القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية سل الغرام بارت 41و42 للكاتبه مريم غريب


 ( 41 )


_ لا تكتمل ! _

لأول مرة ترى "سمر" روضة أخرى تعادل جمال روضة مدينتها و مسقط رأسها _ الاسكندرية _ مدينة العراقة و مواطئ التاريخ السحيق 

كانت تقف هنا، بأعلى نقطة بأفخم فندق يتكبّد العاصمة النيلية الساحرة... في شرفة تطل مباشرةً على نهر النيل.. ريّان الصفحةِ.. العذبِ.. مهيب المنظر.. و أطول أنهار الكرة الأرضية قاطبةً ! 

أمواجه هادئة.. لا تشبه أمواج البحر التي عهدتها... لونه أزرق متلألئ تحت آشعة الشمس الساطعة.. يخيّل إليها بأن له رائحة.. كالمِسك أو أقرب تعبيرًا 

لقد قضت الليل كله تتطلع إليه من حيث كانت مضطجعة بالداخل برفقة زوجها.. عبر واجهة الشرفة الزجاجية ذات الميزة اللامرئية التي تتيح للرائي من الداخل فقط تبيّن ما بالخارج ... 

كانت ليلة استثنائية.. زاخرة بالمشاعر... و كما رجا منها، نسيت كل شيء بصورة مؤقتة لينعما معًا بلحظاتٍ من السلام و المحبة.. المحبة فقط 

سمعت "سمر" في هذه اللحظة جرس الجناح يدق يتبعه صوتًا يصيح من الخارج : 

-Room service ! 

تلمح "سمر" أثناء إلتفاتها للخلف خروج زوجها من دورة المياه متآزرًا بروب الاستحمام القصير و يضع منشفة حول عنقة لتتلقى قطرات الماء المنسابة من رأسه .. 

كان قد اختفى لثوانٍ بالمدخل المؤدي لباب الجناح، ليعود متجهًا صوبها و هو يدفع بقدمه عربة طعام الفطور، و في نفس الوقت يحمل في كلتا يداه صندوقان مستطيلان و باقة زهور حمراء ... 

-إيه الحاجات دي !! .. قالتها "سمر" بتساؤل و هي تشير بسبابتها إلى ما بيديه 

ترك "عثمان" تلك الأغراض جانبًا و أقبل عليها قائلًا بابتسامة شقية : 

-مش في صباح الخير الأول يا بيبي ؟ و لا عشان كنتي نايمة و ماعرفتش أصبح عليكي كويس عدتيها كده.. بس تصدقي قميصي هياكل من جسمك حتة !

و رفع نظراته عن معاينة قميصه السماوي الذي إرتدته زوجته دون غيره من الملابس، و مد ذراعه ليلفه حول خصرها و يشدها نحوه بقوة .. 

ارتطمت "سمر " بصدره الصلب مصدرة آهة متألمة، عبست و هي تتململ بين ذراعيه محاولة الفكاك و هي تغمغم : 

-اصطبحنا يا عثمان ! 

عثمان مداعبًا : أحلى اصطباحة و ربنا.. صباحك فل يا قمر. صباح أحلى من السكر.. صباح الورد و الكادي. صباحك مِسك و مسكر 

أفلتت ضحكة من بين شفاهها رغمًا عنها بعد أن سمعت غزله الصباحي الغريب، و قالت بدهشة : 

-إيه إللي بتقوله ده يا عثمان ؟!! 

-بصبَّح عليكي يا بيبي إيه ! 

-إتعلمت الكلام ده فين ؟؟! 

غمز لها قائلًا : 

-عيب عليكي ده إحنا مدرسة. الناس بتيجي تتعلم مننا. طيب خدي دي كمان ! .. و أردف مسبلًا عيناه نحو شفتاها الحمراوين و مقربًا وجهه من وجهها ببطء : 

-صباح الخير و الشمعة.. صباح يمسح الدمعة. أحبك من نهار السبت لحد ليلة الجمعة ! 

إنفجرت "سمر" ضاحكة فورًا، فأصابت قبلته الحارة أسفل فكها بدلًا من شفاهها، بينما تهمهم من بين ضحكاتها بصعوبة : 

-لأ إنت فاجئتني المرة دي. بجد.. إنت مين ؟ فين عثمان البحيري ؟؟؟ 

همس لها برومانسية : 

-معاكي أهو و بين إيديكي.. و ليكي لوحدك يا سمر ! 

بدأت تهدأ في الحال و تعود إلى صوابها، لتجده فجأة و قد إلتقط باقة الزهور و رفعها في مستوى نظرها متمتمًا و هو يتطلع إليها ثانيةً : 

-اتصفينا يا بيبي... صح ؟ 

-لأ مش صح !! .. هتفت بجمودٍ مفاجئ 

جمدت تعابير "عثمان".. بينما تستطرد عاقدة ذراعيها أمام صدرها : 

-و مش قبل ما تنفذ وعدك و تشرحلي إللي حصل و تقنعني كمان زي ما قلت.. غير كده يا عثمان يبقى الوضع كما هو عليه. أعيش جمبك مقهورة و قافلة بؤي عشان خاطر إبني. بس حبك إللي في قلبي ده .. 

و أشارت ناحية صدرها، موضع قلبها مباشرةً و أكملت : 

-أكيد مع مرور الزمن مش هايفضل زي ما هو. و مسيري هافوق.. لما أتأكد أكتر و أكتر إنك عمرك ما حبتني و لا قدرتني و لا حتى عملتلي أقل قيمة في حياتك ! 

أطبق "عثمان" جفنيه بشدة و هو يستمع إلى كلماتها التي حفظها تقريبًا... في كل مرة يتعاتبا تدلي بنفس الدلو هذا .. 

أخذ يقاوم مشاعر الانفعال التي اعتملت بدواخله الآن، فتح عيناه و نظر لها من جديد و هو يقول بصوتٍ هادئ : 

-أوكي يا سمر.. إللي إنتي شايفاه. إتفضلي طيب نفطر الأول و بعد كده هانقعد و نتكلم زي ما إنتي عايزة 

أمالت "سمر" رأسها للجانب قليلًا لترى محتويات عربة الطعام المغلفة بعضها بالبلاستيك و البعض الآخر مغطى بالاستنلس ... 

-مش هاكل الأكل ده ! .. أعلنت "سمر" ببساطة

قطب "عثمان" حاجبيه معلّقًا : 

-مش هتاكلي الأكل ده !
ليه يا سمر ؟ ماله الأكل.. إنت مش أول مرة تاكلي أكل فنادق !! 

هزت كتفيها بخفة قائلة : 

-مش عشان فنادق أو غيره.. أنا زهقت من أكلكوا 

-أكلكوا !!! .. كرر "عثمان" كلمتها مدهوشًا 

-أكلكوا دي راجعة على مين بالظبط يا سمر ؟!! 

-عليكوا إنتوا.. الناس الاغنيا ... 

بقى محدقًا فيها ببلاهةٍ عاجزًا عن الرد، لتضيف بلهجة مستهجنة : 

-بصراحة زهقت يعني.. من ساعة ما رجعت أعيش معاك و أنا كل يوم أكل الصبح أومليت. زبدة أو مربّة. قطعتين جبنة. و 6 شرايح خضار و معاهم عصير أو قهوة. إيه الملل ده و مياعة النفس دي إللي إنتوا فيها.. إزاي مستحملين كده طول حياتكوا ؟! 

تشكلت الابتسامة على ثغره تدريجيًا مع إسهابها في الوصف... ليقول بلطفٍ ما إن فرغت : 

-طيب قوليلي يا سمر.. عاوزة تاكلي إيه ؟ هاطلبلك حالًا إللي نفسك فيه .. 

حوّلت "سمر" ناظريها عنه للأعلى قليلًا و هي تدمدم بتفكيرٍ : 

-إممممممم.. ممكن آكل فول بالبيض و الطماطم. بتنجان مهروس بالتوم و الفلفل. عدس قِدرة.. و طعمية سخنة بالسمسم. و كوباية شاي بلبن سكر خفيف.. بس كده ! 

-بس كده !!! 

عاودت النظر إليه بعد أن قال ذلك ... 

أومأت له قائلة باسلوبٍ ينم عن نفاذ الصبر : 

-أيوة.. حاجة غريبة دي و لا إيه ؟ و لا عايز تفهمني إن عمرك ما سمعت عن الأكل ده يابن الذوات ؟!! 

تنهد "عثمان" و قال متحليًّا بالصبر عليها : 

-لأ طبعًا.. سمعت يا سمر. و حاضر ياستي. تحت أمرك.. إديني بس عشر دقايق أكل لقمة صغيرة و تكوني إنتي لبستي و جهزتي نفسك ! .. و حانت منه إلتفاتة للخلف و هو يكمل : 

-صحيح جينا منغير هدوم. ف طلبت و انتي نايمة شوية حاجات أون لاين ليا و ليكي. هاتلاقيهم في الصناديق دي. إلبسي بقى على ما ابص أنا في الموبايل و أشوف أقرب مطاعم بتعمل الأكل ده و هاخدك تفطري هناك. و بعدها نشوف هانعمل إيه .. 

سمر بإصرار : لأ إنت مش هتاكل لقمة هنا.. إنت هتاكل معايا من نفس الأكل إللي هاكله ! 

رفع "عثمان" حاجبيه و قال بابتسامة متراقصة : 

-بصراحة ماوعدكيش أبدًا يا بيبي. بصراحة أكتر أنا إستحالة أقرب للأكل ده كله.. مليان زيوت و بيرفع نسبة الكولسترول. و بعدين كمان معدتي. معدتي بتتعبني جامد يا سمر .. 

إزدادت "سمر" تصميمًا و هي تقول : 

-مش هاخليك تتقل. و بعدين ماجتش من مرة يا حبيبي.. زي ما بشاركك تفاصيل حياتك و كل حاجة بتحب تعملها بنفذهالك حقي عليك إنك تطاوعني بردو و تسمع كلامي 

صمت "عثمان" لبرهةٍ محاولًا العثور على عذر آخر أكثر إقناعًا لكنه فشل.. فقال ضاحكًا ليخفي حرجه منها : 

-أنا آسف بجد يا بيبي.. صدقيني مش هقدر ! 

°°°°°°°°°°°°°°°°° 

بعد أقل من الساعة ... 

تجلس "سمر" بداخل مطعمٍ خاص بتقديم الأطباق الشعبية، لكنه يمتاز بالرقي أيضًا، و موقعه الجيد بضاحية شهيرة في قلب المدينة راق "عثمان" كثيرًا 

كما راقته الوجبات هنا تمامًا ... 

لم تبرح الابتسانة محيا "سمر" و هي تجلس بمكانها و تراقب زوجها يتناول الفطور معها بهذه الشراهة الكبيرة.. لقد أذعن لها بالفعل، لم يمد يده لطعام الفندق، و كان مصرًا لآخر لحظة بأنه أيضًا لن يضع بفمه لقمة واحدة من الأصناف التي أشارت إليها 

لكن ها هو الآن... يشاطرها الفطور بأكمله، و يتذوق اللقيمات بتلذذٍ شديد ... 

-بتبصي على إيه يا بيبي ! .. تمتم "عثمان" و هو يمسح فمه بمنديل و يرمق زوجته بنظراتٍ متفاوتة 

أخذ يتجرع كأس المياه على دفعاتٍ، بينما تكتم "سمر" ضحكتها و هي تباشر إلتهام سندويش الفلافل : 

-مش ببص يا عثمان. عادي ! 

أعاد الكأس فارغًا إلى الطاولة و رد علبها مستنكرًا : 

-عادي إزاي ! بتبصيلي و بتضحكي.. عشان مشيتي كلمتك عليا يعني ؟ 

-بعيدًا عن ده. مش عيب إنك تحاول ترضيني بأبسط متطلباتي.. و أنا شايفة عمومًا إن الأكل عجبك ! 

أقر "عثمان" راسمًا على فمه شبح ابتسامة : 

-الحقيقة عجبني.. أصل بيني و بينك. أنا متعقد من أيام الجامعة.. كان في واحد صاحبي عايش هنا في القاهرة. ما أنا كنت مقيم هنا طول فترة الدراسة .. 

أومأت له تحثه على المواصلة، فتابع : 

-كان هاري نفسه أكل شوارع. ماكنش بيروح بيته إلا على النوم و مقضيها مذاكرة ا في الجامعة يا مع أي حد من الشلة. المهم جه في مرة عزمنا لما خلصنا محاضرة بعد الضهر نفطر على عربية فول.. أنا بصراحة كنت بحب أجرب كل حاجة و بالذات الحاجات الOriental دي. و كمان عشان الناس إللي كانوا بيتهموني بالعنصرية و الغرور و التكبر و الحاجات الحلوة دي كلها زي ما سيادتك بتعملي معايا علطول.. قبلت العزومة و روحت معاهم. بصراحة الأكل كان حلو أوي. و أنا لوحدي نسفت أغلب الأطباق. بس عينك ما تشوف إلا النور بقى. روحت الشقة إللي كنت قاعد فيها لوحدي.. ماكملتش نوم ربع ساعة. صحيت مش قادر من معدتي. و مافيش أي حد جمبي. فعلًا كنت بتشاهد على روحي مش قادر أتنفس حتى خلاص.. مش عارف تدابير ربنا حصلت إزاي. مراد جالي و كان معاه مفاتيح الشقة. لحقني هو بقى و وداني المستشفى. قاموا باللازم و عالجوني.. و من يومها و أنا مقاطع الأكل ده

-طيب ماقولتش ليه كده من الأول ؟! .. قالتها "سمر" و ملامحها تسفر عن قلقٍ حقيقي 

عبس "عثمان" قائلًا : 

-كنتي هاتعملي إيه يعني مش فاهم !! 

سمر بجدية : ماكنتش هاغصب عليك. الحاجة إللي تتعبك بلاش منها.. جايز إنت عشان مش متعود فعلًا على الأكل ده ممكن يتعبك ! 

و همّت بالقيام من مكانها و هي تقول بشحوبٍ : 

-قوم نروح المستشفى طيب .. 

قبض "عثمان" على يدها مسرعًا و أبقاها كما هي و هو يقول : 

-أقعدي يا سمر.. مستشفى إيه و ليه يا حبيبتي ؟ أنا تمام 

-أحسن يتكرر إللي حصلك تاني !

-لأ متخافيش.. مش هايتكرر. المكان هنا نضيف. أنا يا بيبي أرمي نفسي في النار عادي. ماكنش بيفرق معايا أيام الشقاوة. كنت بعمل مصايب.. لكن طول ما إنتي معايا حساباتي كلها بتتغير. و سلامتك عندي أهم من حياتي 

بدأ اللون يعود إلى وجهها من جديد و هي تستمع إليه، بينما يمنحها ابتسامته الجذابة.. ثم يستدعي النادل بنقرة على الطاولة ليأخذ الصحون الفارغة و يحضر لهما المشروب الساخن الذي طلبته زوجته ... 

هدأت الأجواء بينهما الآن، فعلم "عثمان" من نظراتها المترقبة بأن الآوان قد حان.. ليتنفس بعمقٍ، و يعتدل فوق مقعده، قبل أن يقول بلهجته الجادة : 

-أوك.. بصي يا سمر. إللي هاقولهولك دلوقتي ده كلام خاص جدًا.. محدش يعرفه غير شخصيات تعديهم على كف إيدك. و بما إنك مهددة استقرار حياتنا على قرار خدته في الفترة الأخيرة و اختارتي ماتثقيش فيا إلا لما أقدملك شرح مقنع لكل إللي عملته... ف أنا فعلًا مابقاش عندي اختيار تاني. لازم أقولك. مش عشان أنا مجبر. لأ.. عشان باقي عليكي. و بقيت متأكد إنك بتحبيني. و مدام بتحبيني يبقى عمرك ما هاتضريني و لا هاتخوني ثقتي فيكي أبدًا. اللي هاتسمعيه مش هايتكرر تاني. لا متي و لا منك طول العمر إللي هانيعشه سوا.. فاهمة يا سمر ؟ 

إزدردت ريقها بصعوبة و ظلت ترمقه بتوتر للحظات... ثم أكدت على كلامه بإيماءة صغيرة 

تنهد "عثمان" مرفرفًا بأهدابه لجزء من الثانية، ثم تهيأ للإدلاء بما لديه من أسرار حساسة أمام زوجته....... ليقاطعه فجأة صوت رنين هاتفه 

أعتذر منها لحظة، و أستل الهاتف من جيب سترته.. نظر بالشاشة المضاءة، فاذا به رقمًا دوليًا.... رد على الفور : 

-آلو ! 

جاء الرد عبر السماعة عالية الدقة مهزوزًا نوعًا ما : 

-آلو ! آلو مع حضرتك نشأت الصرفي من لندن.. أنا جار الأستاذ رفعت البحيري. عثمان البحيري معايا مش كده ؟ 

كان صوت المتحدث يعصف بارتباكٍ جمّ، و على إثره إنبعث صوت "عثمان" مثقلًا بريبة خفية : 

-أيوة أنا عثمان البحيري... خير ؟! 

رد الطرف الآخر بلهجة آسفة : 

-البقاء لله !
الأستاذ رفعت تعب من كام يوم و تم نقله للحجر الصحي. بس للأسف حالته ساءت أوي و الأمانة رجعت لخالقها من ساعتين بالظبط.. إحنا هنا في منطقة الجالية العربية نعرف بعض كلنا. و كنت على اتصال بالمرحوم. و كان موصيني لو حصل أي حاجة أتصل بحضرتك.. أنا آسف جدًا ! 

كان "عثمان" قد جمد بمكانه كالصنم...... من شدة وقع الصدمة عليه.... في المقابل.... تنظر له "سمر" بخوفٍ الآن !

لا تعرف ماذا حدث بعد... لكنها تستشعر المكروه الذي وقع... بالكاد تعرفه !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

يتبع ...
( 42 )

_ حداد ! _

هبطت الطائرة الخاصة التي أرسلها "عثمان" لنقل جثمان عمه من بلاد الضباب "المملكة البريطانية المتحدة" إلى وطنه و مسقط رأسه.. "الأسكندرية" ... 

كان الوقت باكرًا... عقارب الساعة في يد "عثمان" تشير إلى السابعة صباحًا.. الطقس في حالة إنخفاض حراري مفاجئ، و رذاذ خفيف من السماء الرمادية ينهمر فيندى رأس و وجه كلًا من "عثمان" و "صالح" الواقفان جنبًا إلى جنب بالمعاطف الثقيلة الموّحدة باللون الأسود

التجهم يجلل تعابير وجهيهما. النظرات تراقب فقط.. إستقرار الطائرة فوق الأسفلت الأسود الغارق في المياه... تهب نحو ولديّ العمومة ريحٍ عاتية عصفت حولهما ناجمةٍ عن المرواح التي علت أصوات زمجرتها.. قبيل توقف المحركات بالتدريج.. و حتى سكنت الطائرة تمامًا ! 

لم يتحركا، بقيا كأنهما ينتظران... بينما في المقابل مجموعة رجال كل منهم يرتدي بَزَّة واقية، و يهبطون من سيارة إسعاف وصلت لتوها، ثم يتجهون ناحية الطائرة حاملين سريرًا نقالًا 

دقيقة أخرى و انفتح باب الطائرة و تدلى الدرج الحديدي عبر بابها، ليصعد طاقم المسعفون و يغيبوا بالداخل لبعض الوقت.. ثم يظهروا مجددًا و هم يحملون بأيديهم السرير النقال الذي رقدت فوقه جثة "رفعت البحيري" مغلفة بالبلاستيك القاتم و المعقم، رغم ذلك كان هناك فرد يسير بالمثدمة يضع على ظهره إسطوانة معدنية و يقوم بإفراغ محتواها فوق الجثمان و حوله باستمرارٍ ... 

في الطرف الآخر، يفقد "صالح" أعصابه التي حافظ على إحكام سيطرته عليه منذ تلقى خبر أبيه.. لحظة وقعت عيناه على جثته المحمولة على بعدٍ منه، انهمرت دموعه فورًا و أفلتت من بين شفاهه نهنهة بكاء حارة، حاول أن يقمعها بادئ الأمر... لكنه لم يفلح 

إنهار تمامًا و انفجر باكيًا و هو يندفع بلا تردد نحو أبيه صائحًا بحرقةٍ : 

-أبويــاااااااااااا .. أبويــــاااااااااااااا .. أبويــــــاااااااااااااااااا ... 

تجاوز "صالح" الجميع عنوةً و دحر كل من أعترض طريقه بطشًا بقبضته، حتى وصل لوالده، ارتمى فوقه محضتن جثته المغلفة و هو يجهش بعويل أكثر مرارةً و كأنه طفلًا بالسابعة و ليس رجلًا قد جاوز الثلاثون ... 

يخرج "عثمان" عن صمته بعد لحظاتٍ بعد أن طلبوا معاونته للسيطرة على إبن عمه.. تحرك صوبه وئيدًا، إذ رغم كل شيء ود أن يمنحه فرصة أخيرة لتوديع أبيه، هذا حقه، كما سنحت له هو الفرصة مع والده المرحوم قبل ثلاثة أعوام ! 

-صـالـــح ! .. هتف "عثمان" بصوته القوي و هو يمد يده ممسكًا بكتف الأخير 

أردف بصرامةٍ محكمًا قبضته عليه ليبعده قليلًا حتى يتمكن المسعفون من المضي بالمتوفي : 

-صــالــــــح ! خلاص يا صالح. قولتلك خلااااص. ماتخليش أبوك يستنى أكتر من كده.. لازم ندفنه !! 

حاول "صالح" مقاومته صارخًا : 

-سيبني يا عثمان.. ده أبويا. أبويـــااااااااااااااااااا !!! 

شدد "عثمان" ذراعيه من حوله مغمغمًا بحزمٍ : 

-عارف. عارف.. بس لازم ندفنه. إكرام الميت دفنه يا صالح. إهدا يابن عمي. إهدا و إمسك نفسك شوية. مش وقته اللي إنت عامله ده. عشان أبوك ! 

بطريقة أو بأخرى، تمكن "صالح" من الاستجابة لكلمات إبن عمه و كبيرهم رسميًا بدءً من الآن... مسح دموعه في كم معطفه و إستقام بقامته من جديد باعثًا بناظريه نحو عربة الاسعاف التي إرتقاها والده بهذه اللحظة 

إنطلق "صالح" و سبق "عثمان" إلى السيارة... بينما ظل الأخير بمكانه لثوانٍ.. و قبل أن يخطو خطوة للأمام استوقفه هاتفه، إذ أخذ يهتز بجيب سترته الداخليه ... 

مد يده و أستله، أجاب الاتصال عالمًا بهوية المتصل دون الحاجة لإلقاء نظرة حتى : 

-فريال هانم ! 

آتى صوت "فريال" ممزقًا بالبكاء الهادئ كشيمتها : 

-عثمان ! عمك وصل ؟ وصل يا عثمان ؟! 

عثمان بثباتٍ : وصل.. وصل يا ماما. هانطلع بيه على المستشفى الأول. ناخد تصريح الدفن و بعدين على مقابر العيلة 

-إحنا كمان نيجي !! 

عثمان بصرامة : لأ.. خليكوا في البيت. الموضوع مش هايطول أساسًا. كمان ساعة و هانرجع 

-طيب يا عثمان.. خلي بالك من نفسك. و من صالح ! 

أغلق "عثمان" الخط معها و هو يطلق نهدة محتقنة من صدره، شعر ببوادر دموعٍ تحرق عينيه، لكنه أخمد مشاعره كلها بقوة و عزمٍ.. ثم لحق بـ"صالح" دون أن يتعثر خطوةً واحدة ... 

______________ 

في منزل آل"البحيري" ... 

منذ تم إعلان خبر وفاة رجل العائلة الأكبر و الجميع قد أقام الحداد، بعد تلقي الصدمة المريرة، فقد أفراد العائلة صوابهم على حد سواء، فلم يتم اضافة نعيًا بالصحف و المجلات الاجتماعية فورًا 

حيث إنشغلوا بالتواصل مع السلطات البريطانية للتنسيق من أجل نقل جثمان الفقيد من العاصمة "لندن" إلى ميناء "الأسكندرية" الدولي.. أستغرق الانتهاء من تلك الاجراءات يومان.. و في الثالث تذكر "عثمان" أن يبعث سطور الرثاء الذي كتبه بنفسه إلى رئيس تحرير مجلة المجتمع التي يتعاملون معها منذ بداية عهدهم ...
لم تمر ساعات الصباح الأولى كلها.. بعد ذهاب "عثمان" و "صالح" إلى المطار لتسلَّم الجثمان ببضعة ساعات قليلة، اقتحمت "هالة" القصر برفقة خالها.. "نبيل الألفي"... كان هو من أطلعها على الخبر المفجع و قام باصطحابها إلى هنا 

عندما دخلت على العائلة المجتمعة كلها بالصالون و قد كانت آيات الذكر الحكيم تملأ جنابات المنزل بصدى صادحٍ.. امتزج صراخها ببث المذياع، فقامت "فريال" تستقبلها دون ترددٍ ناسية كل أفعالها الأخيرة و خاصةً تآمرها على العائلة و تصرفها الذي يعد خيانة بيّنة لهم جميعًا ... 

فتحت لها ذراعيها، فارتمت "هالة" بينهما مجهشة ببكاءٍ لا يخلو من صرخات قهرها و حزنها الشديد على أبيها الذي مات بالغربة وحيدًا غريبًا، و دون أن تودعه حتى 

كانت "صفية" تجلس بالخلف إلى جوار زوجة أخيها، لم ينقطع بكائها منذ بلغهم "عثمان" بالخبر و هو بطريقه إليهم من "القاهرة".. كانت منهارة فوق الكرسي أثري الطراز، تذرف الدمع في هدوء 

بينما "سمر" تحمل عنها رضيعتها "ديالا" و تهتم بها جيدًا مستغلة غفو طفلها بغرفته... رغم الأجواء المضطربة و الكمد المسيطر على الجميع، لم يخفى على "سمر" ملاحظة نظرات ذلك الغريب المصوّبة نحوها بلا خجل أو حرج 

في الواقع هي التي تحرجت من نظراته و سارعت للغض من بصرها عوضًا عنه.. حتى جاءت هذه الصيحة العنيفة فجأة و جمدت المشهد كله ... 

-و كـمــان ليـكــي عـيــن تــعـتـبـي الـبـيـت ده ؟؟؟؟؟ 

كان هذا صوت "صالح" ... 

و لم تكد "هالة" تلتفت خلفها كي ما تراه حتى، لتشعر بقبضته المؤلمة تمسك بحفنة شعر بمؤخرة رأسها و تجتذبها بوحشيةٍ، بينما تعلو نبرات صوته بغلظة مخيفة : 

-صحيح..يا عينك يا جبايرك. بعد ما بعتينا و حطيتي رقابنا تحت جزمته. بعد ما خونتينا للمرة التانية و صممتي تحطي راسنا في التراااااب يا ××××× .. 

يتدخل "عثمان" الذي جاء من خلفه مسرعًا ليخلصها من بين يديه، تتلقاها السيدة "فريال" ثانيةً و هي تمسح لها دموعها

و من جهة دون أن يفطن "عثمان" لسبب تصرفات "صالح" العنيفة تجاه أخته ، كام يظن بأن الصدمة تلاعبت بعقله فاختلطت عليه الأمور لتصور له قصتها مع "مراد" مجددًا.. راح يهدئه و هو يقول متجاوزًا كلماته التي لم يفهمها بعد : 

-و بعدين يا صالح.. ما قولنا تهدا بقى. مش معقول تسيب الصدمة تعمل فيك كده و تعطل دماغك.. بالشكل ده هاتخسر كتير. فوق يا صالح. فوووووق !!! 

و من فوق كتف "عثمان" يرى "صالح" زوجة عمه و هي تحدجه بنظراتٍ تحمل رسالة و رجاء.. فيجد نفسه مرغمًا إلى الإذعان لها... فمن ذا الذي يجرؤ على رفض طلب لتلك السيدة ؟ حتى في أحلك الظروف !!!

قسر "صالح" نفسه على التراجع، و اكتفى فقط بتوحيه نظرة غضب أخيرة نحو أخته، ثم نظرة خائبة إلى عيني "عثمان" الحادتين.. و نطق لسانه أخر الكلمات ... 

-إنت مش فاهم أي حاجة ! 

و نفض "صالح" قبضتي "عثمان" الممسكتان بتلابيبه، ثم أولاهم جميعهم ظهره متجهًا للأعلى تتبعه "صفية" من فورها ... 

تشكلت عقدة شديدة على جبين "عثمان" و هو يحملق في إثره مكررًا عبارته الأخيرة بعقله.. لا زال لا يفهم 

استدار ناحية أمه، نظر إلى "هالة" المفطورة من شدة البكاء أولًا، ثم تطلع إلى أمه بتساؤل ... 

-هو في إيه يا فريال هانم ؟! .. قالها "عثمان" بصوته القوي و رنة حذر تتسلل إلى نبراته 

ردت "فريال" متهربة من نظراته الثاقبة بتوترٍ واضح : 

-هاقولك يا عثمان. هاقولك بس مش وقته.. ريح شوية من المشاوير و هقعد معاك إنهاردة و أشرحلك كل حاجة ! 

عثمان بحدة : تشرحيلي إيه بالظبط ؟ إيه إللي حصل هنا ماعنديش علم بيه ؟ ما تتكلمي يا فريال هانم !!! 

كأنه ناقوس الخطر قد بدأ يدق بالفعل ... 

جف حلق "فريال" و هي تنظر لابنها بعجز، لقد حاصرها بخانة "اليك" كما يقولون.. الآن هو يطلب تفسيرًا، و لكن هي.. هي ليست مستعدة لتمنحه إياه... على الأقل في وجود"هالة"... حتامًا عليها أن تبعدها عن متناوله إذا ما قررت أن تخبره عن الوضع برمته 

ما العمل الآن ؟ ما العمل !!!! 

-البقاء لله يا عثمان ! 

إنبعث صوت "نبيل" من الوراء في هذه اللحظة منقذًا "فريال" فجأة ... 

نظرت إليه فوجدته يرمقها بنظرة ماكرة، و كأنه يخبرها بأنه يتفهم أمرها و قد قدم لها مساعدة.. الآن عليها أن تستغلها ...

و بالفعل.. ما إن إلتفت "عثمان" نحو محدثه، حتى أخذت "فريال" الإبنة المكلومة و صعدت بها إلى غرفتها 

لحقت "سمر" بهما، بينما يقف "عثمان" الآن وجهًا لوجه أمام "نبيل"... نظر إلى محياه الارستقراطي الوسيم و المجلل بسماجة غريبة، ثم إلى كفه الممدودة لعزائه 

و على مضضٍ، مد يده بدوره و صافحه متمتمًا بلهجةٍ جلفة : 

-شكر الله سعيكم يا نبيل.. متشكر ! 

-لا شكر على واجب يابن المحترمين.. إحنا أهل. أنا مش غريب عنكوا. و أول ما عرفت جيت علطول. لو كنت أعرف قبل كده كنت حضرت معاكوا من الأول 

-معلش النصيب بقى ! .. غمغم "عثمان" بضيقٍ ضمني 

-أنا قلت أوصل هالة و أجي أشوفكوا لو عايزين حاجة. هاسيبكوا ترتاحوا إنهاردة و من بكرة هاجي بإذن الله 

قال "عثمان" يجامله : 

-البيت بيتك يا نبيل.. خليك معانا. في أقل من ساعة الخدم يجهزولك أوضة 

إبتسم "نبيل" و قال بخباثة : 

-أنا عارف إن البيت بيتي.. بس معلش. هاسيبكوا ترتاحوا إنهاردة.. و من بكرة هاجي ... 

و صافحة مرةً أخرى قائلًا : 

-يلا أستأذن أنا.. شد حيلك يا عثمان ! 

و ربت بيده الحرة على كتفه، ليرد "عثمان" بحسن نية : 

-الشدة على الله.. مع السلامة يا نبيل ! 

______________ 

كانت تنتظره في زاوية معتمة بجوار الدرج الفسيح ... 

بعد رحيل المدعو "نبيل" رأته يشق طريقه صعودًا و هو يفرك وجهه بكفيه بإرهاقٍ واضح.. خرجت من العتمة إلى النور و هي تهتف بصوتها الموسيقي الرقيق : 

-عثمان !
توقف "عثمان" عند مقدمة الدرج، أدار رأسه للجانب قليلًا و أرهف النظر.. فإذا بها "نانسي"... تتشح بالأسود هي الأخرى و هي تقف أمامه مجردة من مساحيق التجميل و الزينة لأول مرة منذ عادت بشخصيتها و شكلها الجديدين 

كانت الآن رمزًا للبراءة، تمامًا كما عرفها بالماضي.. و ليست كعاهرة كما تحاول أن تثبت، أو بالفعل أنها أثبتت ذلك !!! 

-خير يا نانسي ؟ .. نطق "عثمان" بصلابة و هو يرميها بنظرة تحذيرية ما إن حاولت الاقدام على أيّ تصرف متلاعب معه خاصةً بهذا الظرف الحرج 

تقدمت "نانسي" خطوتين منه و هي تقول بسماحة غير مألوفة عليها : 

-ممكن تيجي معايا دقيقتين ؟ عايزة أقولك حاجة مهمة ! 

زفر "عثمان" قائلًا : 

-نانسي ! حقيقي.. بجد. أنا تعبان جدًا.. مش قادر أناهد معاكي في أي حاجة 

نانسي باستعطاف : بس دي حاجة مهمة أوي.. أنا مش هاخد من وقتك كتير. مش هاتعبك و الله أنا عارفة إنك تعبان ! 

شكلها المسالم و طريقتها اللطيفة أوحت إليه بأنها ربما تريده كي ما تحل أخيرًا الصلة التي تربطها به، لعل موت عمه أيقظ بداخلها الجانب الحسن النقي الذي عهدها عليه ... 

هذه الفكرة وحدها التي شجعته و دفته لقبول طلبها، ليشير لها باللحظة التالية لتتقدمه تجاه غرفتها... انفرجت أساريرها و مشت أمامه 

إل أن وصلا عند الغرفة، أغلقت "نانسي" بابها، ثم استدارت و بدون مقدمات ألقت بنفسها بين ذراعيه متمتمة : 

-وحشتني أووي يا عثمان. أوووي.. خمس تيام بحالهم مشغول عني !! 

أهكذا يخيب أمله أسرع مِمّ تتوقع ؟ لم يتوقع هذا أصلًا ... 

-إيه الموضوع المهم يا نانسي !!! .. هتف بخشونةٍ 

دفعها بعيدًا عن أحضانه برفقٍ حازم و هو يستطرد منذرًا : 

-إتقي شري الساعة دي يا بنت الناس. لو عندك حاجة مفيدة قوليها.. أنا أساسًا على أخري و مش مستحمل ! 

ابتسمت و هي ترفع كفها الصغير نحو وجهه العابس، مررت أناملها فوق جبهته الواسعة.. وصولًا إلى شعره الكستنائي الناعم و هي تتغونج قائلة : 

-أنا حاسة بيك يا قلبي.. و عارفة الظروف إللي بتمر بيها العيلة كلها. و أكيد مش عايزة أتقل عليـ آ ا ... 

بترت عبارتها حين قبض على أناملها بأصابعه القاسية قبل أن تغوص عميقًا بين خصيلات شعره .. 

كتمت آهة ألم و غطت عليها فورًا بابتسامة رقيقة، بينما يصوّب إليها نظراته القاتمة المتبلّدة، ثم يقول و هو يعيد يدها إلى جوارها ثانيةً : 

-نانسي ! إنجزي من فضلك.. أنا مش فايقلك نهائي 

رفرفت "نانسي" بأهدابها الطويلة و هي تسحب نفسًا عميقًا و تزفره على مهلٍ، تجاهلت تحذيراته كلها و تقلباته المزاجية.. رمت بذراعيها حول عنقه و قربت جسمها منه كثيرًا ... 

-أنا لازم أقولك ! .. غمغمت بخفوتٍ و أنفاسها الدافئة تتردد على بشرته و قسماته المشدودة 

-تقوليلي إيه إخلصي !! .. هتف بحدة 

نانسي بفتورٍ : في حاجات كتير حصلت و إنت غايب. هما لحد دلوقتي مخبيين عليك.. بس مش عارفة ليه. إنت من حقك تعرف 

زفر بقوة و صاح بنفاذ صبر : 

-كلمة كمان مالهاش لازمة و هاخرج عن شعوري.. إنطقي و قولي إللي عندك بسرعة ! 

مرة أخرى تتجاهل غضبه المتفاقم بدواخله و تتأنى قبل أن تمنحه الاجابة الشافية ... 

صمتت لبرهةٍ و هي تشبع ناظريها من شكله و حالته الباعثة على الكآبة و التي تعلم بأنها سوف تميل بعد لحظاتٍ قليلة لأخرى أسوأ و أعنف بكثير بفضلها..... فتحت فاها من جديد و قالت أخيرًا : 

-نبيل الألفي ! 

-ماله ؟ .. صاح باقتضاب 

وضعت شفتها السفلى بين أسنانها و ضغطت عليها قليلًا لتثير أعصابه و تهيئ له الغضب الكامن بداخله.. قبل أن تعلن متصنعة معاضدته : 

-هالة بنت رفعت.. باعتله نصيبها في كل حاجة. في البيت و في الشركة و في كل حاجة تملكها العيلة ! 

إستحالت تعابير وجهه لبلاهةٍ مؤقتة و هو يقول مستنكرًا : 

-نعم ! إيه التخاريف إللي بتقوليها دي ؟؟! 

أكدت "نانسي" مؤدية دور التأثر حتى اللحظة الأخيرة : 

-صدقني يا حبيبي. أنا بقولك الحقيقة مش بخرف. و بجد رغم كده أنا كمان مصدومة زيك و لحد دلوقتي مش مصدقة وداني.. رغم إني سمعت بالصدفة من مامتك.. مامتك بنفسها إللي قالت لصالح الكلام ده. و على حسب ما فهمت كانوا ناويين يخبوا عنك. بس دي حاجة مهمة أوي. أنا مقدرتش أخبيها عنك ! 

صدمة أخرى ... 

غير مؤكدة.. و لكن الحدس بداخله ينبئه بصدق ما سمعه... لتجتمع الخيوط في لمح البصر بين أصابعه و تتشابك.. فيستعرض وجه "نبيل" مجددًا أمام عينيه و ترن بأذنيه أخر كلمات تفوّه بها قبيل رحيله 

أجل... لا بد أنها محقة.. الحق هو ما قالته "نانسي"..مرةً أخرى.... و ما هو آتٍ لا يبشر بالخير أبدًا 

هذا اليوم كيف سيمر يا ترى ؟ يخيّل إليه بأن مقبرة أخرى سوف تُفتح الليلة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

يتبع ..

تعليقات

التنقل السريع