذه القهوة ليست كذلك .

قالت زينه بهدوء وأدب قدر ما أستطاعت

- أسفة .. يمكن أكون نسيت .. هعملك غيرها حالا .

أنتفضت زينة فزعا عندما صرخت جليلة فى وجهها قائلة

- أنتى كاذبة .. أنتى لم تنسى .. أنتى تعمدتى مضايقتى فالكل هنا يقوم بتدليلك حتى لم يعد هناك من تحترميه .

وبدون توقع ألقت بمحتويات الكوب على وجه زينة وكان السائل ساخنا ولكنه غير مؤذى صرخت زينة بذهول وغضب من تصرفها الوقح

نزل حميد وفراس مسرعين فقالت جليلة بغضب ساخر

- ها قد أتى الفارسين النبيلين لنجدة نعجتهم الصغيرة .. ينقصهم الفارس الثالث .. خسارة أنه ليس هنا.

قال فراس بغضب لجليلة

- ماذا فعلتى أيتها المجنونة ؟

بكت زينة وهي تشعر بالشفقة على حالها وحاولت تجفيف دموعها ووجهها الملطخ بآثار القهوة , وفى هذه الأثناء تشاجر حميد مع جليلة وكان غاضبا جدا بدوره كما لم تراه من قبل وكان لكلماته القاسية تأثيرا قويا على شقيقته فقد شحب وجهها بشدة وراحت ترتجف , لم تفهم زينة شيئا مما كان يقوله فقد كان يتحدث بالأسبانية ولكن نظرات جليلة البائسة ووجهها الذى حاكى وجوه الموتى شحوبا جعلها توجه شفقتها نحوها

تدخل فراس بينهما دافعا حميد فى صدره صارخا فيه بغضب

- كفى .. هل جننت أنت أيضا .. ما هذا الذى تقوله ؟

كانت كاميليا ونيكول قد نزلتا مسرعتين عندما تعالى صوت حميد ووقفت كاميليا مصعوقة ونيكول جاهلة مثلها لما يقال .

طلب فراس من كاميليا أن تأخذ جليلة الى غرفتها وتتأكد من راحتها , لم تعترض جليلة وذهبت صامتة مطرقة الرأس بصحبة كاميليا , أستدار فراس الى حميد وقال بغضب

- لقد تصرفت بحقارة لا لزوم لها .

- ما كان شئ ليوقفها وانت تعلم ذلك .

- ولكن ليس بتلك الطريقة ... أذهب اليها وحاول أن تطيب خاطرها .

تذمر حميد قائلا بحده

- ليس الأن .. لست فى مزاج لذلك .

ثم ألتفت الى زينة وسار اليها وأمسك بيدها قائلا برقة

- آسف لما بدر من شقيقتى .. وأؤكد انها لن تتعرض لكى مرة أخرى .

اندفع فراس وجذب زينة من ذراعها بعيدا عن حميد وقال متجهما

- أذهبي الى غرفتك وارتاحي يا صغيرة .

وكان هذا جل ما تريده بعد تلك المواجهة المؤسفة .

وأثناء توجهها الى غرفتها قابلت كاميليا وقد وقفت فى طريقها كي لا تسمح لها بالمرور فنظرت اليها زينة بتساؤل ولكنها أكتفت بالنظر اليها نظرة احتقار قبل أن تتجاوزها وتذهب .


**************

فى صباح اليوم التالى عاد كل شئ الى طبيعته تقريبا كان الهدوء الذي يلي العاصفة فقد كانت جليلة بعد شجار حميد معها بالأمس قد أصبحت هادئة الى درجة الأنطواء على نفسها ورفضت النزول الى المدينة ولأول مرة تراها زينة بدون زينة على وجهها فبدت أصغر سنا وأكثر ضعفا وقد أستلقت على سطح المركب واضعة نظارة سوداء فوق عينيها .

كما عاد ادم فى منتصف النهار وفرحت زينة بعودته وقد ذهب بيدرو الى المرفا ليأتي به ووقفت فى أستقباله لتحييه مع الجميع ولكنه لم يلقى عليها سوى تحية مختصرة وقد حيا الجميع بتحية أحسن منها وأشعرها ذلك بالبؤس الشديد , وفور وصوله أخذ حميد وفراس الى كابينة القيادة وغابوا بداخلها لأكثر من ساعة وعندما خرج بعد أجتماعهم توجه الى حيث تجلس جليلة وجلس بجانبها وقبل جبينها برقة بالغة حاضنا يدها بين يديه وراح يتحدث اليها بصوت هامس رأتهما زينة وأشاحت بوجهها بعيدا عنهما وذهبت الى حجرتها وغصة كبيرة فى حلقها وقررت قضاء بقية اليوم فى غرفتها وان أستدعاها أحد ستدعي المرض ولن تخرج ولكن زاد من بؤسها أنه لم يسأل عنها أحد أبدا , وفكرت بائسة .. من يدرى فقد يكون فراس وحميد أخبراه أنها السبب فى الشجار الذى حدث بالأمس وهو الأن يحملها الذنب فى سوء حالة حبيبته النفسية وقد يكونوا أثناء أجتماعهم قد توصلوا الى أنها سببت الكثير من المشاكل منذ مجيئها وأربكت برنامج رحلتهم ويفكرون فى صرفها من العمل ولن تلومهم فهم ليسوا مجبرين على حمل مشاكلها فوق أكتافهم .. شعرت بثقل المشاعر على قلبها وبكبرياء خرجت من غرفتها مرفوعة الرأس ... سوف تطلب من ادم أن يسمح لها بالذهاب قبل أن يطلب هو منها هذا .. سترحل من هنا وكرامتها محفوظة .

بادرها بيدرو قائلا عندما رآها وكان وراء البار يحضر المشروبات

- هل انتى بخير يا زينة ؟.. طلب منى سيد ادم أن أتركك ترتاحين وكنت أهم بأعداد العشاء وحدى .

لم تفلح زينة فى رسم أبتسامة على وجهها وقالت

- آسفه يا بيدرو .. سأذهب للتحدث مع السيد ادم ومن ثم أعود لمساعدتك .

طمأنها بأنه يستطيع أن يتدبر أمره بدونها ولكن قوله هذا لم يخفف عنها بل زاد من حزنها فحتى بيدرو ليس فى حاجة اليها , أستدارت لتذهب فأستوقفها بيدرو قائلا بصوت هامس

- على فكرة .. سيد ادم لم يبارح جانب الأميرة جليلة منذ مجيئه .. يحاول التخفيف عنها .. وقد أصبحت أهدأ حالا ولقد سمعته يتشاجر مع السيد حميد لأنه كان السبب فى تكديرها.. ليته حقا لا يذهب ويتركنا مرة أخرى .

صعدت زينة الى السطح وهي أكثر بؤسا .. صمت الجميع لدى ظهورها وتجهم وجه جليلة بعد ان كانت تبتسم بأشراق منذ لحظات , فقالت موجهة حديثها الى ادم بصوت مبحوح يخرج بصعوبة من حنجرتها

- تسمحلي بدقيقة من وقتك ؟

عبس ادم وقال

- مينفعش نأجل الكلام لوقت تانى ؟

شعرت بالحنق من البرودة التى يتحدث بها اليها وأصرت أن تبلغه بقرار رحيلها أمامهم جميعا لكى يبتلع غطرسته هذه

- على العموم اللى عايزة اقوله مش سر وأقدر أقوله دلوقتى ... أنا قررت أرفض الوظيفة اللى عرضتها عليا وأرجو أنك تسمح لبيدرو بأنه يوصلنى للمينا بكرة الصباح .

تجمدت ملامح ادم ونظر اليه حميد وفراس بحدة منتظرين رده وكذلك زينة فقال بعد لحظات من الصمت

- هنبقى نتناقش فى الموضوع ده بعد العشا .

ثم أشاح بوجهه تجاه جليلة يبتسم لها برقة وعادت زينة الى حجرتها قبل أن تبدأ فى البكاء والعويل ولم ترد على بيدرو عندما نادى عليها وبعد أن أغلقت عليها باب حجرتها أرتمت على الفراش وأنخرطت فى موجة أخرى من البكاء الحار , لقد بكت فى هذا المكان أكثر مما بكت طوال حياتها .. لم تكن أبدا فتاة نكدية تعشق البكاء والنواح بسبب وبدون سبب ولكن ماجرى لها كان كثيرا .. ومع مرور الوقت بدأت تدرك مدى بؤس حالها والورطة الكبيرة التى وقعت فيها , أفرغت كل طاقتها فى البكاء حتى شعرت بالخواء بداخلها وتوقف عقلها عن التفكير وجلست تحدق فى الجدار ساهمة وعندما دق باب حجرتها لم تطاوعها قدماها لتنهض وعجز صوتها عن الخروج لكي تدعو الطارق للدخول وبعد عدة طرقات أخرى فتح الباب ودخل ادم وعندما وقعت نظراته على وجهها الشاحب وعيناها الذابلتان من كثرة البكاء أسرع اليها يمسك بكتفيها ويقول بقلق

- زينة ؟

نظرت اليه وهى تشعر بالأعياء الشديد أرادت أن تتوسل اليه ألا يتركها ترحل فهى لن تتحمل البقاء فى السجن ولا ان تبقى وحيدة فى بلد لا تعرفه .. لم تعرف أن نظراتها قالت كل ما عجز لسانها عن قوله

فتأوه وضمها بين ذراعيه بحنان .. لم تنتفض فزعا ولم تبتعد وأراحت رأسها بأرتياح على صدره متلهفة الى ذلك الأحساس بالأمان .

بعد لحظات أبعدها آدم عنه وتمتم بتوتر 

- الأمور كده هتتعقد أكتر .

ثم وقف وخرج من الغرفة وهو يقول

- دقايق وهرجعلك .

لم تتحرك زينة من مكانها وكأنها فى حلم تنتظر بقية أحداثه , عاد ادم بعد دقائق يحمل كوب من عصير البرتقال وقرصين من دواء ناولها اياه فأبتلعتهما مع العصير دونما أعتراض , وبعد أن أنتهت أخذ منها الكوب ووضعه على المنضدة

- يلا قومى غيرى هدومك وحاولي تنامي شوية .

خرج مرة أخرى وأغلق الباب خلفه ,, أنها تحتاج حقا الى الراحة , أرتدت بجامتها وتكورت على الفراش كطفل صغير وأبتسامة على شفتيها , لقد كان قلقا عليها وأحتضنها وعاملها بحنان و .. أنقطعت أفكارها عند هذا الحد وسقطت فى غيبوبة من النوم العميق , وعندما عاد ادم بعد ربع ساعة وجدها مستغرقة فى النوم وحاجبيها معقودان وكانت تضم ركبتيها الى صدرها فألتوت شفتاه بتجهم ومال مقبلا جبينها برقة ثم سحب عليها الغطاء وأطفأ النور قبل أن يخرج ويغلق الباب خلفه بهدوء .


*************

وصل خالد أخيرا الى صقلية فى وقت متأخر من الليل وكان قد أستأجر طائرة خاصة عندما لم يجد طيران مباشر اليها كما تأخرت تأشيرة السفر .. 

لم يكن لديه صبر لكل ذلك وقد جاءته الأخبار بأن القارب الذي هربت زينة على متنه ظهر أخيرا فى ميناء باليرمو ولكن أي من الرجال الذين أستأجرهم لم يراها من ضمن ركابه ولكنه رجح بأنها لم تتركه لأنها لا تملك جواز سفر .

ولكن أكثر ما يخشاه حقا أن تكون قد تركت القارب فى أي ميناء آخر وتكون بذلك قد ضاعت منه وتكون مطاردته التى أستمرت لأيام وأنفاقه للكثير من الوقت والأموال لا معنى له .. المال غير مهم ولكن الوقت هو الأهم فكلما مر الوقت يعني أن يختفي أثرها عنه وفرصة عثوره عليها تصبح أضعف .

أخذته سيارة من المطار الى الميناء مباشرة وهناك أستقبله رئيس فريق البحث عند مدخل الميناء وعاجله بالقول فور نزوله من السيارة

- للأسف لقد أبحر القارب يا سيد خالد .

ثار خالد فى وجه الرجل

- وامتى حصل ده وليه مبلغتنيش قبل ما اجى ؟

- أبحر منذ ساعتين وقد حدث ذلك فجأة

زمجر خالد بوحشية وبدا وكأنه راغبا فى افراغ شحنة غضبه فى شخص ما فتراجع الرجل المفتول العضلات خطوتين الى الوراء قائلا بهدوء

- لا تقلق يا سيدي لقد قمنا بزرع عملاء لنا فى كل ميناء على طول البحر المتوسط وبمجرد أن يرسو فى اي منها سيأتينا الخبر عنه .

تمالك خالد أعصابه بصعوبة فكلما ظن أنه أخيرا سوف يقبض عليها تتسرب بعيدا من جديد .

قال :

- وايه اخبار اليخت اللى طلبت أأجره ؟

رد الرجل سريعا

- جاهز وفي انتظارك ومعد للأبحار فى أي وقت .

كان اليخت كما طلبه .. صغير وأنيق .. أستأجره من أجل زينة .. ليقضيا فيه شهر عسلهما .. لقد قرر عندما يجدها أنه سوف يتزوجها على الفور ويأخذها فى رحلة طويلة ليعوضها عما جرى لها فى يخت فريدريكا ولينسيها ما مرت به .. وكان مازال يحدوه الأمل فى أنها مازالت عذراء لم تمس .. كم يتمني لو يكون هو الرجل الأول لها .. لقد أخذ الكثير من الفتيات ولكن زينة هي كل ما يريد حقا ومهما كان ما حدث لها سوف تظل دائما الأنقى والأطهر بينهن جميعا .


**************

حاولت زينة فتح عيونها ولكن جفنيها كانا ثقيلين وجسدها هامدا , فركت عينيها ثم فتحتهما بعد جهد وتثاءبت بقوة وظلت للحظات لا تستوعب شيئا وضباب النعاس مازال يشوش على عقلها , ستارة النافذة كانت مفتوحة وقرص الشمس كان برتقاليا .. الشمس كانت على وشك الغروب ... الغروب ؟!! ولكن كيف ؟!! ومتى ؟!! عقدت حاجبيها تعصر ذاكرتها .. لقد نامت قبل منتصف الليل بساعتين على الأقل والأن الشمس تغرب ؟!!! لقد حدثت فجوة زمنية فى عقلها عبست بشفتيها وعقلها يحاول التركيز, المركب أيضا كان يسير بسرعة , كانت تستطيع الشعور بذلك وهى ترى السماء تتغير من خلال النافذة .. لقد أبحروا.. أبحروا ؟!! هبت جالسة وقد أتسعت عيناها من الصدمة وكل الأحداث التى جرت بالأمس راحت تتدفق داخل ذاكرتها , كيف يعقل أن تنام كل هذا الوقت ؟!! خرجت من الفراش بسرعة فشعرت بالدوار وسقطت على الفراش مرة أخرى , كان رأسها ثقيلا جدا ويؤلمها .. بحثت بعينيها عن الدواء المسكن للألام ولكنها لم تجده مكانه وهنا تذكرت قرصى الدواء اللذان أعطاهما لها ادم بالأمس وبعدها نامت كالميتة ولم تستيقظ سوى الأن بعد حوالى عشرون ساعة .. لقد خدرها , أعطاها حبوبا منومة .. لقد خطفها .. أنه يريد خادمة لخدمة أميرته .. عبدة لا تتجرأ على طلب المغادرة وعندما تفعل يقوم بتخديرها ليجبرها على البقاء صاحت بحنق

- هما فاكرين نفسهم ايه ؟ أميرة وتلاتة من الأقطاعيين وبنتين مرتزقة فاكرين نفسهم ملوك وغيرهم عبيد .. طيب .. انا هسمعهم رأيي فى عنجهيتهم الفارغة , فاكرين اني بنت ضعيفة ومغلوبة على أمري عشان مليش أهل ولا مال .

ثم فكرت بآدم بمرارة .. لقد راح يظهر لها الرقة بالأمس عندما شعر بتمردها ثم خدعها .. وكيف سمحت له بأن يحتضنها ؟!! ..

بدلت ملابسها ودخلت الى الحمام وعندما خرجت لم تجد أحدا فى حجرة الجلوس أو على سطح المركب الذى كان يسير بأقصى سرعة له وقد فردت الأشرعة جميعها , حسنا أنه على الأقل لا يسير بمفرده وسوف تجد أحد ما بكابينة القيادة.


****************

قال فراس بقلق موجها حديثه الى ادم الذى كان يضع بعض العلامات على الخريطة الملاحية

- ادم .. أذهب لتطمئن على زينة لقد نامت لوقت طويل وأنا أخشى أن يكون لهذا الدواء أثارا جانبية لا نعلمها .

- اتطمن .. أمى بتاخذ منه من سنين .. هو آمن تماما .

أندفعت زينة الى الغرفة وهي تقول بأنفعال

- أنت خدرتنى .. وخطفتنى .

أدى الأنفعال الى جعلها تترنح فمازالت تعانى من تأثير المخدر فأسرع فراس لمساندتها ومساعدتها على الجلوس وهو يقول

- يالها من مسكينة .

قال ادم بغيظ وهو يناوله زجاجة مياه

- المسكينة دى كانت بتمارس هوايتها المفضلة فى التصنت علينا .

قال فراس معترضا وهو يفتح زجاجة الماء ويعطيها لزينة

- مهلك عليها .

تناقلت نظرات زينة بينهما بوجه شاحب ثم أنفجرت بالبكاء

تحرك آدم بعصبية وقال

- هو ده بس اللى فالحة فيه .. العياط .

أتهمه فراس قائلا

- أنت تخيفها .

قالت زينة من بين شهقاتها

- أنت .. خطفتنى .

شخر آدم ساخرا وفتحتى أنفه تنتفخان غيظا وقال لفراس

- خدها وطلعها من هنا .

شهقت زينة ووقفت بحدة تقول بشجاعة

- أنا ليا اسم .

صاح ادم بصوت هادر جعلها ترتجف رعبا

- فراس .. خدها من قدامي حالا .

سحبها فراس الى خارج كابينة القيادة وقد رحبت زينة بذلك فالوقوف أمامه كما الوقوف فى وجه بركان ثائر كما أخبرها بيدرو من قبل .

أخذها فراس الى المطبخ وأجلسها على مقعد عالى أمام البار وناولها محرمة ورقية لتجفف بها دموعها ثم صنع لها شطيرة مكونة من اللحم والخس وشرائح الطماطم ووضعها فى طبق أمامها فقالت

- شكرا .. مش جعانة .

- يجب أن تأكلى فأنتى لم تأكلى شيئا منذ ظهر الأمس .

أنصاعت زينة لأرادته وأكلت ... وعندما أنتهى من اعداد القهوة لكليهما كانت قد أجهزت على الشطيرة كلها فقال ضاحكا

- ألم تقولى أنك لست جائعة .

أبتسمت زينة بخجل وقالت

- مكنتش فاكرة انى جعانة للدرجة دى .

وضع كوب القهوة أمامها فقالت

- شكرا .

قال فراس

- لا تغضبى من ادم هو شخص عصبى قليلا ولكنه طيب القلب .

- طيب ليه عطانى حبوب منومة .

أجابها بهدوء

- على حسب ما قال لى أنك بدوتى فى حالة مزرية بالأمس عندما ذهب ليتفقدك وأنك كنت بحاجة للنوم والراحة .. وهو لم يأخذ قرارك بالرحيل عنا على محمل الجد فقد بدوتى وكأنك تعانين من ضغط نفسى جعلك تأخذين قرارا لم تحسبى مدى عواقبه ولقد أتفقت معه فى ذلك .. فمثلا الى أين كنتى ستذهبين وليس معك جواز سفر ولا تملكين مالا ولا عملا .. هل فهمتى؟

هزت رأسها ايجابا وقالت

- بس انا سببت ليكم مشاكل كتير .. خربت برنامج الرحلة واتسببت فى الخناقة اللى حصلت بين سيد حميد واخته .

ربت فراس على يدها وقال مطمئنا

- أنتى لستى مسؤلة عن طباع جليلة السيئة وشجارهما شئ عادى يحدث دائما .. ولا تقلقى من أنك عبئ علينا سينتهى كل هذا قريبا .. لقد سافر حميد الى اسبانيا ليستخرج لكى جواز سفر وأوراقا تستطيعين بها التنقل معنا دون أى قلق .

نظرت اليه بدهشة

- جواز سفر ليا أنا من أسبانيا ؟ .. ازاى ده ؟

أرتشف فراس القليل من قهوته ورد بخفة وهو يتجنب النظر الى عينيها

- قلنا ان كان لكى هوية أوروبية فهذا سيكون أسهل .. ولن يسبب لكى المشاكل فى المطارات والموانئ فأنتى تعرفين ما يعانيه العرب هذه الأيام من صعوبة الحصول على التأشيرات.

سألته وقد تحولت دهشتها الى ذهول

- تقصد أوراق مزورة ؟

لوح فراس بيده

- لا .. أعني أنها لن تكون مزورة كما تعتقدين .. ستكون حقيقية ولكن بأسم وجنسية مختلفة ..

- أنا مش شايفة فرق .

تنهد ثم قال بجدية

- أفهمينى جيدا يا زينة .. عندما سافر ادم الى القاهرة تحدث مع محاميه عنك فأخبره بصعوبة استخراج أوراق بديلة لكى بسرعة .. فعرض حميد علينا فكرته ووافقنا عليها ... فحميد وعائلته لهم نفوذ قوى فى أسبانيا ويستطيع الحصول لكى على هذه الأوراق بسهولة .. نحن اناس شرفاء ولا نلجأ الى هذه الحيل فى العادة ولكننا وعدناكى أن نحميكى ونساعدك .

تجنبا للنظر فى عينيها أخبرها ان هناك المزيد مما يرفض الأفصاح عنه وهى قررت أن لا تسأل .. أو خشيت أن تسأله فليس هناك الا سبب واحد يجعلهم يلجأون الى أخفاء هويتها .. وهو أنهم قد يكونوا عرفوا بجريمتها ويريدون حمايتها والتستر عليها .

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 ملاك فى قبضة الشياطين

  الفصل الثالث عشر

---------------------------------

عندما انضم اليهم حميد في نابولى استدعى آدم زينة الى كابينة القيادة وسلم لها جواز السفر الأسبانى وتصريح العمل الصادر من مكتب شركتهم بمدريد,. لم تفاجأ عندما رأت صورتها التى تصورتها لأستخراج جواز سفرها المصرى موجودة به, اخذتهم منه وهى مطرقة الرأس ودون ان تنبس بكلمة واحدة وقال لها ادم

- مفيش داعي اى حد يعرف بالموضوع ده غيري أنا وأنتى وحميد وفراس بس .

هزت رأسها ايجابا وقالت بصوت مخنوق

- زينة : طبعا عرفتوا اللى انا عملته ؟

- خالد : ايوة ومن اول يوم

- زينة : بس انا والله كنت بدافع عن نفسي .

- عارف واحنا مش بنلومك على اللى حصل .. لكن أتطمني مفيش اى قضايا عليكى .

رفعت رأسها اليه قائلة بلهفة وقد تهلل وجهها

- بجد ؟

ابتسم لها احدى ابتساماته النادرة وقال

- بجد .. ولكن فى اللى بيدور عليكى منهم .. فالهروب من الناس دى مش سهل وهما مبيسمحوش بحد يهرب منهم حفاظا على سرية عالمهم القذر .

قالت بتعاسة ... فلم تستمر سعادتها الا لحظات وقد عاد الخوف اليها

- ووجودى معاكم ممكن يسبب ليكم مشاكل ؟

- متقلقيش علينا .. احنا نقدر نحمى نفسنا ونحميكى كمان .

قالت بأمتنان صادق

- أنت طيب اوى .. كلكم طيبين معايا .

مازحها قائلا

- يعنى انا مش قاسى ومتعجرف ؟

أحمر وجهها حرجا ولكنها بادلته المزاح بعفوية

- أحيانا بتكون كده .

قام من مقعده وغمز لها مازحا

- ياريت ترسى على بر .. أنا محبش التخبط فى وجهات النظر .

ثم دفعها الى الباب وهو يقول

- يلا روحى جهزي شنطك .. فأخيرا هتقدرى تحطى رجلك على أرض حقيقية .


**************

لم يبقوا فى نابولى سوى ليلة واحدة استقلوا بعدها الطائرة الى ميلانو وكانت اول مرة تستخدم فيها زينة جواز سفرها الأسبانى وعبرت به امام رجال الجمارك والشرطة ,, كانت فى البداية خائفة ومضطربة خوفا من ان يفتضح امرها ولكن لم يحدث شئ خاصة وأن حميد كان يرافقها أثناء عبور الجوازات ويتحدث اليها بالأسبانية فتجيبه بأبتسامة أو بهزة رأس وأحيانا ببضعة كلمات كان قد علمها طريقة لحفظهم وعندما أصبحت فى الطائرة تنفست الصعداء وبدأ بالها يهدأ ومخاوفها تنزاح .

ميلانو .. عاصمة الموضة والأزياء على مستوى العالم وملتقى أشهر مصممى الأزياء ومحبى التسوق .. لم تصدق زينة ما رأته فى تلك المدينة .. كل هذا الكم من المحال التجارية الفخمة حائط لا نهاية له مليء بالواجهات الزجاجية والعلامات التجارية البراقة والأسعار التى لا تستوعبها .. بداية من الهدايا التذكارية والازياء بمختلف انواعها الى جانب الأحذية الرائعة والحقائب الى ان تصل الى الماركات والعلامات العالمية الشهيرة .. ولاحظت أن السياح فى ميلانو يهتمون بالتسوق أكثر مما يهتمون بالأماكن الأثرية والتاريخية التى تتميز بها هذه المدينة العريقة وهذا ما أكتشفته وهى بصحبة سيدات المجتمع الراقى حيث كانت تقضى وقتا مملا ومتعبا بصحبتهن .. لم تكن تشاركهم الحديث ولا يأخذون وجودها معهم بعين الأعتبار تسير خلفهم كالخادمة تحمل لهم مشترياتهم وتتحمل عجرفتهم عليها وقد آلمها هذا الوضع كثيرا ولكنها كانت مضطرة لتحمله فليس أمامها بديلا, كان ادم قد طلب منها هذا قائلا

- هتكونى معاهم فى اى مكان يروحوه وعينك تبقى عليهم ومتبعديش عنهم لحسن تتوهى .

ثم أعطاها أجر أسبوعين من راتبها

- وده جزء من مرتبك عشان لو حبيتى تجيبى حاجة لنفسك .

ولكنها لم تجد الفرصة لصرف يورو واحد ,, فقد كن يقضين ساعات الصبح فى مركز التجميل للتزيين والتدليك وزينة تجلس تنتظر بملل .. و بعد الظهر يتناولن الغداء وبعدها يذهبن للتسوق وشراء أشياء لا يحتجن اليها وينتهى الأمر بها وهى تحمل أكياس وحقائب لا شأن لها بهم وفى المساء ينضم اليهن الرجال ويخرجون للعشاء والسهر وهنا ينتهى عملها وتلتزم زينة حجرتها تتناول عشاءها وتنام باكرا بسبب الأرهاق حتى الصباح وكانت تتساءل بأستغراب .. ألا يشعران أبدا بالأرهاق ؟!!

كانت تفضل لو تخرج لمشاهدة معالم المدينة والتعرف على سكانها وثقافتهم ولكنها يجب أن تعمل مقابل الأجر الذى يدفع لها فهى ليست فى أجازة مثلهم .

وفي اليوم قبل الأخير لهم فى ميلانو كان كباقى الأيام التى سبقته .. صالون التجميل فى الصباح وجلسات التدليك يليها غداء سريع فى الثانية عشر ثم التسكع فى المحلات والأسواق وعندما عادوا الى الفندق سبقتهم زينة بالدخول تحمل الأكياس والأرهاق بادي على وجهها ولم ترى ادم وحميد وهما يخرجان من المصعد ويسيران بأتجاهها وارتجفت عندما أستوقفتها يد ادم وهى تقبض على ذراعها ويسألها بدهشة عابسا وهو يشير الى الحقائب التى تحملها بيديها وتحت باطها

- ايه الشنط دى كلها .. كل المشتريات دى ليكى أنتى ؟

ردت بصوت مرهق رتيب

- لا مش ليا .

ثم أشارت برأسها الى الخلف حيث الجميلات يتهادين بخيلاء من ورائها وقالت

- دى حاجتهم هما .

تحول العبوس على وجهه الى غضب مكبوت وتأوهت زينة .. ماذا فعلت له الان ؟!! أخذ منها الحقائب وطلب منها أن تصعد الى حجرتها وهز لها حميد رأسه اليها آسفا .. ولكنها لم تفهم .

وفى حجرتها أخذت حماما سريعا وعندما خرجت من الحمام رن جرس الهاتف وجاءها صوت ادم

- انزلى أنا مستنيكى تحت .

أغلق الهاتف دون ان يسمع ردها فوضعت السماعة وسارت الى خزانة ملابسها التى تحوى القليل جدا من الملابس وتناولت بنطلونها الجينز الوحيد من الرف وأرتدته مع التى شيرت البولو الخاص بعملها على المركب , نزلت الى البهو لتجد أدم ينتظرها وحده .. لم يكن لديها الفضول لتعرف سبب أستدعاؤه لها وعندما وقفت أمامه لم تقل شيئا بل هو من قال

- يلا بينا .

أخذها خارج الفندق لتجد سيارة أجرة فى أنتظارهما وفتح لها الباب الخلفى وهنا بدأ القلق يتسرب الى حواسها بعد ان رأته يجلس بجوارها فسألته بتوتر

- احنا هنروح فين ؟

رمقها بنظرة جانبية سريعة ثم سألها بهدوء قائلا

- ليه مقولتليش عن الطريقة السافلة اللى بيعاملوكى بيها ؟

نظرت اليه بدهشة وقالت

- افتكرت ان ده جزء من شغلي .

تحرك بعصبية بجوارها فأنكمشت تبتعد عنه عندما شاهدته يتحدث بعنف

- عملك يقتصر على المركب بس .. هنا فى مئات من الناس اللى يقدروا يخدموهم .

- بس انت طلبت مني أن أفضل معاهم و..

قاطعها بحدة

- طلبت منك ده عشان متكونيش لوحدك .. عشان تستمتعي بوقتك مش أنك تكوني عبدة عندهم .

تمتمت بصوت منخفض

- آسفة .. انا فهمتك غلط .. لو كنت أعرف كده كنت فضلت انى أقضى الوقت لوحدى .

- للدرجة دى كانت صحبتهم سيئة ؟ .

هزت رأسها أيجابا بقوة وأخرجت كل ما كان يعتمل بداخلها وقد انطلق لسانها

- ايوة .. مكنوش بيسيبوا محل فى المدينة مبيدخلوش فيه ويشتروا حاجات كتير من لبس لشنط لجزم ... أقسم أنهم مش هيلاقوا وقت للبسهم كلهم من كترهم .. ده غير الأكسسوارات وأدوات الزينة والهدايا ومش فاهمة ايه سبب مرواحهم كل يوم لصالون التجميل .. تعرف أنت ليه ؟

ألتوت شفتاه بأبتسامة مرحة جعلتها تبتسم له بدورها لقد غيرت الأبتسامة من ملامح وجهه وجعلته وسيما أكثر وارتبكت نظراتها وهى تلتقى بنظراته الجديدة عليها وتذكرت تلك اللحظات فى غرفتها عندما ضمها بين ذراعيه بحنان .. فرمشت بعينيها .

- طيب انتى كنتى هتضيعى وقتك فى ايه غير اللف فى المحلات ؟

أعتدلت بحماس

- أشوف الأحياء القديمة اللى فيها الروح الحقيقية لميلانو .. أزور المتاحف والأثار التاريخية .

وكان لها ما تمنت .. وفى ساعات النهار الأخيرة زارا كل ما استطاعا من أماكن سياحية أشتهرت بها المدينة الأيطالية .. الكاتدرائية القوطية ديومو والتى تعتبر من أكبر كاتدرائيات أوروبا وأشهرها كما أخذها لزيارة مركز التسوق القريب من الكاتدرائية وهو الأقدم فى العالم وعندما قال لها أسمه (جاليري فيتوريو إمانويلي الثانيز ) أنفجرت ضاحكة وهى تقول

- أسمه طويل جدا وصعب .

ولكنه كان سوقا رائعا وأعجبها أكثر من مراكز التسوق الحديثة .. فعراقته تعطيه هيبة ورونقا خاصا .. ثم ذهبا الى قلعة سفورتسى ومتحف الفنون الحديثة ومتحف بريرا وقد أستعان آدم بأحد العاملين بالمتحف ليحدثهم عن اللوحات وقد كان سعيدا بطلبه ويشعر بالفخر وهو يشرح لهما تاريخ اللوحات المعروضة وأسماء الفنانين وبأى أسلوب رسمت وماذا أراد الفنان أن يظهر من خلال لوحاته وراح آدم يطرح أسئلة تقنية تنم عن ثقافة فنية .. تمنت زينة لو تصبح يوما مثله ملمة بكل هذه المعرفة .

عادا الى الفندق فى الثامنة مساءا ودعاها آدم أن تنضم اليهم فى مطعم الفندق لتناول العشاء .. لكنها رفضت بأدب وتحججت بأنها متعبة ولكن من داخلها كانت تود قبول دعوته ولكنها لن تشعر بالراحة بصحبتهم خاصة مع جليلة ورفيقتاها .


****************

أستيقظت زينة فى التاسعة صباحا وكلها حماس وتشعر بالحرية .. ستكون ساعات الصباح كلها لها لتتجول فى الشوارع والأسواق وتشترى بعض من التذكارات التى كانت قد أعجبتها بالأمس وهى بصحبة آدم وقد عجزت عن شرائها كى لا يصر على دفع ثمنها , 

أغتسلت وأرتدت الملابس التى كانت ترتديها بالأمس ورفعت شعرها كذيل حصان ثم رتبت حقيبتها الصغيرة .. ففى الخامسة من بعد الظهر سيستقلون الطائرة عائدين الى نابولى , فتحت الباب لتذهب ففوجئت بنيكول تقف امامها فقالت بدهشة

- صباح الخير .

أبتسمت لها نيكول بأشراق

- صباح الخير .. هل انتى ذاهبة الى مكان ما ؟

قالت زينه بتوجس

- ايوة .. كنت هتمشى شوية فى المدينة وأشترى شوية حاجات ليا .

أطرقت نيكول رأسها بخجل وقالت

- كنا أشرارا وعاملناك بطريقة سيئة .

رق لها قلب زينة وقد شعرت بصدقها وقالت تخفف عنها

- متشغليش بالك .. انا مشتكتش .

- كنا نذهب الى مراكز التجميل يوميا ولم نسألك مرة ان كنتى تحتاجين الى تصفيف شعرك وكنا نتسوق بالساعات ولم نبالى عن حاجتك الى شراء شيئا .

كانت نيكول محمرة الوجه تشعر بالذنب وتأنيب الضمير أندفعت زينة وعانقتها وربتت على ظهرها قائلة بمرح

- بس بقى لحسن هتخلينى أبكى .. أنا بجد مش زعلانة .

أبتسمت لها نيكول شاكرة وقالت

- أذن دعينى أكفر عن ذنبى وآخذك للتسوق بنفسى سيكون اليوم لكى وحدك ما رأيك .

بهت وجه زينة وهى ترى الحماسة التى تتكلم بها نيكول .. لقد ضاعت خطتها فى مهب الريح وتأوهت داخليا .. يوما آخر فى مراكز التجميل والتسوق ؟ رأت نيكول ترددها فقالت بسرعة

- لا تقلقى لن آخذك الى الأماكن الغالية التى كنا نذهب اليها .. أعرف محال تبيع بأسعار مخفضة جدا .. لا تنسى أننى لست ثرية مثلهم وأعرف أماكن بعينها .

ظلت زينة مترددة فتابعت نيكول تحمسها

- سنتناول اولا افطارا ايطاليا حقيقيا ثم نذهب لتصفيف شعرك فهو بحاجة الى عناية أنتى تهملينه كثيرا .. وبعدها تشترين بعض الملابس .. ها .. ما رأيك ؟

فكرت زينة للحظات ووجدت ان نيكول على حق .. ما المانع لو تهتم بشكلها قليلا لتصبح أنيقة وجميلة مثلهم .

- موافقه .. يلا بنا .


*****************

تناولت زينة ونيكول أفطارهما فى مقهى يضع طاولاته على الرصيف .. كان المقهى مزدحم بالسياح وبالأيطاليين أيضا تناولا فطائر محشوة بالمربى الطازجة وبعدها توجها الى صالون تجميل صغير كانت نيكول تعرف صاحبته التى قالت لزينة

- سوف أمنحك خصم خمسون بالمائة أكراما لنيكول .

ووضحت لها نيكول قائلة

- لقد عملت عارضة أزياء لأحدى دور الأزياء الشهيرة هنا في ميلانو وعشت فى هذه المدينة لمدة عامين ولي بها معارف وأصدقاء كثر .

غسلت لها المرأة الأيطالية شعرها وقامت بقص أطرافه التالفة وأعتنت ببشرتها وفى مركز التسوق تركت نيكول المحلات الرئيسية وأخذتها الى الشوارع الجانبية حيث المحال الصغيرة التى تعرض بضائع مع خصم كبير .. وكانا فى احد المحال عندما تلقت نيكول أتصالا هاتفيا من جليلة .. تجهم وجه نيكول وهى تستمع اليها وابتعدت زينة لتتركها تتحدث على راحتها .

أنتقت زينة ثوبا وأستدارت لتريه لنيكول ولكنها رأتها تنظر الى هاتفها المحمول عاقدة الحاجبين .. فأعادت زينة تعليق الثوب مكانه وتقدمت منها تسألها

- ايه مالك .. انتى كويسة؟

نظرت اليها نيكول وحاولت رسم أبتسامة على شفتيها ولكنها فشلت

- أنا آسفة جدا يا زينة .. سأضطر أن أتركك وحدك .. كنت قد نسيت اننى وعدت جليلة وكاميليا أن أذهب معهما لشراء بعض الأغراض .

- ولا يهمك روحى أنتى .. ومتقلقيش عليا .

- هل تستطعين العودة وحدك الى الفندق ؟ .... يجب أن نكون فى المطار فى الخامسة على الأقل ؟

- ايوة اعرف ارجع .. متقلقيش ومش هتأخر فى الرجوع .

أعتذرت لها نيكول مرة أخرى قبل أن تتركها وتنصرف مسرعة وشعرت زينة بالشفقة عليها فهى تخشى أغضاب جليلة وتتصرف على عكس طبيعتها لأرضائها .

تجولت زينة بين المحال التجارية الصغيرة حتى عثرت على الثوب الذى يناسبها ويناسب ميزانيتها كما أشترت حذاء وحقيبة صغيرة تليق به وتناولت الباستا بالصلصة الحارة على الغداء وتنفلت بالشوارع وشاهدت بعض الأثار الرومانية وفى ساحة كنيسة سانتا ماريا تعرفت على بعض السائحين منهم زوجين من سويسرا يقضيان شهر عسلهما فى أيطاليا وآخر مكان زارته كان مكتبة أمبروسيانا وهناك تذكرت والدها مختار وشعرت بالذنب ... كم جعلها خوفها على نفسها ان تصبح أنانية .. أستمرت بحياتها وهي لا تفكر بما يشعر به والديها الأن تجاه أختفائها وأصبح كل همها أن تنسى ما مر بها ,, على الأقل يجب أن ترسل لهما رسالة تطمئنهم فيها على حالها ان لم تستطع الأتصال بهما وقررت أن تفعل ذلك

فور عودتها الى الفندق ستطلب من فراس أن يعيرها هاتفه لترسل منه رسالة الى والدها .

عادت زينة الى الفندق تحمل حقائب مشترياتها وصعدت الى غرفتها مباشرة ولكنها فوجئت بها مفتوحة وعاملات النظافة يقومن بتنظيفها ونظروا اليها بأستغراب وهى تدخل الى الحجرة وبعد حوار قصير أسرعت الى مكتب الأستقبال ووقفت شاحبة الوجة والموظف يؤكد ما قالته عاملة النظافة بالأعلى.. لقد تم سداد حساب غرفتها كما تم لبقية غرفهم .. لقد رحلوا وتركوها .

كانت الساعة الثالثة والنصف وموعد الطائرة فى السادسة كما أخبرها آدم بالأمس هى لم تتأخر.. هل كانت خطة للتخلص منها ؟ ان تأخذها نيكول الى التسوق ثم تتركها ليتسنى لهم ترك الفندق وهى غائبة ؟

خرجت زينة الى الشارع والدموع تنساب من عينيها غزيرة .. لقد صرفت كل المبلغ الذى أعطاها اياه آدم ولم يتبقى معها سوى القليل .. دعت الله أن يكفي ثمنا لسيارة الأجرة الى المطار .

وفي المطار سألت عن مكان وموعد الطائرة الذاهبة الى نابولي وبحثت بين المسافرين في صالة الأنتظار ولكنها لم تراهم بينهم وراقبت حتى آخر مسافر .. انسابت دموعها غزيرة وسارت هائمة على وجهها الى خارج المطار ..

عادت الى الفندق بالحافلة العامة .. كانت تتشبث بأكياس المشتريات فى يدها بقوة وراحت تدور حول الفندق تفكر وتحاول أن تطمئن نفسها أنهم ربما يكونوا قد نسوها وسيعودون من أجلها فى أي وقت , لفتت تحركاتها وحالتها المضطربة التى كانت فيها نظر أحد رجال الشرطة ولمحته يقترب منها .. فأسرعت الخطى كى تبتعد قبل أن يصل اليها .. وأثناء هروبها وجدت نفسها قد أبتعدت كثيرا عن الفندق وتاهت فى الشوارع المحيطة به ...

غربت الشمس وبدأ الليل يفرض وجوده وتلألأت أنوار أعمدة الأنارة والمحلات ..

وكان قد أستبد بها اليأس أخيرا وهي تعبر الطريق مشوشة الذهن ودون أن تنتبه للسيارات القادمة من الأتجاهين وأنتفضت بذعر وهى تسمع صوت المكابح وأبواق السيارات العالية وبعض السائقين الذين راحوا يعنفونها على قلة حرصها وهى تعبر الطريق , دق قلبها بسرعة من الخوف وأصبحت ساقيها هشتين .. فجلست على سور نافورة مياة تتوسط الميدان الذى لا تعرف أسمه ودموعها تعود لتنساب على وجنتيها , سمعت صوت شخص يصرخ بأسمها فرفعت وجهها بلهفة لترى آدم يعبر الطريق الذى عبرته منذ لحظات .. وقفت تحدق فيه لا تصدق عينيها .. لقد عاد .. ركضت تجاهه بلهفة فضم جسدها النحيف المرتعش بين ذراعيه بقوة وقالت باكية وذراعيها تحيطان بخصره ووجها مدفون فى صدره

- كده تسيبنى وتمشى .

مسح على شعرها وهو يقول بأنفاس متقطعة

- مستحيل أسيبك وامشى .. كان سوء فهم لعين .. أنا آسف .

نعم هذا ما كان يخبرها به قلبها .. فآدم ما كان ليتركها بتلك الطريقة ويرحل .. وان أراد تركها لقال ذلك فى وجهها ولماذا يلجأ الى الحيل والغدر وكذلك حميد الذي خاض مشقة فى أستخراج أوراق رسمية لها وفراس لن يطاوعه قلبه الطيب لأن يتركها فى الشارع وحيدة .

- انا حسيت بالرعب وأنا شايفك بتعدى الطريق بالطريقة اللى عديتى بيها .. كنتى هتضيعى نفسك .

أبتعدت عن ذراعيه بخجل ونظرت اليه والأبتسامة تنير وجهها , كان قلقا عليها وظهر ذلك جليا فى شحوب وجهه وسألها وهو يتفحص وجهها

- انتى كويسة ؟

هزت رأسها ايجابا فأخذها وجلسا عند نافورة المياه ونظر الى حقائب مشترياتها وقال

- أشتريتى ايه ؟

- أشتريت فستان وشنطة وجزمة .

نظرت اليه فأخلتج وجهه ورقت نظرات عينيه

- ده انا بقالى ساعات قالب الدنيا عليكى .. ما كنش المفروض تسيبى الفندق على طول كده .. انا رجعلتلك وقالولى انك اول ماعرفتى اننا مش موجودين سيبتى الفندق على طول وخرجتى.

أخبرته أنها ذهبت الى المطار وبحثت عنهم هناك

قال بتجهم

- احنا قدمنا ميعاد السفر وحجزنا طيارة خاصة .

وأخبرها أنهم أخذوا الحقائب الى المطار على أساس أن تلحق بهم زينة وبقية النساء الى هناك ولكنه فوجئ بأنهم جاءوا من دونها فشرحت له ما حدث مع نيكول فجز على أسنانه بغضب وسألها بتجهم

- انتى خوفتى ؟

- ايوة

انتفض جسدها لا اراديا وهي تتذكر ساعات الخوف والقلق التي قضتها قبل ظهوره

قال مبتسما

- طيب هقولك على حاجة يمكن تسعدك وتخليكى تنسى اللى حصلك النهارده .

أتسعت أبتسامته وهو يراقب تلهفها

- باباكى عمل العملية وهو دلوقتى بقى زى الفل وكمان اتطمن عليكى انك كويسة قبل ما يدخل غرفة العمليات

نظرت الى وجهه غير مصدقة .. كيف يعرف والدها وكيف عرف بأنه أجرى الجراحة وأنه بخير وأكثر ما تريد معرفته كيف وصلت أخبارها الى والدها ومن الذي قام بذلك ؟ رد على كل أسألتها

- لما كنت فى القاهرة كلفت المحامي الخاص بيا انه يتواصل مع عيلتك ويطمنهم عليكى.

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 ملاك فى قبضة الشياطين

  الفصل الرابع عشر

----------------------------------

عادت زينة الى المركب وشعرت بأنها تعود الى بيتها ...

أقلهما بيدرو من الميناء ووجدا حميد وفراس ونيكول فى أستقبالهما وكان أستقبالا حافلا جعل زينة تضحك بسعادة .

لحقت بها نيكول الى غرفتها وعانقتها وأعتذرت لها قائلة :

- أنا آسفة جدا زينة .. أنها غلطتى عندما تركتك وحدك.

قالت زينة بتسامح

- ولا يهمك حبيبتى .. حصل خير .

جلست نيكول على طرف الفراش وقالت

- أعتقد أن جليلة وكاميليا قصدا أن تفوتك الطائرة .

نظرت اليها زينة بدهشة وقالت :                

- معقول ؟

- نعم .. عندما أتصلت بى جليلة ونحن معا أخبرتنى أن الأمر ضرورى وأنها فى حاجة الى مشورتى لشراء شئ ما .. ولكننا قضينا الوقت فى التسكع بين البازارات ولم نشترى شيئا ثم أخذنا سيارة أجرة الى المطار مباشرة وعندما قلت لهما ماذا عن زينة ؟ قالت هى ذهبت برفقة الباقيين الى المطار .. كان آدم وفراس وحميد غاضبيين بشدة وكنت أنا المذنبة من وجهة نظرهم وكان لديهم الحق .. ما كان يجب أن أصدق جليلة وكاميليا .. أنهما تكرهانك وتغاران منك .

حملقت زينة فى وجهها بذهول

- بيغيروا منى أنا ؟.. طب ليه ؟

أبتسمت نيكول بحزن

- لا تنصدمى بتلك الطريقة .. أنا أيضا أغار منك ولكنى لا أكرهك مثلهما .

ضحكت نيكول بمرارة لعدم التصديق البادي على وجه زينة وتابعت

- يا الهى يا زينة .. أنتى تبخسين نفسك حق قدرها .. أنتى تملكين ما نعجز نحن عن أسترجاعه ولو امتلكنا اموال الدنيا كلها .. تملكين الطهر والبراءة .. طيبة القلب والوفاء .. نقية كالملاك .. كل واحدة منا ضحت بالغالى والنفيس لتحقق أحلامها .. جليلة وبرغم ثراء أسرتها الفاحش باعت نفسها لرجل بعمر جدها لتحصل على لقب .. سجنها وعذبها وحطم روحها وحصلت على اللقب فى النهاية .. وفى المقابل بماذا ضحت ؟ .. ضحت بشبابها وبحب عمرها .. كان آدم يحبها بشدة وحطمت قلبه عندما تركته والأن تحارب كى تسترجعه .. أما كاميليا فهى عاهرة بورقة زواج .. هدفها المال .. وتبحث عن اللذة مع أى رجل يعجبها .. الخيانة تسرى فى دمها ولم يعد للشرف وجود فى قاموس أخلاقها .. وأنا .. أنا أبنة فلاح فقير من قرية صغيرة بلبنان كرهتها منذ صغرى لبعدها عن الحضارة .. كنت أرى نفسى أرفع مقاما وأجمل من أن أضيع شبابي فيها .. فتركت عائلتى وأصدقائى وذهبت الى باريس .. كذبت وتحايلت وأنكرت أهلى وقطعت صلتى بهم جميعا حتى أدخل الى عالم الأضواء والشهرة .. كنت أصاحب المنتجين وأتعلق فى أذرع المخرجين والرجال الأثرياء .. كلما رأيت فرصة لأرتفع درجة لم يكن يهمنى فوق من سأخطو وأنا أعتليها حتى قابلت حميد .

أنسابت الدموع من عينى نيكول , جلست زينة بجوارها تربت على كتفها تواسيها

- انتى حببتى حميد ؟

- أحببته كثيرا .. أعرف بما تفكرين .. الجميع هنا يظن أننى أسعى وراء المال , عارضة الأزياء المغمورة التى تسعى لتصبح عشيقة ملياردير ليرفع من شأن مهنتها وينفق عليها ببذخ .

قالت زينة بصدق

- بس انا مش بفكر زيهم .. يكفينى أن أشوف نظراتك ليه عشان أعرف مشاعرك ناحيته .

أبتسمت نيكول بحزن وقالت

- أنتى طيبة جدا يا زينة ..

- أنتى معرفتهوش انك بتحبيه ؟

- كان بيننا أتفاق .. علاقة دون ألتزام .. ولا أمل لى فى أن يغير رأيه .. هو لم يحبنى ولن يفعل .. رآنى فى حفل أزياء بباريس وأعجبته ولم أكن أعرفه ولم أسمع عنه من قبل وبعدها جاءنى عرض للعمل مع دار أزياء مشهورة وعرفت من وكيلى أن رجل أعمال مغربي هو من رشحنى لهذا العمل وقال لي أسمه وبدأت البحث عنه على شبكة الأنترنت ووقعت فى حبه بمجرد أن رأيت صورته ورحت أحلم بلقائنا وأصنع فى خيالى مئات السيناريوهات بيننا .. وفى يوم العرض وأنا أسير على الكات وواك كنت أدير بصرى بين الحضور أبحث عنه .. ورأيته ينظر الي وعيناه تلمعان وتضحكان لي كدت أطير وألقى بنفسى بين ذراعيه وأخبره كم أحبه .. وبعد آخر ظهور لى وجدته ينتظرنى خلف المسرح وقام بالشئ الذى تمنيته وحلمت به .. أخذنى بين ذراعيه وعانقنى وطلب منى أن أخرج معه .. تماما كما يحدث فى الأفلام الرومانسية وقضينا معا أسبوعا رائعا فى باريس وعندما قرر العودة الى بلاده وعمله طلبت منه أن يأخذنى معه .. فوضع الشروط التى أخبرتك بها ووافقت أنا عليها بدون تردد ..

قالت زينة بحزن

- وافقتى أنك تكوني عشيقة ؟

ردت نيكول بخزي

- كان عندى أمل أن يغير رأيه وتتحرك مشاعره تجاهى ويقع فى حبى بدوره .. وها أنا الأن أعطيته كل ما يمكن أن أعطيه وفى المقابل لم أحصل على شئ مما تمنيت .. ربما كلمة وداع لطيفة ووعد بأن نظل أصدقاء هذا ما سأجنيه فى نهاية علاقتنا .. فالرجل وخاصة الشرقي لا ينظر لعشيقته بأحترام كافي ليتزوجها ولا مجتمعنا يقبل بذلك.

قالت زينة بشفقة

- معاكى حق .. وناوية تعملى ايه ؟ .. هتستنى لما هو اللى يقولك مع السلامة ؟ .. مبقتش محتاج لخدماتك دلوقتى ؟

نظرت نيكول اليها برعب حقيقى وقالت

- ماذا تقترحين ؟.. أن أتركه أنا ؟.. لا أستطيع .. لوتبقى لى ثانية واحدة أقضيها معه سأبقاها ولن أفوتها .

- اعملى كده عشان كرامتك .. عشان أحترامك لنفسك .

- سأموت لو فعلت

- هتموتى فى الحالتين .. لكن لو انتى أنهيتى علاقتك بيه هتموتى وكبريائك محفوظ.

هزت نيكول رأسها بأسى

- معك حق .. وأنا أشعر بأن هذا اليوم سيأتى قريبا فحميد قد تغير من ناحيتى وينتظر فقط حتى يجد بديلة لى أو حتى تنتهى الرحلة .

وقفت نيكول وكفكفت دموعها ثم قالت بحزم

- سنبحر الليلة الى موناكو .. وستكون محطتى الأخيرة مع حميد فلدي عقد عمل ينتظرني مع احدى دور الأزياء الباريسية كنت قد أجلته من أجله .

أبتسمت لها زينة وقالت

- مشتقتيش لعيلتك وأصحابك ؟.. وجودك فى وسطهم فى الفترة دى هى اللى هتهون عليكى الم البعد عنه .

ضحكت نيكول ولمعت عيناها بحنين

- نعم صحيح .. فكم أشتاق اليهم .. تصنع أمى أحلى فطائر التوت .. وأخى جان لديه الأن طفلين لم أراهما الا فى الصور .

ثم نظرت الى زينة وتابعت بحماس

- هل ذقتى من قبل جبن الماعز يا زينة ؟

- لا .. مأكلتهاش قبل كده .

- مزرعتنا تصنع أروع جبن ماعز .. لدينا معمل صغير لصناعته .

- شوقتينى انى ازور مزرعتكم وادوق من عندكم جبنة الماعز .

- سأترك لكى رقم هاتفي وعنوانى فى باريس وعنوان مزرعتنا بلبنان .. فقد تأتين لزيارتى يوما ما وستجدينى فى أى منهما .


****************

علاقة زينة بكاميليا وجليلة أصبحت محفوفة بالمخاطر .. تشعر بنظراتهما مسلطة عليها كالخناجر التى تسعى الى طعنها طوال الوقت ولكنها كانت تشعر أيضا بأنها محمية .. ولولا ذلك لفتكا بها منذ زمن بدليل محاولتهما الخائبة للتخلص منها فى ميلانو وأصبحت نيكول مقربة أكثر من زينة وراحت تتجاهل جليلة وكاميليا .. كما أنها أخذت بنصيحتها وأبلغت حميد بقرار تركها له بمجرد أن يصلوا الى موناكو وقابل حميد قرارها بذهول شديد فهو لم يعتاد أن تقوم أى أمرأة بتركه .. هو من يفعل ذلك عندما يمل منهن ولاحظت زينة أنه كان ينظر أحيانا الى نيكول بحيرة عندما تكون غير منتبهة له وحاولت كاميليا أستغلال ما حدث بين نيكول وحميد لصالحها وكان نتيجة ذلك مشاجرة عنيفة وقعت بينه وبين آدم .

كانت زينة تقوم بتحضير أبريق من القهوة عندما مر بها آدم خارجا من غرفته وطلب منها أن تصب له كوبا وتحضره اليه فى كابينة القيادة وعندما لحقت به بالقهوة أصطدمت بكاميليا وهى تخرج مندفعة من الكابينة بوجه شاحب وشعر مشعث وبعدها تعالى صراخ آدم الغاضب على حميد ووقفت زينة تتابع المشهد بوجه شاحب مصدوم

- هى قذارتك دى ملهاش حدود .. انت مش بتكسف من من نفسك ؟

- حاول حميد يائسا أن يدافع عن نفسه

- أنا لم أفعل شيئا.

- انت هتنكر اللى انا شوفته بعينى ؟

أحتد حميد بالقول

- لا يحق لك أن تحكم على الأشياء من وجهة نظرك أنت فقط .

لكمه آدم بقوة فى وجهه فنزفت الدماء من أنفه وسقط على الأرض فشهقت زينة بصدمة وهى تقف فى مكانها ومازالت بيدها صينية القهوة عاجزة عن التصرف , ظهر فراس بجوارها وعلى وجهه علامات القلق وكان شعره مبتلا وملابسه غير مهندمة دليلا على أنه خرج مسرعا من غرفته على صوت الشجار , قال فراس وهو ينظر الى الدماء التى تسيل من أنف حميد بفزع وقال :

- ما الذى تفعلاه بالله عليكما ؟.. اتتشاجران بتلك الطريقة ؟..

وأقترب من حميد وربت على كتفه يساعده على الوقوف

- هل أنت بخير يا حميد ؟

أطرق حميد برأسه وأنكمش بعيدا عنه ورجحت زينة بأنه يشعر بالخجل مما قام به فى حق صديقه الذى يقف الأن ملهوفا وقلقا عليه , نظر فراس الى آدم الذى يقف بجسد متوتر من الغضب وينظر الى حميد وكأنه يهم بضربه مرة أخرى وقال بغضب يعنفه

- ما الذي فعله لك لتضربه بتلك الطريقة .. ألم تتعلم أبدا السيطرة على غضبك ؟

أغلق آدم عينيه بقوة وأشاح بوجهه بعيدا فى حين سقط حميد على الأريكة ودمعة تنساب على وجنته أخفاها بسرعة وهو يطرق برأسه , نقل فراس نظره بينهما وقال بحدة

- ألن يخبرنى أحدكما عن سبب ما حدث للتو ؟

- أنا ..

ألتفت الثلاثة الى زينة بحدة عندما تكلمت وتابعت وهى تبتلع ريقها ووجهها محتقن وهى تقول :

- أنا السبب فى الحقيقة وأنا آسفة للى حصل .. الاستاذ حميد كان بيهزر معايا .. و .. وأنا مش متعودة على الهزار ده .. فالاستاذ آدم افتكر أنه .. أنه ..

تلجلجت زينة فى كلامها ولم تستطع المتابعة وودت لو يصدقها فراس الذي أقترب منها وأخذ الصينية من يدها ووضعها على الطاولة ثم أخذ يديها بين يديه وقال برقة

- لا عليكى يا زينة .. لا تخافى .

ولدهشتها نظر الى حميد بغضب وقال

- تستحق تلك اللكمة .. ألم نحذرك من عدم الأقتراب من زينة ولو على سبيل المزاح ؟

تمتم حميد مجاريا لكذبتها

- أنا آسف .. لم أقصد أن أضايقها .

ربت فراس على يد زينة

- أذهبى أنتى يا زينة الأن .. ستكون الأمور على ما يرام وأعدك أن لا يعود حميد لمضايقتك مرة أخرى والا ضربته بنفسي هذه المرة .

ألقت زينة نظرة تجاه آدم وحميد قبل خروجها ووجدتهما ينظران الى فراس بقلق وبشئ من الريبة وكأن به خطب ما .

خرجت زينة وهى تشعر بالراحة .. كانت خائفة من أن يعرف فراس السبب الحقيقى وراء الشجار الذى وقع بين صديقيه فهذا كان كفيلا بأن يحطم صداقتهما الى الأبد , 

وجدت زينة كاميليا تقف فى وسط غرفة الجلوس شاحبة الوجه تنظر الى الباب المؤدى الى السطح بخوف وكانت تتوقع أن ترى أى أحد آخر غير زينة لهذا أنقلب وجهها الى الكره الشديد وسألتها بصوت حاد

- ما الذى حدث هناك بالأعلى ؟

نظرت اليها زينة بأزدراء ثم أشاحت بوجهها قائلة

- أتطمنى .. الاستاذ فراس معرفش حاجة .

علت الراحة محياها وزفرت بقوة , دخلت زينة الى المطبخ بعصبية وهي تهز راسها باشمئزاز وكانت تود لو تلقى بشئ قاسى فى وجهها , فراس رجل طيب ورقيق المشاعر وتلك الخائنة الدميمة القلب لا تستحقه .

شعرت كاميليا بالغضب من طريقة زينة فى النظر اليها فهاجمتها وهى تجذبها من ذراعها من فوق البار

- من تظنين نفسك أيتها الخادمة الغبية لتنظرى الي هكذا .. هه ؟

سحبت زينة زراعها منها بحدة

- أبعدى ايدك عنى وأنا مش خدامتك ... ومش قادرة أفهم ازاى الاستاذ فراس مكتشفش حقيقتك القذرة لغاية دلوقت .

ضحكت كاميليا بقبح

- ومن قال بأنه لا يعرف .. لماذا تزوجني فى رأيك ؟ .. هذا لأنه يريد أمرأة قادرة على اسعاده وليست فتاة خرقاء مثلك ومثل زوجته الأخرى لا تعرف شيئا عن فن الأغواء .

لم تكن تعرف أن لفراس زوجة أخرى فقالت بأنفعال

- أنتى انسانة سافلة .

لم تغضب لنعتها لها بالسافلة وقالت ضاحكة بأستهزاء

- والرجال يفضلون السافلات .. الرجال يبحثون عن المتعة بأستمرار .. حتى وان تزوج الرجل من فتاة بريئة لتنجب له الأولاد وتكون الواجهة الوقورة أمام الناس كما فعل فراس فهو يبحث بعدها عن امرأة حقيقية مثلي .. تجعل لياليه حمراء بلا ألتزام كامل وبلا وجود للأطفال .. زواج هدفه الوحيد المتعة والأستمتاع .

أحتقن وجه زينة بشدة وهي تستمع الى ضحكة كاميليا الساخرة والتى أستمرت تتردد فى اذنها حتى بعد انصرافها .

هذا بابا آخر فتح فى وجهها ليريها جزءا جديدا وقبيحا من العالم

كم أن الشهوة والرغبة تقود صاحبها الى الدرك الأسفل من النار .. أن يستبدل ما هو حلالا طيبا بما هو حراما فاسدا .. ما الفرق بين العلاقة التى تجمع بين كاميليا وفراس والعلاقة التى بين نيكول وحميد وتلك العلاقات الشائنة التى كانت تحدث على يخت فريدريكا .. كلها علاقات للمتعة كما أن هذا زواج للمتعة وهو أسوأ بأن تتحايل على الشرع والدين لتبرير الزنا .

- زينة ؟

أدارت زينة رأسها بحدة ونظرت بغضب الى حميد الذى أقترب منها بوجه متجهم ومازالت أنفه دامية ويضع عليها محرمة ورقية , قال بأندفاع

- أقسم لكى أنني لم أبدأ معها ذلك .

قالت بغضب ومازالت مواجهتها مع كاميليا حية فى رأسها

- لكن زى العادة مش بترفض عرض من ست جميلة .

زفر بقوة وقال متجهما

- معك حق أن لا تثقي بي .. ولكنني هذه المرة برئ حقا .. هي من حاصرتني هناك ورفضتها ولكنها كانت لحوحة وعندها دخل آدم ورآنا .

أرادت زينة أن تصدقه فيصعب عليها تصديق الخيانة أو تقبلها خاصة عندما تكون من أقرب الناس اليك .. كما حدث معها فقد تعرضت للخيانة من أقرب شخصين اليها .. أختها وخطيبها .

- زينة .. أحتاج حقا الى تصديقك لي .. أنتى فقط من أهتم لرأيها بي .

نظرت اليه بدهشة فتابع بنظرات جادة

- أظن أنني أكتفيت من العبث والعلاقات التى بلا معنى وأحتاج الى من تحمل أسمي وأثق من أنها ستصون عرضي .

فتحت فمها بذهول فتابع بسرعة

- أعرف أنك تفاجأتى .. كما أعرف رأيك بي وقد يدفعك ذلك الى رفضي ولكن لا تتسرعي وفكري جيدا بالأمر .. أنتى بحاجة لمن يحميكى ويوفر لكى مستقبل آمن وأنا قادر على فعل ذلك .

صوت خطوات ثقيلة على الدرج جعلته يقول بسرعة

- فكري أرجوكى .

ثم أنصرف الى غرفته .

ظهر آدم أمامها متجهم الوجه وأقترب منها قائلا

- شكرا للى عملتيه فوق .. أحيانا بفقد أعصابي فتسوء الأمور .. فراس مكنش هيغفر لحميد عملته لو عرف اللى حصل .

هزت رأسها متفهمة فتابع بتثاقل

- اد ايه بقيت اتمنى تنتهى الرحلة دى ... لانى اكتفيت من كمية الغباء اللى شوفتها .

ثم أبتسم ساخرا وقال بنظرات مازحة لزينة

- من بدايتها وهي مليانة بالأحداث المثيرة .

حاولت أن تبتسم له وهي تقول

- وطبعا أنا اول الأحداث المثيرة دى .

ضحك فأتسعت أبتسامتها وقال

- مقدرش انكر ده .

ضحكا معا فتبدد التوتر من داخلهما , تنهد آدم ثم قال بجدية

- أقولك حاجة ؟

- ايه ؟

- وجودك غير كتيرا من الحاجات اللى كنا بنعتبرها من المسلمات .. كلنا بقينا حاسين اننا نمشى على جمر من النار ..

لم تستوعب تماما ما كان يقول وعيناه راحت تتأملها بأمعان وتابع بجدية شديدة

- ايوة .. هو ده .. جمر من نار ممكن يحرقنا ويحرقك معانا .. أو ممكن يحرقنا احنا وأنتى لأ ... لانك سبق ونجيتى منه .

تغيرت أبتسامتها لأبتسامة قلقة وقالت بحذر

- أنا مش فاهمة .. تقصد ايه ؟

- انا مش عايز أخوفك .. خليكى زى ما أنتى .. كفاية عليكى اللى عشتى فيه .. دى مشكلتنا .. والعيب فينا احنا مش فيكى أنتى .

ثم ربت على وجنتها برقة و تركها وانصرف

وقفت زينة مذهولة تنظر فى أثره تفكر فى كلماته الغامضة بقلق .

- أنتى .. ماذا حدث هناك بالأعلى ؟

أنتفضت زينة .. فهي لم تشعر بخروج جليلة ووقوفها أمامها .. نظرت اليها زينة وقالت

- ايه ؟

كررت جليلة بنفاذ صبر

- سألت ما سبب الشجار الذي حدث ؟ لقد كنتى حاضرة على ما أظن .

يبدو أن جليلة قد فشلت فى معرفة ما حدث من الأخرين لذلك أضطرت أن تلجأ اليها ولكن زينة ما كانت لتخبرها بشئ رفض أصحاب الشأن اطلاعها عليه فقالت بهدوء يغلب عليه الأدب

- للأسف وصلت متأخرة ومقدرتش أفهم حقيقة اللى حصل .. اللى شوفته بس هو أنف الاستاذ حميد وهو بينزف .

ضاقت عينا جليلة عليها بغضب وقالت

- فهمت .. أنتى لن تقولي شيئا فربما كنتى السبب فيما حدث .

أحمر وجه زينة وقررت أن لا ترد عليها فتابعت جليلة بحدة

- منذ ظهورك بيننا والخلافات التى تحدث كلها بسببك أنتى .. بداية من تغيير مسار رحلتنا ليتوافق مع ظروفك .. ونهاية بالشقاق الذي حدث بين نيكول وحميد وكاميليا وفراس .

شهقت زينة بأستنكار وأرادت أن تنكر ولكن طلب حميد للزواج منها والذي نسيته عاد الى ذهنها وجعلها تعود لأغلاق فمها ... ولكن ما علاقتها بكاميليا وفراس ؟

تابعت جليلة بحقد

- وآدم .. أصبح شغله الشاغل أن يحول دون وقوع المشاكل .. ولكنه لن يحميكي كثيرا فقد فاض بنا الكيل وأنا خاصة فقد أصبحت لا أطيقك لدرجة لا تعلمينها .

ثم ذهبت تدب الأرض بقدميها بغضب ..

نظرت زينة حولها بيأس تدعو أن لا يظهر أحد آخر ليزيد من حيرتها وبؤسها وألقاء المزيد من الهموم على رأسها .


ادسنس وسط المقال

تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS