expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية سل الغرام كامله بقلم الكاتبه مريم غريب من البارت 11 حتي 15 علي النجم المتوهج





 ( 11 )


_ رجل حر ! _


مكالمة هاتفية أخيرة من إبن عمه، ألحت عليه بوجوب الوصول سريعًا ليصلحوا هذه المشكلة العويصة، و التي تدعي "هالة".. لم يكذب "صالح" خبرًا و ضاعف سرعة قيادته بقدر من الحرص مراعاةً لحالة زوجة الحبلى


يصل إلى قصر "البحيري".. قصر عائلته و فخرهم على مر الأجيال ...


يستبق "صالح" زوجته و يتركها تلحق به على مهل، بينما يعدو مجتازًا باحة المنزل، و يلج عبر الباب المفتوح على مصراعيه، ثم يتجه صاعدًا إلى الطابق العلوي


يجد "عثمان" و زوجة عمه يقفا أمام غرفة شقيقته المغلقة، فيقبل عليهما راكضًا و هو يهتف بشحوب :


-إيه يا جماعة.. حصل إيه ؟ إستعجلتوني أوي و كنت هاعمل 100 حادثة في الطريق


-أبوك عايز يبوظ إتفاقنا ! .. صاح "عثمان" بإنفعال مكبوت و هو يقبض على هاتفه بقوة كادت تحطمه


سارعت "فريال" لتهدئته قائلة و هي تربت على ذراعه بلطف :


-إهدا شوية يا عثمان. العصبية مش هاتحل حاجة يا حبيبي


لكنها كانت كمن يصب البنزين فوق النيران أكثر، لولا تدخل "صالح" للمرة الثانية ...


-قولي بس إيه إللي حصل ؟ إحنا مش كنا إتكلمنا في الموضوع ده قبل ما تسافر و إنهاردة أخو مراتك جاي ؟ بابا عمل إيه ؟؟؟


-هاي يا جماعة ! .. برز صوت "صفية" في هذه اللحظة


كانت تقف عند مقدمة الدرج، تلهث و القلق يعلو وجهها المرهق، أخذت تقترب من عائلتها ببطءٍ و هي تضع كفها فوق بطنها ذات السبعة أشهر


رؤيتها هكذا عملت على تخفيف غضب "عثمان".. و بطريقة ما قل عبوسه و إسترخت عضلات جسمه المشتنجة ...


-حبيبتي ! .. صاحت "فريال" بتلهف و هي تستقبل إبنتها بين أحضانها


عانقتها "صفية" و قبلتها و هي تقول دون أن تشح ببصرها عن أخيها :


-في إيه يا عثمان ؟ صوتك عالي أوي أنا سمعتك من تحت !


تمكن "عثمان" من الرد عليها بلهجة أكثر هدوءًا حين عجز عن منحها إبتسامة :


-مافيش حاجة يا حبيبتي. مشكلة هالة بس. ماتشغليش بالك .. ثم فتح لها ذراعاه و قال داعيًا إياها :


-تعالي الأول كده عشان وحشاني !


إبتسمت "صفية" بجهد، و إنتقلت من حضن أمها لحضنه ..


ضمها "عثمان" بحنان شديد و هو يقبل رأسها متمتمًا :


-أنا إتفقت مع صالح هاتقعدوا معانا لحد ما البرنسيس بتاعتنا تشرف. هاتسيبوا كل حاجة في القاهرة مؤقتًا و تقضوا الفترة دي كلها معانا هنا.. و إياكي أسمع إعتراض يا صافي. إنتي تحمدي ربنا إني سمحت بحوار خروجك من البيت ده و كمان تبعدي المسافة دي كلها عننا


ضحكت "صفية" بخفة و إبتعدت عنه قليلًا، تطلعت إليه بشوق قائلة بصوتها الرقيق :


-على فكرة منغير ما تقول. الغربة وحشة أوي و أنا مش قادرة أبعد عنكوا تاني.. على الأقل في آخر شهور الحمل


-طيب يا حبيبتي كفاية عليكي واقفة بقى ! .. قالها "صالح" مقترحًا بهدوء و هو يلمس كتفها لمسًا خفيفًا


ثم نظر إلى "فريال" مستطردًا بتهذيب :


-طنط فريال بليز ممكن تاخديها تريح في أوضتها ؟ الدكتور موصي على الراحة التامة. أي مجهود مش كويس عشان البيبي و عشانها


آيدته "فريال" بقوة :


-طبعًا أهم حاجة راحتها و راحة البيبي. تعالي يا قلبي أوضتك جاهزة من إمبارح. و حالًا هاخليهم يطلعولك الشنط.. يلا يا حبيبتي


و أخذتها "فريال" إلى غرفة فورًا ...


لينتظر "صالح" حتى توارت عن ناظريه.. نظر مرةً أخرى إلى إبن عمه متسائلًا :


-ها بقى يا سيدي. فهمني حصل إيه بالظبط ؟!


أطلق "عثمان" زفرة مطولة و تمهل قليلًا ليضمن سيطرته على أعصابه ...


نظر إلى "صالح" قائلًا و هو يشير صوب غرفة "هالة" :


-أختك بتستعبط.. و أبوك داخلة عليه حركاتها


عبس "صالح" و هو يقول بعدم فهم :


-لأ وضحلي قصدك.. عملت إيه هالة يعني ؟!


تآفف "عثمان" بضيق، لكنه حكى له ما حدث في الأخير ...


صالح بجدية : طيب ما يمكن أنهارت فعلًا يا عثمان. هو مش الدكتور كان هنا و أدلها مهدئات من شوية زي ما قلت ؟!


عثمان بنفاذ صبر :


-بقولك إيه يا صالح أنا جبت أخري من الكل.. إصحى كده لكلامي و ركز في إللي حصل. بعد عمايل أختك و تخطيطها عشان تتخلص من مراد بالطريقة دي. لو بتموت حتى ماينفعش تتصدق بسهولة. أختك ممثلة هايلة يا أستاذ و الحركات دي ماتخيلش عليا. أنا إلتزمت بكلمة و لازم أوفي بيها


صالح بتفهم : طيب يا عثمان أنا مستوعب و الله كلامك كله. بس في النهاية عمك ده أب.. و إنت بتطلب منه يرميها في جوازة غريبة زي دي. أنا شخصيًا لما عرضتها عليا قولتلك ماينفعش. بس وجهة نظرك نوعًا ما أقنعتني. جايز يكون بابا لسا مش مقتنع مع إللي بتعمله هالة.. لازم تعرف إنها دلوقتي زي ما بتقول ممكن تكون بتمثل و بتضغط عليه من الناحية العاطفية عشان يرفض


عثمان بغلظة : أنا ماليش دعوة بالكلام ده. تدخل تفهم أبوك إن إللي إتفقنا عليه هايحصل بأي شكل. و يستحسن يتعب نفسه شوية و يربي بنته ساعة و لا ساعتين لحد ما الضيف يمشي. لكن جو السهوكة ده ماينفعنيش دلوقتي.. بلا دلع مرئ !


و أشاح بكفه و هو يلتفت موليًا للأسفل دون أن يضيف كلمة أخرى ...


تنهد "صالح" بثقل و هو يحدق في إثره بنظرات عاجزة، لكنه أبى إلا أن يذعن لرغبته.. بالنهاية أخته المتهورة هي التي أفضت بهم جميعًا إلى هذا الوضع


بهوسها و قلة حيائها التي إكتسبتها مؤخرًا بطريقة لا يعلمها إلا الله، أخلاقها الرفيعة أمست بالحضيض لو لم يهتدي "عثمان" لتلك الفكرة التي ربما تعيد إليها رشدها، حتى لو لم تجدي الخطة.. حتى لو فشلت هذه الزيجة


لا بد من القضاء على تلك الـ"هالة" الجديدة، قبل أن تدمر كل شيء صالح داخل قلب أخته الضامر خلف ذلك الجسد ذي العقل الفاسد المخرب ...


°°°°°°°°°°°°°°°°°°


كان "رفعت" جاثيًا بوضع القرفصاء إلى جوار سرير إبنته ...


كانت غائبة عن الوعي، تحت تأثير ذلك المخدر الذي أعطاه الطبيب لها قبيل رحيله و مغالاته بأهيمة الإعتناء بها ما لم تسوء حالتها فيضطروا لإستدعائه مرةً أخرى، حينها لا بد أن تنقل إلى مشفاه.. و هذا أمر أنزل القلق و الخوف بقلب "رفعت" على إبنته


ألهذه الدرجة صدمها الخبر ؟ ألهذه الدرجة تحب "عثمان" ؟ أم أنه هوس ؟ كما قال له و آيده الطبيب بعد أن شرحوا له كافة الملابسات ...


-بابا !


إنتبه "رفعت" فجأة لهذا النداء الخفيض


إلتفت قليلًا دون يفلت يد "هالة"،أدار رأسه للخلف، ليجد إبنه ماثلًا أمامه ...


-صالح ! .. تمتم "رفعت" بصوت ملؤه الكآبة


-لسا واصل دلوقتي ؟ حمدلله على السلامة ! .. ثم عاد ينظر في وجه إبنته الذابل من جديد و هو يكمل :


-تعالى شوف أختك جرالها إيه !!


زفر "صالح" بضيق و هو يهز رأسه، ثم قال :


-يا بابا إطمن. هالة هاتبقى كويسة ماتقلقش.. بس ياريت تمسك أعصابك و تبقى شديد معاها أكتر من كده


يقف "رفعت" على قدميه في هذه اللحظة، يواجه إبنه و هو يهتف منفعلًا :


-إنت سمعتلي كلمتين من إبن عمك و جاي ترددهملي هنا ؟ بس أنا خلاص قررت.. بنتي مش هاتتجوز الشخص ده. مش هاتنزل للمستوى الحقير ده أبدًا حتى لو قعدت جمبي عمرها كله منغير جواز. أنا بنتي ألف راجل أحسن من عثمان يتمنوها أصلًا هو فاكر نفسه إيه !!!


صالح بصلابة : يا بابا لو سمحت مش كده.. إحنا عايزين نخلص من الموضوع ده. إللي عرفته إنه كان بادئ من بدري و أنا إللي عرفت متأخر. هالة مش هاتسكت و لا هاتهدا غير لما تنفذ إللي في دماغها


-كلام عثمان مش هايمشي لا عليها و لا عليا من إنهاردة !


هكذا صاح "رفعت" بصوت جهوري يفيض غضبًا ...


لولا أن "هالة" مخدرة لقفزت مذعورة من فراشها !!


أطبق "صالح" جفنيه بشدة و هو يحك أعلى أنفه بإبهامه و سبابته قائلًا :


-يا بابا دي مش طريقة منطقية نصلح بيها إللي حصل. بغض النظر عن إللي عملتوه.. حد يفاجئ واحدة في ظروف هالة و يقولها في عريس جايلك كمان ساعتين و هي ماتعرفش عنه حاجة لأ و كمان كانت فاكرة إنها هاتتجوز الراجل إللي طول عمرها بتحلم بيه.. ما طبيعي تتصدم و يحصلها كل ده و أكتر !


و فتح عيناه محملقًا بأبيه بقوة ...


صمت "رفعت" و هو ينظر إليه متجهمًا، بيّد أنه لن يجادله و لن يتنازل عن قراره أبدًا.. لكنه رغم هذا وجد نفسه يقول بصرامة شديدة :


-أنا مش هاعرض بنتي لموقف جارح زي ده. عثمان عايز يكسرها.. مش هانولهاله !


تنفس "صالح" بعمق، ثم قال واعدًا :


-ماتقلقش يا بابا.. أنا فاهم كل حاجة. و هاتصرف !


___________________


تدق ساعة القصر تمام الثامنة مساءًا ...


كل شيء على ما يرام، و القاعة الداخلية جاهزة لإستقبال الضيف المنتظر.. الأجواء هادئة كالعادة، لكن هدوء الليلة مريبًا مبهمًا لأول مرة !


ها هو "عثمان" يقف أمام الشرفة المطلة على الباحة، كان بكامل أناقته، مختالًا بحلة سوداء و قد تخلى عن سترته و ترك الثلاث أزرار العلية من قميصه مفتوحة


يمسك في يده فنجان قهوة يكاد ينهي نصفه، يده الأخرى مطوية خلف ظهره، عيناه لا تفارقان الجزء الخارجي للبيت، إذ أراد أن يكون أول من يستقبل زوجته و أسرتها ...


-كلهم جهزوا ! .. تسلل صوت "صالح" إلى مسامع "عثمان" فجأة هكذا دون ينذر شيء عن حضوره


أدار "عثمان" رأسه لينظر إليه، و قال بصوته الهادئ :


-أوك. كده تمام أوي. و سمر كمان كلمتها و زمانهم على وصول .. و أكمل بإمتعاض :


-و لو أن حكاية تعب هالة المفاجئ إللي هانتحجج بيها دي ماتدخلش الدماغ و تعمل قلق في القاعدة.. لكن معلش. أنا هاشوف هاصلح الهبل ده إزاي و الليلة هاتمشي


صالح مبتسمًا بسخرية :


-هو الصراحة يا عثمان الموضوع كله أهبل.. بس أنا واثق فيك. و أما نشوف أخرتها مع هالة هانم


عثمان بتهكم: أخرتها خير. خير إن شاء الله ماتخافش .. ثم شرد للحظات قائلًا بإبتسامة خبيثة :


-كلكوا هاتشكروني بعدين.. كلكوا !


و شعر بتردد ضوء مصباحي السيارة، قبل أن يسمع صوتها مقبلة صوب المنزل ...


أعاد ناظريه نحو زجاج الشرفة مجددًا، ليجد زوجته قد وصلت بالفعل، بل أنها أول من هبطت من السيارة


علت الإبتسامة وجهه و أعطى فنجان القهوة لإبن عمه، ليسرع إلى الخارج ...


أبطأ من سيره ما إن تخطى باب المنزل.. علا صوت هتافه المرحب و هو يثبت بمكانه مستقبلًا ضيوفه :


-أهلًا أهلًا أهلًا.. شرفتوا و نورتوا و الله !


كانت "ملك" أولى من وصلت إليه، حيث ركضت بسرعة و قفزت عليه و هي تضحك بإبتهاج، ليحملها "عثمان" من فوره و يغرقها بقبلاته الحنونة مغمغمًا :


-لوكاا القمر. إيه الحلاوة دي يا بيبي ؟ لأ أنا كده أغير عليكي بقى ! .. و أبعدها قليلًا ليراها بوضوح، ثم يقول مازحًا و هو يدغدغها بأصابعه :


- و كمان لابسة mini jupe. و إيه الـ Stockings ( الشوراب ) المخرمة دي !!!


كركرت "ملك" ضاحكة بقوة و حاولت التملص منه، لتأتي "سمر" برفقة أخيها في هذه اللحظة.. فيكف "عثمان" عن مداعبة "ملك" و يمد يده دون أن ينزلها عن ذراعه ليصافح "سمر" بينما يلقي التحية على "فادي" :


-أهلًا بيك يا فادي. شرفتنا. خطوة عزيزة !


فادي ببرود : الله يعز مقدارك


كبتت "سمر" ضحكة لم تعرف سبيها، فرمقها "عثمان" بنظرة حانقة ملؤها الدهشة.. لتحيل ضحكتها إلى إبتسامة رقيقة و هي تقول له بلطف :


-معلش إحنا إتأخرنا شوية. بس فادي أصر نعدي نجيب الورد ده و هدية بسيطة للعروسة !


و أشارت "سمر" إلى ما حمله "فادي" فوق ذراعه السليمة.. كانت علبة شوكولا صغيرة حملت توقيع أفخم متاجر الحلوى أسفل باقة من زهور البنفسج اليانعة ذات الرائحة النفاذة الساحرة ...


 عجبًا !


إتضح إن لديه ذوق رفيع ذاك الـ"فادي".. 


هكذا حدث "عثمان" نفسه و هو يطالع "فادي" و هيئته النبيلة الجديدة، إنه حقًا جديرًا بالثراء، حتى بذلك الجسد المعطوب جزئيًا 


ينقل "عثمان" نظراته إلى زوجته ليرمقها بنظرة فاحصة شاملة.. كانت محتشمة كعادتها و متأنقة بأجمل الثياب المؤلفة من تنورة سوادء واسعة، و قميص فضفاض من الستان الأبيض يفصل بينه و بين التنورة ذاك الحزام الجلدي العريض و الذي حمل شعار الماركة العالمية ( Gucci ).. و أمسكت بيدها حقيبة سوداء تحمل نفس الشعار، أما وشاح رأسها فكان يدمج اللونين الأبيض و الأسود معًا


و أخيرًا يرى أنها قد إلتزمت بتعليماته و لم تضع نقطة زينة واحدة على بشرتها.. فكانت أجمل شيء يراه على الإطلاق بهذه اللحظات ...


-طيب إتفضلوا يا جماعة هانتكلم على الباب و لا إيه ! .. قالها "عثمان" مفسحًا لهما طريق الدخول


تبعهم و هو يشير للخادمة حتى تتلقى من "فادي" ما يحمله.. أرشدهم إلى القاعة المجهزة لإستقبال كبار الزوار.. أجلسهم بأماكنهم، ثم قال و هو يضع "ملك" فوق الأرض من جديد :


-تشربوا إيه بقى ؟


نابت "سمر" عن أخيها في هذا السؤال :


-فادي بيحب يشرب شاي في الوقت ده بس منغير سكر .. ثم نظرت لأختها مخمنة :


-و لوكا يتحب الـ Orange Juice !


أومأت الصغيرة لها، فأدارت "سمر" رأسها نحو زوجها و أضافت بإبتسامة كبيرة :


-و أنا عايزة يحيى من فضلك. وحشني جدًا


رد "عثمان" لها الإبتسامة و قال :


-حالًا هايكون عندك. فريال هانم أكيد مش هاتنزل منغيره مش بتسيبه لحظة أصلًا !


ثم إلتفت إلى الخادمة و أملى عليها الطلبات و أصرفها ...


و هنا يصل أفراد العائلة تباعًا... "رفعت"، "فريال"، "صالح"، "صفية"


فيقوم الأخوة الثلاث ليتلقوا المصافحات و التحيات ...


-أهلًا بيكوا منورين يا حبايبي ! .. قالتها "فريال" موزعة إبتساماتها الحلوة على ضيوفها و زوجة إبنة خاصةً


و بالفعل كانت تحمل الصغير "يحيى" بين ذراعيها، لم تتردد و هي تضعه بين أحضان أمه، بينما تسارع "سمر" نحو أخيها ليتعرف على صغيرها الذي لم يقضي معه وقتًا كافيًا ليحفظ ملامحه على الأقل


إنفرجت أسارير "فادي" لأول المرة في هذه الليلة، إبتسم للطفل بمودة، و مسح على شعره الحريري بحب و هو يحني رأسه ليقبل وجنته المكتنزة المحمرة دلالة على الغذاء الجيد


تطلب "فريال" من الحميع أن يجلسوا بإسلوبها اللطيف، بنفس الوقت تأتي الخادمة و تضع صينية التقديم فوق الطاولة، ثم تقف على مقربة من القاعة بإنتظار أيّ إستدعاء ...


-معلش يا حبايبي حصل ظرف مفاجئ لينا كلنا ! .. قالتها "فريال" مسترعية إنتباه آل "حفظي"


نظر إليها الأخوة، بينما تكمل على إستحياء :


-العروسة للأسف مش هتقدر تنزل الليلة من أوضتها. أصلها تعبت أوي إمبارح و الدكتور إدلها حقنة منيماها في السرير


سمر بإهتمام : سلامتها ألف سلامة عليها. مالها هالة حصلها إيه ؟!


أجابتها "فريال" بتظاهر متقن بينما يراقب "عثمان" ينظراته الثاقبة وجه "فادي" مبهم التعابير :


-إنتي عارفة يا حبيبتي حالتها النفسية بقالها شهور في النازل.. الوسط الإجتماعي بتاعنا بقى وحش أوي و كلامه كتير. و هي زي ما إنتي عارفة رقيقة و مش بتستحمل


يتدخل "صالح" بلهجة حازمة :


-بكرة لما تتجوز تاني هايتخرسوا كلهم. و لو إن دي طبيعة البشر عمومًا.. محدش بيسيب حد في حاله أبدًا


وافقه الجميع، ثم إنقطعت الأصوات بعد ذلك.. لتتركز النظرت نحو "فادي" تاليًا ...


-إيه يا فادي ساكت ليه كده ؟ .. قالها "عثمان" بصوته العميق


تطلع "فادي" إليه و قال و هو يهز كتفاه بخفة :


-بسمع حضرتكوا.. أظن يعني سبب وجودي هنا الليلة معروف


إستغرب بعض أفراد العائلة من رده و همهم البعض الآخر، ليكمل "فادي" بهدوء شديد واضعًا كفه فوق صدره :


-أنا جيت عشان أطلب إيد هالة هانم. لكن إزاي إطلب واحدة فعلًا للجواز و هي مش موجودة ؟!


فريال بلطف : ما أنا لسا قايلة يا فادي.. هالة تعبانة و الله حتى ممكن سمر تطلع تبص عليها و تتأكد بنفسها


يبتسم "فادي" بشيء من الهزأ و هو يقول :


-على كده بقى ممكن إتجوزها و هي مش موجودة بردو !


صالح بجمود : لأ طبعًا إزاي يعني.. إنت هاتشوفها و هاتتكلم معاها كمان قبل ما ناخد أي خطوة رسمية. مش إنت بس إللي هاتحب تتعرف عليها. هي ظروف بس إللي منعتها من ده الليلة دي زي ما طنط فريال قالت


رمقه "فادي" بنظرة مطولة، ممعنًا التفكير بكلماته.. ثم نظر نحو "رفعت" فجأة و قال بلهجة مهذبة :


-تمام. رفعت بيه أنا يسعدني و يشرفني طبعًا إني أطلب إيد بنت حضرتك. و هاكون سعيد أكتر لو وافقت بيا


أجفل "رفعت" عدة مرات من شدة غضبه المضطرب بداخله، لكنه رد عليه بصوت معتدل :


-و هي موافقة يا بشمهندس.. ناقص بس تتعرفوا على بعض زي ما قال صالح. بعد كده كل شيء هايتم في أسرع وقت


فادي بدهشة : أوام كده ؟ مش تدوني مهلة أجهز طلبات العروسة على الأقل.. بس ياريت تكون طلبات أقدر عليها إذا سمحتوا أكيد حضرتك عارف ظروفي !


-إنت مش مطلوب منك حاجة أساسًا يا بشمهندس ! .. قالها "رفعت" بنزق و لم يعد بإمكانه كبح سخطه أكثر من ذلك


ثم لوّح بيده مشيرًا إلى دلائل الرغد و الثراء الفاحش المحيط بهم و هو يقول بلهجة مترفعة لا تخلو من الإزدراء :


-البيت زي ما إنت شايف. يساع حارتكوا كلها.. بمجرد ما تتجوزا تقدر تجيب شنطة هدومك و تتفضل تعيش معانا هنا طبعًا


و في هذه اللحظة ساد صمت متوتر بين جميع الجالسين، و كم أراد "عثمان" أن ينفجر غاضبًا بوجه عمه الذي من الواضح أنه يطمح لهدم مخططاته كلها، حتى قبل أن يضع حجر أساسًا واحدًا ...


لكن "فادي" يستبقه موجهًا كلماته المستخفة إلى والد العروس المتعالٍ :


-لأ هو شكل حضرتك إللي فاهم غلط و الله.. القصة مش هاتبقى كده خالص


نظر "رفعت" إليه عابسًا، ليكمل "فادي" ببرود شديد و قد تشكلت إبتسامة شيطانية على ثغره :


-لما الجواز يتم إن شاء الله العروسة هي إللي هاتيجي تعيش معايا.. في الحارة !


-نعـــم ! حـارة إيـ آ ..


-عمــي ! .. صاح "عثمان" مقاطعًا ثورة عمه المندلعة


حدجه بنظرة زاجرة و هو يقول بلهجة أقل حدة :


-عمي مايقصدش يا فادي.. هو بس حب يقولك إن بيتنا كبير و وجودك إنت و هالة معانا ده هايخلينا عيلة واحدة و أهو أحسن ما يبقى كل واحد عايش بعيد عن إللي منه. إنت فاهم ؟ يعني أنا و سمر و إبننا أهلي. و إنت و هالة أهلها و إخواتك


فادي بصرامة شديدة :


-على عيني و راسي الكلام ده و على فكرة بحترمه. و ممكن أي راجل غيري يقبل بكده. لكن صوابعك مش زي بعضها و أنا ربنا خلقني كده. راجل حر. حر في كل حاجة تخصني و تخص حياتي. مراتي لازم تعيش في بيتي أنا. تاكل من أكلي و تشرب من شربي. تقدر تزور بيت أهلها. زيارة مش أكتر من كده.. طول ما هي في عصمتي لازم تلتزم بآوامري و حقوقي عليها. دي الأصول. و الأصول ماتزعلش حد !


أخذ "عثمان" يواري إبتسامة متراقصة على ثغره، هذه الكلمات بالذات هي كل ما أراد أن يستمع إليها عمه و هي تخرج من فمه "فادي".. هذه الكلمات تمامًا


حانت منه نظرة صوب عمه مكفهر الوجه، ثم نظر إلى "صالح" الذي حمل وجهه نفس تعبير أبيه، لكن نظرة عينيه إتفقت مع "عثمان" قلبًا و قالبًا رغمًا عنه !!!!!!!!!!!!!!! ......................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...

( 12 )


_ مناوشات ! _


كانت "سمر" تباشر تقطيع شرائح اللحم المشوي إلى قطع صغيرة لتضع لـ"ملك" فوق صحن الأرز خاصتها، إذ هكذا تفضل الصغيرة تناول طعامها مجهزًا من الألف إلى الياء بإيدي أختها


حضرت لها "سمر" غدائها جيدًا، و أوصتها بوجوب إنهائه كله، ثم قامت متجهة نحو غرفة أخيها ...


وجدته يجلس فوق فراشه منحنيًا، يحاول إرتداء حزاؤه الرياضي بعناء، و لم تفلح محاولاته إطلاقًا مما رسم سخطٍ و ضيقٍ شديد على محياه


لتسرع "سمر" إليه هاتفة :


-زي ما إنت يا حبيبي.. إستنى أنا جايالك !


إلتفت "فادي" إليها بوجهه العابس، تنهد و هو يراقبها تجثو على ركبتيها أمامه، ثم تمسك بقدمه الواحدة تلو الأخرى و تلبسه الحذاء و تشبك أربطته بأصابع سريعة ماهرة ...


-تسلم إيدك يا سمر ! .. قالها "فادي" مبتسمًا بمودة


-شكرًا


ردت "سمر" الإبتسامة له و قالت :


-العفو يا سيدي. و لو إن قولتلك مليون مرة مافيش حاجة إسمها شكرًا بيني و بينك


و تطلعت إليه بنظرات متفحصة.. لتراه مرتديًا سروالًا من الجينز الأزرق الفاتح تعلوه كنزة صوفية بيضاء، و لحيته التي كان يهملها بالكثير من الأحيان لتطول زيادةً عن الحد الذي يعتاد عليه، إستطاعت "سمر" أن ترى بأنه قد شذبها اليوم حيث ظهرت متناسبة مع خفة تصفيفة شعره العصرية


و ذاك العطر الثمين الذي كان يدخره منذ بداية فترة عمله المشؤوم.. أخيرًا قرر أن يستعمله، بل أخيرًا قرر أن يواجه الحياة مرةً أخرى و يكمل من حيث توقف ...


تطلق "سمر" صفيرًا معجبًا و هي تقوم واقفة لتثني عليه قائلة :


-بس إيه الشياكة دي يا عم الشباب.. عيني عليك باردة هاتجنن العروسة إنهاردة !


إبتسم "فادي" و هو يقول متهكمًا بينما ينهض باحثًا عن جزدانه الجلدي :


-ممكن أجننها في حالة واحدة بس يا سمر.. أشمر دراعي اليمين و أوريها الطرف الصناعي


تنهدت "سمر" بضيق و هي تقول :


-يوووه يا فادي بقى. يعني مافيش فايدة فيك ؟ مهما يحصل في حياتك كويس هاتقضيها بؤس بقى أنا تعبت معاك و الله


يضحك "فادي" بمرح و هو يقترب منها قائلًا :


-طيب خلاص ماتزعليش نفسك كده. حاضر ياستي هابطل بؤس ! .. ثم وضع يده على مؤخرة رأسها و قربها منه ليطبع قبلة حنونة على جبينها


-آه منك إنت و من دماغك إللي مش بفهمها دي ! .. غمغمت "سمر" بقدر من الغيظ


ليبتعد عنها "فادي" و هو يقول محدقًا فيها بدهشة :


-أنا عملتلك إيه بس دلوقتي ؟ مش أنا بقولك حاضر أهو على كل حاجة بتقوليها ؟ أعمل إيه تاني عشان أرضيكي يا سمسمة ؟!!


و إستدار ماضيًا نحو المرآة المثبتة بخزانة ملابسه، أخذ يلقي على نفسه نظرة من كل الإتجاهات، بينما تتبعه "سمر" و هي تقول بإهتمام :


-أنا مش بهزر يا فادي. أنا فعلًا مش عارفة إيه إللي بيدور في دماغك.. مش عارفة إذا كنت راضي عن إللي حصل أو إللي هايحصل كمان و لا لأ. إنت ماتكلمتش معايا لحد دلوقتي في أي حاجة !!


يتسدير "فادي" نحوها عاقدًا حاجبيه ...


-و إنتي عاوزاني أكلمك في إيه يا سمر ؟ .. سألها متعجبًا


سمر بشيء من العصبية :


-تكلمني عن مشاعرك يا أخي. مش تفهمني إنت مرتاح للعلاقة دي و لا لأ ؟ وافقت عشان ده رأيك و إنت مقتنع و لا كده و خلاص عشان تريحني أنا ؟؟!!!


عمد "فادي" إلى تهدئتها و هو يقول بلطف :


-بالراحة بس يا سمر.. إنتي ليه بتفترضي حاجات زي دي ؟ إيه إللي هايخليني أوافق على علاقة فيها جواز عشان أريح إنسان غيري ؟ حتى لو إنتي.. إنتي لسا ماتعرفيش أخوكي و لا إيه !


سمر بتشكك : يعني إنت مستريح ؟ أقصد يعني بالنسبة لموضوع إن هالة مطلقة. مش مضايقك الموضوع ده ؟ ماكنتش تفضل واحدة بنت.. آنسة يعني ؟!


-لا أنا الأمور دي ماتفرقش معايا ! .. قالها "فادي" و هو يشيح ببصره عنها، و تابع بعدم إكتراث :


-بنت مطلقة أرملة.. طالما كويسة و أنا إتقبلتها خلاص. مافيش حاجة تمنع


سمر بريبة : يعني إنت يا حبيبي مش حاسس إنك إتسرعت و آ ..


-خلاااص بقى يا سمر إنتي كده معطلاني ! .. قاطعها "فادي" صائحًا بسأم


أزاحها من أمامه بلطف و إتجه إلى الخارج و هو يهتف :


-ماتعمليش حسابي على العشا الليلة. هقابل ناس صحابي و هانسهر برا.. يلا سلام !


حدقت "سمر" في إثره الفارغ و هي تهز رأسها للجانبين و شعور بعدم إطمئنان يعتمل بداخلها ....


_____________________


في قصر "البحيري" ...


خرب خط الكحل الدقيق الذي تحاول خبيرة التجميل أن تضيطه فوق جفن "هالة" حتى الآن قرابة الساعة ...


تذمرت الشابة العشرينية أخيرًا و رفعت يداها عنها و هي تصيح بنفاذ صبر :


-مش معقول كده يا مس هالة أنا مش عارفة أظبط خط الآيلاينر خالص. كده الشغل كله هايبوظ !


تنهمر دموع "هالة" أكثر مع شدة الضغط عليها، ليتدخل أخيها تاليًا و هو يقول بلهجة حادة :


-خلصينا بقى يا هالة. خلي الآنسة تشوف شغلها خطيبك على وصول. و لا عايزاه يجي يشوفك كده و علامات الكآبة و الحزن باينة عليكي ؟ إللي قدامي دي مش إنتي أصلًا !!


تحاول "هالة" السيطرة على نحيبها الحار المتزايد، و تتمكن من ذلك بعد جهد مضنٍ... تسحب منديلًا ورقيًا من فوق طاولة الزينة و تجفف دموعها بحرص، ثم تسترخي من جديد فوق المقعد تاركة نفسها تحت تصرف خبيرة التجميل الكامل ..


تنتهي الفتاة في زمن قياسي حين أبدت "هالة" القليل من التعاون، جمعت أدواتها و تقاضت أجرها من "صالح"، ثم ذهبت إلى سبيلها ...


-كلكوا خدعتوني ! .. تمتمت "هالة" و هي تنظر لإنعكاس شقيقها بالمرآة


تنهد "صالح" بثقل و قال بصوت خافت :


-كل إللي بنعمله عشان مصلحتك يا هالة


تجاهلت "هالة" رده و تابعت بخيبة أمل مريرة :


-كلكوا خدعتوني و أولكم عثمان.. عثمان. لعب بيا و عشمني. بس أنا كنت متوقعة إيه يعني منه غير كده ؟ ما هو مشهور بالغدر.. بيغدر بأي واحدة تدخل حياته. مش بيرحم حد. حتى مراته إللي بيقول بيحبها.. عمره ما رحمها !


و أضافت بغل شديد :


-بس و حياة حبي له. و حياة ما عشمني فيه و غدر بيا.. ليكون الرد أبعد حتى عن خياله. هادمرله حياته زي ما دمر حياتي !


كانت قدر شردت و هي تستكمل نصف عبارتها، فشهقت مذعور حين أفاقت فجأة متأثرة بقبضة أخيها التي طوقت ذراعها العاري بشدة، إجتذبها لتقف على قدميها مقابله و هو يصيح بوجهها :


-فوقي بقى يا هالة. فووووقي. عثمان عمره ما كان ليكي أصلًا. عمره ما بصلك بصة تديكي أمل و لو واحد من مليون أنه بيفكر فيكي حتى.. إنتي مريضة بيه و علاجك إنك تغيري نظرتك كلها عنه. بأي طريقة لازم ده يحصل إنتي فاهمة ؟؟؟


رمقته "هالة" بنظرات ساهمة، متبلدة و لم ترد عليه ...


عبس "صالح" و هو ينظر إليها مذهولًا، إذ لم يستطع أن يصدق بأن تلك التي بين يديه هي أخته.. لا يعقل أن تكون هذه هي "هالة" !!!


يدق باب الغرفة في هذه اللحظة، فيهتف "صالح" بغلظة :


-إدخل !


لم يحيد بناظريه عن "هالة" حتى عندما سمع صوت الخادمة يتردد من خلفه :


-صالح بيه ! عثمان باشا بيقول لحضرتك خطيب هالة هانم وصل.. و هما مستنيين تحت في الجنينة


ظلت نظرات الأخوين متشابكة بتحدٍ، بينما يعلو صوت "صالح" بصرامة شديدة :


-هالة هانم نازلة حالًا.. إنزلي بلغيهم !


__________________


أسفل مظلة ( البرجولة ) الخشبية المنمقة وسط حديقة القصر الغناء، و التي تحدها الزهور و الرياحين ...


وقف "عثمان" أمام شقيق زوجته يرحب به و هو يربت على كتفه قائلًا بإبتسامة :


-أهلًا أهلًا يا فادي. نورت !


إبتسم له "فادي" بسماجة، و رفع يده دافعًا يد "عثمان" بطريقة تخلو من الذوق تمامًا و هو يقول :


-بنورك و الله.. متشكر


رفع "عثمان" حاجبه و هو يكتم ضحكة ساخرة بداخله، تنحنح غير مباليًا بسلوك ذاك الشاب الأرعن، مد ذراعه مشيرًا له حتى يجلس ...


-إتفضل يا فادي أقعد


لبى "فادي" دعوته هذه بكل سرور، حيث جلس موليًا ظهره إلى المنزل بينما بواجه "عثمان" تمامًا ...


كان الأخير لا يزال يبتسم له و هو يقول :


-للأسف بقى مش هقدر أحضر قعدتك مع هالة. و بصراحة أنا شايف إن ده أحسن عشان تبقوا على راحتكوا .. و أكمل و قد إلتمعت عيناه بخبث :


-و أنا كمان هاخطف ساعتين مع أختك قبل ما ترجع البيت و أهو نكون على راحتنا إحنا كمان


جمدت ملامح "فادي" في هذه اللحظة، و تصاعدت الدماء إلى وجهه لتضفي عليه غضب خطير و هو يحملق بصهره الذي يستمر بالتبسم إليه بإستفزاز ...


إتسعت إبتسامة "عثمان" و هو يراقب ردة فعل شقيق زوجته، ليراه عاجزًا على الرد و رغمًا عنه يكبت كل هذا الغضب المتجلي بنظراته


و هنا لم يستطع "عثمان" السيطرة على ضحكة صغيرة أفلتت من بين شفاهه و هو يقول مداعبًا :


-ماتقلقش أنا مش هاروح لوحدي. هاخد يحيى معايا .. و غمز له مكملًا :


-يعني هايكون بينا مِحرم !


الآن و قد أثار "عثمان" حفيظته إلى درجة كبيرة جدًا، كان سيخرج عن طوره الهادئ.. لولا أن شاهده يتحول كليًا و خاصةً بمزاجه من المرح إلى التآهب و الجدية ...


لاحظه ينظر إلى نقطة ما خلفه، و قبل أن يلتفت ليرى هو الآخر إستمع له و هو يقول على عجالة :


-طيب يا فادي أنا لازم أطلع أجيب يحيى بقى عشان منتأخرش على سمر أكتر من كده.. ياريت قبل ما تمشي من هنا تكلمني. يلا باي !


و أسرع "عثمان" صوب المنزل لكن من جهة معاكسة للنقطة التي كان ينظر إليها قبل لحظات.. قام "فادي" واقفًا و إستدار مستطلعًا بنفسه ...


ليحبس أنفاسه لوهلة، حين رآها.. الحورية كما وصفها من قبل، تقبل عليه في ثوبها العنابي الضيق الذي يبرز مفاتنها المثيرة حد اللعنة بوضوح تام


رباه !


إنها تبعث على الجنون، كتلة غواية و دعوة للخطيئة، خطيئة ترتكب بأيّ ثمن و أيّ طريقة إذا تجرد الشخص أمامها من أخلاقه و صار بربريًا كما في العصور الوسطى !!!!


-هاي !


تسلل صوتها الناعم كالحرير إلى مسامع "فادي" فكاد يذيب حواسه و يخدرها بالكامل.. لولا حمحمة قوية صدرت عنه و هو يطالعها بثبات عندما وصلت إليه و وقفت أمامه مباشرةً ...


-مساء الخير ! .. قالها "فادي" بصوته القوي بسننا تتسارع نبضات قلبه


كان يستطيع أن يشم عبير جسمها خلال هذه المسافة بينهما، إذ بدت و كأنها غمست نفسها ببركة عطور و كريمات الترطيب الشذية التي تستعملها الفتيات المدللات مثلها و ربما "سمر" أيضًا قد رآها مؤخرًا تهتم بنفسها و بشرتها أكثر كما لم تفعل من قبل ...


أجفل "فادي" حين مدت "هالة" يدها للمصافحة


نظر لها بإمعان، ليجدها مصممة، و هنا علم بأنها تتعمد الإشارة لعجزه ...


إبتسم لها "فادي" و رفع كفه الأيسر ليضعه فوق صدره قائلًا :


-أهلًا بيكي.. معلش مابقتش بسلم باليمين !


نظرت "هالة" إليه بإستخفاف و قالت :


-لا و لا يهمك


و سحبت يدها، ثم مضت لتجلس هناك قبالته


أستدار "فادي" على مهل و عاد يجلس كما كان، ساد صمت لبعض الوقت.. لتقطعه "هالة" أخيرًا قائلة بصوتها الرقبق :


-تحب تشرب إيه ؟ .. و أشارت للخادمة التي وقفت على مقربة منهما


جاءت الفتاة مهرولة، فأملت عليها "هالة" طلباتهما و أصرفتها ...


وجهت تركيزها إلى"فادي" من جديد، نظرت له فوجدته يتفرس فيها بجرآة، و قبل أن تسأله سمعته يقول بلهجته الرزينة :


-هو إنتي مش بردانة و إنتي لابسة كده في الجو ده ؟


و أشار بذقنه لعري ذراعيها و صدرها و ساقيها ...


هالة بإبتسامة تهكمية :


-لأ أبدًا أنا متعودة على كده أصلي. و بعدين الشتا في مصر أهبل أوي أساسًا.. أنا عيشت في باريس فترة طويلة و كنت في لندن بقالي سنتين. مش عايزة أقولك الـWeather بيبقى عامل إزاي طول السنة بالذات في الـChristmas


أومأ لها "فادي" ثم قال بهدوء :


-عمومًا الـ style ده كده كده هايتغير. أنا مابسمحش بالمناظر دي.. مش عايز أقولك أنا بقى لو شفتها قدامي في الشارع بقول إيه !


إحتدم وجه "هالة" غيظًا كلما خرجت كلمة من فمه.. لم تستطع كبح مشاعرها أكثر من ذلك و قالت بنزق :


-مش هايبقى في مجال تسمح أو ماتسمحش أصلًا. إوعى تكون صدقت نفسك .. و رمقته بمقت شديد و هي تستطرد :


-إنت أكيد مش غبي.. أكيد جاي و عارف إني مش طايقاك و طبعًا عمري ما أوافق أتجوز واحد زيك !


بقيت إبتسامة "فادي" الهادئة كما هي، كما قال بصوت ملؤه الثقة و هو يومئ لها مجددًا :


-عارف. عارف يا هالة هانم. فعلًا أنا مش غبي عشان أصدق إن هانم زيك ترضى تتجوز واحد زيي ! .. و أضاف بلهجة قاتمة دون أن يرف له جفن :


-بس أهلك راضيين بيا. و عايزينك تتجوزيني.. و إللي فهمته دلوقتي إنك ماتقدريش تقولي لأ قدامهم. و من ناحية تانية كلامك مأثرش فيا خالص. رفضك مالوش أي قيمة بالنسبة لي.. الجواز هايتم. عشان أنا عايزه يتم. مش معقول أضيع فرصة زي دي من إيدي أبدًا !


هالة بإنفعال : فرصة إيـــه ؟ فرصة إيه إللي بتتكلم عنها ؟ إنت عايز فلوس يعني ؟ كنت عايز تستفيد من جوازي منك ؟ أوكي على فكرة ممكن أديك مبلغ كويس أوي هاتتبسط بيه.. لكن جواز لأ. مش هايحصل


فادي ببرود : فلوس إيه يا هانم ؟ إنتي فهمتيني غلط. إللي أنا عايزه منك حاجة أهم و أغلى من الفلوس. و ماينفعش أخدها منغير جواز !


و راح يطالعها بنظرات وقحة


إحتقنت عينيها و هي تنظر له بغضب شديد، لتقفز واقفة فجأة و هي تهدر بعنف بينما شعرها الغزير الطويل يتأرجح حول وجهها بشكل مثير :


-إبقى وريني هاتاخد إللي إنت عايزه ده إزاي. يا حيوان يا سافل.. إنت لو عندك كرامة أساسًا ماكنتش قبلت على نفسك أو على رجولتك علاقة زي دي. لكن أنا هاعرف أتعامل معاك كويس إنت و أختك و جوزها !


و أسرعت تركض تجاه المنزل تلاحقها نظراته التي إستحالت من البرود إلى الوجوم ...


جيد جدًا.. هذه مستجدات لم يكن يحسب حسابها !!!!!!! ........................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...

( 13 )


_ هادم اللذات ! _


كان الثوب النسائي المثير من الحرير الأسود الإيطالي، و كان بلا أكمام، فقط حمالتي كتف رفيعتين، و بقصة طويلة خلف الظهر و الصدر مع أشرطة حمراء تبدأ من عند الخصر الضيق و حتى الذيل الذي يصل إلى كعب القدم تمامًا ...


كانت "سمر" تقف أمام مرآة غرفتها الطويلة المثبت بها مصابيح صغيرة و التي غالبًا ما تستعملها للتزين، كانت تلف حول نفسها تارة و تقف لتمعن النظر بشكلها الكامل تارة أخرى... شعرت بالحماسة الشديدة إلا إن بعض التوتر لم يخلو منها


فهي لم ترتدي ثوبًا مميزًا كذاك منذ الأيام الخوالي التي كانت فيها مجرد إمرأة على هامش حياة رجل عاش زيرًا للنساء منذ إشتد عوده و أدرك معنى رجولته.. خاصةً و أن جميع العناصر اللازمة للحياة و الرفاهيات التامة أيضًا كانت كلها متوفرة لديه حتى و هو ببطن أمه


لكنه الآن زوجها


هذه حقيقة لا مهرب منها، لا تنكرها و لا تبغضها... بل هي في الواقع أمست مغرمة به حد الجنون، و لولا بعض الذكريات القاسية لكانت ممتنة للظروف التي أفضت بها إليه.. لكن ليت الأمر كان بهذه البساطة !!!


إرتعدت "سمر" بخفة حين سمعت باب الغرفة ينفتح فجأة.. إلتفتت مسرعة، لترى زوجها مقبلًا عليها بعد أن ركل الباب بقدمه و أغلقه ثانيةً ...


-إنتي مطمنة على إبنك يعني مع الست إللي إسمها زينب دي ؟! .. هكذا سألها "عثمان" بصوته العميق و هو يمشط جسمها بنظراته


أطرقت "سمر" رأسها عندما أخجلتها الطريقة التي ينظر إليها بها، و قالت بإرتباك :


-آه طبعًا دي ماما زينب إنت بتقول إيه.. دي هي إللي مربياني أنا و إخواتي. ماتقلقش هاتعرف تاخد بالها كويس من يحيى !


-أوك ! .. تمتم "عثمان" بخفوت، و تابع :


-ملك معاه تحت عندها.. وصلتهم بنفسي و إطمنت عليهم 


أومأت "سمر" له، و ما لبثت أن كتمت شهقة تاليًا حين شعرت بذراعه يلتف حول خصرها ليضمها بقوة إليه ...


تطلعت إلى وجهه بعينين متسعتين ترقبًا، بينما كان يتفرس مليًا بتفاصيل ملامحها الجميلة المغطاة الآن بمساحيق التجميل الفاخرة التي أصبحت تستخدمها منذ صارت زوجته


لم يعجبه طمس طبيعتها الأكثر جاذبية وراء طبقات من الجمال المستعار، فمد يده ليسحب منديلًا ورقيًا من فوق طاولة الزينة، و فورًا طفق يمسح طلاء شفاهها الأحمر ببطء مصمم


هذا السلوك العابث يتلف أعصابها في لحظات كهذه، لكن لا بأس.. كل ما يفعله تحبه، تشعر معه و كأنها تلج إلى عالم آخر مليئ بالمفاجآت و المشاعر العنيفة الرائعة ...


-قولتلك عشرين مرة مابحبش كده ! .. غمغم "عثمان" مسبلًا عيناه صوب وجهها


-إوعي أشوفك حاطة ميك آب تاني.. إنتي مش محتاجاله


ردت "سمر" بصوت أبح لا يخلو من الإضطراب :


-زمان.. قبل الجواز الرسمي ماكنتش بتقول كده !


تنهد "عثمان" منزعجًا من ذكرها المستمر لتلك القضية التي أقفلت و إنتهى أمرها بالفعل، لكنه قال بصوت أكثر حدة :


-أيامها ماكنتش متخيل إني ممكن أحبك و أتجوزك بجد. ماكنتيش فارقة معايا ..


نظرت له بصدمة، ليبتسم مستطردًا على الفور :


-بس دلوقتي بقيتي كل حاجة بالنسبة لي.. مقدرش أستغنى عنك أبدًا يا سمر. قبل ما أشوفك كنت إستحالة أصدق إن في حاجة إسمها حب و عشق. بس بعد ما شوفتك ...


و صمت ممررًا نظراته على صفحة وجهها و عنقها الناعم الطويل، عليها كلها، ثم قال غامزا :


-إنتي أدرى بقى !


إبتسمت "سمر" رغمًا عنها، رفعت كفيها لتضعهما فوق صدره و قالت برقة :


-أنا بقى عمري ما عرفت و لا فهمت كلمة راجل غير لما شوفتك. رغم الحاجات الوحشة إللي حصلت معانا.. بس إنت جواك مش وحش يا عثمان. مش وحش أبدًا !


نظر لها بحب و ضمها بقوة في حضنه، غطى رأسها بكلتا يداه فإنتثر شعرها القصير بين أصابعه، بينما شعر بذراعيها تطوقان عنقه أيضًا، فإتعست إبتسامته أكثر و هو يهمس لها بحميمية :


-كويس أوووي إن أخوكي هايسهر برا زي ما قولتيلي. المرة إللي فاتت مالحقناش نقعد مع بعض.. هادم اللذات ده إللي طالعلي في البخت !


غالبت "سمر" ضحكتها و لكمته على كتفه قائلة :


-بس بقى بزعل عليه و الله ! .. و أخذت تدفعه بلطف عنها


إستجاب لها و إرتد للخلف قليلًا، لتقول بإسلوب فضولي :


-صحيح قولي.. إنت مابتتكسفش خالص و إنت بتجيب الحاجات دي ؟ أقصد ده لانچري يعني !!


و أشارت إلى ثوب الفاضح الذي كساها نوعًا ما ...


رفع "عثمان" حاجبه و هو يقول بصوته القوي :


-بصي هو أولًا أنا مابتكسفش. عمرها ما حصلت معايا يعني.. ثانيًا بقى أنا بجبلك الحاجات دي On Line عشان بختار بمزاجي أكتر. لكن لو كنت ماشي بالصدفة مثلًا في أي مكان و شوفت حاجة زي دي عجبتني كنت هاشتريها عادي. و ماكنتش هابقى مكسوف و لا حاجة بالعكس


تخضبت وجنتيها بحمرة شديدة و هي ترمقه مذهولة، ليضحك على شكلها و يقول متفكهًا :


-خلاص ماتتصدميش أوي كده. المفروض تكوني إتعودتي على تصرفاتي


هزت "سمر" كتفيها و قالت :


-المفروض !


إبتسم "عثمان" من جديد و إنحنى قليلًا ليرفعها كما هي هكذا بين ذراعيه.. لم يكد ينتقل للخطوة التالية، ليسمع الزوجان ذلك النداء غير المتوقع بالمرة ...


-سمــــــر !


جمد كليهما في هذه اللحظة، لم يحركا ساكنًا من شدة الصدمة.. فتكرر النداء ثانيةً بصوتٍ أعلى :


-سمــــــر أنا رجعـــت إنتي فيـــن ؟؟؟


تبادل كلًا من "عثمان" و "سمر" النظرات المشدوهة و قالا معًا :


-إيـــه !!!


إنتفضا عندما سمعا القرع المستمر على باب الغرفة يزامنه صوت "فادي" :


-إطلعيلي يا سمر عايزك. فين العشــا إللي قولتي هاتعمليه ؟!!!


و هنا ينزلها "عثمان" ليضعها فوق قدميها مجددًا و هو يقول بخشونة و قد إكفهر وجهه بشدة :


-قولتلك إيه أنا ؟


أومأت "سمر" دون أن تنظر إليه و قالت مؤيدة كلمته :


-هادم اللذات !


_________________


في قصر "البحيري" ...


بصالون القريب من ردهة الإستقبال.. جلست "هالة" صامتة أمام أخيها، بينما كان يمضي أمامها جيئة و ذهابًا و هو يصيح بغضب متفاقم :


-طفشتي الراجل. هزأتيه. يعتبر كمان شتمتيه.. افيش كلمة قولناها إلا و عملتي عكسها !


و توقف في هذه اللحظة متطلعًا إليها يعنيان تقدحان شررًا و قال من بين أسنانه :


-إنتي خلاص عيارك فلت. لو فضلنا ساكتين عليكي هاتحفري قبورنا واحد واحد بس أنا مش هاسيبك ..


و لم يكد يتخذ خطوة واحدة نحوها، ليسمره صوت والده مكانه فجأة :


-صـــالح !


إستدار "صالح" نحو "رفعت" بوجهه ذي المحيا القاتم ...


كان "رفعت" يجلس مقابل إبنته، يسند مرفقيه إلى ذراعي الكرسي التركي الأثري، كان يتابع هدوء "هالة" بمثله.. إلى أن شاهد "صالح" و قد شارف على فقدان أعصابه


خرج عن صمته و أشار إليه حتى يجلس ...


على مضض شديد أطاعه "صالح" و جلس في محاذاته، بينما علا صوت "رفعت" بركازة :


-إنتي عايزة إيه يا هالة ؟


كانت و كأنها مبرمجة حالتها على السكون التام من البادئ، ما إن سمعت أبيها رفعت بصرها إليه ...


-نعم يا بابي !


رفعت بإبتسامة ملتوية :


-سألتك عايزة إيه يا روح بابي ؟


هالة بفتور : حضرتك عارف أنا عاوزة إيه.. بس عشان أختصر عليك عثمان خلاص مابقاش في دماغي. لكن جواز من إللي إسمه فادي ده مش هايحصل


صمت "رفعت" لبرهة مقيمًا كلماتها، ثم قال بهدوء :


-تمام. موضوع عثمان كويس خلصنا منه.. و طبعًا إنتي إستحالة ترجعي لمراد.. و قولتي مش هاتتجوزي فادي ؟


هالة بإصرار : No Way


أومأ "رفعت" قائلًا :


-أوكي يا حبيبتي.. طبعًا أنا مش ممكن أجبرك على إنسان إنتي مش عايزاه. طالما مش قبلاه خلاص مافيش جواز و هاقول لعثمان يبلغه الكلام ده


إلتمعت عيني "هالة" بإنتصار و جاهدت كي ما تخفي إبتسامة راضية، ليكمل "رفعت" بلهجة مشروطة قضت على فرحتها الوليدة :


-بس طالما مالكيش جواز يا هالة.. يبقى مالكيش حاجة تانية تخرجي عشانها من البيت ده


تلاشى إرتياح "هالة" كله في هذه اللحظة، و عبست محدقة بأبيها و هي تقول بتساؤل :


-يعني إيه الكلام ده يا بابي ؟!!!


رفعت بصرامة : يعني إنتي واحدة مطلقة يا روح بابي.. أخدتي شهادتك و إتجوزتي و سافرتي و بعدين إتطلقتي. و أنا راجل إسكدراني ماكملتش تعليمي أصلًا و مخي متربس زي جدك البحيري الكبير الله يرحمه. ماعنديش بنات تنزل تشتغل. و طالما رافضة تتستري في بيت راجل قابل وضعك ده يبقى هاتفضلي قاعدة معززة مكرمة في بيتك مش هاتتنقلي منه أبدًا. لا سفر و لا خروجات خلاص إنتهى


أفغرت الصدمة فاها و هي تحملق فيه بذهول ...


جربت أن تنظر بأخيها عسى يكون له رأيًا آخر، لكنها رأته يبتسم إليها بتشفٍ و كأنه على علم مسبق بحكم أبيها في حال رفضها


و هكذا وجدت "هالة" نفسها مجردة من كافة أسلحتها، و شل عقلها عن التفكير.. ورائها زيجة بغيضة إن قبلتها تحط من شأنها، و أمامها أبيها و أخيها يقفان لها بالمرصاد و يحددان مسار حياتها فس حلقة ركيدة


ماذا تفعل الآن ؟ ماذا تختار ؟!!!!!!!!! ....................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ....


#البارت قصير شوية عارفة و الله و غصب عني 💔


بس الإسبوع ده أيام النشر هاتكون فيه شبه يومية و الأحداث هاتكون أكتر هانعوض بإذن الله 🌹

( 14 )


_ هدنة ! _


هذه هبة لا يحظى بها أيّ شخص عادي.. و لعلها ليست هبة واحدة، لكن الأبرز الآن تتمثل بنعمة وجودها وسط عائلة مثل عائلتها


إنها بالطبع تكرههم جميعًا و تنفر منهم خاصةً بالآونة الأخيرة، لكنها لا تستطيع أن تجزم بأنهم يبادلونها نفس المشاعر.. بل هي تدرك تمامًا من أعماقها بأنهم يسعون لأجل مصلحتها


لكن أليس في طريقتهم ظلمًا كبيرًا لها ؟ حتى و لو كانت مخطئة منذ البداية !!!


اليوم هو المتمم _ بعد أشهر عدتها _ للمهلة التي طلبتها كي ما تستعد للزواج ...


ثلاثون يومًا بالتمام و الكمال، دون رؤية خطيبها أو حتى التحدث إليه و لو بمكالمة هاتفية.. ذاك كان شرطها، ألا يراها أو يسمع صوتها حتى يوم عقد القران


و كان لها ما طلبت، حقق لها أبيها رغبتها و جعلها تقضي الفترة الفائتة كلها في إستقضاء حوائج جهازها الجديد، و بما أن "فادي" لم يقبل بأن تساهم إلا بأغراضها الشخصية فقط، فلم تجد "هالة" شقاء بالقيام بهذه المهمة


بل أنها كانت بحاجة ماسة للخروج من هذا البيت مرة او مرتين على الأقل كل إسبوعًا، كانت تفيدها خلوتها مع نفسها و لو بضعة ساعات بعد كل الضغوطات التي مرت بها ...


كان فستانًا من اللون الأسود، بلا أكمام، ذي فتحة ساق جريئة، و مطرزًا بالآلئ الفاحمة.. كان معلقًا أمامها فوق "مانيكان" بمنتصف غرفتها


بينما كانت تجلس على حافة السرير و تتأمله و هي تضم ساقيها إلى صدرها ...


يتوقع الجميع أنها قد إختارت إطلالة بيضاء كحال أيّ عروس بمكانها حتى إذا كانت ستتزوج للمرة الثانية.. لكن لا ريب أنها ستخيب ليلة غد آمالهم، حين تطل عليهم بالأسود !


بزغت إبتسامة على ثغر "هالة"، و بدت لا تطيق صبرًا على رؤية ردود الأفعال المصدومة التي ستراها قريبًا ...


إنتفضت بخفة عندما سمعت فجأة قرعًا على باب الغرفة، قفزت من مكانها بلحظة و أسرعت نحو الـ"مانيكان".. أسدلت فوقه غطاء سميك و هي تصيح بشيء من التوتر :


-إدخـــل !


سمعت صوت "صفية" و هي تلج :


-صاحية يا هالة !


إستدارت "هالة" لها بعد أن تأكدت بأن الفستان موارى تمامًا.. إبتسمت لها و هي تقول بحيادية :


-صافي.. تعالي حبيبتي


-صباح الخير ! .. قالتها "صفية" برقتها المعهودة و هي تغلق الباب و تتجه نحوها


-بصراحة ماتوقعتش إنك تصحي بدري أوي كده. الساعة لسا 7 و نص.. بس قلت أجرب !


و توقفت على بعد قدم منها ...


هالة بلطف : يا قلبي حتى لو مش صاحية أصحالك إنتي بتقولي إيه يا صافي !


صفية و هي تضحك :


-ماشي يا ستي بالبكش ده متشكرة أوي .. ثم قالت و هي ترفع يدها لتريها تلك العلبة الصغيرة المغلفة بالقطيفة الأزرق :


-إتفضلي !


عبست "هالة" متسائلة :


-إيه دي يا صفية ؟


-دي يا حبيبتي شبكتك. صالح أخدها من فادي بقاله فترة بس بما إنك مضربة عن التعامل مع خطيبك و كده لحد يوم كتب الكتاب صالح قال يديهالك قبلها بشوية و تلبسيها و إنتي بتجهزي و كده قبل ما عريسك يجي


إبتسمت "هالة" و هي تقول بسخرية :


-هو كمان جايب شبكة ؟ ما شاء الله بجد طموح أوووي إللي إسمه فادي ده


صفية بإرتياب : هالة ! إحنا قولنا إيه يا حبيبتي ؟ الموضوع ده إتكلمنا فيه كلنا و إنتي وافقتي محدش غصبك. بتتكلمي على الراجل كده ليه دلوقتي ؟؟


-راجل ! .. علقت "هالة" و هي تطلق ضحكة مجلجلة لم تستطع كبحها


رمقتها "صفية" بنظرات حانقة، لتكف "هالة" عن هزأها بعد لحظات قصيرة حتى لا تثير حفيظة إبنة عمها أكثر من ذلك فتذهب لتخبر أخيها أو أبيها ...


-عمومًا أنا إستحالة ألبسها ! .. قالتها "هالة" و هي تلتقط العلبة من يدها


أخذت تلهو بها و تقلبها بين يديها أمام أنظار "صفية" المشدوهة، ثم قالت بنصف إبتسامة :


-عريس الهنا لما يجي بالسلامة. هو إللي لازم يلبسهالي


و تطلعت إليها قائلة بمكر :


-مش هي دي الأصول ؟!


___________________


كان يستطيع القبول تمامًا بدور المساعد الشخصي الذي عيّن فيه زوج أخته نفسه بنفسه.. بدا هذا غريبًا جدًا، غريبًا إلى حد غير معقول.. أن يصير فجأة تجانس من أيّ نوع بينهما


لكن بعد مضي كل تلك المدة في خصومة محتدمة، لم يرى "فادي" مانعًا من أن يستغل "عثمان" و لو لمرة في حياته لأجل مصلحته ...


لكنه لا يدري نوايا ذاك الأخير.. و إلى أين يصطحبه يا ترى !!!


-أنا صحيح وافقت أخرج معاك نتكلم بعيد عن البيت و الدوشة. بس ماظنش إني وافقت أتساق كده و أبقى عامل زي الأطرش في الزفة. ممكن أعرف إنت موديني على فين ؟!


هكذا أبدى "فادي" تذمرًا فجائيًا، بينما يبطئ "عثمان" من سرعة سيارته حتى أوقفها تمامًا و هو يتمتم :


-لو صبر القاتل على المقتول ! .. ثم إلتفت إليه قائلًا بهدوء :


-أكيد مش خاطفك يا باشا.. و بعدين إنت مستعجل أوي على الكلمتين إللي هاقولهم عن هالة هانم ؟ أحب أقولك إنها أتفه بكتير من الصورة إللي وصلتهالك عن نفسها و بكرة تكتشف بنفسك


فادي بإمتعاض : طيب ياريت تنجز عشان أنا خلقي ضيق أصلًا و وجودي معاك لوحدنا بيعصبني أكتر. إخلص و خلي اليوم ده يعدي هات إللي عندك


عثمان بإبتسامة مستفزة :


-أوي أوي.. هاقولك كل إللي محتاج تعرفه عنها طبعًا. يسلام إنت تؤمر.. بس بعد ما نخلص مشوارنا


فادي عابسًا بشدة :


-مشوار إيه ؟!!


أشار "عثمان" بذقنه له نحو بناية مجاورة لهما ...


نظر "فادي" حيث أشار صهره، مد رأسه عبر نافذة السيارة و رفع بصره قليلًا.. ليقرأ تلك اللافتة الكبيرة التي كتب عليها عنوان أكبر المراكز الطبية بالمدينة قاطبةً


أدار "فادي" رأسه صوب "عثمان" ثانيةً و قال بحذر لا يخلو من الجفاف :


-إيه يعني ده ! جايبني هنا أعمل إيه ؟؟


عثمان بنفس الإسلوب الهادئ :


-Simply جايبك هنا عشان تركب طرف أحدث من إللي معاك ده. إنت لازم تعرف يا فادي إن في أنواع أحسن بكتير تقدر تتحكم من خلالها في حركتك بمنتهى السهولة كأنك طبيعي و آ ...


-و مين قالك إني عايز أبدل الطرف بتاعي ؟!! .. قاطعه "فادي" بحدة شديدة، و تابع :


-أنا مبسوط و مرتاح كده كتر خيرك


يزفر "عثمان" بضيق، لكنه يتذرع بقليلًا من الصبر و هو يرد عليه بحليمية متكلفة :


-يا فادي إنت مش في موطن قوة يخليك تعند بالذات إنهاردة. إسمع كلامي أنا مش هاضرك


فادي بإنفعال : و أنا كنت إشتكيت لك !!


-أستفغر الله ! .. تمتم "عثمان" لنفسه بسأم


هو يعلم جيدًا بأن عليه أن يبذل مجهودًا مضنيًا حتى يصل إلى بغيته مع شقيق زوجته العنيد.. لكن يبدو أن "فادي" لا يدخر جهدًا لصد أيّ محاولة يقوم بها "عثمان"


لا يجب أن يسمح له بإفساد مخططاته على كل حال ...


-هو إحنا ماينفعش نكون أصدقاء ؟! .. تساءل "عثمان" و هو يعاود النظر إليه من جديد


ضحك "فادي" قائلًا بإستخفاف :


-و ده إيه الطلب العجيب ده ؟ إنت عارف كويس إن أنا و إنت مش ممكن نكون أصدقاء


أومأ "عثمان" له و قال :


-تمام.. بلاش أصدقاء. بس على الأقل نعمل هدنة بينا. مش عشان حد فينا. عشان إللي يخصونا يا فادي.. أختك مراتي و إبني هايكبر يقولك يا خالي. و إنت هاتتجوز بنت عمي. أنا عارف إنك مش هاتصفى من ناحيتي ببساطة. بس من فضلك تجاهل كل ده شوية بس عشان حياتنا كلنا ماتبقاش جحيم بدون أي سبب


قطب "فادي" جبينه ممعنًا التفكير بكلامه.. لم يستطع أن ينكر قدر صحته، و في نفس الوقت راقته فكرة الهدنة التي إقترحها زوج أخته.. فهو سيكون بحاجة إليه خاصةً بالفترة المقبلة، إذ لا يدري أيّ شخصية سيعامل.. عروسه الغامضة لا بد أن ورائها الكثير ...


-موافق ! .. هتف "فادي" بإقتضاب


عثمان مبتسمًا : حلو أوي.. دلوقتي بقى نطلع الـCenter نشوف موضوع الطرف الجديد بتاعك و بعدين نـ ...


-إستنى إستنى إستنى ! .. قاطعه "فادي" للمرة الثانية


-أنا قلت موافق على الهدنة بس ماقولتش موافق إني أقبل منك أي عطف أو إحسان. أنا راضي بإللي في إيدي و الحمد لله مش محتاج حاجة من حد خصوصًا إنت


تآفف "عثمان" قائلًا :


-يابني أنا مش حملك صدقني. مش ممكن يعتي هاقعد أصححلك كل حاجة أقصدها يا فادي. أولًا أنا مابحبش الكلام ده. ثانيًا أنا لا بعطف و لا بحسن عليك. لو كنت سبتني أكمل كلامي كنت عرفت إن بعد ما نخلص هنا هانطلع على شركة البحيري عشان نحطك في function مناسبة. إنت كده كده إللي هتختار


فادي بخشونة : و مين قالك أصلًا إني هاوافق على دي كمان ؟ إنت شايفني عاطل ؟ أنا بشتغل و معايا إللي يكفيني و يكفي بيتي


رفع "عثمان" حاجبه و قال بسخرية مبطنة :


-أظن موظف كاشير في hypermarket حاجة ماتلقش بيك يا بشمهندس. و لا إيه ؟


إتسعت عيني "فادي" بصدمة، ثم قال بغضب :


-إنت بتراقبني كمان ؟؟؟


عثمان و هو يشيح بيده :


-ماسمهاش مراقبة.. إسمه إهتمام. إنت دلوقتي فرد من عيلتي Want or not. و مصلحتك تهمني


فتح "فادي" فمه ليرد عليه... فإستبقه "عثمان" بلهجة أكثر لينًا :


-بص يا فادي أنا و الله مش بتحكم فيك. بالعكس أنا هاقدملك حرية الإختيار. هاتيجي معايا الشركة و تشوف المكان الأنسب ليك إللي هاتقدر تساهم فيه بقدراتك. هاتشتغل معانا و هاتجرب فترة لو الجو ماعجبكش ممكن تنسجب و صدقني مش هاتسخر أي حاجة. هاتكون زيك زيي و زي كل موظف في الشركة. كلنا Team work كلنا بنتشغل مع بعض. و بالنسبة للطرف الجديد اعتبره دين سدده من مرتبك لما تبدأ شغلك معانا.. ها. قلت إيه ؟؟


صمت "فادي".. و لم يرد عليه بعد ذلك، فقط إكتسح الوجوم وجهه.. فإبتسم "عثمان" قائلًا :


-أوك هاعتبر السكوت ده موافقة.. إستأذنك بس أنزل أعمل مكالمة صغيرة و أرجعلك علطول !


و ترجل "عثمان" من السيارة فورًا، أخرج هاتفه و إبتعد قليلًا بالقدر الكافٍ حتى لا يستمع "فادي" إلى مكالمته


أجرى الإتصال بزوجته و وضع الهاتف على أذنه منتظرًا.. ليأتي صوتها بأسرع مما توقع :


-حبيبي !


قفزت الإبتسامة على وجهه بلحظة و هو يرد عليها :


-إنتي كنتي مستنياني و لا إيه ؟ إيه السرعة دي ؟!


سمر بصوت متوتر :


-أنا قاعدة قلقانة أوي. طمني عامل إيه مع فادي ؟؟!!


طمأنها "عثمان" بثقة :


-ماتقلقيش يا بيبي كل حاجة تحت السيطرة.. أنا وعدتك إن كله هايبقى تمام. المهم بس قوليلي وضبتي كل حاجة ؟


-أيوة كل حاجة جاهزة تقريبًا. شنط هدومي أنا و ملك خلاص خلصوا فاضل بس العشا بتاع العرسان لسا هبدأ فيه عشان يكون كله جاهز على التسوية بكرة


-لالالا ماتعمليش حاجة. أنا هاوصي على أوردر كويس و هابعتهولك بكرة. إنتي بس جهزي نفسك و حضري شنطة صغيرة كده خدي فيها شوية هدوم ليكي تكفي خمستيام


بدا الحماس في صوتها و هي تسأله :


-ليه هانروح في حتة و لا إيه ؟؟؟


عثمان بإبتسامة : أيوة. عاملك مفاجأة هاتعجبك أوي


سمر مخمنة : في اليخت بتاعك مش كده ؟!!


-مش بالظبط.. بس وعد هاتتبسطي


-أوووكي.. هاعمل إللي إنت عايزه. يحيى جاي معانا صح ؟


عثمان بإستهجان : لأ طبعًا. إنتي هاتبقي مركزة معايا أنا و لا مع يحيى !!


ضحكت "سمر" و قالت :


-طيب خلاص. كان مجرد سؤال بس.. أنا طبعًا هاركز معاك كويس أوي ماتقلقش


-أوك. ماتنسيش حاجة بقى. بعد كتب الكتاب هانتحرك علطول.. يلا. باي يا بيبي !


و أغلق الخط


إستدار ليجد "فادي" لا يزال ينتظر بالسيارة و يبدو إنه مستغرقًا في تفكير عميق.. إلتوى فم "عثمان" بإبتسامة متفاخرة، إذ كان مزهوًا بنفسه و قدرته على تحقيق كل هذه الإنتصارات ...


-بروفيسور يابن البحيري بروفيسور ! .. تمتم "عثمان" لنفسه و هو يشق طريقه عائدًا ليستكمل رحلته مع شقيق زوجته


______________


في قصر "البحيري" ...


إنها الليلة الموعودة.. و قد كان كل شيء جاهزًا، على الرغم من بساطة الحفل.. حيث أنه يقتصر على العائلة و المقربين فقط


إلا أن السيدة "فريال" بنفسها هي التي أشرفت على التجهيزات، و أصرت أن يبدو الزفاف حقيقيًا و مبهجًا، بنظرها كان ذلك التعويض الوحيد الذي تستحقه "هالة" و تستطيع هي تقديمه لها ...


كانت الزهور البيضاء تزين قاعة الصالون الفخم، و غصون الخزام التي تلتف حولها الرياحين الصغيرة تتدلي من السقف و تشيع رائحة شذية تنعش القلوب.. على الطرف الآخر يضع كبير الخدم اللمسات الأخيرة على مائدة الطعام المفتخرة


وقفت "فريال" إلى جواره تتابعه و هي تحمل الصغير "يحيى" على ذراعها، بينما يجلس "رفعت" في الجهة الأخرى مع المأذون و بعض الأصدقاء، كانت أصداء ضحكاتهم تتردد بصخب حيث كان الرجل ذي العمامة و القفطان خفيف الظل مرحًا إلى أقصى حد


حتى "عثمان" الذي كان يقف متأنقًا بحلة سوداء ثمينة، و متكئًا من الخلف على الكرسي الذي يجلس إليه عمه.. لم يستطع منع ضحكاته على دعابات المأذون و قصص مغامراته العديدة خلال مسيرة عمله الطويلة ...


لم يقاطع كل هذا المرح سوى صوت السيارة التي أرسلها "عثمان" لتقل زوجته و أسرتها من ليتهم إلى هنا... إعتذر من الحضور و ولىّ خارجًا بسرعة ليستقبلهم


بضعة دقائق قليلة و عاد بهم.. كانت زوجته تتأبط ذراعه من ناحية، و من ناحية أخرى تتأبط ذراع أخيها السليمة


و كانت "ملك" تمسك بيد الشخص المفضل إليها على الإطلاق.. و هو زوج أختها، لم تترك يده لحظة، بينما تقبل "فريال" عليهم و هي تهتف بحفاوة :


-أهلًا أهلًا أهلًا.. إيه الجمال ده كله يا حبايبي. ما شاء الله منورين !


و بالواقع أنها لم تكن تنظر إلا لزوجة إبنها.. حيث كانت مبهورة بها كليًا و هي قريبة من زوجها إلى هذا الحد، و ترتدي ذلك الفستان الوردي اللامع، كان فضفاضًا بحزام ضيق فقط حول الخصر فضي اللون، و وشاح رأسها عصريًا يظهر رقبتها و جزء بسيط ظهر من شعرها رغمًا عنها.. أما مساحيق التجميل لم تكن مبالغة، فقط كانت تضع القليل من حمرة الشفاه و الخدين، و محدد للعيون أبرز سعة عينيها و لونهما الأخضر الصافي الجميل ...


أخيرًا، ألقت نظرة على أخيها، صهر العائلة الجديد


لتجده يرتدي بذلة بسيطة و ثمينة في آن زرقاء اللون.. كان متواضعًا بتفاصيله كالمرة السابقة و أنيقًا، فإستشفت من ذلك بأن ذوقه يتشابه مع ذوق إبنها نوعًا ما.. و ربما شخصياتيهما أيضًا.. كما ترى !!!


صافحت "فريال" الأخوة الثلاث و رحبت بهم كثيرًا، إنضم إليها كلًا من "رفعت" و "صالح" و "صفية".. قاموا بدعوتهم إلى الداخل، و تطوع "صالح" ليذهب و يحضر شقيقته


كان الموقف متوترً في البادئ خاصةً على "فادي" الذي جلس متصلبًا يدعي الثقة و الثبات بين حفنة الأثرياء المتغطرسين هؤلاء.. لكنه سرعان ما إسترخى مخبرًا نفسه بأن يأخذ الأمور ببساطة أكثر من هذا


و لكن تظهر العروس فجأة.. مشتتة مرح الأجواء، معيدة التوتر إلى عريسها و مضيفة عليه لمحة غضب، و في الحقيقة لم يكن وحده الذي ذهل و غضب، حتى أخيها الذي سار بها تجاههم بدا عليه العبوس و الحنق الشديد ...


تركزت الأنظار حول "هالة" في هذه اللحظات... الجميع يرمقها بنظرات غير مصدقة، بينما مشت غير مبالية و هي تختال بفستانها الأسود الذي ناقض لون طلاء الشفاه الـ"فوشيا" الذي وضعته، و تسريحة شعرها الغجرية المثيرة


كانت راضية تمامًا عن كافة الإنطباعات التي أثارتها على الحضور، و خاصةً إبن عمها و خطيبها المزعوم، أخذت تنقل نظراتها بين الإثنان و إبتسامة ساخرة تزين ثغرها المغرٍ ...


لم يستطع أحد التفوه بكلمة رغم هذا، كمت أفواه الجميع و جلسوا في صمت مكهرب.. "هالة" إتخذت مكان أبيها فبقيت على حدة


ليجاور كلًا من "فادي" و "رفعت" الشيخ المأذون فوق الآريكة الصغيرة من الجانبين ...


و بعد الخطبة المعتادة في كل زيجة، قدم المأذون دفتر التوقيع للشهود أولًا فكان من ضمنهم "عثمان"، ثم للعروسين.. وضع "فادي" إمضائه فكاد الورق يثقب من فرط ضغطه على القلم


أخذ "رفعت" الدفتر و قربه من إبنته و أعطاها القلم.. و لكن قبل أن تمسك به دوى ذلك الصياح الذي تعرفه و يعرفه أغلب الحاضرين جيدًا ...


-مبـــرووووووووك يـا عـرووسة. يا ترى الكتاب إتكتب و لا لســـا !!!!!!!! .................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبـــع ...

( 15 )


_ إلى البر الثاني ! _


جمد المشهد كله للحظة.. عندما إنبعث ذلك الصوت الهادر من الخلف، لتتصوّب نظرات الجميع نحو المصدر تاليًا، و يا لها من مفاجأة مذهلة


فذاك الدخيل الذي لا ينذر ظهوره المباغت بخير بتاتًا لم يكن سوى "مراد".. الزوج السابق للعروس !!!


أطلق "عثمان" سبة خفيضة و هو يهب واقفًا من مكانه، إنطلق بسرعة صوب صديقه الذي شاهده مقبلًا تجاه جلسة عقد القران مباشرةً بخطى حثيثة و عيناه تقدحان شرارات ملتهبة ...


-إستنى بس يا مراد رايح فين ؟ .. غمغم "عثمان" و هو يعترض طريق "مراد" ممسكًا إياه بكتفيه بقوة


دفعه "مراد" في صدره بعنف لم يبعده عنه إلا بمقدار خطوة واحدة، ثم صاح بغضب شديد :


-إوووعـــى يا و×× من قدامي.. إياك تقرب مني !


ينضم "صالح" إلى إبن عمه قبل أن يرتد إليه طرفه، أراد الحؤول بينه و بين ذاك الهائج كالثور العتي و التصدي إليه


إلا أن "عثمان" أشار له بذراعه ليظل واقفًا ورائه، ثم نظر إلى "مراد" ثانيةً، و رفع كفاه بحركة مسالمة و هو يقول بلطف حذر :


-طيب حاضر مش هاجي جمبك. بس إهدا. إهدا يا مراد و لو عايز تتكلم تعالى نطلع أنا و إنت برا و قول كل إللي إنت عايزه ..


قهقه "مراد" بخشونة و قال :


-نتكلم برا ؟ إنت بتهزر يا عثمان صح ؟ إنت فاكرني جاي لحد هنا عشان أتكلم معاك إنت أصلًا ؟ لا يا صاحبي.. أنا جاي عشان أتكلم قصاد كـل دول. و جرب تمنعني أو تقاطعني. هاقلبلك الفرح ده عزا وقتي


ضغط "عثمان" على شفتيه مطلقًا زفيرًا نزقًا عبر فتحتي أنفه.. لم يتخلى عن وقفته المتآهبة عندما مد "مراد" رأسه و أمالها قليلًا حتى يتسنى له رؤية الجميع بالخلف


مرر ناظريه فوق الوجوه الشاحبة و هو يهتف بسخرية قاسية :


-مساء الخير يا محترمين. إعذروني طبعًا إني طبيت عليكوا زي القضا كده و بوظت اللحظة السعيدة. بس ده كان واجب عليا و لازم أعمله عشان مافيش أي حد يتخدع زي ما إتخدعت سيادتي و أتلعب بيا !


-مــراد !!! .. تمتم "عثمان" بلهجة تحذيرية


نظر "مراد" له مبتسمًا بشر لم يعرف طريقه إليه أبدًا إلا الآن و قال :


-إيه يا صاحبي ؟ مال وشك قلب كده ليه ؟ إنت خايف من إللي هاقوله مش واثق في نفسك و لا إيه ؟!!!


غمغم "عثمان" عبر أسنانه بغلظة مستوحشة :


-متحاولش تلوم حد هنا غير نفسك. محدش قالك طلقها.. إنت إللي مقدرتش تسيطر عليها !


مراد و هو يضحك بتهكم :


-طيب و ليه موطي صوتك أوي كده ؟ أعلى شوية وحياتك. عشان العريس يستفاد من النصيحة و مايغلطش غلطتي


صعدت الدماء إلى وجه "عثمان" و قد إستعد للخطوة التالية رغم أن هذا التصرف أخر ما أراد التعامل به مع صديقه اللدود، و لكن يتحتم عليه أن يحافظ على ماء وجه العائلة مهما كلف الأمر ...


شد "عثمان" على قبضة يده بقوة في إنتظار ما سوف ينبثق من فم ذلك الأحمق.. بينما يرفع "مراد" بصره نحو "هالة" أخيرًا !


إشتبكت نظراتهما في هذه اللحظة تمامًا، و قرأ على وجهها ذاك التعبير الخبيث الموارى خلف إبتسامة هادئة و عينان غدارتان ...


و كأنه قد نسى سبب وجوده، و تلك الكلمات التي حضرها جيدًا ليفضح طليقته و صديق عمره.. رغم إرادته إغرورقت عيناه بدموع الحقد و الغضب و هو يتفرس فيها كضاري يتوق للإنقضاض على طريدته


لكنه بعد كل هذا لم يستطع إلا أن يقول بصوت آجش يختلج إنفعالًا :


-إنتي.. إنتي كنتي غلطة عمري. خدعتيني و عرفتي تمثلي عليا صح. لحد آخر لحظة في حياتنا مع بعض كنتي أشطر ممثلة.. حتى عثمان نفسه مايجيش جمبك حاجة


و ضحك بقساوة مكملًا :


-بس تصدقي ! إنتوا لايقين على بعض أوي. كان لازم تكونوا لبعض من البداية زي ما كان نفسك و هاتموتي عليه ..


تعالت بعض الهمهمات بعد أن تفوه بتلك التصريحات المخزية... كانت "سمر" أول من صعقها هذا الكلام، و أخذت تحملق مصدومة في زوجها تنتظر ردة فعله


على الطرف الآخر.. لم يبدي "فادي" أيّ تأثر، بل بقي هادئًا للغاية و متريثًا حتى نهاية المشهد الدرامي برمته ...


كاد "عثمان" أن يفقد أعصابه في هذه اللحظة و يتهور على صديقه، لولا تدخل "رفعت" بالوقت المناسب و هو يصيح بصوت صارم :


-كفـــايـة.. كله يلزم حدوده هنا !


و قطع المسافة تجاه مثلث العدوان ذاك.. وقف بينهم معلنًا بصوت قاطع لا يقبل المجادلة من بعده :


-مراد ! الموضوع منتهي من زمان. إنت كنت جوز بنتي و خلاص طلقتها بالتلاتة و عدتها خلصت و الليلة دي كتب كتابها على راجل تاني.. إحنا فعلًا بنعتبرك واحد من العيلة منغير أي حاجة. بس أظن وجودك هنا دلوقتي بالذات مش مرحب ييه.. ف ياريت تتفضل تمشي لو سمحت. تقدر تشرفنا في أي وقت بعدين. هانكون سعدا جدًا بإستقبالك


لم تبرح الإبتسامة المائلة الساخرة ثغر "مراد" و هو يستمع إلى خطاب الرأس الأكبر لعائلة "البحيري"... لكنه أظهر عدم إكتراث به و تطلع أمامه إلى الجميع و هو يقول بهدوء :


-أنا شايف Obviously إني إتفهمت غلط.. أنا مش جاي أبوظ الليلة يا جماعة. الكلمتين إللي قولتهم أدوا الغرض. و عمومًا مسألة إنتقامي لكرامتي و رجولتي من واحدة كانت في يوم من الأيام مراتي في نظري ماتستحقش ..


و نظر إلى "هالة" من جديد مضيفًا :


-ماتستحقش أقضي يوم واحد في السجن بسببها !


ران الصمت لبرهة أخرى.. ألقى "مراد" نظرة شمولية أخيرة على الحضور، ثم قال بلهجة مزدرية :


-Have a good night, and congratulate you 

on a happy marriage!


و إستدار موليًا إلى الخارج و دمائه تغلي بعروقه، و على عكس قناع البرود الذي رسمه أمامهم في الأخير بإتقان كان في أقصى حالات الغضب و هو يتمتم لنفسه متوعدًا :


-لسا ماخصلناش يا عثمان إنت و هالة.. و ربي و ربكوا لسا ماخصلناش. هادمركوا !!!


كان "عثمان" يقف بمكانه يراقب رحيله، ما إن توارى عن ناظريه حتى إلتفت و صاح بإبتسامته الجذابة اللطيفة :


-كالعادة مافيش جواز بيكمل منغير شوية Melodrama .. بليز نكمل إحتفالنا. و لا كأن حاجة حصلت !


_____________


داخل شقة في أرقى ضاحية من ضواحي المدينة العريقة الجميلة.. عروس البحر الأبيض المتوسط.. _ الأسكندرية _ ...


كانت قد ملأت حوض الإستحمام المطل على شرفة داخلية بقاعة الحمام الفاخرة، مصنوعة من الزجاج المنيع المعتم، و الذي يتيح الرؤية لمن بالداخل أما الذي بالخارج فلا


أمسكت بروموت كنترول صغير و ضغطت زر معين، ليرتفع الستار الذي غطى الزجاج مبرزًا المشهد الساحر على الإطلاق، بحر ثائرة أمواجه، أسفل سماء أكتوبر المعتمة ذات السحب الرمادية المتفرقة.. و القمر يتآوج عليائه ملقيًا بنوره الشحيح فوق رؤوس النجوم المتلألئة من حوله ...


جلست بالحوض على مهل بعد أن أضافت للماء السوائل العطرة الثمينة، و التي سببت رغوة كثيفة أخفت جسمها الناري الذي شكلته سنوات نموها الأنثوي الأخيرة و حولته لشيء مثير حد اللعنة


أمسكت بكأس الشراب البارد الذي تركته خلفها بجوار طبق من المكسرات و الفواكه المجففة.. أخذت تتجرعه على مراحل و هي تأكل من الطبق أطايب ما فيه


تسمع قرعًا على باب الحمام، فتسمح بالدخول دون تلقي بالًا بمن ورائه ...


دلفت فتاة عشرينية، على قدر بسيط من الجمال، لكن عيناها كانتا شديدتي الجاذبية بلونهما العنبري المتألق


أغلقت الباب خلفها، و مشت نحو صديقتها و هي تلوح بهاتفها صائحة :


-الخبر لسا جاي Fresh يا نانو. هالة البحيري إتجوزت فادي حفظي.. و مراد كان هناك !


تطلق "نانسي" ضحكة مغناجة، ثم تنظر إلى صديقتها قائلة بصوتها العذب الموسيقي :


-وااااو.. Sure, it was epic. كان نفسي أشوف وش عثمان حقيقي يا لينا


إنحنت "لينا" صوبها لتريها شاشة الهاتف المضاء بصورة حصرية للحدث، و تمتمت بخبث :


-ماينفعش نانو يبقى نفسها في حاجة و ماتحصلش ..


إسترعت الصورة إنتباه "نانسي" بشدة، فأخذت الهاتف من يد "لينا" و هي تمعن النظر باللقطة التي ضمت "عثمان البحيري" بزوجته داخل سيارته قبل أن يتحرك بها مغادرًا قصر العائلة ...


-هو كده رايح فين ؟ .. تساءلت "نانسي" بإهتمام دون أن تصرف بصرها عن الصورة


لينا و هي تهز كتفيها :


-لسا محددناش بس إللي صور نط في عربيته و زمانه ماشي وراهم.. أكيد هايجبلنا المفيد


أومأت "نانسي" لها، ثم أعادت لها الهاتف و إسترخت من جديد وسط مويجات الحوض الدافئة ...


-تحبي نعمل إيه دلوقتي ؟ Next step هاتكون إيه ؟!


نانسي بفتور : أهم حاجة دلوقتي تعرفيلي خط سيره و المكان إللي رايحه. مش معقول يبقى لسا متلايم على حبيبة القلب و يهرب في ليليتها كده. إلا لو كان ضروري


لينا بطاعة عمياء :


-هاجبلك كل التفاصيل


نظرت "نانسي" لها و قالت بعد وهلة من التفكير :


-و ممكن تكلمي رفعت البحيري كمان


لينا و هي ترفع حاجبها :


-تاني هاتقبلي الراجل المدلوق ده ؟!!


ضحكت "نانسي" قائلة :


-ما دلقته دي في مصلحتي.. كده لعبتي هاتكون أسهل بكتير


لينا بريبة : إنتي ناوية على إيه نانسي ؟؟


تنفست "نانسي" بعمق و أفرغت كأس الشراب كله بجوفها، ثم زفرت بقوة آملة بتخفيف وخزات الكحول بفمها و حنجرتها ...


شردت بأفكارها بالماضي و هي ترد على "لينا" في نفس الوقت :


-ناوية أكرر إللي حصل.. بنفس إسلوب عثمان البحيري. هاجيب حق أبويا و أختي


لينا بحذر : باباكي مش هايبقى مبسوط في تربته لو شافك بتخسري نفسك الخسارة دي حتى لو عشان تنتقمي له


رشقتها "نانسي" بنظرة متآججة و زمجرت من بين أسنانها :


-أبويا مات عشان خسر سمعته يوم ما الـCD بتاع چيچي إتسرب و إتفضحنا كلنا. سمعة رشاد الحداد و بناته Already بقت في الأرض. و أنا عندي فرصة أرد القلم و تبقى عيلة قصاد عيلة


لينا بضيق : فرصة إيه بس ؟ إنتي بتقربي أوي و بتفاجئيني بأفكارك.. إنتي متخيلة عثماااان لو شافك مش هايعرفك يعني !


نانسي بإبتسامة ملتوية :


-كنت صغيرة شوية لما سافرت بعد طلاق چيچي. و ماكنتش بشوف حد منهم كتير أصلًا و لا بروح عندهم.. شكلي أيامها كان عادي و كنت Babyface. إنما دلوقتي زي ما إنتي شايفة كبرت و بقيت Lady.. و آه حتى عثمان لو شافني مش هايعرفني. و بعدين الأهم من عثمان دلوقتي هو عمه.. أخلص معاه و بعد كده الغالي ياخد دوره


-على فكرة إنتي كده مش صح ! .. قالتها "لينا" بعدم رضا


مطت "نانسي" فمها و قالت بلامبالاة :


-مش مهم أبقى صح.. المهم إللي في دماغي يحصل. و بأي تمن !


______________


ظلا صامتين... من بداية الطريق، بعد أن وضعا حقائب الملابس بصندوق السيارة الخلفي و إستقلا منطلقين إلى الوجهة السرية


لم ينبس كلاهما ببنت شفة ..


حتى قررت "سمر" قطع الصمت أخيرًا و إثارة تلك الأجواء المتوترة ...


-هو صحيح إللي مراد قاله ده ؟! .. قالتها "سمر" بلهجة متسائلة هادئة


أشاح "عثمان" ناظريه عن الطريق لحظة ليرمقها بنظرة غامضة، فتابعت :


-هالة كانت بتحبك ؟!


لم يرد "عثمان" فورًا مما رسخ الشك بداخلها أكثر و هي تنظر إليه منتظرة دفاعه عن نفسه، لكنها كتمت أنفاسها عندما سمعت صوته القوي و هي تحدق فيه عبر الظلام :


-إنتي عارفة مراد مجروح أد إيه. و أكيد الكلام إللي قاله ده مايتحاسبش عليه لأنه ببساطة ماكنش في وعيه


سمر بجدية : بس مافيش دخان منغير نار. مش ممكن يقول كده لو ماكنش شاف أو لاحظ حاجة. و بعدين أنا كمان لاحظت كذا مرة نظراتها ليك و طريقة كلامها معاك !


عثمان بضيق : إنتي لاحظتي ده عليها تمام.. لكن يا ترى شوفتي عليا أنا حاجة ؟


-لأ ! .. تمتمت "سمر" و هي تهز رأسها للجانبين


لا يجوز أن تكذب.. فهي بالفعل لم ترى زوجها يتجاوب مع أيّ تلميح أو تصرف مريب تقوم به إبنة عمه ...


تنهد "عثمان" و قال ببرود :


-بصي يا بيبي عشان أريحك.. هالة فعلًا كانت عندها مشاعر من ناحيتي و من زمان أوي. من قبل ما أروح الجامعة. أو على الأقل من وقتها أنا بدأت ألاحظ عليها كده مش عارف لاحظت متأخر و لا لأ بصراحة. بس عايز أقولك إن عمري ما أديتها إهتمام و لا أمل في أي صلة تربط بيني و بينها غير صلة الدم و علاقة الأخوة بس.. أنا طول عمري بعتبرها زي صافي يعني مافيش حاجة تقلقك. و على فكرة تقدري تسألي ماما عشان تطمني. هي عارفة القصة كلها


سمر بإهتمام : طيب إنت ليه مافكرتش فيها ؟ مع إنها بنت ظريفة و جميلة و فوق كده بنت عمك !


أكد "عثمان" لها ثانيةً :


-عمري ما شوفت هالة غير أخت ليا يا سمر.. رغم إني موافق على إللي قولتيه إنها بنت ظريفة و جميلة. لأ و كمان لو كنت إرتبط بيها جايز كانت علاقتنا تنجح. لكن أنا ماكنتش قادر أتقبل الفكرة ببساطة. ماحبتهاش.. عشان كده كنت دايمًا بقول و لسا بقول ماكناش هاننفع لبعض. كانت هاتستحملني عشان بتحبني. لكن أنا ماكنتش هابقى مرتاح معاها


عقدت "سمر" حاجبيها و هي تقول بإستنكار :


-و لما إنت متأكد أوي إنها بتحبك بالشكل ده.. ليه ماقولتليش قبل ما فادي يتقدملها ؟!!


عثمان بإستغراب : مش فاهم كان هايفرق في إيه إذا كنت قلت و لا لأ ؟ بقولك مافيش حاجة أصلًا هانضخم الموضوع على الفاضي يعني و لا إيه !


سمر بحدة : صاحبك عايرها الليلة دي بالحقيقة دي.. الله أعلم أكتشفها إزاي أو هي ممكن تكون قالتله و كانت فاكرة إن الموضوع هايعدي بسهولة.. لكن إنت ماتعرفش فادي ممكن يتصرف إزاي. بالذات لما تكون حاجة تخصك. و دي بقت مراته


نظر لها "عثمان" و قال مبتسمًا :


-عارف.. و عز الطلب !


حدقت فيه بدهشة، فضحك قائلًا :


-جرى إيه يا بيبي. هانفضل طول الليل نتكلم عن أخوكي و بنت عمي ؟ إفصلي شوية. ده أنا هربان بيكي بمعجزة.. مش عايزين حاجة تعكر مودنا خالص اليومين دول


و إنتبهت "سمر" إلى توقف السيارة.. أخذت تنظر حولها بفضول، لترى مرفأ الإسكندرية الذي يكنف مئات السفن و اليخوت و تستمع إلى الأمواج المتلاطمة في هدوة الليل الساكن ...


-رحلة للبر التاني !


إلتفتت "سمر" إليه عندما سمعت صوته الهامس ...


إبتسم "عثمان" و هو يلوح لها بتأشيرتي سفر زرقاوتان و قال :


-جزيرة سانتوريني.. اليونان قدامنا بالظبط. بكرة الصبح هانكون على البر التاني !


______________


كانت المنطقة الشعبية هادئة و ساكنة أثناء عبور السيارة الفاخرة وسط البيوت المتواضعة والعمائر المستحدثة أيضًا ...


أشار "فادي" للسائق حتى ينعطف بالسيارة لتهبط عروسه من الجهة الأخرى، إذ كانت المقهى لا تزال مفتوحة على مقربة منهم و هو لا يريد أن تنال أعين رجال الحارة و غيرهم من جسم زوجته نصف العاري


لا ريب أنه سوف يصلح هذا، فيما بعد لن يضطر للتحايل على الظروف بهذه الطريقة.. فقط يمر هذا الآن ...


و هكذا صعدا بسلام إلى الشقة، و قد جعل "هالة" تتقدمه، كان يرشدها بصوته الآمر المقتضب.. حتى وصلا عند الطابق المنشود، جمدها قائلًا :


-أستني هنا.. وسعي شوية !


و أفسحت له قليلًا ليتقدم و يفتح باب الشقة بمفتاحه الخاص، و إستطاعت أن ترى بأنه كان يعتمد قليلًا على ذراعه الإصطناعية فملأها الذهول


ليلتوي فمه بإبتسامة ساخرة و كأنه رآى وجهها و سمع أفكارها ...


تنحى جانبًا عندما فتح الباب و دعاها للدخول بكياسة :


-إتفصلي !


أجفلت "هالة" و هي ترفع وجهها مستطلعة المكان من الداخل بنظرة مبدئية.. تنهدت بعمق لتهدئ أعصابها، ثم مدت ساقها و مرت من جانبه متسلحة بآنفتها و كبريائها الأرستقراطي المتوارث ...


أغلق "فادي" الباب من خلفهما، بينما تشمل "هالة" البيت الذي صار مقدرًا لها أن تمكث فيه من الآن فصاعدًا


كان أدنى من المتواضع، بل حقيرًا بنظرها، حتى لم يرتقي لمستوى توقعها.. رغم أنه فرش بديكورات حديثة و ثمينة


على كل حال لم يخيب أملها، هذا ما تخيلته تقريبًا ...


-نورتي بيتك يا عروسة !


أفاقت "هالة" من تآملاتها على صوت "فادي" ...


إلتفتت إليه بتعبيرها المتعالٍ، رمقته بنظرة مستخفة و قالت بصوتها الرقبق :


-Thanks.. ممكن بليز تشاورلي على الأوضة إللي هنام فيها ؟

I am very tired و محتاجة أنام


قطع "فادي" المسافة بينهما وئيدًا و هو يقول بصوت متزن :


-طبعًا.. الأوضة إللي على شمالك دي هي أوضة نومنا. كنت متوقع أنك عاوزة تتعشي الأول. بس طالما مرهقة زي ما بتقولي يبقى خلاص.. ننام أكيد. هانعمل إيه تاني يعني في ليلة زي دي !


إزدردت "هالة" ريقها بشيء من التوتر و قالت بجمود :


-لأ إنت فهمت إيه ؟ أنا كلامي كان واضح.. قلت الأوضة إللي هنام فيها. لوحدي !


فادي بهدوء : مافيش لوحدك يا مانجا. و بالذات الليلة دي. ده حتى يبقى عيب عليا


-مانجا !! .. علقت "هالة" بصدمة، و أكملت بإزدراء شديد :


-بص يا فادي. بليز ماتستخفش دمك عليا دلوقتي أنا بجد مش فايقالك.. قولتلك تعبانة و عايزة أنام و Absolutely مش هاكون مرتاحة لو كنت معايا في أوضة واحدة.. عن إذنك !


و إستدارت عنه... لكنها لم تكد تبتعد خطوة، لتجد قبضته تطوق رسغها بقوة آلمتها


شهقت و جحظت عيناها حين شدها نحوه بعنف ..


كانت لتسقط لولا أن ثنى ذراعها و ألصقه بظهرها و هو يطوقها بنفس الوقت، فشعرت بصدره يضغط على صدرها الخافق بقوة، كل هذا أتمه بذراعه السليمة


تسارعت أنفاسها و هي تنظر إليه مدهوشة من قوته و عنفوانه هذا.. لم تكن تتخيل أن يكون بذلك الجبروت حتى و هو في أسوأ ظروفه، و إزداد خوفها المبطن منه أكثر، لكنها حاولت جاهدة أن تخفيه


كان "فادي" يخفض رأسه و هو ينظر لها عابسًا بشدة، تجاهل أنينها المتألم و قال بصوت خافت خطير :


-لو كنتي بنت.. آنسة يعني. جايز كنت عذرتك أو ترجمت تصرفك للمعنى المفهوم في الحالات دي. لكن لا مؤاخذة إنتي واحدة ست. و أنا جوزك و الليلة دي دخلتنا.. و أنا بصراحة كده مش ناوي أقضي ليلة دخلتي حاضن المخدة بدل مراتي


تخضبت وجنتاها بحمرة ملتهبة و قالت بإضطراب شديد :


-إنت لازم يبقى عندك sense و ذوق أكتر من كده. إحنا لسا مش متعودين على بعض و إنت ببساطة عايز ...


و بترت عبارتها و قد شعرت بأن أعصابها سوف تنهار.. ليرد "فادي" عليها مصممًا :


-أيوة عايز.. ده حقي. و مش مشكلتي إنك مش متعودة عليا ده كان طلبك ماتنسيش. إنتي إللي شرطتي نكون بعيد عن بعض طول فترة الخطوبة.. أنا نفذتلك شرطك. و إنتي هاتنفذي آوامري دلوقتي. بالعدل و الإنصاف و أنا مش ظالمك


و تركها فجأة مستطردًا بصرامة :


-إتفضلي.. إدخلي غيري هدومك. قدامك 10 دقايق تحضري فيهم نفسك لإستقبالي.. و على فكرة الأوض ملهاش مفاتيح و لا ترابيس !


شحبت "هالة" مرة واحدة و هي تستمع إلى ما يمليه عليها.. لقد حاصرها من كافة الجهات، إنها ملكه الآن، و هو يطالب بما يملكه


هي التي وافقت على الزواج.. فماذا كانت تتوقع ؟ إنه رجل و هي زوجته الأولى و تجربته الأولى.. بينما يكون نصيبها الثاني و تجربتها الثانية


ترى من سيفوز في تلك المفاضلة هو أم "مراد" ؟ و هل سيجعلها تندم و تعترف بالأثم الشنيع الذي إقترفته بحق طليقها و تمردها على حياتها الرتيبة الهانئة ؟؟؟؟


بئس الحظ الذي أوقعها في كل هذا !!!!!!!! ................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...

تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close