أخر الاخبار

رواية نبض قلبي لاجلك الفصل 23 و24 علي النجم المتوهج



الفصل الثالث و العشرون
منذ أن قدم لها عرضه و تركها عائدا إلى مكتبه، و هى لم تنفك عن التفكير بتمعن فى ذلك الأمر و من جميع الاتجاهات، و قبيل انتهاء الدوام طرأ ببالها أن تتحدث مع سفيان فى ذلك الأمر لتترقب ردة فعله، أو ربما يعطيها نصيحة خالصة، فهى الآن فى وضع لا تحسد عليه.
تركت مكتبها و سارت باتجاه المخازن المسؤل عنها سفيان، وهناك سألت عليه أحد العمال و دلها على مكانه.
كان منهمكا فى إعداد القوائم بأصناف الأقمشة المطلوبة، فتفاجأ بـ داليا تطرق على كتفه، فانتبه لها رافعا رأسه تجاهها قائلا باستغراب:
ــ داليا!!..خير فى حاجة؟!..ملوكة كويسة؟!
لوت شفتيها لجانب فمها قائلة بتهكم:
ــ مالك مستغرب أوى كدا إنى جيالك...يعنى مينفعش أعوزك فى اى حاجة تانية متخصش بنتنا؟!
تنحنح بحرج قائلا:
ــ لا طبعا يا داليا...أنا تحت أمرك فى أى وقت..اقعدى.
جلست بالكرسى المقابل له ثم أدارت دفة الحديث قائلة بتوتر ملحوظ:
ــ احم...سفيان أنا كنت عايزة أخد رأيك فى موضوع كدا.
ــ قولى يا داليا سامعك.
أخذت تفرك كفيها بتوتر، ثم استجمعت شجاعتها قائلة:
ــ الأستاذ عماد عايز يتجوزنى و أنا محتارة مش عارفة أوافق و لا أرفض.
لوهلة احتلت الصدمة معالمه، ثم سرعان ما ارتخت ملامح وجهه قائلا بجدية:
ــ عماد شخص كويس جدا و محترم و متدين و طالما هو اللى طلبك يبقى أكيد معجب بيكى دا ان مكانش بيحبك...ترفضى ليه؟!
نظرت له بصدمة، فهى لم تتوقع تقبله لذلك الأمر بهذا الهدوء و تلك اللامبالاة، لا تدرى أتحترم هذا التصرف منه، أم تعتبره إهانة منه نظرا لعدم إبدائه أى نوع من أنواع الغيرة على من كانت يوما زوجته و تحمل اسمه.
قرأ سفيان ما دار بخلدها، فاسترسل بنبرة جادة:
ــ متستغربيش إنى بقولك كدا....انتى حقك تعيشى مع واحد بيحبك و يقدرك...واحد بيسعى ليكى و عايز يوصلك...واحد بيتمناكى و بيحلم تكونى ملكه...هو دا اللى هيعرف قيمتك كويس اوى و هيحافظ عليكى بكل قوته، لأن مفيش فى قلبه غيرك، حتى لو انتى مش بتحبيه، بس هو هيعرف يخليكى تحبيه...المفروض ان تجربة جوازنا تكون علمتك الفرق بين اللى بيحبك و اللى انتى بتحبيه...و لا ايه يا داليا؟!
بالطبع فهمت مغذاه المستتر بين طيات الحديث، و هزت رأسها بإيجاب و هى تفكر بكلماته، فـ حتى و إن كانت فيها بعض التجريح، إلا إنها صحيحة تماما.
سكتا لبرهة، ثم استأنف سفيان قائلا و كأنه تذكر شيئا ما لتوه:
ــ بس طبعا لو حصل و الجوازة دى تمت، ملوكة هتعيش معايا.
نظرت له بجحوظ قائلة بحدة:
ــ لا طبعا...أنا مش هسيب بنتى أبدا.
رد عليها بحدة أكبر:
ــ انتى عايزانى أسيب بنتى لراجل غريب يربيها و أبوها لسة عايش على وش الدنيا؟!
ــ على أساس حضرتك مش هتتجوز.
ــ لا طبعا هتجوز...و انتى عارفة أنا هتجوز مين.
ــ و أنا كمان مش هسيب بنتى لواحدة تانية تربيها و أمها عايشة على وش الدنيا.
ــ داليا متحطيش العقدة فى المنشار.
ــ قول الكلام دا لنفسك...فى ايه بتقولى اتجوزى و فى ايه عايز تاخد البنت و كأنك خليتها عقبة ليا علشان متجوزش أبدا.
ــ لا انتى فاهمة قصدى كويس بلاش تدخلى الكلام فى بعضه.
زفرت داليا بعنف و هو أيضا تأفف بضجر، و سكت كل منهما يفكر فى حل لتلك المعضلة إلى أن صاحت داليا قائلة:
ــ أنا عندى فكرة...احنا نمسك العصايا من النص...ايه رأيك نخليها تقضى أسبوع معايا و أسبوع معاك، و أنا هتشرط على عماد يجيبلى شقة فى نفس الشارع علشان البنت متتبهدلش بينا فى المشاوير، و كمان تقدر تروح مدرستها و دروسها عادى من غير ما فى حاجة تفوتها.
سكت قليلا يفكر باقتراحها ثم أومأ على مضض قائلا:
ــ ان كان كدا ماشى...و لو إنى أفضل إنها تتربى فى خير أبوها مش خير حد غريب.
ــ عادى ما انت ممكن تصرف عليها بردو و هى معايا و اهى تبقى بتاكل من خير أبوها بردو.
هز رأسه باستسلام قائلا:
ــ ماشى يا ست داليا...أنا كلى لملوكة حبيبة قلبى...اللى هى عايزاه كله مسؤليتى أنا.
تنهدت داليا بارتياح ثم قالت:
ــ تمام...كدا نبقى متفقين...
نهضت من كرسيها ثم قالت بابتسامة ممتنة:
ــ شكرا ليك يا سفيان...انت متعرفش رأيك ريحنى قد ايه و خلانى أحسم الحيرة اللى كانت جوايا.
نهض هو الآخر و وقف بمواجهتها قائلا بابتسامة صادقة:
ــ متقوليش كدا يا داليا...طول عمرى بعتبرك أختى...متزعليش من الكلمة دى بس دى حقيقة و أكيد انتى حاسة بمسؤلية الاخوات تجاه بعض بتبقى عاملة ازاى.
ردت بابتسامة:
ــ لا متقلقش مبقتش بزعل من الكلمة دى...لأنى بقيت حساها اوى...بقيت حاسة فعلا إنى بحبك كأخ أكتر ما كنت بحبك كزوج.
اتسعت ابتسامة سفيان قائلا:
ـــ طاب الحمد لله طمنتينى....و أنا موجود أهو لو احتاجتي أى حاجة إوعى تترددى و تعاليلى علطول.
أومأت بابتسامة ثم قالت:
ــ سلام بقى علشان معطلكش.
ــ مع السلامه.
بعدما انصرفت داليا، استأنف ما كان بيديه من أعمال و بعد مدة قليلة انتهى منها ثم نهض من كرسيه و بيديه بعض الأوراق و الملفات، و سار إلى مكتب شقيقه ليحصل على توقيعاته على هذه الأوراق.
اصطدم بـ ملك و هى تخرج من مكتب ريان حيث كانت توقع بعض الاوراق الخاصة بعملها أيضا، فاستوقفها قائلا بنبرة حانية:
ــ عاملة ايه النهاردة يا ملاكى.
لم تستطع اخفاء بسمتها و أماءت له بخجل قائلة:
ــ كويسة الحمد لله.
ــ يا رب دايما يا حبيبة قلبى.
نظرت له بجحوظ و كأنها تتوعد له، فقال بضحكة بسيطة:
ــ أنا قاصد أقولك كدا علشان بحب أشوفك و انتى متعصبة...حتى و انتى متعصبة رقيقة بردو.
هزت رأسها بيأس و هى تكتم بسمتها بصعوبة ثم قالت:
ــ مفيش فايدة فيك....عن اذنك بقى علشان عندى شغل كتير.
أفسح لها المجال لتمر و هو يطالعها بابتسامة هائمة لم تترك محياة إلا عندما اختفت عن مرئى ناظريه تماما، ثم تنحنح و قلب ملامحه للجدية و طرق الباب ثم دخل إلى شقيقه مباشرة.
وضع الأوراق على المكتب أمام ريان ثم اتخذ المقعد المقابل له قائلا بعملية:
ــ ريان دى قايمة بجميع أصناف الاقمشة اللى محتاجينها، يا ريت تمضى الطلبية بتاعتها علشان نبعت للمصنع فى أسرع وقت.
أومأ ريان بايجاب بملامح واجمة دون أن ينطق و قام بتوقيع الأوراق جميعها دون أن يسأل او يتناقش مع سفيان، فلاحظ وجومه و ملامحه المرهقة و سأله بتوجس:
ــ مالك يا ريان...شكلك تعبان كدا و مش فى المود.
انتهى من توقيع آخر ورقة ثم ألقى بالقلم على المكتب و تنهد بأسى قائلا:
ــ أنا فعلا تعبان يا سفيان...كل ما أقول خلاص سلمى بقت كويسه و هنعيش مبسوطين، تحصل حاجة تنكد علينا تانى و تقلب علينا الماضى بقرفه.
ــ خير بس...ايه اللى جد.
زفر بعنف و هو يمسح على رأسه بضيق قائلا:
ــ سلمى سمعتنى إمبارح و انا بكلم أسعد المحامى و فهمت من المكالمة إنها اتعرضت للاغتصاب و محستش بيها غير و هى مغمى عليها من الصدمة.
فغر فاهه من المفاجأة ثم سأله بترقب:
ــ و عرفت ان سيرين و أبوها اللى عملوا كدا؟!
أجابه باندفاع:
ــ لا...أهى دى بالذات مش عايزها تعرفها نهائي...أنا مش قادر اتوقع رد فعلها لو عرفت يا سفيان..خايف أوى...خايف لتكرهنى لأنى السبب فى دا كله.
هز سفيان رأسه بأسى ثم قال بجدية:
ــ و انت ذنبك ايه بس يا ريان...هو انت اللى قولتلهم روحوا اعملوا فيها كدا!!...أنا رأييى كنت قولها و اهى كانت تبقى صدمة واحدة...أحسن ما تفضل عايش فى قلق من انها تعرف و هى أكيد هتحس انك مخبى عليها حاجة.
هز رأسه برفض قاطع قائلا:
ــ لا يا سفيان مش لازم تعرف...مجدى أخد جزاءه خلاص و سيرين مسيرها هتقع و مش هتكون ليها قومة طول ما هى ماشية فى سكة الحرام...و سلمى هى اللى فازت بالاولاد و ربنا عوضها بيهم من دم اللى أذيتها و كانت السبب فى حرمانها من الأمومة...يعنى حقها رجعلها و زيادة...يا ريت تنسى بقى اللى عرفته و نعيش فى سلام..بجد نفسى يا سفيان نعيش مرتاحين و ننسى الماضى و بلاويه.
ربت على كفه بمواساة قائلا:
ــ هيحصل بإذن الله...سلمى قلبها أبيض و مفيش أطيب منها و بتحبك فوق ما تتصور...و ان شاء الله فترة و هتعدى زى ما كل حاجة عدت فى حياتنا يا ريان.
تنهد بعمق و هو يتضرع إلى الله بالدعاء و يقول:
ــ يا رب... يا رب عديها على خير.
ــ يا رب يا حبيبى...بقولك ايه اعمل حسابك هتيجى معايا انت و الحاج و الحاجة نطلب ايد ملك من عمى...و متنساش تقول لسى قاسم يلم نفسه و يبعد عنها.
ضحك ريان بصخب و قال من بين ضحكاته:
ــ المتخلف دا كان المفروص يسألنى الاول و ياخد رأييى باعتبارها بنت عمى...بس استعجل و راح اتقدملها من غير ما اعرف...على العموم أنا هفهمه ان ملك محجوزة ليك من زمان و ان انتوا الاتنين بتحبوا بعض علشان يطلعها من دماغه للأبد.
أومأ بموافقة ثم نهض من كرسيه و التقط الاوراق و قال:
ــ تمام يا باشا...هعتمد على الله ثم عليك..سلام علشان أكمل شغلى.
ــ مع السلامه.
انتهى الدوام بالشركة و عاد كلٍ إلى منزله...
فى شقة ريان كانت سلمى تجلس حزينة شاردة فى الحقيقة التى عرفتها مؤخرا، و الولدان يلعبان حولها، فرت دمعة ساخنة من إحدى مآقيها دون أن تشعر قهرا و حزنا على حالها و ماضيها الأليم، و لكن سرعان ما أزالتها و أخذت تهز رأسها لتنفض عنها تلك الأفكار المأساوية التى تداهمها و تجعل الحزن و الأسى متملكا منها، و اخذت تحدث نفسها بصوت مسموع قائلة:
ــ كفاية سرحان و حزن بقى يا سلمى...ريان ذنبه ايه كل فترة أنكد عليه و وشى بيبقى باين عليه الحزن و الزعل...خلاص اللى حصل حصل و فى الآخر النتيجة واحدة...حصل بقى بسبب حادثة بسبب اغتصاب...أهو أخدت نصيبى من الدنيا و انتهينا و الحمد لله على قضاء ربنا و قدره...قومى اغسلى وشك و انسى و اضحكى فى وشه و فرفشى كدا...كفاية علينا الهموم و الأحزان اللى قضيناها و احنا بعيد عن بعض...آن الأوان بقى نعيشها فى فرح و ضحك و فرفشة.
نهضت بعنف من جلستها و ألقت نظرة على الولدين المنشغلين باللهو و اللعب، ثم خرجت من الغرفة و اتجهت إلى المرحاض و قامت بغسل وجهها ثم عادت إلى غرفة نومها و فتحت خزانة ملابسها و استخرجت منه قميصا رقيقا، ارتدته و مشطت شعرها و جمعته على جانب واحد ثم استخدمت بعض من مساحيق التجميل على وجهها، فكانت هيئتها جميلة و أنيقة للغاية.
بعد عدة دقائق فتح ريان باب الشقة بالمفتاح الخاص به و فى نفس اللحظة خرجت له سلمى بهيئتها التى حبست أنفاسه و استقبلته ببسمة رقيقة أطاحت بعقله، جعلته يلقى بحقيبة يده أرضا و يغلق الباب سريعا، ثم سار إليها و طوق خصرها بيده و هو يتأملها بابتسامة عاشقة و سعادة تنطق بها عينيه العسليتين ثم قال بنبرة هائمة:
ــ دا ايه الرضا دا كله....بقى القمر دا ملكى أنا؟!..قمر ايه؟!..لا لا لا...انتى أحلى من القمر...أنا كدا بظلمك انتى لو شبهتك بيه...مش لاقى كلام أوصف بيه جمالك و رقتك و ابتسامتك الجميلة...انتى...تو..هتينى.
ضغط على حروف كلماته الأخيرة بالتزامن مع ضغطه على خصرها و ضمها إليه متنهدا بارتياح، فقامت هى بلف ذراعيها حول عنقه و هى تقول بحب:
ــ انت تستاهل أكتر من كدا يا ريان...من هنا ورايح مش هفكر فى اللى فات...خلاص دفنته و اترحمت عليه كمان...مش هفكر غير فى أيامنا اللى جاية معاك و مع ولادنا..وعد منى مش هفتح معاك أى كلام فى القديم و كأن مفيش أى حاجة حصلت..و لو عايزنى أروح كمان أشهد فى المحكمة عندى استعداد أروح.
أبعدها عنه قائلا بجدية:
ــ لا يا سلمى...أنا مش هحطك بايديا فى موقف صعب زى دا...احنا أفضل حاجة نروح لدكتور يعملك أشعة و يكتب تقارير بالحالة الصحية و النفسية بتاعتك و هبعتهم للمحامى و هو بقى يتصرف مع نفسه...بس استحالة هدخلك مكان زى دا لأى سبب.
أومأت بابتسامة صادقة ثم قالت:
ــ حاضر يا حبيبى..اللى تشوفه صح أنا هعمله.
اتسعت ابتسامته بسعادة غامرة و احتضنها مرة أخرى و هو يكاد يعتصرها بين ذراعيه من فرط الفرح و قال:
ــ حبيبة قلبى ربنا ما يحرمنى من طيبتك و حنيتك و عقلك اللى يوزن بلد يا سمسمة قلبى انتى.
عجز لسانها عن الرد أمام وابل كلماته العاشقة، و انما فقط شددت من احتضانه كناية عن سعادتها و شعورها بالأمان التام فى كنفه.

و أما عند داليا بشقة أمها...
بمجرد أن عادت من الشركة، أجلست أمها بجوارها و فتحت معها أمر طلب عماد الزواج منها، فسكتت فاطمة مليا تفكر ثم قالت بجدية:
ــ و الله يا بنتى أنا عن نفسى معنديش مانع، بالعكس هكون مبسوطة إن ربنا هيعوض عليكى بواحد بيحبك بجد و شاريكى...بس أنا خايفة من كلام الناس...هيقولوا لسة مطلقة من كام شهر و اتجوزت علطول.
هزت كتفيها بعدم اكتراث قائلة:
ــ عادى يا ماما...انا ممكن أوافق بصفة مبدئية و الجواز دا نتفق عليه بعدين مش لازم علطول.
ــ طاب و ملك بنتك؟!
ــ هو مش ممانع ان ملك تعيش معانا، و بعدين أنا كلمت سفيان فى الموضوع دا و هو اقنعنى إنى اوافق، بس ملوكة كانت نقطة الخلاف بينا و اقترحت عليه تقعد أسبوع معايا و أسبوع معاه و هو وافق.
ربتت على فخذها بابتسامة قائلة بارتياح:
ــ خلاص يا بنتى يبقى على خيرة الله...و بلغيه بموافقتى أنا كمان و ربنا يجعل أيامنا كلها فرح يا رب.
ردت عليها بابتسامة فرحة:
ــ يا رب يا ماما...يا رب.

أما عند سفيان، اتفق مع والديه على زيارة عمه فى المساء، و اخبرهما بضرورة اقناعة بالموافقة على زواجه من ملك.
و عندما حان المساء التمت العائلة بشقة اسماعيل بغرفة الصالون، و كان كل من سفيان و ملك فى أقصى درجات التوتر و تلف الأعصاب، بينما اسماعيل قد استنبط سبب الزيارة، فأصبح فى حيرة من أمره، خاصة بعدما اتصل به قاسم و أخبره بتراجعه عن طلبه و اعتذر له كثيرا، فأجزم أن سفيان له يد فى تراجع قاسم.
بعد كثير من المقدمات عن سنوات الدراسة و العلاقة القديمة التى كانت تربط سفيان بـ ملك، سرد سفيان طلبه الزواج من ملك و ترك الحديث لعمه، فسكت مليا بتفكير ثم قال بجدية:
ــ اسمع يا سفيان...أنا كان نفسى أجوز بنتى الوحيدة اللى ماليش فى الدنيا غيرها شاب عاذب متجوزش قبل كدا...تكون هى أول فرحته و كل دنيته..اظن دا حقى؟!
انفرجت شفتاه ليتحدث و لكن استوقفه عمه باشارة من كفه مسترسلا حديثه السابق:
ـُ بس طالما هى راضية بالوضع دا و بظروفك...فهى حرة بقى هى اللى اختارت..
سلط نظره عليها مردفا بتحذير:
ــ انتى اللى اختارتى يا ملك و متجيش فى يوم تندمى على اختيارك دا..
هزت رأسها بموافقة و هى تقول بسعادة:
ــ أنا متأكدة إنى مش هندم يا بابا.
بينما سفيان رد عليه بأمل:
ــ ملك دى روحى يا عمى...مستحيل أبدا إنى آجى عليها او أظلمها و ان شاء الله هخليها أسعد زوجة فى الوجود.
رد ريان بابتسامة واسعة:
ــ يبقى على خيرة الله...نقول مبروك بقى؟!
نهضت عفاف من جلستها و أطلقت زغرودة مطولة حتى انقطعت أنفاسها و ضحك الجميع فى جو من السعادة العارمة ثم شرعوا فى قراءة الفاتحة.
أنهوا قراءة الفاتحة ثم عاد سفيان ليقول:
ــ أنا بقول يا عمى مفيش داعى نعمل خطوبة...احنا نكتب الكتاب علطول و بعد شهر نعمل الفرح...ايه رأيك.
أومأ موافقا ثم قال:
ــ ماشى مفيش مشكلة.
قالت ملك بنبرة جادة:
ــ بس ليا طلب يا سفيان..
ــ انتى تؤمرى يا ملك.
ــ احم...أنا مش هعيش فى شقة داليا.
سكت سفيان متفاجئا من طلبها، فتطوع إبراهيم بالحديث قائلا:
ــ حقك يا بنتى...هجهزلك الشقة اللى فوق شقة ريان...هى صحيح هتاخد شغل كتير بس كله يهون عشان خاطرك يا حبيبة قلبى.
اتسعت ابتسامتها بسعادة قائلة:
ــ ربنا يخليك لينا يا عمى يا رب.
تنهد سفيان بارتياح قائلا:
ــ كدا تمام أوى...نخلى كتب الكتاب بكرة ان شاء الله؟!
رد اسماعيل باندفاع:
ــ نعم!!..بكرة؟!..علطول كدا؟!
رد إبراهيم:
ــ جرى ايه يا اسماعيل يا أخويا...خير البر عاجله.
وافق على مضض قائلا:
ــ ماشى يا سيدى أمرى لله..
أطلقت عفاف زغرودة أخرى مدوية و ساد بينهما جو من السعادة الغامرة خاصة ملك و سفيان مترقبين الغد القريب على أحر من الجمر.

يتبع...
انا بعتذر لقصر الفصل بس فعلا بكتب و أنا مريضة و كنت بضغط على نفسي علشان خاطر كل متابعين الرواية اللى مستنين الجديد دايما و علشان متزعلوش منى بس هتتعوض الفصل الجاى ان شاء الله.
مع تحياتي/دعاء فؤاد
الفصل الرابع و العشرون
فى صباح يوم جديد انتظر كل من ملك و سفيان بزوغ فجره و اشراق شمسه بفارغ الصبر،
نزلت ملك إلى سلمى التى كانت تنتظرها أسفل المنزل و من ثم ركبتا سيارة أجرة إلى إحدى المولات الشهيرة لشراء فستان عقد القران و بعض الأغراض.
دخلتا العديد من محال الملابس النسائية علاوة على الأحذية و الحقائب الجلدية و أيضا محال الأحجبة.
بعد ساعات من التسوق جلستا بإحدى المقاعد المصطفة أمام المول و هما فى غاية الارهاق فقالت سلمى بتعب:
ــ الله يسامحك يا ملك...اه مش حاسة برجلى..لما كتب كتاب بس و دوختينى السبع دوخات، أومال فى الفرح هتعملى فيا ايه.
أخذت ملك نفسا عميقا و هى تدلك قدميها من فرط الألم ثم قالت:
ــ حقك عليا يا سلمى...عقبال لما اتعبلك فى الفرح يا رب...كان نفسى يكون ليا أخت أو حتى تكون ماما عايشة علشان تلف معايا و تفرحلى فى يوم زى دا.
تأثرت سلمى كثيرا بكلماتها حتى أدمعت عيناها، فجذبتها إلى حضنها و هى تربت على ظهرها بحنو قائلة:
ــ حبيبتى يا ملك...طاب ما أنا أختك بردو..و الله انا بقول الكلام دا بهزار و مش مضايقة خالص من اللف معاكى، بالعكس أنا فرحنالك جدا...لأن أنا مريت بسنين الفراق اللى انتى عيشتيها بعيد عن الإنسان اللى بحبه زيكم بالظبط، و عارفة معنى إن ربنا أخيرا يجمع شملكم فى الحلال و حاسة بالفرحة اللى انتى بتمرى بيها دلوقتي.
ابتعدت ملك عن حضنها و ابتسمت لها بود قائلة:
ــ حبيبتى يا سلمى...انتى طيبة اوى و ربنا يعلم أن بحبك قد ايه.
ــ طاب قومى بينا يلا نركب تاكسى و نروح بقى علشان نلحق نجهز لكتب الكتاب.
ــ حاضر.. يلا بينا.
نهضت سلمى و التقطت بعض الأكياس ثم وقفت ملك و انحنت لتحمل الأكياس الأخرى إلا أنها أسرعت بمسك رأسها عندما داهمها ألم شديد به، و استندت سريعا على سلمى التى ألقت الأكياس على الأرض مرة اخرى و قامت باسنادها جيدا قبل أن تسقط و قالت لها بهلع:
ــ مالك يا ملك...حاسة بإيه بس..ما انتى كنتى كويسة دلوقتي.
ردت ملك بهمس و صوت متعب بالكاد خرج منها:
ــ صداع...صداع جالى فجأة هيفرتك دماغى.
ارتعدت أوصال سلمى و سألتها بتوجس:
ــ هو الصداع دا جالك قبل كدا بعد العملية..
هزت رأسها بنفى قائلة:
ــ كان بيجيلى بعد ما فوقت من الغيبوبة علطول بس الدكاترة كانوا بيطمنونى و بيقولوا ان دى اعراض طبيعية بعد الغيبوبة، بس من ساعة ما خرجت من المستشفى و بقيت كويسة مجاليش أبدا.
ربتت على كتفها بمواساة قائلة بقلق خفى:
ــ متقلقيش يا حبيبتى...دا تلاقيه بس من الارهاق و قلة النوم...ان شاء الله خير.
جلست ملك بتعب و قالت بخفوت:
ــ أيوة أكيد...انا هقعد شوية لحد ما الصداع يخف و بعدين نركب و نمشى.
ردت سلمى بقلق:
ـــ طيب استنينى هروح لأقرب صيدلية أجيبلك حاجة للصداع و اشترى ازازة مية و أجيلك بسرعة.
أومأت ملك و هى مطرقة الرأس و لم تقوى على الحديث من فرط الألم، و تركتها سلمى و ذهبت..
عادت لها بعد عدة دقائق فوجدتها كما تركتها، فأعطت لها الأقراص المسكنة و الماء، و تناولتها ملك و انتظرتا قرابة النصف ساعة إلى أن هدأ ألم رأسها قليلا ثم استقلتا سيارة أجرة عائدتين إلى المنزل.
بمجرد أن وصلتا و ترجلتا من السيارة قالت ملك:
ــ أنا مش عارفة أشكرك ازاى يا سلمى على تعبك معايا...لولاكى مش عارفة كنت عملت ايه؟!
ابتسمت لها بود قائلة:
ــ متقوليش كدا يا حبيبتى احنا اخوات.
ازدردت ملك لعابها و هى تقول بتوتر:
ــ ممكن بس أطلب منك طلب.
ــ طبعا يا حبيبتى انتى تؤمرى.
ــ بلاش تقولي لـ سفيان على الصداع اللى جالى و أنا معاكى...مش عايزاه يقلق عليا فى يوم زى دا.
أمسكت كفها تضغط عليه برفق ثم قالت بجدية:
ــ متقلقيش يا ملك مش هقوله، بس لو اتكرر الصداع دا تانى لازم تكشفى...احنا ما صدقنا ان ربنا شفاكي من المرض الملعون دا.
هزت رأسها بايجاب قائلة:
ــ ان شاء الله هكشف...
أماءت برأسها نحو المنزل قائلة:
ــ طاب ادخلى يلا جهزى نفسك معادش قدامنا وقت كتير، و أنا هروح أغدى ريان و الولاد و هرجعلك تانى.
أومأت بابتسامة قائلة بامتنان:
ــ ماشى يا حبيبتى براحتك..شكرا مرة تانية يا سلمى.
ــ يا بنتى كتر الشكرانية بتقل المعرفة...
قلبت نبرتها للجدية مردفة:
ــ ثم مفيش شكر بين الاخوات و لا انتى مش معتبرانى أختك و لا ايه؟!
ــ ربنا يعلم أنا بحبك قد ايه...يلا روحي بقى علشان متتأخريش على ريان.
قبلتها من وجنتها ثم ودعتها و سارت إلى الجهة المقابلة حيث منزلها.

فى المساء اجتمع الجميع فى شقة اسماعيل، و كان ريان قد أحضر المأذون و الجميع يجلس فى بهو الشقة منتظرين طلة العروس، بينما هناك فى غرفتها قد وضعت سلمى لمستها الأخيرة على حجابها حين طرق ريان الباب ليستعجل خروجهما، فردت عليه سلمى بصوت مرتفع من خلف الباب:
ــ حاضر با ريان..خارحين حالا.
بينما ملك قد توترت أوداجها و توردت وجنتاها من الخجل، و أخذت تفرك كفيها بقلق و هى تقول لسلمى:
ــ أنا متوترة أوى و مكسوفة أوى أوى و حاسة انى هضرب لخمة قدامهم كلهم.
أمسكت يديها الباردتين من أثر التوتر و قالت لها بطمئنة:
ــ ادخلى على مهلك خالص و قولى السلام عليكم و اقعدى جنب عمو اسماعيل علطول و متبصيش لحد خالص بالذات سفيان علشان متتوتريش أكتر...ماشى يا عروسة.
أخذت تهز رأسها عدة مرات و علامات التوتر بادية على وجهها و كل حركات جسمها، فقامت سلمى بفتح الباب و دفعتها برفق إلى الخارج، إلى أن مرت من الردهة و منها إلى الصالة حيث ينتظر الناس و على رأسهم سفيان.
بالكاد خرج صوتها و هى تقول بخجل شديد:
ــ احم...السلام عليكم.
رد الجميع السلام و أقبل عليها سفيان بابتسامة عاشقة حتى وقف قبالتها و قال بجدية:
ــ يلا يا ملاكي على المأذون علطول علشان نبدأ فى كتب الكتاب.
أومأت له و هى مطرقة الرأس فى خجل و سارت معه إلى حيث يجلس أبوها بجوار المأذون و جلست بجواره و هى ما زالت مطرقة الرأس و جنتاها تشتعلان خجلا، ربت أبوها على ظهرها بحنو قائلا بابتسامة صادقة:
ــ ألف مبروك يا حبيبتى.
ردت عليه بخفوت:
ــ الله يبارك فيك يا بابا.
صاح المأذون بعلو صوته:
ــ نبدأ مراسم عقد القران على بركة الله...اتفضل يا أستاذ سفيان حط ايدك فى ايد الحاج اسماعيل.
فعلا كما أمرهما المأذون، و من ثم شرع فى تلقين سفيان صيغة طلب الزواج و من بعده عمه اسماعيل إلى أن انتهيا بقوله:
ــ"بارك الله لكما و بارك عليكما وجمع بينكما في خير"
تعالت الزغاريد و المباركات و قام سفيان و ملك بتوقيع عقد الزواج، و البسمة تعرف طريقها على محياهما، لا يصدقان أنهما قد اجتمعا أخيرا و بعد معاناة على سنة الله و رسوله.
غمز سفيان لـ ريان بعين واحدة، فضحك ريان و هز رأسه بإيجاب كناية عن فهمه لغرض سفيان، و ذهب ريان لـ سلمى و همس لها ببعض الكلمات فى أذنها، فأومأت بابتسامة و من ثم ذهبت لملك الجالسة بجوار أبيها و قبضت على كفها و أوقفتها تحت نظراتها المتعجبة و قالت لاسماعيل:
ــ بعد اذنك يا عمو..عايزين العروسة نهيصلها شوية.
أومأ بموافقة و هو يبتسم بسعادة لتلك الفرحة التى ملأت وجه ابنته الحبيبة، فهو لم يراها سعيدة إلى هذه الدرجة منذ كانت طفلة فى المدرسة الاعداديه.
سحبتها سلمى حتى أدخلتها غرفتها و طلبت منها أن تنتظرها قليلا، ثم خرجت لـ ريان و همست فى أذنه و هى تبتسم بمكر، فقام ريان بدوره بغمز شقيقه التى اتسعت ابتسامته ما إن نال مبتغاه، و تسلل بخفة من بين المعازيم و دلف غرفة ملك سريعا و أغلقها خلفه جيدا.
تفاجأت ملك بدلوفه، فوقفت و هى تفرك كفيها بتوتر و تناظره بابتسامة خجلى، بينما هو تسمر عند الباب و لم يتحرك قيد أنملة، فقد عجزت قدماه عن الحركة، و انعقد لسانه عن الكلام أمام تلك الحقيقة التى هو بصددها الآن، يتأملها بهيام و كأنه يريد أن يثبت لنفسه أنه الآن على أرض الواقع و لا يحلم، و عندما طال انتظارها لأن يتحرك أو يتحدث نادته بتوجس:
ــ سفيان..مالك؟!
هز رأسه بعدم تصديق و هو يقول بنبرة عشق لا متناهى:
ــ أنا مش مصدق نفسي يا ملك...أنا من كتر الفرحة كل الكلام اللى كان فى دماغى اتبخر، مش عارف المفروض أقول ايه و لا أعمل ايه...حاسس إنى مش قادر أتنفس من كتر الاثارة و السعادة اللى أنا فيها.
لاحت منها ابتسامة خجلى على ثغرها و هى تقول:
ــ أومال أنا أعمل ايه؟!..أنا كمان حاسة إنى بحلم.
تحرك و سار إليها و أجلسها على حافة الفراش و جلس بمحاذاتها تماما، ثم التقط كفها المجاور له و حاصره بين كفيه و أردف بعدم تصديق:
ــ انتى متعرفيش أنا استنيت قد ايه علشان ألمس ايدك و أحطها بين ايديا كدا من غير ما أحس إنى بعمل حاجة غلط!!....انتى متعرفيش إنى عدت عليا ٨ سنين و أنا مستنى اللحظة اللى أنا فيها دلوقتي..مش عارف انتى فاكرة و لا لأ لما كنتى فى سنة أولى ثانوى و عمى طلب منى إنى أفضى نفسى كل يوم ساعة علشان أذاكرلك أى حاجة واقفة معاكى لأنه كان بيخاف عليكى زيادة عن اللزوم و عارف إنك خجولة و بتتكسفى تسألى المدرسين عن أى سؤال انتى مش فاهماه...فى الأول كنت واخد الموضوع انى بخدم عمى لما قصدنى فى طلب، بس بعد كدا لما قربت منك أكتر و اتعرفت عليكي من قريب أوى، معرفش انا وقعت فى حبك امتى و ازاى، كنت شايفك من الملايكة، كنت بقول لنفسى انتى مستحيل تكونى بشر زينا، بقيت بستنى الحصة بفروغ الصبر و أحيانا بطولها بقصد و أخليها ساعتين..فاكرة يا ملك؟!
هزت رأسها بنفى و هى تعض على شفتيها بحزن، تستمع لحديثه و هى تعتصر دماغها لعلها تتذكر أى لحظة من تلك الذكريات العتيقة و لكن بلا جدوى، فابتسم و هو يداعب وجنتها بأنامله قائلا:
ــ مش مهم تفتكرى...أنا هحكيلك على كل ذكرياتنا الحلوة وقت الدروس و الحصص...العمر قدامنا هنعيشه سوا و هزهقك كلام عن الماضى و الذكريات.
استطاع أن يُعيد رسم البسمة على محياها مجددا بكلماته الحانية و نبرته الهائمة، فأردف بعشق بالغ:
ــ بعشق ابتسامتك...كنت بقعد أهزر معاكي كتير وقت الحصة علشان أشوف وشك الجميل و هو بيتبسم...كنت ضعيف أوى فى محرابك يا ملك...ضعيف لدرجة إن الشيطان كان بيغوينى إنى ألمس ايدك، أتأمل فى ملامحك، أقرب منك أوى و أنا قاعد جنبك، كان بيقولى انت ازاى بارد كدا...حبيبتك قاعدة جنبك و انت قاعد كدا عادى مبتحاولش حتى تلمسها...بس أنا كنت بجاهد نفسى علشان أفضل محافظ عليكى منى...علشان أفضل كبير فى نظر نفسى و فى نظرك...علشان انتى تستاهلى تكونى جوهرة غالية أوى مش من السهل أبدا إن أى حد يلمسك.
ناظرته بنظرات تائهة، فقد أصابتها كلماته بحالة من التيه و الهيام، فازدردت لعابها بصعوبة قائلة:
ــ بس بابا قالى إنى أيام ثانوى الكيماوى كان مضيع ملامحى و كان وشى بهتان أوى و...
قاطعها قائلا بلهفة:
ــ عمرى ما شوفتك عادية أبدا...من يوم ما حبيتك و أنا شايفك أحلى بنت عيني شافتها..أى نعم انبهرت بشكلك بعد ما خفيتى و رجعتى من ألمانيا بس دا مزودش محبتك فى قلبى، لأن حبك جوايا عدى كل الحدود سواء بملامحك البهتانة أو بشكلك الجميل اللى قدامى دلوقتي..شكلك الجديد مهزش فيا شعرة، لا دا حبى و فرحتى بوجودك فى الدنيا هما اللى هزوا كيانى كله و لغبطولى حياتى...بس كانت أحلى لغبطة لما عينى شافتك يا ملك بعد ما كنت فقدت الأمل فى إنى أشوفك تانى.
تنهدت ملك بعمق ثم قالت:
ــ دا كله فى قلبك يا سفيان؟!
ــ دا كله ميجيش نقطة فى بحر شوقى ليكى و عشقى لروحك...أنا عندى استعداد أفضل العمر كله أبوحلك باللى فى قلبى...لان اللى فى قلبى كتير اوى مبيخلصش...باختصار كدا أنا روحى متعلقة بروحك...روحى بتعشق روحك و من زمان أوى مستنية تحضنها و متسيبهاش أبدا يا ملك روحى و قلبى و دنيتى كلها.
تأثرت ملك من تعبيراته العاشقة و ملامحه المتيمة و لسانه الذى يقطر حبا و حنانا، و كأن الله جمع كل المحبة التى حُرِمت منها طيلة حياتها فى قلبه، ليغدقها بوابل عشقه و غرامه و يعوضها عن حرمان محبة الأم و الأخت و الصديقة و أخيرا الحبيب.
أدمعت عيناها من فرط السعادة و التأثر حتى فرت دمعة من جانب عينها دون أن تشعر، فأزالها بأنامله و هو يقول بنبرة هائمة:
ــ دى دموع الفرح؟!
هزت رأسها بايجاب و قد بدأت تجهش بالبكاء، و بالفعل لم تستطع كبت بكائها أو اخماد مشاعرها الثائرة و تركت لدموعها العنان و هى تقول له ببكاء:
ــ سفيان أنا بحبك اوى...بحبك أكتر من أى حاجة فى الدنيا...بحبك أكتر من نفسى...و مش مصدقة ان انت بقيت ليا و انا ليك...بعد كل السنين اللى فاتت دى حتى و أنا مش فاكراك، بس كنت عايشة فى عذاب حبك اللى اتملك منى بطريقة غريبة من غير ما أكون حتى فاكرة ملامحك...سفيان أنا مش قادره أصدق...عايزة أصدق يا سفيان..اعمل أى حاجة تخلينى أصدق ان احنا اتجوزنا بجد...
طالعها بعينين دامعتين ثم نهض من جلسته و أوقفها قبالته و جذبها إلى حضنه، فازداد نحيبها أكثر، و أحس بارتجاف جسدها بين يديه و هى تتشبث به غير مصدقة أن أمنيتها الوحيدة قد تحولت لحقيقة، فلم يستطع سفيان أن يتمالك حاله أكثر من ذلك و بكى هو الآخر، و ظلا على هذا الوضع لدقيقتين، إلى أن باغتها بإبعادها عن حضنه، و خر ساجدا على الأرض شكرا لله، فخرت هى الأخرى بجواره و سجدت شكرا للوهاب، الذى وهب قلبيهما تلك النعمة و جمعهما فى الحلال على خير و بعد سنوات طويلة من الانتظار و الأمل الذى لم يمت بداخل أى منهما.

يتبع....
مع تحياتي/دعاء فؤاد
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close